في مخيمنا فئران جائعة

فأرُنا المسكين حين كنت أختلس الطعام عصراً، نظر إليّ بعينين دامعتين وحزينتين، كأنه يقول لي: "لماذا سرقتِ دوري في الحياة؟".

  • غزة
    غزة

أنا كلّي أسف أيها القارئ، فما قرأته في العنوان صحيح. تخيل الكارثة التي تُرتكب بحق الفئران. ربما تسأل: كيف يجوع فأر في هذا العالم؟ وحشية حرب التجويع التي يمارسها الاحتلال بحقنا طالت حتى الفئران.

لا تقلق أيها القارىء، فإنني مثلك، لا أقبل أن يُظلَم مخلوق في هذا العالم. فأنا ضدّ الظلم والظالم، وأسعى للقضاء عليهما، لأنني على قناعة تامة بأن كل شبر في هذا العالم يستحق السلام. أنت توافقني، أليس كذلك؟ الفأر القابع في مطبخنا المتواضع ألقى نحوي نظرة جعلتني أعتقد أنني يجب أن أكون صوته اليوم. 

وفأرُنا المسكين حين كنت أختلس الطعام عصراً، نظر إليّ بعينين دامعتين وحزينتين، كأنه يقول لي: "لماذا سرقتِ دوري في الحياة؟".

تمنّيت لو كان له لسان لينطق ذلك بنفسه. كما أنني كنت أنتظر منه تحية لأنني أدركت مغزى نظراته من دون أن يتكلم. لكن، قبل أن يحييني، ربما كان عليه أن يعتذر لي. فسؤاله هو الشماتة بعينها، كما أنه يتصورني فأرة أنا الأخرى. حاشاني أن أكون فأرة!

هل تعلم أيها الفأر أنني لا أعرف إن كان عليّ أن أشكرك لتنازلك عن المركز الأول في الاختلاس لصالحي أنا؟ هل ستسامحني لأنك تعرف أن الجوع أرهق معدتي ومزقها مثل خنجر يطعن أحشائي الخاوية، وذلك كان لا بد من إخماد جوعي؟

حسناً، سأكمل الحديث عن جوعك، وكلّي أمل أن يتفاعل العالم مع مأساتك. كما أنك أصبحت أقرب إلى حيوان أليف.

لقد قام الفأر، لشدة جوعه، بقضم كل أغطية المُعلبات البلاستيكية. الجوع جعل أسنانه كأنياب الأسد. لقد قام أيضاً بقضم أجزاء من أرضية خيمتنا البلاستيكية، وكل يوم، كل صباح، كل ثانية، يشمشم الأرض ويدور بحثاً عن طعام بلا جدوى.

ذلك أن أصحاب المكان، أي نحن، إن كان يهمّكم أمرنا، لا نجد طعاماً يكفينا ويفيض عنا ليأكل هذا الفأر المسكين. كل يوم، بحمد الله وتيسيره، نجد ما نسدّ به رمقنا لنوقف "عصافير بطوننا" عن الزقزقة.

ومثلما يشم الفأر الأرض، نحن أيضاً نجوب أرض قطاع غزة بحثاً عن طحين. كل يوم، في بعض الأحيان ننجح.

لقد أسرّ لي الفأر في الحلم أمس بأننا حرمناه من رائحة الطعام الملتصقة في الأواني أيضاً. لا أريد أن أكون قاسية عليك، لكن هناك فئران تموت جوعاً.

بدأت أسمع صوتك، أيها القارئ، وأنت تلومني قائلاً: "أهل غزة يُجَوّعون الفئران؟ يا لهم من أشرار".

لكن أعذرني: كيف يُجَوّع المُجَوَّع؟ كيف يُجَوّع الفئران من دون إرادته؟ لا تلُمني وعائلتي. لا تظلمنا. وإذا كانت مشاعرك الحساسة قد تدفعك الآن إلى البكاء على هذا الفأر التعيس، ربما يجدر بك أن تتخذ موقفاً لكسر جوع غزة وكل ما يمشي على أرضها.

عليك أن تختار: هل تنصر فئراناً مظلومة ذنبها أنها موجودة في قطاع غزة الذي يُجَوَّع بتصميم وإرادة من الاحتلال الصهيوني الذي يُهندِس ويخطط لتجويعهم، بطريقة لا يُعلى على شرّها شر؟ أم ستصمت وتتجاهل موت الفئران جوعاً، كما صمت من قبل، ووقّعت بصمتك موافقاً على موت البشر — أطفال دون الخامسة وفوقها — جوعاً؟ ووافقت على انقضاض وحش المجاعة على كل الخيام في قطاع غزة. لا بد أن تعلم أن الحل الجذري لكسر تجويع الفئران، يكمن في كسر تجويع أهل غزة. لا مشكلة إن تحركت لأجل فأر، فهو حيوان... ونحن بشر. 

فلتختر يا صاحب الإنسانية!

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

اخترنا لك