غزة... خطوة نحو الأمل
غزةُ تتنفّسُ الصعداء وتخرجُ من كابوسِ الحرب الطويلة. المرحلةُ الأولى من «خطة ترامب» التي أُقرّت في شرم الشيخ تُعلن وقفَ الحرب على القطاع وانسحابَ الاحتلال وتبادلَ الأسرى. لكنّ وراء هذه الخطة أسئلةٌ كبرى: هل هي نهايةُ الحرب أم بدايةُ مرحلةٍ جديدةٍ من الصراع؟ هل تلتزمُ "إسرائيل" بالاتفاق أم تعودُ إلى الغدر؟ وما مصيرُ الدولةِ الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة مؤخرًا؟ تفاصيلُ اللحظةِ التاريخية، وخفايا الصفقة، في هذه الحلقة.
نص الحلقة
بيار أبي صعب: مساء الخير، إنها لحظةٌ تاريخية آسِرة، غزّة تتنفّس الصعداء وتخرج من كابوسها الطويل. المرحلة الأولى من خطة ترامب التي أُقرّت في شرم الشيخ تأذن بإنهاء الحرب على القطاع وانسحاب الاحتلال ودخول المساعدات وتحرير الأسرى، دفعت غزّة ثمناً يفوق كل خيال لكنها خرجت مرفوعة الرأس. عامان بعد السابع من أكتوبر لم يحقق العدو أهدافه في الميدان ولا استعاد أسراه ولا قضى على المقاومة ولا اقتلع شعب غزّة، وذلك على الرغم من التفوّق التكنولوجي والدعم الغربي، وعلى الرغم من الإبادة الفظيعة التي لم يشهد مثلها التاريخ الحديث. كان لا بدّ من خطة ترامب لانتشال نتنياهو، هذه الخطة المُفخّخة الغامضة الملأى بالثغر التفّت عليها المقاومة وحوّلتها إلى فرصة لوقف الإبادة ولتثبيت إنجازاتها وتضحياتها هل تحترم إسرائيل الاتفاق أم تواصل نهج الغدر والخديعة؟ هل هي خطوة خجولة على طريق الاستقرار في المنطقة أم فاصل قبل مواصلة الاعتداءات والحروب التوسّعية؟ وماذا عن سائر بنود الخطة التي تشرعن الوصاية وتفرض الاستسلام وترى غزّة مشروعاً استثمارياً وتحرم الفلسطينيين حق تقرير المصير؟ وأخيراً أين الدولة الفلسطينية التي اعترفت بها الأمم المتحدة قبل أسابيع في نيويورك؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها معنا في الاستوديو الكاتب والباحث في العلاقات الدولية الأستاذ وليد شرارة، ومن رام الله الدكتور أحمد رفيق عوض رئيس مركز القدس للدراسات المستقبلية في جامعة القدس، ومن القاهرة الدكتور جمال زهران أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة قناة السويس، أهلاً بكم جميعاً. أستاذ وليد هل يمكننا اعتبار اتفاق شرم الشيخ إنجازاً للمقاومة أم أنه خدعة إسرائيلية جديدة بإخراج أميركي؟
وليد شرارة: هو بدون أدنى شك إنجاز للمقاومة لأنه بعد عامين من حرب الإبادة الإسرائيلية الأميركية والغربية ضدّ الشعب الفلسطيني، صمود الشعب الفلسطيني في أرضه وإرادة المقاومة لدى فصائل المقاومة أجبرا جبهة الأعداء، الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وبقية دول الغرب، أجبرا هذه الجبهة على التراجع مؤقتاً والقبول بوقف إطلاق النار أولاً من أجل إطلاق سراح الأسرى الصهاينة، هذا هو الهدف المشترك لدى الجميع وفي المقابل تحقيق بعض مطالب المقاومة الفلسطينية، ولكن هذا الأمر لا يضمن أنه بعد نهاية المرحلة الأولى كما يسمّونها ألا تحاول هذه الأطراف الخِداع مجدداً بغية توجيه ضربة للمقاومة الفلسطينية وللشعب الفلسطيني واستمرار الحرب. تعلّمنا خلال حرب السنتين أن هذه الأطراف مُخادعة وأن ما ما يجري في غزّة هو جزء من مخطط كبير لإعادة بسط هيمنة حصرية للولايات المتحدة والغرب على هذه المنطقة. ما يجري في غزّة هو جزء من الحرب الكبرى التي تُخاض الآن في أنحاء الإقليم.
بيار أبي صعب: دكتور أحمد رفيق عوض ما الذي يضمن تطبيق إسرائيل لبنود الاتفاق، وقف والانسحاب وإطلاق سراح الأسرى وإدخال المساعدات؟ إلى أي مدى يمكن الوثوق بضمانة الوسطاء وضمانة الولايات المتحدة ولها سجّل أسود حافل في هذا المجال من اتفاق وقف إطلاق النار في يناير الماضي إلى صفقة الأسير الأميركي عيدان ألكسندر التي خُدِعت فيها حركة حماس؟
أحمد رفيق عوض: مساء الخير أستاذ بيار وأشكرك على هذه الاستضافة، وكذلك تحية للضيوف الكرام والمشاهدين. باختصار الهوامش التي تستطيع فيها إسرائيل الانقلاب على هذا الاتفاق ضيّقة ليس كما كان في السابق، أعتقد أن إسرائيل أيضاً بحاجة إلى الاتفاق، وأيضاً قدرتها على الانقلاب عليه مرة أخرى قليلة، لا أنكرها ولا أنفيها ولكنها قليلة وذلك للأسباب التالية: أولاً بعد عامين من هذه الحرب المجتمع الإسرائيلي أُنهك تماماً، ثانياً الإفراج عن الرهان الإسرائيليين سينزع سبباً مهماً وأساسياً لاستمرار هذه الحرب وتصبح هذه الحرب بلا شرعية، والمنظومة الأمنية الإسرائيلية وأطياف كثيرة من المجتمع الإسرائيلي تتّهم نتنياهو بأنه يقوم بحرب شخصية، هم يقولون إن هذه =الحرب أصبحت بلا جدوى. المسألة الأخرى أن إسرائيل لا تريد أن تتورّط أكثر فاكثر في المقاطعة وإدارة العالم الظهر لها. في الأصل أحد أسباب هذه الخطوة هو إنقاذ إسرائيل من نفسها وكسر العزلة عنها لأن الإدارة الأميركية تضغط بهذا الاتجاه وهي معنية هذه المرة بهذا النجاح إن شئت لأسباب مختلفة. الإدارة الأميركية لها أسباب شخصية وأخرى موضوعية للضغط باتجاه هذا الزُخم. المسألة الأخرى والمهمة أن إسرائيل لا تستطيع ان تغامِر هذه المرة بأن تعمّق أزمتها مع الإقليم ومع أصدقائها وحلفائها في المنطقة وأيضاً مع العالم لأن هناك وعوداً باندماج إقليمي في المنطقة، هذا ما وعدت به الإدارة الأميركية. لكل هذه الأسباب أعتقد أن هوامش إسرائيل في الانقلاب على هذا على هذه الخطة قليلة ولكن هذا لا يعني أن إسرائيل لن تماطل وتتلكّأ وستحاول أن تحسّن الخطة وستحاول أن تجوّفها، هذا كله معروف ولكن هوامشها قليلة وضيّقة.
بيار أبي صعب: دكتور جمال زهران لن يوقف الاتفاق ولا الخطة الشاملة التي سنعود إليها بعد قليل سياسات الولايات المتحدة وإسرائيل لبسط هيمنتها على الإقليم. كيف يمكن مواجهة مشاريع التوسّع والهيمنة بعد غزّة؟
جمال زهران: أولاً مساء الخير لك وللمشاهدين وشكراً على الدعوة، وتحياتي لهذا البرنامج المهم والمفيد للمشاهد والذي يعبّر عن توجّهات القناة وتوجّهات حضرتك وأسرة البرنامج. في ما يتعلق بالنقطة التي أشرتَ إليها أن الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية في عهد ترامب ونتنياهو وعصابة الحكم في الكيان الصهيوني، هؤلاء يعانون من أزمة كبرى، أزمة فكرة الانسحاب من الحروب المحيطة بهم وإعادة الهدوء للمجتمع والكيان الصهيوني كله والمستوطنين الذين هم في حالة فزع شديدة إما من صواريخ اليمن، وأثناء فترة الحرب مع إيران لإثني عشر يوماً، وإما في الحرب مع حزب الله أو الحشد الشعبي في العراق.هذه الجبهات جميعها ولّدت حالة فزع في داخل الكيان الصهيوني، حجم الخسائر التي عانى منها الكيان الصهيوني والجيش الصهيوني المرتزق على مدار عامين ضخمة جداً ولديهم إصرار وتعمُّد في إخفاء هذه الخسائر، حجم الخسائر تصل إلى مئة مليار دولار وفقاً لبعض التقارير للمجلاّت الاقتصادية مثل الإيكونوميست، ميناء إيلات أو أمّ الرشراش توقّف تماماً. في تحليل المخطط السياسي في أميركا وفي الكيان الصهيوني كما قال زملائي أنه يريد إنقاذ أميركا نفسها ومحاولة تبييض وجهها الأسود، ومحاولة لإنقاذ الكيان الصهيوني من الهلاك والدمار. لا يغرّنا سقوط سوريا ومحاولة حصار حزب الله ومحاولة حصار الحشد الشعبي، هم يريدون أن يطرحوا فكرة يخفون بها عوراتهم وخسائرهم وفي نفس الوقت يريدون استسلاماً من الطرف الآخر. نحن ننبّه المقاومة الفلسطينية والمقاومة العربية في كل الجبهات أن الطرف الذي ننتمي إليه عضوياً هو المنتصر لأن العدو الصهيوني لم يحقق أياً من أهدافه العامة أو الجزئية، لم تنتهِ المقاومة على مدار عامين، لم يحدث التهجير القسري، الشعب في غزّة لم ينتهِ، لم يستطيعوا السيطرة على غزّة رغم كل الدمار الشامل البشري والمادي إلا أن الحجر والبشركانوا ينطقون بالمقاومة. حرص المقاومة على القيام بعملياتٍ عسكرية جبّارة من مسافة صفر وإحداث خسائر ضخمة في صفوف العدو الصهيوني أنهك هذا العدو من الداخل، فإذاً هم طرحوا هذه المبادرة لإنقاذ أنفسهم وهم يتصوّرون أن الحلفاء في الإقليم سيّساندوهم في هذا الاتجاه لكن الحلفاء في حرج مع شعوبهم لأن الشعوب هي مع المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها.
بيار أبي صعب: أستاذ جمال سنعود إلى هذه النقطة بالتفصيل. دعنا نشاهد معاً هذا الكليب، الشرق الأوسط الجديد الذي يريده ترامب ونتنياهو هو عبارة عن دويلات عرقية وإثنية ودينية تقدّم الولاء الكامل لإسرائيل، فهل يدقّ العرب ناقوس الخطر؟ الكلام لعضو حملة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل في المغرب المهندس والمناضل أنيس بلفريج، لنستمع إليه.
أنيس بلفريج: دونالد ترامب ماهر في الخدعة والمقامرة، هو الآن يلبس ثياب السلام في انتظار جائزة نوبل للسلام، ولكن منذ ولايته الثانية لا يترك مجالاً للشعب الفلسطيني سوى بين الاستسلام والإبادة والتطهير العرقي جاعلاً من السياسة الخارجية الأميركية صنيعة إسرائيل وتُصنع في تل أبيب. مع الأسف الدول العربية والإسلامية لا تشكّل قوّة ضغطٍ كافية على الإدارة الأميركية رغم مواردها الهائلة وقدراتها على التأثير عالمياً، لكن عوامل عدة من المفروض أن تؤثّر على تراجع ترامب عن دعمه المطلق لنتنياهو، ونرى من ضمنها أن مجموعة ماغا التي تسانده في الانتخابات الأميركية ليست راضية عن تبعية ترامب لنتنياهو، وتقول ذلك علناً في وسائل الإعلام. عامان من الإبادة للشعب الفلسطيني في غزّة ومقاومته صامدة وتُكبّد العدو خسائر يومية جعلت الدول العربية والإسلامية تراجع الموقف وتكثّف الاتصالات بينها وبين الإدارة الأميركية، ولعلّها بدأت تدرك الخطر الوشيك عليها لأنه لا قدّر الله إذا سقطت فلسطين فهي ستكون الضحية الأولى، إسرائيل لا تخفي أطماعها في المنطقة وهذه الأطماع تتّسع إلى لبنان وسوريا والعراق والأردن والمملكة العربية السعودية ومصر. فبالتالي المقاومة الفلسطينية تشكّل الخط الأمامي للدفاع القومي العربي، ولعلّ العرب بدأوا يدركون ذلك لأن الشرق الأوسط الجديد الذي يريده ترامب ونتنياهو هو عبارة عن دويلاتٍ عرقية وإثنية ودينية تقدّم الولاء الكامل لإسرائيل، فهل سيدقّ العرب ناقوس الخط ويلتفّوا للدفاع بكل قوّة حول المقاومة الفلسطينية وينفّذوا العقوبات الصارمة ضد الكيان الصهيوني بدءاً بقطع العلاقات معه، فهل سيكون ذلك؟
بيار أبي صعب: أستاذ وليد شرارة بمعزل عن مفاوضات شرم الشيخ ونتائجها هناك خطة كاملة متكاملة من عشرين بنداً، هذه الخطة مرتجلة، هاوية، خفيفة تحيل ولا مرة واحدة إلى القوانين أو القرارات الدولية، هي خلطة شكّلها توني بلير مع جاريد كوشنر ومن بنودها الاستراتيجية أقتبس "إطلاق عملية حوار بين الأديان تروّج =لقِيَم التسامح والتعايش السلمي لتغيير العقليات والروايات الفلسطينية والإسرائيلية والتركيز على فوائد السلام"، هذه مثل فوائد الشمندر السكري في برامج الصحة، ما سرّ هذه الخطة أو الخلطة؟ ما هدفها؟ كيف ظهرت وتبلورت؟
وليد شرارة: بتقديري هذه الخطة هي مجرد غلاف أيديولوجي لمشروع تجديد الهيمنة الأميركية على الإقليم. المشكلة الحقيقية أن كل ما يجري، الحرب الإسرائيلية على غزّة والحروب الإسرائيلية على الإقليم تتمّ بشراكةٍ كاملة مع الولايات المتحدة. لا بدّ من إيجاد عناوين كبيرة لتغطية هذه الحرب. عدنا إلى السردية نفسها، ما الفرق بين هذا الحديث والحديث السابق عن المشروع الإبراهيمي، هو استعاضة لخطابٍ كان مطروحاً في المرحلة السابقة الغاية منه تبرير الهيمنة الأميركية على المنطقة ككل. حروب إسرائيل تندرج في سياق الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة، لا يمكننا فَهْم حروب إسرائيل خارج سياق هذه الاستراتيجية الكبرى. كيف يمكننا أن نفهم قيام إسرائيل بقصف قطر من دون الموافقة الأميركية؟ هناك مشروع لتجديد الهيمنة الأميركية على الإقليم بعدما كانت هذه الهيمنة قد بدأت بالانحسار ليس فقط لأن أطراف المقاومة في الإقليم كانت تعزّز قوّتها، حتى حلفاء الولايات المتحدة كانوا قد بدأوا بتنويع الشراكات وبناء علاقات متطورة مع المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة، مع الصين وروسيا وهذا جزء من اتجاه عام في كل جنوب العالم للتحوّط، لتنويع الشراكات، لعدم بقاء دول الجنوب أسرى لعلاقة حصرية مع قوّة دولية مسيطرة واحدة.
بيار أبي صعب: هذه عملية هزّ عصا.
وليد شرارة: من جهة هزّ عصا، العصا الغليظة الإسرائيلية عادت إلى وظيفتها الأصلية من جهة، ومن جهة أخرى هناك كلام عام عن سلام أميركي يعمّ المنطقة ويرعى مصالحات وتفاهمات، كلام ممجوج، خطاب أجوف كثيراً ما سمعناه في السابق ولكن الواقع أن الحرب تعمّ أرجاء المنطقة. إسرائيل تشنّ حرب إبادة على غزّة وعلى لبنان وتتوسّع جغرافياً في لبنان وفي سوريا، تقوم بقصف اليمن، قامت بقصف تونس، تشنّ عدواناً على إيران، الحرب في كل مكان وهناك مَن يأتي ليبيعنا فكرة أن هناك حوار أديان وتفاهمات وكلاماً من هذا القبيل. دائماً كانت الحروب الاستعمارية الكبرى تتمّ تحت عناوين عظيمة، علينا ألا ننسى بأن الغرب أباد نصف العالم تحت شعار المهمة الحضارية.
بيار أبي صعب: أستاذ عوض يبدو أن نتنياهو كان على وشك أن يرفض الخطة، حتى أن الرئيس ترامب هدّده بحسب إعلام العدو، خذها أو اتركها وإذا تركتها سنتركك وحدك ومع ذلك فإن رئيس حكومة الاحتلال عاد فعدّل البنود على هواه، حتى أن مسؤولي الدول العربية والإسلامية الذين اطّلعوا على المسودّة في نيويورك صُدموا بالنسخة النهائية كما أُعلنت من واشنطن. ماذا ستكون برأيك الخطوة التالية إذا نُفذ اتفاق شرم الشيخ؟
أحمد رفيق عوض: هذه الخطة تحقّق أيضاً أهداف إسرائيل التكتيكية والاستراتيجية، هذه الخطة وكما قيل وهذا ما ذكرته الصحافة الإسرائيلية صيغت بروحية إسرائيلية وأُعطيت إلى الإدارة الأميركية حتى تكتسب المصداقية والزُخم. التخوّفات الإسرائيلية الآن من هذه الخطة كما كان في السابق عندما طرح بايدن خطته والتي هي خطة إسرائيلية ورفضها نتنياهو، كان ذلك بهدف ربح الوقت وللعلاقات العامة. الآن هذه الخطة التي صيغت بروحية إسرائيلية وصاغها ديرمر الوزير المقرّب لنتنياهو، الحكومة الإسرائيلية ترفض هذه الخطة أو تتخوّف منها لأن أثمانها ثقيلة جداً على إسرائيل بمعنى الانسحاب وإطلاق سراح الأسرى وبمعنى أن حكم غزّة قد لا يكون بِيَد إسرائيل، بمعنى أن حماس قد تبقى وقد تستغلّ الأوضاع بحيث لا يتمّ تجريد سلاحها أو طردها. كل هذه هي خسارات لإسرائيل. برأيي أن إسرائيل ستتلكّأ كما قلتُ في تطبيق هذه الخطة هذا إن كانت هناك سلاسة في الانتقال من المرحلة الأولى إلى الثانية لأن المرحلتين الثانية والثالثة صعبتان جداً. إذا لم تكن هناك نوايا حقيقية قوية أو إرادات قوية وإذا لم يكن هناك ضغط وزُخم أميركيين لإنجاح هذه الخطة فإن في هذه الخطة ألغام وأفخاخ كثيرة، وترجمة هذه الخطة متعدّدة ومختلفة، وكما قال الأستاذ وليد ليس لها مرجعيات، المرجعيات هي تفسير أميركي أو بريطاني أو إسرائيلي أو عربي، وبالتالي ما دامت هي تخضع للتفاسير وليس لديها مرجعية نحتكم إليها ولا معايير فبالتالي كل طرف يستطيع أن يقول هكذا هي الخطة، بالتالي قد تكون هناك مفاجآت وربّما انفجارات أيضاً.
بيار أبي صعب: أستاذ زهران خطة ترامب تتحدّث عن مجلس سلام يحكم القطاع وقوّة استقرار دولية ومنطقة اقتصادية حرّة ضمنياً تحت سيطرة إسرائيلية، كل ذلك من دون عودة إلى الشعب الفلسطيني، هذا تكريس للاحتلال بالمعنى الكامل، أليس كذلك؟
جمال زهران: هذه خطة أميركية الصنع وآلية التنفيذ هي الكيان الصهيوني والحلفاء من الإقليم سواء عرب أو شرق أوسطيين. وفي تقديري أن هذه الخطة لن تمرّ أساساً وستنحصر فيما آلت إليه الأمور في شرم الشيخ بالتوافق حول المرحلة الأولى وستتوقّف بقية =المراحل التي ستبقى محصورة في فكرة الانسحاب الصهيوني الكامل من غزّة الصهيوني ثم وقف العدوان ثم تبادُل الأسرى من الجانبين ثم دخول القوافل لتنشط ومن ثم ستتوقّف الأمور عند ذلك. الكيان الصهيوني سيسعى جاهداً للتلاعُب بما يتمّ الاتفاق عليه قَدْر الإمكان، والتجربة على مدار عامين كاملين تؤكَّد لنا بألا ضمانة للأميركيين والصهاينة، وحتى قبل السنتين، نتذكّر أن بوش الأب بعد الحرب الكبرى على العراق ا، حرب تحرير الكويت في 1991-1992 حيث قال لهم سنقيم دولة فلسطينية وخدع كل الأطراف وتمّ اللقاء في مدريد للسلام ومضى 33 عاماً على هذا الموضوع ولم يحدث أي إنجاز مادي، إذاً هم يتلاعبون بالمنطقة وبإيراداتها ويسعون دائماً لتمكين الكيان الصهيوني بحيث يزداد قوّةً وهيمنة على المنطقة بالوكالة عن المستعمر الأكبر وهو أميركا. عقب التوافق الذي حصل في شرم الشيخ، القرار صدر عن ترامب، الخبر منشور في كل وسائل الإعلام، ترامب يقرّر وقف إطلاق النار، وقف الحرب في غزّة، هو يريد أن يأخذ جملة أمام العالم، وبايدن قرّر وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وبالتالي هم الطرف الأصيل أما نتنياهو وغيره لا يُسمع لهم صوتاً وكل الخلافات الظاهرية في داخل الكيان هي خلافات في داخل البيت الواحد الأميركي، فالطاعة هي لأميركا وما لم نضغط على أميركا فإن الأمور ستسير خطوةً بخطوة. نستطيع أن نستجلب بعض المكاسب للمقاومة والمقاومة هي التي كسبت خلال عامين وهي التي ستكسب في الأيام القادمة والمشروع فاشل من أساسه.
بيار أبي صعب: ذكرتَ اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب لبنان الذي كان خديعةً كبرى، نجّا الله غزّة.
جمال زهران: بالتوافق مع إيران على أن يتمّ اللقاء في عمّان يوم الأحد وتمّ قصف إيران يوم الجمعة، هؤلاء لا يُؤتمن جانبهم.
بيار أبي صعب: شكراً، فاصل قصير ونعود. أهلاً بكم مجدداً ==أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد". اسمحوا لي أن أعيد الترحيب بضيوفنا الليلة الأستاذ وليد شرارة في بيروت، الدكتور أحمد رفيق عوض في رام الله، الدكتور جمال زهران في القاهرة. نصل الآن إلى الجزء الثاني من حلقتنا مع فقرة "على محمل النقد"، بحسب الكاتب والمحلّّل السياسي إبراهيم المدهون مدير المؤسّسة الفلسطينية للإعلام "فيميد" لا بدّ من جبهةٍ وطنية فلسطينية موحّدة لمُجابهة تحديات اليوم التالي، إبراهيم المدهون من إسطنبول نتابع معاً.
إبراهيم المدهون: خطة ترامب خطيرة جداً وقد صيغت لتُرفض من المقاومة الفلسطينية ولتمنح الاحتلال الإسرائيلي شرعية الإبادة والقتل والتدمير، ولذلك فإن حركة حماس حينما تلقّت هذه الخطة والتي صاغ مجموعةً من بنودها نتنياهو نفسه كانت أمام خيارين، إما أن ترفض هذه الخطة وتتصادم مع ترامب ومع الإدارة الأميركية أو أن تستسلم وتقبلها، وبهذا الأمر تكون أمام مرحلة خطيرة من مرحلة الصراع والانهيار، ولهذا فإن حماس تعاملت بذكاء مع هذه الخطة، قامت بمشاورات معمّقة ان كان داخلياً في أطرها القيادية والسياسية والعسكرية أو خارجياً مع الفصائل الفلسطينية أو مع الدول الصديقة ووالوسطاء، وخرجت بردّ أعتقد أنه ذكّي صاغته بنفسها وتوجّهت بأنها تقبل بالمرحلة الأولى، تقبل بمبدأ التفاوض على هذه الخطة والتي كان أهم بنود المرحلة الأولى فيها إطلاق سراح جميع الأسرى، وهناك استعداد من قِبَل حركة حماس لإطلاق سراح الأسرى مقابل وقف الإبادة وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي. اليوم الاحتلال الإسرائيلي يفاوض حماس على وقف الإبادة وأيضاً على انسحاب قوّاته من كامل قطاع غزّة، الاحتلال يرفض ذلك إلى الآن وحماس أيضاً ترفض أن تطلق الأسرى من دون انسحاب إسرائيلي كامل. أيضاً هناك بعض القضايا الملغومة التي أرجأت حماس التحدّث عنها، مثلاً موضوع السلاح، موضوع مَن سيُدير غزّة، حماس أعلنت أنها لن تُدير غزّة لكنها باعتقادي ستوكِل الأمر إلى التفاوضات الوطنية، وأنها لن تقبل إلا بإدارة وطنية فلسطينية ولن تسمح لشخصيات مثل توني بلير المُقرّب جداً من إسرائيل والصديق لإسرائيل والذي لعب دوراً سيّئاً جداً في الرباعية الدولية وفرض الحصار على قطاع غزّة أن يعود الآن بعد أن فشلت الدبابة الإسرائيلية بهزيمة شعبنا وبهزيمة المقاومة أن يعود حاكماً لغزّة. هذا الأمر مفروغ منه ولكن من السابق لأوانه الحديث عنه، هناك خطوط =حمر تضعها حماس وأعتقد أنها تريد أن تكون هناك جبهة وطنية فلسطينية موحّدة لمُجابهة كل هذه التحديات. الأهمّ اليوم هو وقف الإبادة، وقف العدوان على غزّة، وقف تجويع شعبنا وانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزّة. أعتقد ان شعبنا قادر على ترميم ذاته وعلى استعادة قواه وعلى مواجهة التحديات.
بيار أبي صعب: دكتور عوض في أحد بنود خطة ترامب الهاذية نقرأ "مع تقدّم إعادة إعمار غزّة وتنفيذ برنامج إصلاح السلطة الفلسطينية بشكلٍ صحيح قد تتوافر أخيراً الظروف لمسار حقيقي نحو تقرير المصير والدولة الفلسطينية". هذا ليس فقط احتقاراً تاماً لاعتراف الأمم المتحدة بفلسطين وإنما هذه عودة إلى ما قبل أوسلو.
أحمد رفيق عوض: السلطة عملياً سترسب في الامتحان، هذه الصياغة الغامضة المطّاطة وأشكرك أنك قلت احتقار، إسرائيل وأميركا لا تحترمان الحدود ولا الأنظمة ولا الشعوب ولا الثقافات ولا مَن يحزنون، فكرة الطرد مثلاً، الضمّ، التفكيك، التهجير، هذا احتقار للشعوب كلها، هذه الصياغة وهي صياغة غامضة جداً وكل فُقهاء القانون والسياسة لم يفهموا معنى "قد تقود"، هناك مشكلة كبرى وتعقيد ونوايا مُبيّتة في عدم رغبتهم في التحاور مع السلطة أو حتى في إقامة دولة فلسطينية أو الاعتراف بها، هذا كلام صِيْغ بناءً على ضغط ما أو لإرضاء أطراف عربية ليس أكثر لأن عودة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزّة مرهون بالإصلاح والتطوير، وهذا الإصلاح والتطوير بالنسبة لإسرائيل مستحيل لأنها لن تترك غزّة لعربي آخر، ممنوع على فتح أو حماس أن تحكما غزّة. الأميركي يقول إنه يمكن للسلطة أن تحكم إذا قامت بالإصلاح والتطوير والسلطة راسبة أساساً في هذا الامتحان. بالتالي الكلام يجري عن كيانات أو إدارات محلية عشائرية إلى آخره، عملياً هم يريدون ما قبل الدولة أصلاً، هم لا يعترفون بنا كشعب ناضج بل يعتقدون أننا شعب متخيّل، لذلك هم يريدون أن يعطوا الإدارة الفلسطينية في الضفة وفي غزّة إلى عشائر وجهات جَهَوية، إقليمية، قبلية. هم لا يعترفون بنا كدولة، وفي الضفة الغربية بدأوا بالحديث عن فكرة إمارة الخليل وكأننا عشائر ما قبل الدولة،.هذه الصياغة لا تشي بالخير ولا تشي بأيّ مستقبل جيّد بل هي تصعّب الأمر جداً خاصةً وأنها ليست معتمدة على قراراتٍ دولية سابقة ولا على اعتراف الأمم المتحدة بدولةٍ فلسطينية.
بيار أبي صعب: أستاذ وليد شرارة خطة ترامب تَعِد الغزّيين بالرخاء الاقتصادي والازدهار، الأميركي دائماً يعتقد بإمكانية حلّ المعضلات والمسائل الوطنية والقومية المعقّدة بمنطق السوق.
وليد شرارة: بعد الإبادة الرخاء، في ما يُطرح هناك إهانة لذكائنا ولذكاء بقية شعوب العالم لا توصف، لدينا تجربة تاريخية طويلة تحدّث عنها الدكتور عوض من الخِداع الأميركي، هناك للدكتور رشيد الخالدي بعنوان "عرّابو الخِداع" عن الرعاية الأميركية لما يسمّى بمسار السلام، فرضيته الأساسية أنه لم تكن هناك نيّة لدى الولايات المتحدة بأن يُعطى الفلسطينيون دولة أو دويلة أو حتى شبه دويلة. هناك كتاب آخر صدر لمُفكّر يهودي =أميركي اسمه سِت أنزيسكا عنوانه "مَنْع قيام فلسطين". السياسة الأميركية قائمة على دعم المشروع الإسرائيلي الاستيطاني الاقتلاعي الإحلالي، هم لا يريدون إعطاء الفلسطينيين شيئاً. حينما نستغرق في نقاش أنهم يَعِدون الغزّيين بالرخاء، علينا ألا ننسى أن كل حروبهم في المنطقة كانت تليها وعود بالرخاء، خلال الحرب على العراق في العام 1991 جرى الحديث عن نظام دولي جديد وعن سلام في المنطقة، في العام 2003 حرب العراق وإعادة صياغة الشرق الأوسط، والديمقرطة والرخاء، وفي لبنان أيضاً. هم جماعة ليس لديهم خيال، هم يكرّرون باستمرار ما فعلوه في السابق، هذا الكلام لا ينطلي على أحد. نحن في الحقيقة علينا أن نوطّن أنفسنا على الفكرة التالية، نحن في حرب تحرير وطني طويلة الأمد، في حروب التحرير الوطني الطويلة الأمد قد تمّر فترات هِدَن أو تسويات مؤقتة ولكن الأفق هو استمرار الحرب بجميع الوسائل الاقتصادية والسياسية والعسكرية. السؤال هو كيف ستستطيع المقاومة الفلسطينية اليوم الاستفادة ممّا يجري لتعيد تنظيم أوضاعها من أجل الاستمرار في الصراع، الأفق هو استمرار الصراع ولا شيء آخر.
بيار أبي صعب: دكتور جمال زهران أسألك وأنت عضو سابق في مجلس الشعب المصري، هل تتوقّع أن تقبل مصر بوجود إسرائيلي دائم في رفح على طول محور فيلا دلفيا الذي يفصل غزّة عن سيناء؟
جمال زهران: أودّ بدايةً أن أعلّق على فكرة الأخ العزيز الدكتور وليد وقبله الدكتور عوض أننا نواجه مشروعاً أميركياً استعمارياً، نواجه فكرة تجديد حقبة استعمارية للهيمنة على الإقليم بطرق وأدوات قد تكون مختلفة في الشكل لكن في المضمون واحدة. أنا أؤيّد الكلام الذي قاله الدكتور وليد والدكتور أحمد لأن الكيان الصهيوني هو أداة مفروضة على المنطقة والإقليم منذ ما قبل 1948 عن طريق التوطين والتغلغل في داخل المنطقة والكيان الفلسطيني كله والسيطرة حتى تمّ إعلان القرار 181 لسنة 1947 بتقسيم فلسطين إلى ثلاثة أجزاء. الدولة الفلسطينية لم تُمكّن من الإنشاء منذ البداية، نحن مقبلون على حرب تحريرواستقلال مستمرة، وقد كتبتُ عن ذلك مراراً منذ أكثر من 30 عاماً بأن المقاومة هي الخيار الاستراتيجي لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ولا بدّ من زوال الكيان الصهيوني. أما في ما يتعلق بالنقطة التي ذكرتها فأنا كنتُ من الصقور التي تنادي بتحرير فلسطين وكنا مع تحرير لبنان أيضاً من الاحتلال الصهيوني في 2000 و2006 إلى آخره، مصر لا يمكن أن تقبل بكَسْر معاهدة كامب ديفيد المشؤومة والتي لا بدّ من تحرير مصر منها حتى يعود الدور المصري الإقليمي القائد الداعِم للمقاومة كما حدث في محادثات شرم الشيخ. هنا استُحْضِر مشهد ممتاز نحيّي مَن صعنه لأنه لم يترك حماس وحدها في مواجهة المفاوض الأميركي الصهيوني بل أعطى فرصة للجهاد الإسلامي وللجبهة الشعبية الديمقراطية بالتواجد من خلال قياداتها ورموزها الكبار مع رموز حماس فأصبحت المقاومة وحدة واحدة تستطيع أن تعطي رسالة للعالم أننا لن نتنازل عن حقّنا في تحرير فلسطين، وإن حدث فهي هِدَن مؤقّتة لكن مصر لن تقبل بكَسْر كامب ديفيد ولن تقبل بأن يتواجد الكيان الصهيوني على الحدود المصرية لأن الاتفاقات تفترض وجود مسافة قد تصل إلى ثلاثة كيلومترات من الجانبين تبقى خالية وممنوع التواجد فيها. الكيان الصهيوني خلال العامين انتهك الاتفاقية وأسقطها عملياً، الأمر الذي دفع الجيش المصري المحترم الوطني للتواجد بكثافة في منطقة شمال سيناء كي يكون على أهبة الاستعداد في حال تجاوز الخط الأحمر على الحدود المصرية، وهو ما لا يقبل به الجيش بغضّ النظر عن الحاكم، الجيش لن يقبل أن يُكْسَر مرتين في العام 1967 واليوم، ولذلك هو يدعم المقاومة، والدولة المصرية بشعبها وجيشها وقيادتها تدعم في إطار المُتاح وليس في الإطار الذي نتمنّاه، ونحن نحاول أن نمارس ضغطنا على الدولة المصرية كي يعود الدور المصري إلى رونقه وقيادته ورمزيّته.
بيار أبي صعب: دكتور عوض =على ذِكر اجتماع الفصائل الفلسطينية في شرم الشيخ سؤال أخير، خطة ترامب تقصي السلطة الفلسطينية بالكامل، ما دور السلطة اليوم؟ أين هي من مخطط اليوم التالي في غزّة؟ هل حان وقت استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية وخلق إطار وطني جامع لمواجهة تحديات المرحلة؟
أحمد رفيق عوض: هذا كلام مهم، لم يعد ترفاً ولا تمريناً عقلياً، هذا تفرضه الوقائع، يفرضه الدم، تفرضه المذابح والمجاعات، إلى أين وصل بنا الحال كفلسطينيين، الاتفاق على صيغة، على رؤية، على استراتيجية واحدة، على تمثيل واحد هو ضروري جداً من أجل الدولة الفلسطينية، من أجل أن نقول للعالم الذي اعترف بنا أننا موحّدون، إذا لم تكن هناك وحدة وطنية بالحدود الدنيا فهذه فضيحة. دور السلطة الفلسطينية من الناحية الإسرائيلية الأميركية يكاد كان معدوماً، إسرائيل ترفض أن تعود السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزّة بتهمة أنها فاسدة وإرهابية وعليها أن تدخل مساراً هائلاً من الإصلاحات، المسألة ترتبط بأن إسرائيل هي المعلّم وهي التي تصلح الورقة الفلسطينية، ولكن السلطة الفلسطينية تستعد وقالت إنها قدّمت أوراق الاعتماد كلها وابدت استعدادها لكل الشروط، هي تعتمد على الجهد العربي والأوروبي الذي يقول بأنهم يحفرون لها مكاناً في المستقبل القريب وبأن تأخذ أدوارها في قطاع غزّة من خلال تعيين لجنة إدارية من خلال شرطة فلسطينية تتدرّب الآن في الأردن ومصر، بمعنى أن للسلطة الفلسطينية هي خيار مهم ولا بديل له وهو عنوان مقبول، ولكن حتى العرب والأوروبيين يقولون إنه يجب أن يكون هناك تطوير وإصلاح داخل السلطة الفلسطينية.
بيار أبي صعب: دكتور جمال زهران حسب خطة ترامب لن يُجبر أحد على مغادرة غزّة، ومَن يرغب في المغادرة سيكون حرّاً في ذلك وحرّاً في العودة، هل يمكن تصديق ذلك؟ كيف سيعيش سكان غزّة أصلاً؟ لنترك جانباً مخطّطات التهجير المعروفة لدى ترامب ونتنياهو، إن حجم الركام في القطاع يتجاوز الستين مليون طناً أي أن نقله يتطلب مائة شاحنة يومياً حتى العام 2050.
جمال زهران: أنا أرى أن فكرة التهجير القسري والإرادي أو الطوعي غير مقبولة لا فكرياً ولا واقعياً لأن الشعب العربي في غزّة قدّم نموذجاً للصمود الأسطوري في التاريخ لم تعشه التجارب الأخرى، لا في فيتنام ولا في الجزائر التي احتُلّت 132 عاماً من فرنسا، من أحقر أنواع الاستعمار في العالم، ولا جنوب أفريقيا من الاستعمار الإنكليزي. نحن أمام نموذج جديد لا يمكن أن يتركوا غزّة حتى وإن ناموا في العراء، لن يتركوا أرضهم، هذا ما قالته المقاومة، ولذلك فإن فكرة استحضار السلطة الفلسطينية في المشهد كي تشارك في إدارة غزّة غير مقبولة، هم الآن سيطروا على السلطة وقد منعوها من الحديث في الأمم المتحدة، هذه السلطة انتهت مثل سلطة سايغون في فيتنام، انتهى عُمرها الافتراضي ولا بدّ من انضمام حركة فتح المسلّحة إلى فصائل المقاومة والتنسيق لاستمرار المقاومة في الضفة الغربية وفي قطاع غزّة حتى يُجْبَر العدو الصهيوني على الخروج المذلّ من الإقليم وستُجْبَر أميركا على ذلك أيضاً. حين نرى بايدن وهو يذهب إلى أفغانستان ويسحب جنوده بعد عشرين عاماً من الاحتلال سوف نرى أن الكيان الصهيوني تقرّر في أميركا بعد أن صار عبئاً على الأميركيين واستنزف مواردها، هناك إنفاق بقيمة 30 ملياراً على الأدوات العسكرية وخسروها. إذاً قد نشهد هذا الفصل أمامنا على أمل أن يُطيل الله بأعمارنا كيف سيهرع المستوطنون بسرعة إلى الموانئ والمطارات لكي ينقذوا أرواحهم بعد الخروج المذلّ من الكيان، وهنا تكون المقاومة الفلسطينية الموحّدة جاهزة لإدارة شؤون فلسطين بعد التحرّر والاستقلال.
بيار أبي صعب: أشكرك دكتور زهران، كلامك يمنح المعنويات. أستاذ وليد شرارة أما زال هناك تناغم أميركي إسرائيلي في التعامل مع الشرق الأوسط أم أن ترامب تحت ضغط جزء كبير من جمهوره يدعوه إلى العودة والاهتمام بالشؤون الداخلية للمنزل له وجهة نظر وعنده استراتيجيات لا تتماشى بالضرورة مع رؤية إسرائيل الكبرى.
وليد شرارة: قد يختلف أحياناً =ترامب مع مشروع إسرائيل الكبرى ولكن الذي يحكم حركة ترامب في النهاية هي الدولة العميقة في الولايات المتحدة التي لديها مشروع تجديد الهيمنة كما قلنا في البداية على الإقليم وترسيخ هذه الهيمنة، والطرف الإسرائيلي يعمل في إطار هذه الاستراتيجية الكبرى، لذلك قد تحصل أحياناً تبايُنات تكتيكية، ربّما يودّ الطرف الإسرائيلي الذهاب إلى ابعد ما يريده الأميركيون. الولايات المتحدة اليوم تريد دولاً خاضعة، لا مانع لديها من تفكيك بعض الدول وإعادة تركيبها كما فعلوا في العراق على أسسٍ طائفية وفيدراليات. الطرف الإسرائيلي قد يدفع باتجاه التفتيت الكامل، في سوريا مثلاً نرى أن هناك دعماً أميركياً للحُكم السوري الحالي بينما إسرائيل تدفع باتجاه تفكيك سوريا. هناك تبايُنات ولكن لا تستطيع إسرائيل بالنتيجة أن تفرض أجندتها على الولايات المتحدة، مَن يفترض أن إسرائيل تستطيع أن تفرض أجندتها على الولايات المتحدة هو مَن يعتقد بأن الأرض تُجذب للتفاحة وليس العكس. الولايات المتحدة هي القوّة الإمبراطورية الرئيسية، ومن دون الدعم الأميركي فإن إسرائيل لا تستطيع أن تستمرّ في الحروب لأكثر من أسبوعين، هذا وفق تقدير كل الخبراء الجدّيين، لذلك نحن في الحقيقة نواجه الولايات المتحدة ومشروعها الإمبراطوري ولكن علينا أن نعلم اليوم أن موازين القوى الدولية في العالم تتغيّر، أن نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة بدأ بالانحسار، وهي تحاول اليوم من خلال الحرب والضغوط والتهويل أن تستعيد السيطرة لكن التحوّلات العميقة التي تحصل ستفرض بالنتيجة الهزيمة على المشروع الصهيوني ومشروع إسرائيل الكبرى وستفرض انحسار النفوذ الأميركي على الإقليم.
بيار أبي صعب: سؤال أخير بإيجاز، هل انتهى زمن المقاومة المسلّحة في فلسطين بعد غزّة؟
وليد شرارة: في مواجهة مشروع الإبادة الصهيوني والتطهير العِرقي اليوم أكثر من أية مرحلة سابقة المقاومة المسلّحة هي الخيار الوحيد، هويّتي بندقيتي.
جمال زهران: سيّدي الكفاح المسلّح سوف يظلّ حتى تحرير فلسطين، وتعويضنا نفسياً وعروبياً عمّا فقدناه من بشرٍ نتيجة الإبادة الجماعية الحقيرة التي قام بها الصهاينة الذين هم وكلاء أميركا، وأنا أتّفق مع الدكتور وليد في هذا.
بيار أبي صعب: جميل أن السؤال استفزّك وهذا دليل خير. كلمة الختام للشاعر والسياسي المارتينيكي إيمّي سيزير "بين المُسْتَعْمِر والمُسْتَعْمَر لا مكان إلا للازدراء والريبة، يحدّثوننا عن التقدّم، عن الإنجازات، عن التعافي، عن الازدهار والارتقاء الاجتماعي، أسمع صوت العاصفة، أرى مجتمعاتٍ مجرّدة من الروح، ثقافات مطموسة، أراضٍ منهوبة، معتقدات مشوّهة، إبداعات مسحوقة، آفاقاً مسدودة في وجه المستقبل، ذلك هو الاستعمار".
شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب: وليد شرارة، أحمد رفيق عوض، جمال زهران، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.