مسلسلات العائلة.. "البطة السوداء" في الدراما العربية

الإضاءة على القضايا التي تتعلق بتفاصيل الحياة الأُسرية أمور تجاهلتها الروايات العربية، والأفلام العربية، والدراما العربية، والمسلسلات العربية، وتعاطت معها مثلما تتعاطى مع المخدرات أو مع أمر رذيل وموبق.

  • يحيي شاهين وآمال زايد في لقطة من الفيلم المصري
    يحيى شاهين وآمال زايد في لقطة من الفيلم المصري "بين القصرين" عام 1964

"العائلة" ليست مادة جاذبة للأعمال الدرامية العربية، ولا للروائيين العرب، ولا لكتّاب السيناريو في عالم الدراما والسينما العربيتين.

أمور لم تعلّمنا إياها الروايات العربية، والأفلام العربية، والمسلسلات العربية. قيمة العائلة. قيمة موعد "اللمّة" حول سُفرة الطعام، ليست في أنها مكان للأكل وهضم الأكل وقرقعة الشوك والملاعق والصحون في أثناء الأكل. 

أبداً، ليست سُفرة الطعام مكاناً كهذا، بل مكان يحجّ إليه كلّ أفراد العائلة، ليحسّوا بأهمية اتحادهم، وأهمية لمّتهم وجَمعتهم حول طاولة واحدة، حتى لو كانت بينهم ما ببن مالك والخمرة من خصومة وهجاء. 

هكذا تُوضَع الخلافات والمهاترات والمشكلات كلها بعيداً عن طاولة الطعام، حين يلتئم أفراد العائلة الواحدة حول السُفرة. يجلس الأب إلى رأس الطاولة، والأم إلى رأسها الثاني، ويلتمّ حولهما الأبناء والأصهار و"الكناين" والبنات، يجتمعون كلهم معاً، على رغم كل الخلافات بينهم، كأنّ الموعد موعد عبادة وميقات صلاة.

الإضاءة على القضايا التي تتعلق بتفاصيل الحياة الأُسرية أمور تجاهلتها الروايات العربية، والأفلام العربية، والدراما العربية، والمسلسلات العربية، وتعاطت معها مثلما تتعاطى مع المخدرات أو مع أمر رذيل وموبق، وكما لو أنها تحط من قيمة الرجل العربي.

إذ قلما نجد، أو ربما لا نجد في كلّ أعمال الدراما العربية والروايات العربية، الزوجَ الحنون على زوجته، والذي يحضّر بدلاً منها الطعام حين تكون مريضة، أو منهكة، أو متعبة، أو إذا "جايي عبالها" أن تأكل شيئاً يطهوه بيديه، ويضع فيه قبل الملح والبهارات نفَسَه. 

وإن وُجد هذا النموذج في الرواية العربية والدراما العربية فيتمّ وضعه في سياق السخرية من "رجولة" الزوج. 

كما لا يوجد في الدراما العربية الزوج الذي يشارك زوجته في إعداد الطعام في سائر أيام الأسبوع، والذي يحب أن يعدّ، من تلقاء نفسه، قهوة الصباح فيسكب لزوجته فنجاناً يشاركها في شربه.

قلما نجد في الأعمال الدرامية العربية نموذجاً عن الزوج الذي يرافق زوجته إلى كلّ مواعيدها الطبية عندما تكون حاملاً. إذ نادراً ما نراه جالساً إلى جوارها خائفاً حيناً، إذا كان حملها يمرّ في مشكلة طبية، أو "يطير" فرحاً عندما يستمع، عبر جهاز الفحص الروتيني للموجات فوق الصوتية، إلى صوت خفقان قلب ابنه في رحمها.

قد لا نجد في كلّ الأعمال الدرامية العربية صورة جنين يحملها أب معه في محفظته، والأكثر غياباً أو تغييباً أن يسجّل الأب، أو الأم، في هاتفها الذكي، صوت خفقات قلب جنينها، يسمعه الأب أو الأم، وكلاهما يتحرّق شوقاً إلى احتضان صاحبه. 

الزوج الذي يعين زوجته في كل شيء خلال حملها شبه غائب في معظم الأعمال الدرامية والسينمائية العربية. لأنّ الدراما العربية ترى أنّ هذا النوع من الأزواج لا يتلاءم مع الصورة النمطية للزوج العربي، والتي تسعى لترويجها: وهو إما على طريقة "سي السيد"، يأمر فيطاع، ويصرّخ فيُهاب، ويجعل كلّ من في البيت، حتى الهواء الذي تتنفّسه زوجاته، وليس زوجة واحدة، يُحسَب له ألف حساب. وهو إما على طريقة الزوج "النسونجي" الذي ينام في حضن هذه، ويستيقظ بين ذراعي تلك، تاركاً زوجته في البيت "كومة لحم أبيض"، خالية من الروح، وتذبل كلما زاد يوم في روزنامة زيجتها.

الرجل الذي يهتم بكلّ تفاصيل حمل زوجته، أولاً لأنها زوجته، وحبيبته وصائنة عرضه وشرفه، وفق المفهوم العربي والشرقي للزوجة، وثانياً لأنها تحمل في رحمها قطعة من روحه، ابنه وضناه. هذا الزوج، الذي من صلب مسؤولياته كزوج وأب، أن يدخل غرفة العمليات عند موعد ولادة زوجته، يشدّ على يدها لما تحاول أن تدفع الجنين، ابنهما، إلى الضوء، والحياة، خارج رحمها، يتعرّق مثلها لما يتصبّب العرق عن كامل جبينها ووجهها. يكزّ على أسنانه لما تصرخ زوجته من عوارض الطلق، يحبس أنفاسه لما تتوجّع، تنزف عيناه دمعهما لما تصرخ. 

هذا الرجل/الزوج مغيّب تماماً عن الأعمال الدرامية العربية، حتى لتشعر كأنه غير موجود بين أكثر من 300 مليون عربي. الحمض النووي لهذا الرجل لا يتوافق مع "مُود" الدراما العربية. الحمض النووي الخاص بهذا الزوج تجعله في نظر من يتحكّم في إملاء السيناريو على كتّاب الدراما حالة هجينة عن المجتمعات الذكورية العربية، التي يريدونها فقط من خرّيجي النوادي الرياضية، أو خريجي المراقص الليلية، أو خريجي السجون! وإلّا فإنّ الزوج العربي، الذي يعاكس هذا المزاج والتوجّه، لا هو منّا ولا نحن منه! له دينه ولنا ديننا.

اخترنا لك