تعاون الجميع لمصلحة الجميع ... فكرة حان وقتها

"تعاون الجميع لمصلحة الجميع" فكرة حان وقتها، في وقت تشهد الأرض أزمات مناخية وتطورات تكنولوجية قد تطيح الجنس البشري، وبعدما سادت لوقت طويل نظرية هوبز (حرب الكل ضد الكل).

  • هل يدعم القانوني الأميركي الدبلوماسية العلمية؟ (أرشيف).
    هل يدعم القانوني الأميركي الدبلوماسية العلمية؟ (أرشيف).

شهد العالم في السنوات الأخيرة أحداثاً شكّلت منعطفاً خطيراً في طبيعة الصراعات والمواجهات، منها الحرب الروسية – الأوكرانية، إذ تم توظيف العلوم والتكنولوجيا وتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم عن بعد في الحرب الجارية، وباتت الساحة العلمية والتكنولوجية هي سيدة الموقف، ولم يعد تذكر القيادة والخبرة الانضباطية للعسكر ولا الشجاعة والإقدام للجنود، وغابت الأخلاق والمسؤولية الإنسانية في خضم حروب الآلات، إذ يتراشق الطرفان الصواريخ الذكية والطائرات المسيرة. 

والشرق الأوسط ليس ببعيد، فكانت أحداث 7 أكتوبر استمراراً لتلك الحروب الهجينة عبر الطائرات المسيرة وتفجيرات البيجر والتجسس، وكما حصل أيضاً في سياق حرب الأيام الـ12 بین إیران والكيان الصهيوني، يتضح أن التوظيف السيئ للعلوم والتكنولوجيا وحرب الآلات الحديدية في الحروب يبرز بقوة في القرن الحادي والعشرين، ويفرض معادلة جديدة في قياس قوة الدولة.

سبق أن صدر لي كتاب بعنوان "الدبلوماسية العلمية من وادي الرافدين إلى وادي السيليكون" في طبعته الأولى عام 2023. وقد أشرت فيه إلى ضرورة تعاون الجميع لمصلحة الجميع من خلال توظيف العلم والتكنولوجيا للتصدي للتحديات العالمية والابتعاد قدر الإمكان عن استعمال التفوق العلمي لفرض الهيمنة وزيادة التنافس والتناحر العسكري، وأشرت في الوقت ذاته إلى إدراك الدول أهمية دمج العلوم والتكنولوجيا في الأشطة الخارجية للدول، إذ إن أهمية العلوم تزداد في عالم الغد العالمي، ما يستدعي من الدبلوماسيين إتقان لغة العلوم، مثلما يفعل الآخرون، مجدداً مسار دعوة العالمين برتراند راسل وألبرت أينشتاين عام 1955 إلى التصدي للتهديد الذي يمثله ظهور الأسلحة النووية وإيجاد حلول لتهديدات الأمن العالم.

وقد اقترحت في كتابي إيجاد مسار لتشريع ومأسسة "الدبلوماسية العلمية كأستراتيجيات وطنية تنسجم مع حجم المخاطر في عالمنا المترابط، من خلال إعادة هيكلة وزارات الخارجية واستحداث مكاتب ودوائر علمية في تلك المؤسسات الدبلوماسية ليكون العاملون في تلك المكاتب والأقسام علماء دبلوماسيين قادرين على إسكات طنين المسيرات والصواريخ الفرط الصوتية من خلال علومهم في جعلها كومة حديد جاثمة على الأرض بلا نفع، فهم وحدهم قادرون على ذلك. 

القانوني الأميركي لدعم الدبلوماسية العلمية في وزارة الخارجية

مؤخراً، اطلعت على مشروع قانون الدبلوماسية العلمية في الكونغرس الأميركي بتاريخ 1 آب 2025 (Resolution No. H.Res. 623)، والذي لا يزال قيد المناقشة في لجنة العلاقات الخارجية. وقد احتوت فقرات القانون الأميركي على قطع نصية ذكرتها في كتابي الدبلوماسية العلمية عام 2023 بأن وزارات الخارجية هي حراس البوابة، وأنها تعنى بتعزير السلام والأمن للدول، لكونها المصد الأول، وبعد اختراق تلك البوابة، يستعد الجنرالات للدفاع في الخط الثاني، وأن لغة العلوم لغة مشتركة يفهمها الجميع وتخلق أرضية للتفاهمات، وأن الدبلوماسية العلمية هي السبيل الوحيد لمواجهة التحديات العالمية قبل الهلاك الأخير. وعند القراءة والتمعن في فقرات القانون الأميركي، ستجد أن أغلبها من قطع نصية في كتابي.

النيات وحسن الأمور بخواتيمها 

نأمل أن تكون غايات ونيات توظيف الدبلوماسية العلمية لمصلحة التعاون بين الجميع، لا لغايات شعبوية وعبثية ولتحقيق مصالح آنية في فرض الهيمنة والتفوق واحتكار العلوم والتكنولوجيا.

 وقد دعوت في كتابي الدبلوماسية العلمية إلى أن يقف الجميع لمساعدة الجميع ومشاطرة الجميع هموم العالم، فلا تستطيع دولة العيش بمفردها في مواجهة التهديدات العالمية واعتداءات الآلات الذكية، وليس من السهل التصدي لتلك التحديات، وأن الدبلوماسية العلمية وحدها القادرة على معالجتها وإزالة مخاطرها.

يقول فيكتور هوغو: "لا توجد قوة على الأرض قادرة على أن توقف فكرة حان وقتها". لذا، أرى أن "تعاون الجميع لمصلحة الجميع" فكرة حان وقتها، في وقت تشهد الأرض أزمات مناخية وتطورات تكنولوجية قد تطيح الجنس البشري، وبعدما سادت لوقت طويل نظرية هوبز (حرب الكل ضد الكل).

وإذا ما علمنا أن التعاون الجماعي المشترك هو أسس الدبلوماسية العلمية، فلماذا نرى الولايات المتحدة الأميركية تنسحب من اتفاقية المناخ، وتنسحب من "الأنروا"، وتنسحب من بعض التوازنات العالمية، لتخلق فراغاً وقلقاً وهشاشة في الأوضاع العالمية، فما الذي تهدف إليه الولايات المتحدة من تشريع الدبلوماسية العلمية بقوة في أنشطة السياسية الخارجية؟ عسى أن تكون النيات خيراً، فالأمور بخواتيمها، وإلا فنحن نعيش عصر التدمير الذكي!