صفقة جزئية أم كُليّة.. كل الطرق تؤدي إلى الحرب!

لا يمكن لـ "إسرائيل"، وفق نتنياهو، أن تقبل اليوم بما قبلت به قبل ثلاثة أسابيع، وعلى الأرجح أن نتنياهو يراهن أن بإمكانه، في أسوأ الأحوال، تحسين شروط الصفقة عبر وضع اشتراطات جديدة على حماس.

0:00
  •  نتنياهو يفهم جيداً دلالات تهديد شريكيه المتطرفين بالانسحاب من الحكومة.
    نتنياهو يفهم جيداً دلالات تهديد شريكيه المتطرفين بالانسحاب من الحكومة.

لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يُحافظ على الغموض بشأن الرد الإسرائيلي المتوقع على الخطة التي قدمها الوسطاء لصفقة جزئية لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين، رغم إعلان حماس موافقتها على النسخة الأخيرة، المعدلة من الاتفاق، والتي تُشبه، بحسب مصادر، النسخة التي وافقت عليها "إسرائيل" قبل نحو ثلاثة أسابيع.

ورغم أن نتنياهو لم يقطع برفض الصفقة الجزئية، فإنه يؤمن اليوم بأن الظروف تغيّرت كلياً لمصلحة "إسرائيل"، وبأن فكرة الصفقة الجزئية باتت خلف ظهره، وخصوصاً بعدما قطع وعوداً مُغلظة ومُعلنةً لشريكيه المتطرفين بن غفير وسومتيرتش بأنه ماضٍ في هذه الحرب، ولن يعود إلى الصفقات الجزئية التي "تمنع من تحقيق الحسم ضد حماس".

ولا بد من أن نتنياهو يفهم جيداً دلالات تهديد شريكيه المتطرفين بالانسحاب من الحكومة وفكفكة الائتلاف إن هو عاد إلى الصفقات الجزئية، فلا يُعقل وفق وزيرة الاستيطان المتطرفة أوريت ستروك من حزب سموتيرتش: "أن نبقى في حكومة يمينية تُنفّذ أجندة يسارية"! 

كما أن نتنياهو يروّج، ومعه كثيرون، "أن حماس تحت ضغط شديد"، وأن "التهديد باحتلال القطاع نجح في دفعها إلى الموافقة على ما رفضته في يوليو/تموز الماضي، وخصوصاً حين أدركت أن نتنياهو جادٌّ في مخططاته لاحتلال القطاع".

والأهم أن جزءاً كبيراً من وزراء الائتلاف رأى في تغريدة الرئيس الأميركي ترامب التي دعا فيها "إلى اللعب والانتصار" وبأن "حماس لن تُسلّم الأسرى الإسرائيليين ما لم تُهزم" دعوة صريحة لرفض الصفقة الجزئية والمضي في الحرب حتى هزيمة حماس، حتى إن وزراء اليمين المتطرف عابوا على نتنياهو "أن يقف على يسار موقف الرئيس الأميركي من حماس"، وأكدوا "أن قبول صفقة جزئية هو "بمنزلة هدية لحماس وهزيمة لإسرائيل". 

يدّعي نتنياهو كذلك أن قرار مجلس الوزراء بالسيطرة على مدينة غزة، وتمكّن "إسرائيل" من تحييد تأثير حملة تجويع القطاع إلى حدٍّ كبير، من خلال إدخال كميات "كبيرة" من المساعدات جواً وبراً، ساهم في تليين موقف حماس.

لذلك، لا يمكن لإسرائيل، وفق نتنياهو، أن تقبل اليوم بما قبلت به قبل ثلاثة أسابيع، وعلى الأرجح أن نتنياهو يراهن أن بإمكانه، في أسوأ الأحوال، تحسين شروط الصفقة بالنسبة إلى "إسرائيل" عبر وضع اشتراطات جديدة على حماس، وفي أحسن الأحوال، بالنسبة إليه، التمسك بقرار مجلس الوزراء الإسرائيلي القائل بالصفقة الشاملة مع اشتراط موافقة حماس المُسبقة على حزمة المبادئ الإسرائيلية المُعلنة للدخول في ترتيبات نهاية الحرب على القطاع.

يخشى نتنياهو أن تتغير الظروف إذا وافقت "إسرائيل" اليوم على اتفاق جزئي، فقد تستمد حماس الدعم والتشجيع من نقاش الأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر القادم، إذ من المفترض أن تعترف عشرات الدول الوازنة بدولة فلسطينية.

وقد يُغيّر الرئيس ترامب موقفه، مدفوعاً بنفاد صبره، ويطالب بإنهاء الحرب فوراً. وقد تتعقد العملية العسكرية في غزة ويتكبد فيها الجيش الإسرائيلي أثماناً باهظة تنعكس سلباً على وضع حكومة نتنياهو.

إذاً، من الأفضل بالنسبة إلى نتنياهو عدم المغامرة بالدخول في اتفاق جزئي ووقف إطلاق نار مؤقت، بل إبرام اتفاق شامل الآن، يتم في إطاره التوصل إلى اتفاق بشأن إطلاق سراح جميع الأسرى على مراحل، وعلى مبادئ تسوية دائمة في قطاع غزة في اليوم التالي لوقف إطلاق النار. وعلى الأرجح أن نتنياهو يرى أن على "إسرائيل" "التحلي بالصبر ومواصلة الضغط العسكري بالتزامن مع المفاوضات، حتى لو استغرق الأمر أسبوعين آخرين أو ثلاثة".

ومع ذلك، فالصورة ليست وردية كما يريدها نتنياهو، بل يبدو أنه الآن في مأزق، ويبدو أن قبول حماس مبدئياً بعرض الوسطاء يُعد خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ أعفى الفلسطينيين من كلفة تعطيل المسار التفاوضي وألقى بعبء الضغط على نتنياهو وحده.

نعم، اختارت حماس توقيتاً حساساً للغاية لوضع دولة بأكملها في مأزق: اتفاق جزئي كما تريد، أو اتفاق كامل لإعادة جميع الأسرى ينهي الحرب، فقد وافقت، أي حماس، على صفقة جزئية تُفرج بموجبها عن عشرة أسرى أحياءً وثمانية عشر جُثة، مقابل وقف إطلاق نار لمدة 60 يوماً وانسحاب إسرائيلي جزئي داخل قطاع غزة والإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين من ذوي الأحكام العالية، وهذا بحد ذاته يعتبر معضلة معقدة ذات جوانب "أخلاقية وعاطفية وسياسية وعسكرية"، فإذا رفض نتنياهو عرض صفقة جزئية، فلن يُفرج عن عشرة أسرى أحياء يتلهف المجتمع الإسرائيلي لرؤيتهم بينهم، ولن يُدفن ثمانية عشر قتيلاً إسرائيلياً، في مقابل أنه لا يقين بالتوصل إلى صفقة شاملة في المستقبل المنظور تعيد الأسرى جميعاً، ومن المرجح أن يُعّرِّضَ تصاعد العملية العسكرية الأسرى الإسرائيليين للخطر، وربما يؤدي إلى مقتلهم... فهل يحتمل نتنياهو هذا الثمن!  

حتى الآن، لا يمكن الجزم بأن نتنياهو سيرفض العرض الذي قدمه الوسطاء رغم أن المؤشرات تميل نحو رفضه، والأرجح أن "إسرائيل" ذاهبة نحو مزيد من التصعيد والضغط العسكري في إطار سعي نتنياهو لفرض خطته المتمثلة في إبرام صفقة شاملة وفق اشتراطاته المسبقة لإبرام الاتفاق المرحلي، إذ يعتقد نتنياهو أن الحل الأمثل هو المطالبة بصفقة شاملة والتوصل إلى اتفاق بشأنها قبل الإعلان الرسمي عن وقف إطلاق النار، جزئياً أو كلياً.

ويمكن أن يكون التنفيذ تدريجياً، لكن يجب أن يتضمن الاتفاق مبادئ وقف إطلاق نار دائم، تكون واضحة قبل إطلاق سراح الدفعة الأولى من الأسرى ودخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ولأن نتنياهو متيقن من أن حماس على الأرجح سترفض هذه الاشتراطات، فإنه مطمئن بإفشال الصفقة الجزئية المطروحة ونسف فكرة الصفقة الشاملة، والنتيجة أننا في الحالتين أمام استمرار الحرب التي يريدها.

لا شك في أن دعم الرئيس الأميركي دونالد ترمب لبنيامين نتنياهو يشكل العائق الرئيسي أمام إنجاز صفقة تبادل الأسرى، الجزئية أو الشاملة، ولا يبدو أن الرئيس الأميركي ينوي التدخل هذه المرة أيضاً، وسيترك أمر قرار الصفقة لـ"إسرائيل".

لذا، فإن نتنياهو سيستمر في استراتيجية الحرب الأبدية التي يقودها. صحيح أن نتنياهو هدّد باحتلال القطاع للضغط على حماس للعودة إلى طاولة المفاوضات والموافقة على صفقة شاملة، تُفرج بموجبها عن جميع الأسرى وتقبل شروط "إسرائيل" لوقف إطلاق نار دائم، لكنه يدرك أيضاً أن هذا السلاح، الذي لوّح به بدعم كامل من ترامب، سيكون جاهزاً للإطلاق قريباً. 

في الواقع، بدأ "جيش" الاحتلال الإسرائيلي بالسيطرة على مدينة غزة حتى قبل أن يتخذ مجلس الوزراء قرار السيطرة على القطاع، عندما بدأت فرق قتالية من الفرقة 99 بالتقدم ببطء نحو حي الزيتون، الواقع على المشارف الجنوبية للمدينة. والمؤكد أن نتنياهو الذي ينظر حوله فيرى أمة عربية وإسلامية غائبة، ومُجتمعاً دولياً عاجزاً عن وقف الحرب، وجمهوراً إسرائيلياً مُحبطاً يائساً وعاجزاً كذلك، وجيشاً إسرائيلياً مُنهكاً، لكنه مُقرّعٌ ومُنقادٌ لأجندة الحكومة، يؤمن، أي نتنياهو، بأن كل الطرق تؤدي إلى الحرب!