ماذا سيتغير بعد العدوان الإسرائيلي على قطر؟

تؤكد الوقائع الحالية عجز القطري وحلفائه عن الخروج من العباءة الأميركية، ما يعني تمرير العدوان بكامل تأثيراته، إلا إذا انفتحت قيادة حماس، ومعها الجهاد وكل فصائل المقاومة والمحور، على خيارات جديدة خارج غزة.

0:00
  • تؤكد الوقائع الراهنة عجز القطري وحلفائه عن الخروج من العباءة الأميركية.
    تؤكد الوقائع الراهنة عجز القطري وحلفائه عن الخروج من العباءة الأميركية.

تغيرات جوهرية يمكن أن تأتي تباعاً بعد الهجوم الإسرائيلي على وفد حماس المفاوض في قطر، أو هكذا يُفترض، فهذا العدوان خطير ومفصلي بامتياز، والطبيعي أن يأخذ المنطقة كلها باتجاهات حادّة، فهل هذا ما سيحدث بالفعل؟ ولماذا فعلت إسرائيل ذلك؟ وكيف عرّضت أميركا مصالحها الاستراتيجية لموضع سؤال بعد هذا الهجوم؟ وماذا عن فشل الهجوم باغتيال قائد حماس في غزة خليل الحية وقائد حماس في الضفة زاهر جبارين، وكلاهما العقل المدبر لوفد حماس التفاوضي؟

مرّ على هجوم السابع من أكتوبر قرابة عامين، ولكن نتنياهو يصعّد هجماته، فما فعله من وحشية في العام الأول من الحرب دون ما يفعله في العام التالي، وخصوصاً على المستوى الإقليمي، سواء في لبنان أو إيران، وحتى في سوريا وقطر، وربما يمهد ذلك لعدوان على تركيا، وهي العضو في الحلف الناتو، والشريك الأول لـ"إسرائيل" في الشرق الأوسط اقتصادياً وأمنياً، والسبب أنها أيضاً مثل قطر وحليفتها، وهي تستضيف قادة حماس، وحماس تواصل عنادها الاستراتيجي في غزة، وهو العناد التفاوضي الذي يحرج نتنياهو، ومعه ترامب، ويظهر عجزهما في أوج التباهي الذي يحاولان عبره الظهور داخلياً كل في بلده بمظهر صانع المعجزات.

أجمع العالم على إدانة الهجوم الإسرائيلي الفاضح الذي انتهك سيادة قطر، حتى ترامب كذب، ثم لحس كذبته بشأن إخبار قطر بالهجوم، مؤكداً أن الهجوم لا يخدم أميركا ولا "إسرائيل"، بعدما تجرأت قطر وكذبته بأنه أخبرها بالهجوم الوشيك عبر ويتكوف، والحقيقة أن أميركا اتصلت بقطر والانفجارات تدوي، كما أنه ليس ثمة عاقل يجهل أنه لا يمكن لأي طيران أن يقترب من قطر، حيث قاعدة العديد الاستراتيجية، إلا وتتصدى له الرادارات الأميركية، إلا إذا تم إسكاتها بعد تنسيق، وهذا هو الطبيعي بين حليفين يكادان يكونان دولة واحدة أو أكثر.

وعلى الرغم من شبه الإجماع الإسرائيلي الداخلي على تأييد العدوان على قطر، باعتباره يستهدف قادة حماس، فإن "إسرائيل" حاولت أن تنأى بجهاز الموساد عن الهجوم، والسبب لا يخفى أن قادة الموساد يترددون بشكل دوري على قطر، وهو الجهاز المختص بالعمليات الخارجية، فكيف يمكن قبول هذا النأي؟ والأمر لا يعدو محاولة إسرائيلية يشارك بها ترامب لتمرير الهجوم وعودة الأمور إلى مجاريها السابقة، ولكن هذه المرة وفق قواعد تفاوض جديدة، لا تتم فقط تحت النار في غزة وإحراق غزة بما تبقى من أبراجها ومبانيها، ولكنه تفاوض تحت النار في قطر، ما يعني ترهيب قطر وترهيب وفد حماس التفاوضي بشكل شخصي، وخصوصاً أن الهجوم طال عائلة خليل الحية، إذ استشهد ابنه فيه.

يمكن رؤية التغييرات المتوقعة بعد العدوان على قطر في جملة من الوقائع الثابتة طوال الحرب الراهنة، وهي:

أولاً: الجنون الإسرائيلي المتصاعد دون رادع يلجمه بشكل كلي، وقد شمل كل جبهات المحور بعد إسناده لغزة، ودخل مرحلة وحشية في استهداف المدنيين في اليمن بعد النجاحات اليمنية الأخيرة في استهداف مطار رامون، وهو يتمادى في سوريا على الرغم من قيام نظام جديد هناك يميل نحو التطبيع. والآن، بلغ التمادي باستهداف قطر، وهي الدولة غير المصنفة كعدو، حتى في القوائم الإسرائيلية، والتي تعمل كوسيط مرحب به إسرائيلياً طوال الحرب، كما استهدف هذا الجنون تونس بقصف بعض سفن أسطول الصمود المتجه بمئات المتضامنين نحو غزة.

ثانياً: الشراكة الأميركية في العدوان الإسرائيلية عبر كل الجبهات، وآخرها في قطر، وهي شراكة تتجاوز الدعم السياسي والأمني لما هو اللوجستي المباشر، والأهم شراكة ترامب شخصياً في الخداع والتضليل عبر تصريحاته ومقترحاته.

ثالثا: التواطؤ العربي، وخصوصاً منظومة التطبيع، ما يشمل قطر، وهي الدولة التي وفرت لـ"إسرائيل" مظلة تفاوضية نجحت في إطلاق سراح عشرات الأسرى الإسرائيليين، من دون أن يؤدي ذلك إلى وقف المذبحة وتصاعدها في غزة والمنطقة.

رابعاً: صمود غزة المذهل ومواصلة القتال مع ثبات موقفها التفاوضي، وإن ضمن قبول دائم لمبدأ التفاوض عبر الوسيط القطري والمصري والأميركي، وصمود غزة يأتي في ظل إسناد اليمن المتواصل، وتمسك حزب الله بسلاحه كثقل استراتيجي بعد مشاركته في الإسناد طوال العام الأول للحرب وزيادة وما كلفه ذلك من تضحيات جسام، وتأهب إيران أمام احتمالات تجدد الحرب مع "إسرائيل" وأميركا.

خامساً: عجز المؤسسات الدولية والحقوقية عن لجم الوحشية الإسرائيلية، وإن ساعد ذلك في تعزيز عزلة "إسرائيل" الشعبية عالمياً وتصاعد كراهيتها.

عند النظر في هذه الوقائع وثباتها طوال عامين من الحرب، فإن النظر إلى ما قد يتغير بعد هذا العدوان على قطر، مع توعد نتنياهو بأنه سيتكرر، حتى ولو وعد ترامب أمير قطر بأنه لن يتكرر، وقد انطلى هذا الوعد الكاذب على أمير قطر الذي اعتبره موقفاً قوياً من الرئيس ترامب، ما يشير إلى أن التغيرات المتوقعة لن تكون باتجاه تعزيز التضامن العربي أو الخليجي في وجه إسرائيل، ولو باتجاه الضغط عليها وعلى حلفائها لمنعها من تكرار الهجوم الغادر ضد دولة خليجية يجمع دولها تحالف دفاع مشترك.

صعّدت قطر نبرتها تجاه "إسرائيل"، وعلّقت دورها كوسيط، وشكلت لجنة قانونية لدراسة الإجراءات القانونية في الرد على العدوان، ما يشير لذلك في مجمله لمجرد ردود قانونية وسياسية، وهي ردود دون الحد الأدنى المتوقع أمام عدوان غادر أجمع العالم على إدانته، وخرق كل مألوف سياسي عبر التاريخ، وقطر تملك خيارات واسعة باعتبارها قوة اقتصادية وسياسية تفوق مساحتها الجغرافية وتعدادها السكاني بما لا يقارن، وخصوصاً إذا نسقت ردودها مع حليفتها الكبيرة تركيا، واستثمرت نفوذها الواسع في سوريا، إضافة إلى علاقاتها الجيدة مع إيران وروسيا والصين وأوروبا، ويمكن أن يتحول وجود قاعدة العديد الأميركية على أراضيها إلى عامل ضاغط لمصلحتها إن أرادت.

وما يتعلق بحركة حماس ووفدها القيادي المفاوض، فإن قبولها الدائم بمبدأ التفاوض ظل مبرراً طوال الوقت لما قد يساهم في وقف الحرب على غزة، ولكن بعد اغتيال مفاوضها الرئيسي الشهيد إسماعيل هنية، فإن مواصلتها التفاوض مفهومة لذات الواقع المؤلم في غزة، ولكن ربما كان عليها أن تمتنع، ولو لزمن، عن العودة للتفاوض إلا وفق ظروف مختلفة، وخصوصاً بعد الرد الإيراني الكبير على اغتيال هنية.

والسؤال الملحّ الآن داخل حماس بعد استهداف وفدها المفاوض في بيت الوسيط القطري، وفي وضح النهار: هل بقي ثمة جسور لمبدأ التفاوض مع نتنياهو؟ إضافة إلى مواصلة النظر للأميركي كوسيط، ثم التفاوض المباشر معه أحياناً، وهو الشريك الكامل لكل الجرائم الإسرائيلية، وخصوصاً بعد افتضاح اللعب الأميركي وانسحاب ويتكوف في جولة التفاوض السابقة حتى قبل الوفد الإسرائيلي، مع وضوح الكذب الأميركي في العدوان على قطر، ومحاولة تمرير هذا العدوان والبناء على تردداته بما يضعف قدرة حماس التفاوضية.

تؤكد الوقائع الراهنة عجز القطري وحلفائه عن الخروج من العباءة الأميركية، ما يعني تمرير العدوان بكامل تأثيراته، إلا إذا انفتحت قيادة حماس ومعها الجهاد وكل فصائل المقاومة والمحور على خيارات جديدة خارج غزة، سواء في فلسطين كلها أو خارجها عبر العالم، وعدم المراهنة فقط على صمود غزة، وهو صمود أساس نعم، لكنه يصلح فقط لإدامة فشل أهداف الحرب الإسرائيلية، وليس في لجم الوحشية الإسرائيلية، فإذا اتسعت خيارات حماس وحلفائها فإن ذلك كفيل بتجاوز الارتهان القطري، وهو أمر لا يمكن ترجيحه في هذه الظروف نظراً إلى الوقائع المشار إليها في ثباتها، وإن بقي احتماله متوفراً بشرط خرق المألوف أو القدرة على خرقه، وربما هي غير قائمة، ما يعني أن الاندفاعة الإسرائيلية في كرة النار لن تتوقف عند قطر، وإن أطلق الإسرائيلي على الهجوم عليها مسمى "قمة النار"، فإن صمود غزة المتواصل سيتسبب بانتشار النار عبر الهشيم حيثما تأخذه رياح تل أبيب، أو تأخذه رياح أخرى وفق علم الله وحكمته.