السيد عبدالله صفي الدين - ممثل حزب الله في إيران (الجزء 01)

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد هاشم صفي الدين، يفتح شقيقه السيد عبدالله صفي الدين، المسؤول عن الملف الإيراني في حزب الله، صفحات من مسيرة قيادية امتدت لأكثر من ثلاثة عقود. في هذا الحوار الخاص، يكشف عن كواليس المرحلة التي أعقبت استشهاد السيد، وآلية انتقال القيادة داخل الحزب، ودور السيد هاشم في تثبيت الاستمرارية التنظيمية والسياسية للمقاومة.

نص الحلقة

 

غسان بن جدو: مشاهدينا المُحترمين، سلام الله عليكم. مُحبٌ كبير للسيّد الشهيد حسن نصر الله ورفيق حُقبة تاريخية مُعاصِرة بالمقاومة إعلاميًّا وفكريًّا واستراتيجيًّا.

أبلغه قيادي في الحزب بعد ساعات ثلاث من الغارات العدوانية على مقرّ غرفة عمليات قيادة المقاومة، حيث كان سيّد الأمّة، أبلغه بأن قيادة حزب الله تتعاطى على أساس أن السيّد حسن سما إلى العُلى شهيدًا، أي اسْتُشهد.

طبعًا صُدِم هذا المُحبّ وَجعًا وألمًا، ومع ذلك، وللاطمئنان على قيادة الحزب واستمراريّته، سأل القيادي مباشرة: «هل السيّد هاشم بخير؟» أجابه: «نعم، السيّد هاشم بخير والحمد لله، لم يكن في غرفة العمليات، وهو يتابع التطوّرات ويتواصَل معنا في القيادة على أمل أن نعيش مُفاجأتنا الكبرى في هذه الدنيا»، أي نجاة سماحة السيّد، كما قال.

=مغزى هذه الرواية أن بقاء السيّد هاشم على قَيْد الحياة في ذلك الوقت ليقود الحزب خلفًا للسيّد حسن كان يشعر الكوادر والأنصار والجمهور العام العارِف بطمأنينة الاستمراريّة.

الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لحزب الله، كشف للميادين أنه كان يعرف أن السيّد حسن يرتاح للسيّد هاشم أن يكون خليفة له، وأنه هو بنفسه، أي الشيخ نعيم، مَن اتّصل بالسيّد هاشم غَدَاة استشهاد سيّد الأمّة ليقول له إنه سيتواصل مع قيادة الشورى لانتخاب السيّد هاشم رسميًّا أمينًا عامًّا. في إشارةِ إثباتٍ إلى قيمة المسؤولية والأمانة التي يحتضنها الشيخ نعيم.

المُفارَقة، كما روى الشيخ نعيم، أنه حين فاتَحَ السيد هاشم هاتفيًّا بأمر ضرورة انتخابه أمينًا عامًّا، تمنَّع السيّد هاشم، مُتمنيًّا على الشيخ نعيم القبول بالمسؤولية.

لعلّها رواية تُلخّص طينة هؤلاء الرجال القادة، الأحياء منهم والشُهداء.

في الواقع، مَن عَرَفَ السيّد هاشم يُدرك أنه كان بالفعل قياديًّا استثنائيًّا في المقاومة، وقائدًا إداريًّا تنظيميًّا وتنفيذيًّا أكثر من كونه رائدًا استثنائيًّا.

ليس في هذا الكلام مديح إنشائي، فلا مصلحة دنيوية باقية لأمثالنا مع شهيد.

الشهيد الهاشمي، رفيق درب السيّد حسن في الحياة إلى الساعات الأخيرة، أبى أن يرحل هو الآخر إلا رفيقًا لدرب السيَد نصر الله في الآخرة أيضًا.

=يا الله، كم مَكْرُمة ربّانية حاضِنة في خاتِمة السيّد هاشم! فحتى بعد ارتقائهما إلى العُلى، لن تذكرهما الدنيا والتاريخ والأجيال إلا معًا: في الذِكرى، في الصورة، في التوثيق، تمامًا كما جمعهما تشييع جماهيري لبناني عربي إسلامي بل أممي حاشِد لا نَظير له في تاريخ لبنان والمنطقة لزعماء شعبيين خارج إطار السلطة والحُكم والنظام. إلا في قرار قيادة مقاومة قدَّمت الغالي والنفيس في سبيل الوطن والشعب والأمّة وفلسطين وقُدْسِها.

للسيّد هاشم عائلة دافِئة وأسرة واسعة كريمة وإخوة وأبناء هم بالفعل المقاومون المُتجذّرون.

بعضهم كان على الدوام على تماسّ بالقرار وحيثياته، بالعلاقات وكواليسها، بمحور المقاومة وأسراره، بالسيّد الأمّة السيّد الشهيد نصر الله، وكثير من مفاصل حركته بالسيّد هاشم صفي الدين، وما هو أكثر من شقيق وسفير وأمين وكاتِم أسرار وخفايا.

نتحدَّث هنا عن السيّد عبد الله صفي الدين، شقيق السيّد الهاشمي، وهو سفير فوق العادة لحزب الله المقاومة في إيران الجمهورية الإسلامية.

هو المسؤول التاريخي عن الملف الإيراني، وما أدراك ما الملف الإيراني بكل عناوينه وتراكُماته التاريخية الأغنى في قاموس حزب الله الخارجي على الإطلاق.

السيّد عبد الله الصبور على ثِقل الحِمْل، القوي بثباته وإصراره، القيادي بتواضعه وبكِتْمان شديد، الشقيق بحب، صاحب أمانة الثقة من السيّد حسن.

ما أجمل أمانة الثقة، سيّد عبد الله! وكم هو رفيع المكانة ومَن حظيِ بأمانة الثقة هذه.

السيّد عبد الله صفي الدين يخرج عن صمته الحزين المُعبّأ بالإيمان والأمل، ويفتح بعض صفحات دفاتره في هذا الحوار الخاص.

السيّد عبد الله صفي الدين، الشقيق القيادي، حامِل الأسرار، أمين الثقة بجدارة، 35 عامًا من الكَدْح بتوفيقٍ في إدارة الملف الإيراني الأهمّ والأشدّ حساسية وتعقيدًا في حزب الله المقاومة.

أهلًا بكم إلى هذا الحوار الخاص في الذِكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيّد هاشم صفي =الدين، لنتحدّث عنه رحمه الله، وعن السيّد حسن نصر الله رحمه الله، وعنه بصفته إنسانًا وقياديًّا كبيرًا في حزب الله برتبة أمين عام أيضًا.

مرحبًا، سيّد عبد الله.

 

عبد الله صفي الدين: أهلًا وسهلا بكم، وشكرًا. نسأل الله التوفيق، وأن نكون عند حُسْن ظنّ جميع المشاهدين وجميع الناس. وفقط للتصويب: إن مسؤول الملف الإيراني في حزب الله هو سماحة السيّد حسن، السيّد الشهيد، سلام الله عليه، وأنا أفتخر بأنني كنت خادِمًا ومُعينًا بما أعطاني الله من قُدرةٍ وإمكانات لسماحته.

نسأل الله القبول، وجزاكم الله ألف خير.

 

غسان بن جدو: نعم، السيّد حسن نصر الله كان مسؤول كل الملفات في الحزب، ولكن المقصود: كنت مسؤول الملف التنفيذي عن هذا الأمر.

 

عبد الله صفي الدين: واضح.

 

غسان بن جدو: سيّد عبد الله، لماذا تخرج عن صمتك الآن؟

 

عبد الله صفي الدين: أولًا، بسم الله الرحمن الرحيم. في الواقع، هناك بعض الأمور التي تحصل في الحياة، ربما من الصعب أن تجد لها تفسيرًا أو تعبيرًا، فعادة تلجأ إلى الصمت. وكما تفضّلت، في عُمقي كان صمتًا حزينًا، ولكن في واقعه كان صمتًا حتى لا يحصل أيّ خَلَل لا في إظهار الإحساسات والعواطف، ولا في التعاطي المنطقي والعقلي مع الأمور التي يجب أن تستمر، نسعى أن تبقى كما هي، ولمنع أن يتصيّد أحد في الماء العَكِر.

إضافة إلى نقطةٍ حسّاسةٍ جدًّا: أنتم أساتذة في الإعلام، أخ غسان، الإعلام له رسالة وله هدف. إذا كان الهدف الآن والمصلحة الكلام، فليتكلّم الإنسان. وإذا كانت المصلحة الآن في عدم الكلام، فليؤجَّل هذا الكلام، لأن المصلحة هي الأساس.

نحن في حزب الله تعوّدنا وتربّينا في مدرسة السيّد الأسمى، السيّد حسن الشهيد، السيّد حسن نصر الله، أن نعمل من أجل الحفاظ على المؤسّسات.

وربما في الفترة الماضية، كِثْرة الحديث بما يختلجها من عواطف وإحساسات، ربما تُخْرِج الإنسان في بعض المواقع عن طوره، ويتحوّل كلامه إلى إما أذى لغيره أو مشكلة للتنظيم والتشكيلات والمؤسّسات.

إضافة إلى أنه، حقيقة، التعبير عن العواطف في شهادة السيّدين الجليلين، في الحقيقة يمكن أن أقول لك بصراحةٍ أنه أصبح خارج كل شعور. ماذا يمكن أن نقول؟ وماذا يمكن أن نُحلّل؟

لا شكّ ما حصل كان ليس فاجِعة بالمعنى الذي يستخدمه أهل الأرض، إنما حدث يفوق الإحساس ويفوق الشعور، بحدٍّ إن الإنسان واقعًا ربما يتجمّد للحظات، وتتجمّد إحساساته لأيامٍ ولأشهر، لأنه يريد أن يُعبّر عن شيء، ولكن لا يعرف كيف يُعبّر.

وأنا كنت في موقع، وخصوصًا أمام العائلة، وأمام الإخوة في إيران والمسؤولين والناس الذين تدفّقوا لتقديم التعازي، يجب أن لا يشعروا بأن حزب الله تعرّض لهزيمةٍ أو تعرّض لفاجِعةٍ كبيرة، تعرّض لنكسةٍ، ولكن لا يعني أن الأمور انهارت.

فلذلك، كَبْح جَماح العواطف والإحساسات وعدم الغرق والاستغراق في الكلام في هذه السنة الماضية كان سببه فَسْح المجال لإعادة المعنويات من خلال انتخاب أمين عام جديد، سماحة الأمين العام الأخ الحبيب والعزيز الشيخ نعيم قاسم، وإعادة الروح إلى التشكيلات الجهادية والتشكيلات الإعلامية والثقافية وغيرها.

ومن ثم الآن أصبحت الأمور أوضح، ويمكن للإحساسات الواقعية والعملية والمُفيدة للمستقبل أن تنطلق.

لهذا السبب أنا قلت أنه أولًا: أنت مرحَّب بك هنا في إيران، ولكن فضّلت أن يكون هذا اللقاء لقاءً واضحًا ومفتوحًا، وأنا في الخدمة.

 

غسان بن جدو: هل نستطيع أن نستنتج، سيّد عبد الله، مع الأحزان التي كانت مُترسِّخة بفعل إنساني – هذا أمر طبيعي – ولكن الآن بعد هذه السنة، نستطيع القول إن الأمل أصبح يفوق الحُزن؟ أمل غير شخصي، أمل على حزب الله بعد كل هذا العام؟

 

عبد الله صفي الدين: لا شكّ، مَن =يرى ما حصل في السنة الماضية، على رغم الجِراحات ما زالت مستمرّة، والعدو لا يزال يمارِس اعتداءاته، ولكن مَن يعرف أن المؤسّسات التي نهضت من جديد، المؤسّسات التنظيمية والجِهادية والإعلامية والسياسية والثقافية وغيرها، وحتى التربوية، يشعر بأن ما قام به هذا العدو وما يقوم به ليس فقط في لبنان، بل حتى في فلسطين، وحتى في اليمن، وحتى في الجمهورية الإسلامية، إن كل ما قام به لم يعطِ لهم أية نتيجة، لأن قَتْل الأشخاص ومحو مجموعة من المُعلّمين والرموز هذه في قاموس المقاومات لا أثر لها، ولن يكون لها أثر على الإطلاق.

بل الآن، ندقّق بالتفصيل، نرى أن العدو الصهيوني إلى الآن لم يحقّق أيّ إنجاز، وهذا ليس كلامي، هذا كلام من داخل الكيان الصهيوني، نراه يوميًّا على وسائل الإعلام المُختلفة.

إلى الآن هم يعانون من مشكلة، مثلاً: ماذا يفعلون مع حماس؟ اغتالوا القيادة العسكرية والسياسية في لبنان، نفس الأمر، وفي إيران حاولوا أن يقوموا بنفس الأمر، وفي اليمن، ولكن هذه المؤسّسات وهذه الكيانات ما زالت قائمة وقوية، وتستطيع أن تواجِه وأن تردّ.

فبالتالي، فُسْحَة الأمل، والأمل أصبح أكبر، وخاصة أن شعوب هذه المناطق، هذه الدول وهذه المناطق، هي لمست بيدها وفَهِمَت ما معنى هذا الكيان، وما نراه الآن من نهضةٍ شعبيةٍ عالمية، وحتى سياسية عالمية، ضدّ هذا الكيان، خير دليل على ذلك.

 

غسان بن جدو: حين تقول إنكم مطمئّنون الآن على واقع الحزب بعد عامٍ على استشهاد السيّدين الأمينين العامين، هل هو انطباع شخصي؟ تقييم شخصي؟ هل هذا تقدير أيضًا من الجمهورية الإسلامية؟ وهل هو أيضًا من الداخل، من داخل حزب الله، باعتبارك أحد الكوادر الأساسية فيه؟

 

عبد الله صفي الدين: في الحقيقة، هو كل ما تفضّلت به مُشتركًا ومُجتمَعًا: في الداخل، الإخوة الكوادر يشعرون بأن الأمور قد عادت إلى مجاريها الطبيعية، وأن قيادة أخينا الحبيب سماحة الشيخ نعيم بدأت تظهر ثِمارها، التشكيلات انتظمت، والأمور تسير بشكلٍ جيّدٍ وسَلِس وطبيعي.

أقول لك: على رغم الجِراحات التي تحصل يوميًّا، وهذا الانطباع موجود عند أصدقائنا في الجمهورية الإسلامية، وعند أصدقائنا في كل مكان في العالم الذين نفتخر بهم، أن المقاومة عادت.

والدليل على ذلك ما حصل من مسائل من بعد التشييع إلى اليوم، هي كلها تظهر أن البيئة والمجتمع المقاوِم في لبنان، باختلاف طوائفه وتنوّعه، هو مجتمع حاضِن وموجود.

ونسأل الله أن يوفّق الإخوة أكثر فأكثر لخدمة هذا المجتمع، لأنهم في الحقيقة هم قاموا بإنجازات عظيمة جدًّا، إنْ كان في لبنان أو في فلسطين أو في اليمن أو في الجمهورية الإسلامية في إيران.

مَن يرى هذه الأمّة يشعر ليس بأملٍ عادي، يشعر بأملٍ واعدِ إلى انتصاراتٍ كبيرةٍ بإذن الله.

 

غسان بن جدو: أنا تحدّثت في المُقدّمة عن أهميّة الملف الإيراني لدى حزب الله، وقلت: لعلّه الملف الأهمّ الخارجي – خارج الدولي – يمكن، بالنسبة للذين يعرفون حزب الله، قد يستوعبون هذا الأمر، لكن من فضلك أوضِح لنا: ماذا يعني الملف الإيراني بأهميّته وتعقيداته لدى حزب الله؟

 

عبد الله صفي الدين: دعنا نسأل سؤالًا بسيطًا حتى نوضِح للناس أولًا: ماذا تريد إيران من لبنان؟ 

 

غسان بن جدو: من لبنان أو من حزب الله؟

 

عبد الله صفي الدين: من حزب الله في لبنان، من المقاومة، من الشعب اللبناني: هي ماذا تريد حتى نبني على ما تريد هذا الملف كيف هو؟

إيران يجمعها – وبالنسبة لها يوجد شيء أساسي – هو أن كل مشاكل العالم الإسلامي منشأها وجود الكيان الصهيوني والحماية الأمريكية الأوروبية الغربية لهذا الكيان. هذا الكيان لم يقتصر أذاه على الشعب الفلسطيني وعلى الشعب اللبناني وعلى الشعب السوري وعلى المصريين وعلى كل المنطقة، بل إن أذاه وصل حتى في زمن الشاه، ما قبل انتصار الثورة، إلى داخل إيران.

في زمن الشاه، وواضح أنهم يملكون خططًا وبرامج ومشاريع في كل العالم. وما رأيناه في الأسابيع الماضية من خرائط قدّمها رئيس وزراء العدو، واضح: هم يريدون كل المنطقة، وهم يتحيّنون الفُرَص.

كل مَن يشارك في مواجهة هذا العدوان هو في الحقيقة بالنسبة للجمهورية الإسلامية صديق وأخ وحليف، ويمكن أن تقول له توجد علاقات، وتوجد مشتركات – لنقل مشتركات.

سنة 82، إيران لم تتدخّل في لبنان، الذي احتلّه العدو الإسرائيلي، ومجموعة من اللبنانيين طلبوا العَوْن والمساعدة من إيران، إيران ساعدتهم لأجل هذا الهدف.

ما تريده إيران ليس أكثر من هذا أن اللبناني يحمي نفسه على الأقل.

ومَن يقولون إن إيران تريد أن تتدخّل في لبنان وتبني لها أمجادًا وكيانات وقاعدة متقدّمة، هذا كلام واهٍ، لأنه في الحقيقة إيران لم تأتِ إلى لبنان – لم تأتِ بمعنى أنها لم ترسل قوات إلى لبنان كبيرة تبقى – أرسلوا جزءًا بسيطًا جدًّا للتدريب في الأيام الأولى، وبعد ذلك الآن لا يوجد – يوجد مستشارون، وهذا طبيعي، أية دولة في العالم لديها مستشارون عسكريون في دولة أخرى، وهذا طبيعي.

المقاومة في لبنان قامت بإنجازاتٍ ضخمة بمساعدة إيران، وهذا لا يحتاج إلى دليل، بل كان السيّد الشهيد – قدّس الله نفسه – السيّد حسن يعلنها عادة، ولا نخجل بهذا الموضوع، بالعكس، لأن مَن يريد أن يدعمني يدعمني وقت مشاكلي، وقت حُزني، وقت تعبي، وقت طُغيان العدو عليّ، وليس وقت استراحتي فقط.

ما تريده إيران – هذا أنا أشهد، أنا هنا في هذا المكتب بعنوان مندوب حزب الله في إيران – أنا أشهد إلى هذه اللحظة إيران لم تطلب من أيّ أحد من حزب الله، ولا من أيّ شخص بحزب الله، ولا من أيّ قيادي، ولا أية جهة من حزب الله، لم تطلب منها أية خدمة على الإطلاق لها علاقة بإيران.

بل كانت تقول أنتم ماذا تريدون؟ ماذا تحتاجون؟ لهذا الغَرَض، غَرَض المقاومة والمواجهة مع العدو الظالم والطاغي.

عندها مصلحة؟ ما المصلحة؟ أنه إذا هذا طغى وانتصر، يأتي إلى مكانٍ آخر، يأتي إلى سوريا، ويأتي إلى الأردن، ويأتي إلى شعوب المنطقة، وهذا طبيعي، هذا من طبيعة التحالفات والأمور الدولية.

أما ماذا يريد حزب الله...

 

غسان بن جدو: بعد إذنك، تحدّثت عن ماذا تريد إيران من حزب الله، بالحقيقة نعم هذا ظاهر الأمر، لكن هناك مَن يعتقد – وليس يعتقد، ينتقد بشكلٍ واضحِ – أن إيران الجمهورية الإسلامية تريد أقلّه أمرين من حزب الله في لبنان: أولًا، تريده أن يكون قاعدة مُتقدّمة لإيران الجمهورية الإسلامية ضدّ إسرائيل، بمعنى آخر أنه حتى إسرائيل لا تأتي مباشرة لإيران، تأتي إلى قواعد مُتقدّمة، وأحد أهم قواعدها المُتقدّمة كما يُقال هو لبنان عن طريق حزب الله.

وثانيًا، هو نَشْر التشيع، وإن لم يكن نشر التشيُّع، فهو تعزيز القوى الشيعية، وفي مُقدّمها حزب الله في لبنان، بمعنى آخر أن إيران الجمهورية الإسلامية ليس فقط تريد ما تفضّلت به، ولكن أيضًا لديها مصلحة، وتُتّهم بأنها مصلحة غير بريئة: الأولى أن تصدّ عن أمنها عن طريق قواعد مُتقدّمة، وثانيًا أنها تفكّر بمنطقٍ مذهبي، تعزيز القوى الشيعية؟

 

عبد الله صفي الدين: سأجيب =بدقّة، حتى لا أتكلم بالعموميات، وحتى لا يُقال إنه هرب من الجواب.

أولًا، في ما يتعلّق بقاعدة مُتقدّمة: أنا أسألك سؤالًا، بعد الـ2006 إلى طوفان الأقصى، هل قام حزب الله بأيّ عمل عسكري على الكيان الصهيوني على الحدود اللبنانية مع الاحتلال الإسرائيلي إلا لأجل بعض الردود على الاعتداءات والانتهاكات التي حصلت في لبنان أو في سوريا؟ ومعروف هذا.

إيران ممكن أن تبقى، مثلاً، بين الـ2006 و2023 – طوفان الأقصى – تبقى لا تريد أن تستفزّ إسرائيل، لماذا؟ لأن حزب الله وإيران لا يطلبان ذلك.

نحن لا نسعى إلى استفزاز العدو الإسرائيلي. نعم، نحن عندما نجد أن الشعب الفلسطيني يُقْتَل ويُعتدى عليه بهذا الشكل الذي حصل، لا بدّ من أن نُسانِد، ومَن لم يُسانِد، المشكلة عنده. في المنطقة، مَن لم يُسانَد الشعب الفلسطيني، هو عنده مشكلة، عنده مشكلة في دينه وفي عقيدته وفي ضميره وفي وجوده، مسلمًا كان أم غير مسلم. هذا من الناحية الأولى.

لذلك، إيران لا تتقصّد. لو كانت تريد وتستفيد من هذه القاعدة كما يقولون – هذه القاعدة – لماذا؟ هل أنت تدفع أموالًا أو تدفع من أجل أن تعمل قاعدة للمنظر، يعني أو ماذا؟ مضت سنوات ولم يحصل شيء.

ثانيًا، نعم، أقول لك بصراحةٍ، ويمكن أن تعودوا في هذا الكلام الواضح والصريح: بعد أسبوع من استشهاد السيّد حسن، سلام الله عليه، أقامه سماحة القائد، حصلت صلاة جمعة بمناسبة مرور أسبوع على استشهاد السيّد حسن، وأسموها جمعة النصر، وكان الخطيب هو سماحة الإمام القائد، أدام الله ظلّه الشريف. وتحدّث بصراحةٍ في اللغة العربية قاصِدًا ذلك، وكان يمكن أن يتحدّث هذه الكلمات بالفارسية وتُتَرْجَم، ولكنه أصرّ أن يقولها بالعربية، إن ما بين جبل عامل وعلماء جبل عامل وإيران، ما بين الشيعة في لبنان وبين الشيعة في إيران، علاقة غير عادية، وتكلّم بصراحةٍ وبإسهابٍ عن تأثير حضور علماء جبل عامل في أصفهان وفي إيران في تلك الأيام. هذا طبيعي، وهذا ليس عيبًا، وهذا ليس جريمة الآن.

 

غسان بن جدو: هو تعزيز الشيعة على حساب الآخرين؟

 

عبد الله صفي الدين: لا، لماذا على حساب الآخرين؟ متى قال القائد أو قالت إيران أو قام حزب الله في لبنان بأيّ عمل لإضعاف السنّة؟ فليأتوني؟ الدفاع عن أهل فلسطين – السنّة بين هلالين – هل هو لمصلحة مَن؟ لمصلحة مشروع المواجهة ضدّ الكيان الذي يعتدي على أهل السنّة في فلسطين وفي لبنان وفي سوريا وفي كل المنطقة. هذا الكلام كلام ادّعاء. وإلا، لماذا يرتبط الإخوة المسيحيون في لبنان بالفاتيكان؟ هل هذا الارتباط يعني تقوية للمسيحيين ضدّ الطوائف الأخرى في لبنان؟ هذا كلام غير دقيق.

نفس الأمر، الإخوة السنّة في لبنان، لماذا يرتبطون مثلاً بالمملكة العربية السعودية؟ هل هذا لضرب الشيعة؟ لا، هذا كلام افتراء. هذا الافتراء مردود أصلًا.

ولكن نعم، العلاقة التاريخية بين المسلمين الشيعة في لبنان وإيران قالها سماحة القائد بصراحة، وقالها في مناسبة كل العالم يتطلّع إليها، وكل العالم يسمعها، وواضحة لا تحتاج إلى شيء.

نعم، نحن كذلك مع الحوزة العلمية في النجف، المرجعيات الدينية، تاريخ التشيّع... لماذا؟ لماذا لا يقولون إنه عندما يذهب الشيعة من أيّ بلد في العالم لزيارة الإمام الحسين عليه السلام، طبيعي؟ فهذا الكلام أصلًا ليس له دليل سوى الافتراء وإظهار الكره.

 

غسان بن جدو: ماذا يريد حزب الله من إيران الجمهورية الإسلامية؟

 

عبد الله صفي الدين: حزب الله كان واضحًا، كان يريد أن يمدّ أحدٌ له يده من أجل طرد المُحتلّ الإسرائيلي من بلادنا، ومن أجل الحفاظ على أمننا في مقابل هذا العدو الذي لا حدّ له، ولا يمكن أن تحدّ أطماعه، ولا يمكن أن تأخذ منه تعهّدًا أو ميثاقًا أو توافقًا على الإطلاق.

وما يحصل وحصل في لبنان، في سوريا حاليًّا، وما يحصل حاليًّا في لبنان وفي فلسطين وفي المنطقة كلها، هل يستطيع أحد أن يعطينا ميثاقًا، عهدًا، وعدًا أن الكيان الإسرائيلي لن يعتدي على أهلنا في لبنان، وأهلنا في سوريا، وفي فلسطين، وفي الضفة الغربية، وحتى في بلاد أخرى – لا سمح الله؟ لا يوجد.

نعم، نحن نحتاج إلى القوّة وإلى الدعم. وهذه القوّة يجب أن توجد لها بيئة حاضِنة. لولا البيئة الحاضِنة وعوائل الشهداء والجرحى، ما حصل معنا؟ لكانت انتهت المقاومة. هذه البيئة الحاضِنة لها مقوّمات، لها مُقدّمات يجب أن تحصل عليها.

وفي الحقيقة، في إيران هم أيديهم مفتوحة، وأؤكّد لك للمرة الثانية: ممكن البعض يتصوّر أن إيران تريد شيئًا، أنا أقول لك بصراحةٍ إلى هذه اللحظة: الجمهورية الإسلامية لم تطلب أصغر طلب ولا طلب كبير على الإطلاق من حزب الله في لبنان إلى هذه اللحظة. فقط أنت ماذا تريد يا حزب الله؟

 

غسان بن جدو: للأمانة التاريخية، سيّد عبد الله، تسرّبت إشاعة أو شائعة – هي لدى أصدقاء، وليس فقط إلى الخصوم والأعداء – أنه عندما بدأت حرب الإسناد من قِبَل حزب الله، إيران الجمهورية الإسلامية لم تكن راضية عن هذا الأمر، وحتى قيل وتسرّب أن السيّد خامنئي شخصيًّا طلب من السيّد حسن ألا يدخل حرب الإسناد، وألا يدعم غزّة في ذلك الوقت، رغم المحبّة إلى غير ذلك. هل هذا الكلام الذي أُشيع دقيق؟

 

عبد الله صفي الدين: كلام ليس فقط غير دقيق، فيه افتراء.

أنا بعنوان عام موجود: سماحة السيّد القائد لم يتدخّل في أيّ عمل =عسكري أو أية حركة، بل كان يعتبر أن السيّد حسن هو الذي كان يُقرّر، هو الذي يُقرّر.

أنا أشهد أنه في حرب تموز، عندما بدأت حرب تموز، سماحة السيّد القائد كان في مدينة مشهد المُقدّسة، فأرسل وراء مجلس الأمن القومي وعدد من المسؤولين، قال لهم إن الحرب قد بدأت، بدأها الصهاينة على المقاومة في لبنان، والآن ليس وقت لا للنقاش ولا لماذا ولا لغير لماذا. عليكم الآن أن تذهبوا وتسألوا السيّد حسن وحزب الله ماذا يريد من أجل الاستمرار والبقاء والمقاومة والنصر فقط. لماذا قمتم بهذا العمل؟ ولا يوم تدخّل. أما في هذه التسريبات...

 

غسان بن جدو: ماذا حصل؟ طالما فتحت الـ2006، ماذا حصل وقتها؟ السيّد خامنئي جمع الأمن القومي؟

 

عبد الله صفي الدين: جمع وقال لهم، وأنا أشهد هنا – عندي...

 

غسان بن جدو: وبعد إذن، ماذا حصل؟

 

عبد الله صفي الدين: حصل الدعم المستمر.

 

غسان بن جدو: كيف حصل؟

 

عبد الله صفي الدين: أنا =أتذكّرهنا، كنت في المكتب، الناس كانوا يأتون لإظهار التضامن وكذا. أعتقد في يوم واحد اتصل بي أربع وزراء: ماذا تريدون في المجال الصحّي؟ ماذا تريدون في مجال الدفاع المدني؟ مثلاً، ماذا تريدون في مجال تأمين المساكِن؟ الدولة كلها تحوّلت إلى قوّة داعمة لحزب الله.

لماذا؟ والقائد لم يتدخّل، لم يَسْتَشِر السيّد حسن أن نقوم بهذه العملية أو لا نقوم بها، لأن القائد أصلًا لا يتدخّل.

 

غسان بن جدو: لكن قيل إن السيّد خامنئي أرسل رسالة إلى السيّد حسن؟

 

عبد الله صفي الدين: طبعًا، هذه رسالة معنوية، والحاج قاسم أنزلها. ووقتها كنت في لبنان، وعدت أنا والحاج قاسم عن طريق سوريا بنفس الطائرة، واتّفقت أنا والحاج قاسم: قال أنا أذهب إلى مشهد، والقائد في مشهد، وأنت هنا، انظر ماذا تعمل. فتحنا هنا المكتب.

 

غسان بن جدو: عندما حصل العدوان – حرب تموز – كنت حضرتك في لبنان؟

 

عبد الله صفي الدين: في لبنان، نعم. في اليوم الثالث عرف سماحة السيّد أنني في لبنان، وأنني اخترت أن أبقى، وأرسل رسالة قال أنت الآن تذهب إلى هناك. حتى في مُنتصف الليل اضطرّرت أن أذهب. في العموم...

 

غسان بن جدو: تحدّث لنا، سيّد عبد الله، هذه أمور طبيعية؟

 

عبد الله صفي الدين: كنت موجودًا في مكان. بالنهاية نفسك وروحك لا تساعد أن تترك إخوانك هكذا. والناس، بالصدفة، =عرف الأخ السيّد هاشم الشهيد بأنني أنا موجود.

 

غسان بن جدو: بالصدفة؟

 

عبد الله صفي الدين: بالصدفة.

 

غسان بن جدو: مع أنه شقيقك؟

 

عبد الله صفي الدين: أنا كنت موجودًا، وهم انقطعوا عن الاتصال، وأنا لم أتصل، قلت: عادي، أنا موجود، فأبقى. فبالصدفة عرف السيّد هاشم، اتّصل، قال: أنت ماذا تفعل هنا؟ قلت له: خير، أنا هنا، وأنت تعرف أنني موجود. قال لي: عليك أن تغادر، لكن دعني أرى صاحبنا أيضًا، بطريقته اتّصل مع سماحة السيّد، السيّد قال له: ماذا يعمل هنا؟ لدينا مئة مشكل، يجب أن يعود فورًا. أخبرني السيّد هاشم ليلاً، عند الثامنة مساءً.

المهمّ، من خلال الشهيد الحاج عماد – الحاج عماد كان مع سماحة السيّد – أرسلوا خبرًا: ليأتي فلان مع مكتب السيّد هاشم، ليأتي إلى المكان الفلاني.

جهّزوا سيارة عند الحادية عشرة ليلاً، وقتها، وكان هناك قصف، وأعتقد نحن تجاوزنا المصنع، ولم نمر عبر الطريق العادية، بل طريق أخرى، قطعنا المصنع، ووصلنا إلى داخل الشام حوالى الثالثة صباحًا، وأعتقد عند الرابعة فجرًا قصف المصنع.

فكان السيّدان والحاج عماد قلقين جدًّا، خافوا أن أكون قد استُهْدِفت. وقتها جئت إلى طهران، وفتحنا المكتب.

بالعموم، القائد اعتبر أن إيران يجب أن تكون مُجنّدة من أجل الدفاع عن العالم، وعن مساعدة الناس، والدفاع عن المقاومة، ولم يقل لحزب الله أنتم قوموا بهذه العملية أو لا تقوموا، أخطأتم، ما أخطأتم.

أما في موضوع الإسناد، فموضوع – أكاد أقول – قبل أن يبدأ السيّد حسن بالإسناد، نحن بدأنا الإسناد في اليوم الثاني. بعد =عدّة أيام، خرج سماحة القائد، تحدّث بكلام، إذا كان الواحد كان يعتبر أن الموضوع واجب، فيه وجوب أكثر من الذي قاله سماحة السيّد حسن وعمله السيّد حسن لاحقًا.

الحقيقة هذه: ليس صحيحًا أن الإيرانيين اعترضوا، أو حتى إذا وافقوا...

أنا أقول لك بصراحة، وهذه قالها لي أحد المُقرّبين من سماحة الإمام القائد، وأنا أعرفه لأني عشته، ولها دليل ولها مغزى: بعد شهادة السيّد حسن وشهادة السيّد هاشم، كنا نحن المُقرّبون نتحدّث: في المستقبل القريب، ماذا يجب أن نفعل؟

 

غسان بن جدو: أحد المُقرّبين من السيّد خامنئي؟

 

عبد الله صفي الدين: أحد المُقرّبين من سماحة الإمام القائد. فقلت له في هذا الموضوع: ماذا يجب أن نفعل؟ هو صديق، هو محبّ، قال: أقول لك شيئًا: بأننا هنا في إيران لم نسأل السيّد حسن يومًا أن يقوم بأيّ شيء في حزب الله أو في المقاومة أو في المنطقة. كان يأتي سماحة السيّد، يعطينا أوامر: أريد 1، 2، 3، 4، 5، ونحن كنا ننفّذ من دون أيّ سؤال. حتى أكثر من هذا، أحدهم قال لي: نحن كيف كانت تجري التشكيلات إلى هذا الحدّ؟ كانوا يثقون، وما زالوا يثقون، لأنهم لا يريدون شيئًا من حزب الله، ولا يريدون شيئًا من لبنان. السيّد حسن هو الذي يقرّر.

وطبعًا هذا العدو – تتذكّر نتنياهو قال هذا الكلام.

 

غسان بن جدو: محور المحور؟

 

عبد الله صفي الدين: نعم. هذا الموضوع حقيقة، في لبنان، في المقاومة، كان مَن يُقرّر هو السيّد حسن وحزب الله. هم مَن يرونه مصلحة. حتى كذلك في موضوع الأخ الحبيب سماحة الأمين العام، حزب الله قرّر أن الشيخ نعيم يكون أمينًا عامًّا، وفي إيران باركوا وأيّدوا وشجّعوا.

بالنهاية، الإخوة هنا، كما قال السيّد حسن: نحن ليس علينا وصاية، نحن شركاء.

ويتعاطى سماحة الإمام القائد مع كل مَن له علاقة به في موضوع المقاومة في المنطقة بعنوان شريك.

 

غسان بن جدو: على كل حال، سيّد عبد الله، الحوار مناسبته الحديث عن السيّد هاشم باعتبار الذكرى السنوية، ولكن لا بدّ من أن نتحدّث أيضًا عن سماحة السيّد حسن نصر الله، خصوصًا وأنك – نحن موجودون – وكلها صوَر: صوَر القادة الأساسيين العسكريين والمحور إلى غير ذلك.

وطالما فتحت هذا الجانب في علاقة السيّد خامنئي بالسيّد حسن نصر الله، حقيقة، سيّد عبد الله، وأنت عارف بكل الكواليس والخفايا أو معظمها، كيف كانت علاقة السيّد خامنئي بالسيّد حسن نصر الله؟ ماذا كانت نظرة السيّد خامنئي للسيّد حسن نصر الله؟ لأنه ذكرت قبل قليل أنه بعد أسبوع أقام خطبة الجمعة السيّد خامنئي، والحقيقة أنه لفت انتباه كل الناس في ذلك الوقت، وهناك مَن وصفها بأنها كانت شجاعة، حتى من السيّد خامنئي، الوضع الأمني لم يكن مُريحًا، وحتى هنا سمعنا بأن بعض الأطراف كانت تخشى على السيّد خامنئي، لأن إسرائيل كانت في حال هستيريا، وقتلت السيّد حسن، وما أدراك... فهو بشجاعةٍ وبقوّةٍ خطب تلك الخُطبة. كيف كانت نظرة السيّد خامنئي للسيّد حسن؟

 

عبد الله صفي الدين: علاقة الشهيد السيّد حسن، سلام الله عليه، مع سماحة الإمام القائد، علاقة هي ليست علاقة أب مع ابنه، هي أقوى من ذلك بكثير.

أنا أعرف، وذكر لي أحد =المُقرّبين بالبيت – مقرّب جدًّا من سماحة القائد – عندما أتى في إحدى المرات، وصل سماحة السيّد، وكان استقبالًا رائعًا من سماحة القائد للسيّد حسن، هَمَسَ في أذني، قال: تعرف؟ قلت له: ماذا؟ قال هذا الشخص العزيز: يا ليت السيّد حسن شهريًّا يستطيع أن يأتي إلى الجمهورية الإسلامية فقط للقاء القائد. قلت: لماذا؟ قال: لأن القائد، عندما يعرف أن سماحة السيّد حسن سيأتي إلى الجمهورية الإسلامية، قبل أن يلتقي به، يشعر بسعادةٍ تغمُر كل وجوده، ونحن نلحظ هذه السعادة في كل فترة التي يكون موجودًا فيها السيّد حسن في الجمهورية الإسلامية. وعند اللقاء يكون القائد، وخلال اللقاء – أنا كنت موجودًا – وبعد اللقاء يصبح القائد مُرتاحًا إلى حدٍّ غير عادي، يشعرون بهذا.

 

غسان بن جدو: هذا السيّد المُقرّب؟

 

عبد الله صفي الدين: نعم، هو قال لي هذا الشخص المُقرّب.

 

غسان بن جدو: حتى قبل أن يأتي السيّد حسن، كان يشعر بسعادة.

 

عبد الله صفي الدين: بمجرّد أن يقولوا له السيّد حسن قادم.

كان لا يأتي إلا عندما يأخذ إذنًا من سماحة القائد، من باب الأدب الكبير والأخلاق، لا يأتي إلى إيران قبل أن يأخذ إذنًا.

 

غسان بن جدو: هذا طبيعي، في النهاية حتى رئيس يأتي إلى دولة، يجب أن يأخذ حتى لا يفهم الناس أنه... إذن بالمعنى: تأتي أو لا تأتي؟

 

عبد الله صفي الدين: أحسنت. ليس إذن، الوقت مناسب أو غير مناسب.

أنا أنقل حادثة يمكن أن تُقال: في أيام الكورونا، تعرف القائد عُمره وسنّه، وكانت الاحتياطات قوية جدًّا في كل العالم، وخاصة مرت فترة في إيران انتشرت الكورونا بشكلٍ كبير. في هذه الفترة، بعدها جاء السيّد حسن إلى إيران لسببٍ ما.

 

غسان بن جدو: في فترة كورونا أو بعد كورونا؟

 

عبد الله صفي الدين: خلال فترة كورونا، طبعًا.

في هذه الفترة، الجميع كان يرتدي الكمّامات والاحتياطات، وتعرف الإجراءات وغَسْل اليدين إلى ما هنالك، الله لا يعيدها.

فطبيعي، نحن كنا في الموعد، سماحة السيّد مع سماحة القائد، نحن في خدمته.

عند الحضور، كنا عددًا قليلاً، بعض الإخوة الإيرانيين وسماحة السيّد، وطبعًا قمنا بكل الإجراءات: ما بين الكفوف والكمّامات وإلى ما هنالك.

وعندما دخلنا، السيّد حسن طبعًا وضع الكمّامة مثل غيره، والقائد كان يضع الكمّامة.

نحن عادة سماحة السيّد يدخل أولًا.

نظر القائد هكذا، نظر إلى مَن =حوله، قال: هذه الكمّامة مع وجود السيّد حسن لا تنفع. فنزع الكمّامة، وقال للسيّد حسن: انزع الكمّامة.

 

غسان بن جدو: السّيد حسن كان بالكمّامة؟

 

عبد الله صفي الدين: كان بالكمّامة، نزع الكمّامة، نزع هو كمّامة السيّد حسن، وأخذه بالأحضان لفترةٍ طويلة.

طبعًا الإنسان كان يخاف، السيّد حسن في تلك الأيام شاب يتحمّل =– لا سمح الله – الكورونا، أما القائد فغير معلوم ماذا يحصل معه. ولكن القائد لم يبالِ. الإخوة تعجّبوا: ماذا يفعل القائد؟

 

غسان بن جدو: فريق السيّد خامنئي؟

 

عبد الله صفي الدين: فريق السيّد خامنئي، والبعض كان موصى من الأطباء المعنيين بالسيّد الخامنئي ألا يحصل شيء.

واللطيف: نحن سلّمنا عن بُعد، وجلسنا بعيدًا وكذا.

ولكن الجدير ذِّكره أن سماحة القائد جلس على كرسيّه، وإلى جانبه السيّد حسن كل الوقت من دون كمّامة، حديث ونقاش واضح.

استقبال السيّد حسن بالنسبة للسيّد القائد، أقول: وجود – يمكن أن نقول – وجود يُضفي البركة، ويُضفي الخير، ويُضفي السعادة على قلب سماحة القائد.

سماحة السيّد القائد كان يرى بالسيّد حسن بأنه وجود مقدّس إلهي حقيقي، لذلك كان حريصًا بشكل غير طبيعي عليه.

وحتى حركته في داخل إيران، كان القائد يحتاط، يقول للإخوة، كان السيّد حسن يذهب إلى جلسة أو جلستين خارج مكان الإقامة، والباقي معظم الإخوة المسؤولين الأساسيين هم يأتون لزيارته من أجل الحفاظ على وضعيّته الأمنية.

وجود السيّد حسن كان في الجمهورية الإسلامية، طبعًا ليس فقط عند سماحة القائد، بل حتى عند معظم المسؤولين في الجمهورية الإسلامية، وجود كان بالنسبة لهم مُلفتًا، كانوا يعشقون هذا السيّد، وظهرت أكثر بعد استشهاده، هنا تحوّل إلى مأتم.

 

غسان بن جدو: نحن كنا نعرف هذا الأمر من كلام سماحة السيّد رحمه الله. حضرتك كنت هنا على تماس مباشر دائمًا.

هل هناك من كواليس من أحداث مثل التي تفضّلت بها الآن أيضًا تقول: ما الذي كان ينظر به السيّد الشهيد السيّد حسن نصر الله للسيّد خامنئي؟

 

عبد الله صفي الدين: السيّد حسن كان يتعاطى مع السيّد القائد أنه هو أولًا مرجعه الفُقهي وواجب التقليد، وثانيًا أنه هو القائد – القائد الذي يوجّه البوصلة. لذلك كان حريصًا على ألا يزعج القائد بكلمة.

=بنفس العادة، كان يلتقي قبل لقائه الأصلي مع سماحة القائد، يلتقي مع أحد الأساسيين، عندما سماحة القائد وهو مكلّف بهذا الموضوع، بموضوع متابعة السيّد حسن: ماذا يريد السيّد حسن؟ ماذا يحتاج؟

وكان لا يشغل القائد في القضايا التي يمكن أن يكون بها إزعاج، يحاول أن يدافع وألا يزعج القائد على الإطلاق، لا في نفس، لا في موقف، على قاعدة أن هذا الإنسان همومه تكفيه، وقيادته تحتاج إلى طاعة غير عادية.

أقول لك بصراحة: بعض الإخوة المسؤولين في إيران قالوا: نحن فَهِمنا ولاية الفقيه والالتزام بهذه الولاية من خلال السيّد حسن وتعاطيه مع سماحة الإمام الخامنئي، حفظه الله. هذه نقطة مهمّة جدًّا.

السيّد حسن كان يعرف ما معنى القائد، ما معنى الإنسان الذي يجب أن يكون قائدًا.

أذكر مثالًا، وهذا حصل، موجود في وسائل الإعلام، سنة 2000، حصل مؤتمر هنا في مركز المؤتمرات، ولا أدري إن كنت...

 

غسان بن جدو: مؤتمر الانتفاضة؟

 

عبد الله صفي الدين: مؤتمر الانتفاضة. فكان حضور ضخم من كل العالم العربي والإسلامي، مجالس النواب، ضخم جدًّا. والحادثة بعد الانتصار والاندحار الصهيوني من جنوب لبنان.

طبعًا في تلك الفترة، أنت تعرف، وشاركتم في هذا الموضوع، موضوع العشق للسيّد حسن في العالمين العربي والإسلامي: أول هزيمة مباشرة علنية مستقيمة محدّدة مشخّصة في وسائل الإعلام للكيان الصهيوني منذ نشوئه، على يد المقاومة في لبنان، والشهيد السيّد حسن نصر الله الذي هو الرمز.

كان السيّد حسن في الوقت الذي يشعر بالسعادة، ولكن كان يشعر بأن هناك دَيْنًا كبيرًا عليه وعلى المقاومة في لبنان أيضًا.

لذلك أنا أقول لك: ماذا حصل في افتتاح المؤتمر؟ حضر سماحة القائد، وعندما ألقى كلمته المعروفة والمشهورة في المؤتمر، نزل حتى يخرج من القاعة، فتقدّم السيّد حسن أمام كل العالم ووسائل الإعلام كلها تصوّر، وقبّل يده.

 

غسان بن جدو: صحيح.

 

عبد الله صفي الدين: وأصبح هناك جو لطيف، جو ممتاز ورائع جدًّا، جو عاطفي لطيف جدًّا.

أنا أتذكّر بعد اللقاء، كنت أجلس في السيارة لنعود إلى مكان الإقامة مع سماحة السيّد، قلت له: عمل ممتاز، لكن هل فكّرت بهذا الموضوع، أو عاطفيًّا أتى، اندفعت؟

قال: لا، أنا فكّرت به كثيرًا، وكنت أريد أن أقول لكل الحاضرين هنا: إن الذي حرّر، والذي أعطى الفتوى بالتحرير والمقاومة، والذي له الفضل الأكبر، والقائد الحقيقي للانتصار على العدو الإسرائيلي، ليس أنا، ليس حسن نصر الله، إنما هو الإمام القائد السيّد علي الخامنئي.

السيّد حسن كان يتعاطى بهذه الطريقة، كان يتعاطى لأنه – تعرف – السيّد حسن كان في قمّة الوفاء، وفي قمّة الإخلاص. والتاريخ يشهد أن السيّد حسن لم يكن يريد لنفسه شيئاً على الإطلاق. أصلًا كان في عالم آخر، في عالم كان يذوب كل وجوده في قائده. هكذا كان مع الإمام الخميني، وهكذا كان مع سماحة الإمام القائد، حفظه الله.

 

غسان بن جدو: وهكذا كان مع شعبه؟

 

عبد الله صفي الدين: وهكذا كان مع شعبه.

لذلك هذا الشعب الوفيّ الآن، في الحقيقة، أنا لا أخجل أن أقولها: إن هذه الشعوب – وليس في لبنان فقط – لأنها تربّت على هذه الثقافة وعلى هذا النوع من القيادات، هي في كثير من الأحيان تسبق المقاومات، وتسبق الدول، وتسبق الشخصيات، لأنها تربّت على البصيرة وعلى الوعي وعلى الإدراك.

 

غسان بن جدو: نحن، سيّد عبد الله، نحتاج كثيرًا من الكواليس، وكثيرًا من الخفايا، بعد إذنك الكريم، وأنا شاكر لكرمك في هذا الأمر، والبداية موفقة والحمد لله.

لكن استأذنك في أن نستكمل هذا الحوار الطويل في حلقة لاحقة، بإذن الله.

مشاهدينا الكرام، أرجو أن تتفضّلوا بالبقاء معنا في حلقة مقبلة مع السيّد عبد الله صفي الدين، ممثل حزب الله في إيران الجمهورية الإسلامية، للحديث أكثر عن حزب الله، عن العلاقة مع إيران الجمهورية الإسلامية، عن السيّد حسن، وعن السيّد هاشم، رحمهما الله.