كسر ُ جليدٍ أم إعادة تجميد! قمة ألاسكا بين بوتين وترامب

من المتوقع أن تكون قمة ألاسكا مشهداً من مشاهد التاريخ التي تكتب على جليد قد يذوب ليكشف عن أرضية جديدة للتفاهم، أو قد يزداد سمكاً فيغلق الطرق أكثر مما يفتحها.

  • أوكرانيا باتت الملف رقم واحد بل في رسم ملامح النظام العالمي الجديد (أرشيف).
    أوكرانيا باتت الملف الرقم واحد في رسم ملامح النظام العالمي الجديد (أرشيف).

على تخوم العالم، حيث تتعانق الجبال المكسوة بالثلج مع سماء رمادية لا تكاد تبتسم، سيلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي دونالد ترامب في ألاسكا، في مشهد أشبه بمسرح جليدي تُرفع ستائره على إيقاع حذر أوكرانيا وترقب أوروبا، هنا في هذه الأرض التي كانت ذات يوم روسية قبل أن تبحر إلى الشاطئ الأميركي بعقد بيع عمره أكثر من قرن، ستُفرش طاولة المفاوضات فوق طبقات سميكة من صمت وتهديدات واستعراض قوة متبادل، وتاريخ من الفتور والشد والجذب.

 قد تبدو ألاسكا جغرافياً، أرضاً أميركية بامتياز، لكنها تحمل في جيناتها التاريخية رائحة القيصر الروسي وأصداء البنادق التي صمتت منذ أن غادرتها السفن القيصرية عام1867. هذا الإرث يجعلها نقطة التقاء رمزية، نصفها في الذاكرة الروسية ونصفها الآخر في الجغرافيا الأميركية، أما في حسابات السياسة، ليست ألاسكا “محايدة” بالمعنى القانوني، لكنها محايدة في طاقتها الرمزية.

العلاقات بين موسكو وواشنطن في السنوات الأخيرة لم تكن دافئة، كمناخ ألاسكا، عواصف من العقوبات والتصريحات العدائية بين العاصمتين، والشمس التي تطل بخجل في سماء الشمال تشبه لحظات الانفراج النادرة التي سرعان ما تتوارى خلف غيوم جديدة، قمة ألاسكا هي، بهذا المعنى، محاولة لإشعال نار صغيرة في مخيم سياسي وسط برية شاسعة من الخلافات.

 أوروبا… بين الخوف والحذر

 العواصم الأوروبية، التي تعيش منذ سنوات في ظل المظلة الأميركية وتحت عين الحذر من موسكو، تتابع هذا اللقاء كما يراقب البحّارة حركة غيوم ثقيلة في الأفق.

أوروبا تعرف أن أي صفقة كبيرة بين بوتين وترامب قد تغيّر موازين الرياح، وقد تجد نفسها إما على رصيف أمان جديد أو وسط إعصار جيوسياسي. فهي لا تريد أن ترى شراكة أميركية-روسية تتجاوز حساباتها، ولا أن تُباع أوراق مصالحها في بازار الاتفاقات الكبرى، هي تحاول بأساليب كثيرة منع انعقاد هذه القمة وتعطيلها من خلال خلق أجواء تحريضية تدفع أوكرانيا للقيام باستفزازات ضد موسكو، لكن يبدو واضحاً أن القمة منذ شهور تسير في خط الانعقاد، سواء أعجب ذلك الأوروبيين أم لم يعجبهم، أما روسيا وفي ظل أجواء التحضير للقمة، تحقق تقدماً ملحوظاً على الأرض وديناميكية تتزايد شيئاً فشيئاً، بعد أن أدركت الولايات المتحدة أن الخصومة يمكن أن تتحول إلى صفقة، وأن الصفقة قد تُخلّد أكثر من المعركة، خاصة أن الجانبين اختبرا قوتهما ونفوذهما سابقاً. 

ما يثير هواجس أوروبا حقاً هو تهميش دورها كطرف رئيسي في ملف أوكرانيا وبالتالي اتخاذ قرارات تصفها بالأحادية قد تُضعف جبهة تغذية الدعم لأوكرانيا، وتمنح موسكو فرصة لصياغة قواعد اللعبة الدولية.

قلب القلق... أوكرانيا

أوكرانيا باتت الملف الرقم واحد، ليس فقط في الأجندة الروسية – الأميركية، بل في رسم ملامح النظام العالمي الجديد.

أي حوار حقيقي بين بوتين وترامب لا بد أن يبدأ وينتهي بأوكرانيا، وبإمكانية وقف الحرب أو تدوير زواياها، أما كييف، فهي أشبه براكب قارب صغير وسط محيط متقلب، تخشى أن تُعقد الصفقات على حسابها. فهي تعرف أن اللقاء بين واشنطن وموسكو ليس مجرد تبادل كلمات، بل يمكن أن يكون رسماً لخرائط جديدة أو إعادة تلوين للحدود بخطوط أكثر غموضاً، كل ابتسامة متبادلة بين الرئيسين قد تُقرأ في أوكرانيا كجليد جديد يتكوّن على طريق دعمها الغربي، والرئيس الأوكراني المنتهية شرعيته، أشد الخائفين من الاتفاقيات المحتملة التي قد تهدد كرسيه.

قمة ألاسكا من المتوقع أن تكون مشهداً من مشاهد التاريخ التي تُكتب على جليد قد يذوب ليكشف عن أرضية جديدة للتفاهم، أو قد يزداد سمكاً فيغلق الطرق أكثر مما يفتحها. وبين سخونة الملفات السياسية المتشابكة، سيحاول بوتين وترامب أن يجد كل منهما فرصة لصنع انتصار لنفسه، ترامب رجل الصفقات يسعى للقب صانع السلام وإنهاء الأزمات والصراعات المعقدة، أما بوتين يسعى إلى استثمار هذه القمة لمصلحة بلاده، ما دام قد قرر الحفاظ على أمنها وسلامتها من تمدد الأطلسي، ولإيصال رسائل إلى الغرب بما فيهم أميركا، بأن روسيا قطب موازٍ مؤثر وأساسي على الساحة الدولية، قادرة على فرض شروطها وربح معركتها بالتفاوض الندّي لا التبعي.