هل هو صدام الحضارات أم هي نهاية التاريخ؟

يقع المشهد السياسي في خانة لحظة دقيقة وحساسة، مفصلية مصيرية، سواء كان المشهد العالمي، أم المشهد الإقليمي بالتبعية.

  •  نهاية التاريخ والاندفاعة الأميركية!
    نهاية التاريخ والاندفاعة الأميركية!

الوضع الإقليمي شديد الخطورة. واللحظة التاريخية التي تعيشها المنطقة، مؤخرًا وراهنًا، استثنائية، وتبدو غير مسبوقة، ربما منذ أكثر من قرن من الزمن على الأقل في تاريخ المنطقة الحديث والمعاصر.

فمن أبرز التحديات، التي تواجه الإقليم في هذه المرحلة، الاندفاعة الأميركية المفرطة، كما الاستباحة الإسرائيلية المتفلتة. لقد انتهى النظام الإقليمي السابق، أي النظام الإقليمي العربي، وسقط معه أيضًا الأمن القومي العربي بالضربة القاضية، مع اعتداء تل أبيب على الدوحة. أميركا و"إسرائيل" تريدان تغيير قواعد اللعبة كافة، والدفع باتجاه نظام إقليمي هجين، يخضع فيه الجميع، بما في ذلك الحلفاء في الخليج العربي، للهيمنة الأميركية - الإسرائيلية.

 أطروحة نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما ومشهدية الاندفاعة الأميركية 

إن الاندفاعة الأميركية مؤخرًا وراهنًا تجعلنا نستحضر ونستذكر الأطروحة السياسية الشهيرة للبروفيسور الياباني فرانسيسكو فوكوياما، الموالي بقوة للرأسمالية الأميركية، العالمية والمعولمة، حول نهاية التاريخ، بمعنى انتهاء الصراع الكوني، السياسي والاقتصادي والعسكري والاستراتيجي، بانتصار هذه الرأسمالية بالتحديد، على أن انتصارها هو نهائي، لا لبس فيه، ولا رجوع عنه. كأن الولايات المتحدة الأميركية تحاكي أفكار هذا الكاتب في ذاك الكتاب!

ما أشبه اليوم بالأمس! الولايات المتحدة الأميركية تندفع بطريقة متفلتة غير آبهة بالقانون الدولي، ولا حتى بالمعادلات والتوازنات العالمية والإقليمية، ضاربة عرض الحائط النسق الدولي ومؤسساته وآلياته، في مشهدية تاريخية، تعكس تفلت القوة الأميركية المركبة - هذه القوة الكبرى والعظمى، بل القوة الهائلة - وانفلات الأوضاع الدولية! فهل تستمر واشنطن في اندفاعتها هذه حتى النهاية، وتربح وتنتصر؟ أم أنها تخسر، ولا تنهزم، فتتراجع، بعد أن تقدمت، لأنها كانت قد تهورت، وربما هي غامرت وقامرت في المنطقة والعالم؟

 أطروحة صدام الحضارات لصامويل هنتنجتون وسردية الاستباحة الإسرائيلية 

وأما الاستباحة الإسرائيلية مؤخرًا وراهنًا، فهي تجعلنا نستحضر ونستذكر الأطروحة السياسية للبروفسور الأميركي صامويل هنتنجتون، حول صدام الحضارات، في إشارة إلى الغرب المسيحي، أو المسيحية في الغرب، من جهة، والشرق الإسلامي، أو الإسلام في الشرق، من جهة أخرى؛ هذا مع العلم أنه قد فاته أن الشرق هو مهد المسيحية، وهي قبل الإسلام بعدة قرون، في مغالطة تاريخية، مقصودة ومتعمدة. على أي حال، هو كان ينظّر ويروّج ويسوّق فكرة الصراع الديني، بخلفية صهيونية، مع المسلمين والمسيحيين. 

اليوم، تستبيح "إسرائيل" كل شيء في مشهدية فاضحة وسافرة. هي الغطرسة، بكل معنى الكلمة، من جراء الشعور بفائض القوة لديها. فهي تعمد إلى استخدام واستعمال كل ما لديها، وما لدى الحلفاء في الغرب أيضًا، من القوة المفرطة. وهي تعتمد تهجير وترحيل المسيحيين من الشرق إلى الغرب، ولا سيما من المشرق، ومن ثم تقسيم وتفتيت هذه المنطقة على أسس طائفية ومذهبية بين المسلمين. وكأن "إسرائيل"، برعونتها وتهورها، تغامر وتقامر بكل شيء، لأنها تريد كل شيء، وتدفع المنطقة نحو حرب دينية! فهل تستأنف وتستكمل تل أبيب اندفاعتها حتى النهاية؟ أم أنها ستخسر، ولا تربح، وستنهزم، ولا تنتصر؟ 

أميركا و"إسرائيل" والمسارات "المستقبلية في المنطقة والعالم

إن الإفراط والإمعان، على هذا النحو وإلى هذا الحد، من واشنطن وتل أبيب، في الإساءة إلى الأسس التي كان قام عليها كل من النظامين العالمي والإقليمي هو مسألة تحتمل، بل تستحق، النقاش بالخلفيات والأسباب والأبعاد والمترتبات. فاستمرار هذا النمط السلوكي، ومعه هذا النموذج من الخطاب، ومن خلفهما هذه العقيدة وهذه الرؤية وهذه الخطة وهذا المشروع، بهذه الاندفاعة وبهذه الاستباحة، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى نتائج عميقة وبعيدة المدى وطويلة الأمد. 


فقد يؤدي اللجوء والركون إلى منطق القوة المفرطة إلى سقوط أو إسقاط الكثير من المحددات والضوابط والقيود والحواجز والحدود، بالسياسة وبالقانون، كما بمنظومة القيم. ما يعني ظهور حالة الغطرسة - غطرسة القوة - من زاوية السيكولوجيا السياسية.

الأمر الذي قد يؤدي إلى نتائج عكسية، وهي نتائج سلبية وسيئة على صاحبها، على خلفية الغرور، والرعونة، والتسرع، والتهور، والشعور بفائض القوة وبفائض الثقة، وسوء التقدير. ربما تكون كل من تل أبيب وواشنطن دخلت هذا الحيز وبلغت هذه الخانة، وربما الأولى أكثر من الثانية. فما الذي ينتظرهما، وينتظر كلاً منهما على حدة؟!


يقع المشهد السياسي في خانة لحظة دقيقة وحساسة، مفصلية مصيرية، سواء كان المشهد العالمي، أم المشهد الإقليمي بالتبعية.

وتبقى، حتى تاريخه، ديناميكية الهجمة الأميركية -  الإسرائيلية، بمعنى فعل التدخل الإيجابي، لا فعل التدخل السلبي، حاسمة.

كما يبقى الرهان على ديناميكيات مضادة مجرد احتمال نظري، إنما ينتظر تطبيقاته أو تجسيداته الفعلية والعملية. بهذا المعنى، فإن رصد الخطاب والنمط السلوكي للأميركيين، في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وللإسرائيليين، في زمن الحكومة الإسرائيلية لليمين المتطرف، برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يفيد بأن القوة وغطرسة القوة - أغلب الظن على ما يبدو - هما مؤشران لاحتمالات واتجاهات ومسارات راديكالية ودراماتيكية.