طريق "البريكس" للتخلص من السيطرة الأميركية
أمام كل المآسي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، كما العديد من دول العالم، بات التخلص من السيطرة الأميركية ضرورة أكثر من أي وقت مضى، ولا يتوافر بديل إلّا "البريكس".
-
هل تتجرأ الدول على الخروج من السيطرة الأميركية؟ (أرشيف).
عاجلاً أم آجلاً، وفي وقت ليس ببعيد، بات على "البريكس" مساعدة العالم للتخلّص من السيطرة الصهيو-أميركية.
لقد تفاقمت الصراعات في العالم، كأنها بلا نهاية، وكأنه كُتِب للبشرية أن تحيا بالحروب، والتوترات، وبات واضحاً أنه حيثما حل صراع، كانت الولايات المتحدة سببه، بشكل مباشر، أو غير مباشر عبر حلفاء، والهدف الحفاظ على تفوّقها، وسيطرتها، ومنع نهوض قوى منافسة لها.
تفاقمت الصراعات منذ أن بدأت الولايات المتحدة تلمس نهوض الصين تحديداً، بعد أن فُتِحت ساحات العالم لها عقب سقوط الاتحاد السوفياتي. وبدأت بوضع الخطط لكبح الصعود الصيني. لم تشعر الولايات المتحدة بخطر وجودي عليها زمن الاتحاد السوفياتي، الذي لم يسعَ إلى مجابهة فعلية مع الولايات المتحدة، وكل ما كان الاتحاد السوفياتي يقوم به، هو دعم حركات مندرجة تحت عنوان "التحرر"، وغالباً ما كانت هذه الحركات قصيرة النفس، استطاعت الولايات المتحدة، وحليفاتها من أنظمة، قمعها ، وإنهاءها.
وإذا كانت حركات التحرّر قد اتخذت طابع الانقلاب على السلطات، والسيطرة عليها، سلمياً أم عنفياً، لكنها لم تسعَ مرة واحدة لمواجهة النقطة الأساسية في السيطرة الأميركية، وهي السيطرة بالدولار، والغرابة تكمن في سكوت الاتحاد السوفياتي على هذه السيطرة، من هذه النقطة تحديداً. فمن المؤكّد أن الخبراء الاقتصاديين السوفيات كانوا على علم باتفاقية "برتون وودز"، التي أسست لسيطرة الولايات المتحدة الأميركية بالدولار على العالم، بالاستناد إلى قوة اقتصادية مهيمنة متوارثة من زمن الاستعمار الغربي.
أوائل السبعينيات، لعبت الولايات المتحدة الأميركية لعبتها، واستطاعت أن تجعل الدولار هو الاحتياط لكل عملات العالم بديلاً من الذهب، وبالتدريج، ارتبطت اقتصادات غالبية الدول بالبنك المركزي الأميركي عبر النظام المصرفي الوحيد في العالم وهو نظام "سويفت"، وبذلك بات العالم رهينة لأطراف أنامل الولايات المتحدة التي باتت قادرة بشحطة قلم أن تُفْلِس دولاً، وتُسقِط أخرى، وصارت تعتمد بكل وقاحة على نظام الحصار الاقتصادي، والعقوبات الاقتصادية على الدول، والحكومات، والشخصيات، أي على كل البشرية تقريباً، فمن من الناس لم يكن له حساب مصرفي، مهما كان صغيراً؟
ومع انطلاق التطورات التكنولوجية عبر الإنترنت أواخر تسعينيات القرن الماضي، أحكمت الولايات المتحدة رقابتها على العالم، وحاولت تثبيت سيطرتها بشتى الطرق بعد أن ملكت بنك المعلومات الأكبر عبر انتشار الإنترنت، والهواتف الجوالة، وتقنيات الذكاء الاصطناعي.
في هذه الأثناء، كانت الصين شريكاً للولايات المتحدة في تطوير التكنولوجيا الحديثة، وبدأت تعتمد عليها في نهوضها الاقتصادي، ولمست الولايات المتحدة مخاطر المنافسة الصينية، بالتوازي مع الصعود الاقتصادي والتكنولوجي الصيني، فسارعت محاوِلةً كبح الصين، ومنع صعودها.
ولم يمضِ وقت طويل على عودة روسيا لأخذ دور على المستوى العالمي، وكلتا الدولتين-روسيا والصين- استشعرتا خطر المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية، ولم يكن أمامهما إلا التحالف لمجابهة الخطط الأميركية، إلى أن توصلتا لتأسيس منظومة بديلة من المنظومة الأميركية، وهي تجربة "البريكس"، بالتعاون مع جنوب أفريقيا، والهند، والبرازيل، والمنظومة تتوسع بدخول العديد من الدول الفاعلة عليها، مع العلم أن بلوغ "البريكس" مرحلة البديل من النظام الأميركي تحتاج إلى عقود عديدة.
خيار "البريكس" هو خيار مواجهة حاسمة بديلة من الأمركة العالمية، لكنه خط بارد يعتمد الاقتصاد، تلافياً للصدام العسكري الذي يهدد البشرية نظراً لامتلاك دول عديدة السلاح النووي، وبوفرة قادرة على محو الحضارة الإنسانية.
ويبدو أن دول "البريكس"، خصوصاً الصين وروسيا، كانتا تدركان مخاطر المجابهة مع الأميركي، فسرّعتا ببلورة منظومة "البريكس" التي باتت تملك مصرفاً خاصاً بها، وتعتمد العملات الوطنية في التبادل التجاري، والذهب كغطاء احتياطي للعملات، واقتراب اعتماد عملة خاصة بها، وبذلك جرى إرساء خطّ يمكن به الاستغناء عن الدولار الأميركي الذي خسر الكثير من قوته في غضون السنوات العشر الأخيرة.
يتفاقم الصراع، والأميركي يستشعر المخاطر الداهمة، فلا يترك فرصة إلّا ويوظفها سواء في إقفال الأسواق أمام التمدد الصيني (كبح خط الحرير والحزام)، ومنع دخول الاستثمارات إلى أسواق العالم، أم في حروب منع صعود الآخر، لذلك تفاقمت الصراعات بدءاً من حرب أوكرانيا، مروراً بالحرب المفتوحة في الشرق الأوسط، والتدخلات المختلفة في أميركا اللاتينية، أم أفريقيا.
وفي لبنان، ما انفك الأميركي يمنع نهوض البلد، وكذلك منطقة الشرق الأوسط، ويستمر في تفكيك الدول، ومحاصرتها بالحروب والدمار، وصولاً إلى تدمير سوريا، ومحاولة تصفية المقاومة، وتشديد الحصار على كل ساحة لا تنضوي بالكمال والتمام في مشروعه.
بات لبنان بأمسّ الحاجة للخروج من هذا الاختناق المحكم الذي فرضته الولايات المتحدة عليه، وتشدّدت في خنقه بدءاً من 2019 بمعادلة السلاح أو العودة إلى القرون الوسطى، ثم بالحرب الأخيرة، أو بواسطة إيصال سلطة لبنانية موالية لسياستها، كما بات العديد من دول العالم بحاجة إلى بديل شامل ليس متوافراً في الغرب الأوروبي الغارق في أزماته، ولا في مكان آخر.
أمام كل المآسي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، كما العديد من دول العالم، بات التخلص من السيطرة الأميركية ضرورة أكثر من أي وقت مضى، ولا يتوافر بديل إلّا "البريكس" التي يتطلب أن تؤمّن نظاماً مصرفياً بديلاً من "السويفت"، وعملة بديلة من الدولار، واستثمارات ضخمة متوافرة في الدول المشاركة في "البريكس"، لها طاقات مالية واستثمارية وتكنولوجية هائلة، بدءاً من الصين، أم روسيا، أم إيران، أم المملكة العربية السعودية، ودول أخرى انضمت، وأخرى تتهيأ للانضمام.
قد لا يتجرأ العديد من الدول على الخروج من السيطرة الأميركية واللجوء إلى "البريكس"، لكن يمكن للبنان، الذي قاوم أعتى الحروب ( 1982و 2024)، الخروج عنوةً من السيطرة الأميركية، في حال تمّ الاتفاق مع "البريكس" على بديل شامل في الاقتصاد، والتمويل، والتكنولوجيا، والاستثمار، والإعمار.