عائلة وزير الخارجية الإيراني الشهيد حسين أمير عبد اللهيان

نص الحلقة

 

بيسان طراف: عام على استشهاد وزير الخارجية الإيراني الشهيد حسين أمير عبد اللهيان، رئيس الدبلوماسية المقاوِمة الذي امتاز بهدوئه وحُسْن أخلاقه وتواضعه وحِنكته السياسية ومواقفه الصُلبة ومبادئه النبيلة.

الشهيد ذو السمعة الطيّبة، جميل الأثر في ميادين الإنسانية ومُناصَرة المظلومين وأهل الحقّ أينما كانوا.

عرفناه وزيرًا مقاوِمًا ثوريًا بامتياز، ناشِطًا في المحافِل الدولية، أتقن أصول اللعبة الدبلوماسية جيّدًا، حمل هموم الأمّة الإسلامية، وعمل بلا كَلَل على تعزيز العلاقات مع الدول العربية بصَرْفِ النظر عن التبايُنات السياسية.

الدبلوماسي الثوري المتمسّك بمبادئ الثورة الإسلامية آمنَ منذ البداية بالتكامُل بين الميدان والدبلوماسية على طريق الشهيد قاسم سليماني.

أحبّ فلسطين ودافع عنها، تابع بدقّة أحوال المقاومة في لبنان، والعراق، واليمن، وسوريا، وكان المحامي عنها في كل مؤتمر واجتماع. فظلّ المُحارِب الشُجاع عن قضاياها حتى الرَمَق الأخير.

في الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد حسين أمير عبد اللهيان، اليوم الميادين تلتقي مع عائلته الكريمة، هنا في منزله في العاصمة الإيرانية طهران نتحدّث مع زوجته ومع إبن الشهيد محمد حسين عن الإنسان، الزوج، الأب، السياسي، الدبلوماسي، والمقاوِم.

مرحبًا بكم مشاهدينا الكرام.

 

بيسان طراف: عام على الرحيل، كيف يمكن أن تختصري لنا هذه السنة في غياب الزوج والأب والسَنَد؟

 

زوجة الشهيد: بسم الله الرحمن الرحيم، لأننا نؤمن بأن الشهداء أحياء، وعلى الرغم من أن الشهيد لم يكن حاضِرًا بجسده بيننا منذ عام، كنا أنا وأبناؤه نشعر وكأننا نتحدّث إليه ونستشيره في المشاكل التي كنا نواجهها.

بالطبع، كان غيابه أمرًا صعبًا علينا، ولكن حقيقة أنه يحمل لقب شهيد خفّفت كثيرًا من وطأة هذا التعب.

 

بيسان طراف: سيّد محمد حسين، ما الذي تغيّر في حياتكم منذ استشهاد الوالد حتى هذه اللحظة؟

محمد حسين عبد اللهيان: العام الذي مضى كان عام الحزن لمحور المقاومة، فكل واحد من الأحبّة الذين فقدناهم كان يمثل ركيزة أساسية في المحور. لكننا نؤمِن بأن دماء هؤلاء الشهداء هي الضمانة الحقيقية لاستمرار مسيرة المقاومة.

أما عن أنفسنا، فقد حاولنا أن نتمسّك بالآية الكريمة: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا بل أحياء عند ربّهم يُرزقون"، كان والدي أكثر من مجرّد أب، كان عِماد الأسرة وملاذنا الذي نلجأ إليه في كافة جوانب الحياة، غيابه ترك فراغًا عظيمًا، وكان خسارة مؤلمة لنا جميعًا.

 

بيسان طراف: نعود بالذاكِرة إلى ليلة التاسع عشر من أيار/مايو للعام 2024، كيف تلقّيتم خبر استشهاده؟

 

زوجة الشهيد: نحن كما الجميع تلقّينا الخبر من خلال الإعلام والتلفزيون، ولكن عندما اتّصلوا بنا لإبلاغنا خبر استشهاد السيّد عبد اللهيان على نحو قاطِع، شعرت وكأن الله قد منحنا السكينة، بخلاف ما توقّعه الجميع، تقبّلنا الخبر بكل هدوء وطمأنينة.

 

محمد حسين عبد اللهيان: الأمر الذي حدث، قال لي والدي في الليلة التي سبقت ليلة الاستشهاد، إنه غالبًا سيكون في منزلنا على الغداء، وكنا ننتظر وصوله إلى مائدة الغداء، لكن ما كنا نخشاه قد وقع.

 

بيسان طراف: ولكنه لم يعد...

كيف أثّر فُقدان الوزير حسين أمير عبد اللهيان على المجتمع الإيراني بشكلٍ عام؟

 

زوجة الشهيد: في المجتمع الإيراني، عندما ألتقي الناس ويتحدّثون إليّ، جميعًا يشعرون بأن وزير الخارجية الذي أعاد العزّة للإيرانيين في المجتمع الدولي، كان هو الشهيد عبد اللهيان، ويذكرونه بتقدير، لأنه أشعرهم بالعزّة طيلة هذه الفترة، وكل دعواتهم له بأنه كما أعاد إلينا عزّتنا، أن يزيده الله عزّة.

 

محمد حسين عبد اللهيان: لم يكن والدي ممّن يُظْهِرون ما لا يُضْمِرون، كنا نرى في سلوكه اليومي حِرْصًا صادقًا على عزّة الأمّة الإسلامية، وإيمانًا عميقًا بأن إيران قوية مُقْتَدِرة، وأن محور المقاومة قوي. هذه المبادئ لم تكن مجرّد شعارات، بل هي واقع تربّينا عليه منذ الطفولة.

 

بيسان طراف: كيف كان يقضي وقته معكم؟ معكِ؟ مع الأولاد؟ النقاشات التي كانت تدور بينكم؟ هل كانت للشهيد مثلًا =هوايات معيّنة؟ كيف كان أيضًا يوازِن بين حياته كربّ أسرة ومسؤول سياسي؟

 

زوجة الشهيد: كان دائم الانشغال، فلا أذكر أنه كان كباقي موظّفي الدولة الذين يذهبون إلى أعمالهم في الثامنة صباحًا ويعودون إلى منازلهم عند الثانية بعد الظهر، وبعدما أصبح وزيرًا كان يردّد دومًا "أمامنا الكثير من العمل"، كثيرًا ما كان يعود إلى المنزل في حدود الثانية عشرة أو بعد مُنتصف الليل، وحتى في أيام العُطَل، كان يستغلّ أصغر الفُرَص لإنجاز الأعمال المُتراكمة، قائلًا: "يجب أن نُنجز ما تبقّى"، ونحن كأفراد أسرته كنا نسانده وندعمه في ذلك، لأننا كنا نؤمن بمسيرته ونهجه وفكره.

 

محمد حسين عبد اللهيان: لم يخلط والدي بين مسؤوليّات العمل والأجواء العائلية، كان شغوفًا بالفن، فكنا نحرص على حضور عروض مسرحية راقية، وحفلات الموسيقى الإيرانية الأصيلة على الأقلّ مرة في الشهر، كنا أيضًا نذهب إلى المطاعم في أرجاء المدينة أو نتسوّق معًا، حرص والدي على أن يبقى قريبًا من الناس، وأن يرى الأوضاع عن قُربٍ، وكان يوجّه حرّاسه الشخصيين دائمًا بالابتعاد قليلًا كي يتمكّن المواطنون من الاقتراب منه والتحدّث إليه أو عَرْض ما لديهم من مشاكل بكل أريحيّة.

 

زوجة الشهيد: في المنزل، لم يكن السيّد عبد اللهيان مجرّد أب عطوف فحسب، بل كان شخصًا طيّبًا أيضًا، خلوقًا ومتواضِعًا في تعامُله مع عائلته وأصدقائه على حدٍّ سواء. كان دائم الحرص على متابعة أحوال جميع الأقارب، ويوصي دائمًا بالاطمئنان إليهم، حتى وإن كان ذلك عبر الهاتف، وإذا وجد مَن يحتاج إلى مساعدة، فقد كان يسعى لتقديم ما في وسعه إليه.

 

محمد حسين عبد اللهيان: لم يتطرّق والدي إلى القضايا السياسية كثيرًا داخل المنزل، كنا نحن مَن يطرح الأسئلة أحيانًا، وغالبًا ما كانت تدور حول محور المقاومة.

أبي كان شديد الحرص على متابعتنا دراسيًا، والاتصال بالجهات المعنية من دون أن يُعرِّف عن نفسه، فقط من أجل معالجة مشكلة ما في الجامعة.

كان يوجّهنا ويقدّم النُصْح والمشورة لنا، لكنه لم يُجبرنا يومًا على شيء، لم يكن هناك أيّ نوع من الإلزام، سواء في ما يتعلّق بالمُعتقدات الدينية، أو القضايا السياسية، أو حتى بالأمور الدراسية، كان يُرشدنا فقط ويوضِح لنا، فحسب، أما القرار النهائي، فكان دائمًا لنا.

 

زوجة الشهيد: لأننا كنا نعلم تمامًا عُمق إيمانه القلبي، كنا نسانده وندعمه دائمًا، حتى إذا قال لنا إنه في تلك اللحظة يجب أن نكون حاضرين في مكانٍ ما، ومهما كان هذا المكان خطيرًا، فحتمًا كنا سنكون فيه بلا تردّد، لأننا أنا وأبنائي نؤمشن أيضًا بطريق المقاومة.

 

بيسان طراف: هنا في إيران كل مَن يعرف الشهيد الوزير حسين أمير عبد اللهيان كان يعرفه بأنه كان ثوريًّا، كيف يمكن أن توصفي لنا علاقته بالثورة والجمهورية الإسلامية، أيضًا بمُرشِد الثورة السيّد علي الخامنئي؟

 

زوجة الشهيد: كان السيّد عبد اللهيان يكنّ محبّة عميقة للإمام الخميني، وحين اندلعت الثورة الإسلامية كان في سنّ المراهقة، وظلّ هذا الحب راسِخًا في قلبه حتى بعد رحيل الإمام، ليستمر بالقوّة نفسها مع السيّد القائد.

 

محمد حسين عبد اللهيان: سماحة القائد السيّد علي الخامنئي وصف والدي بوزير الخارجية المُجاهد والنَشِط، لم يكن والدي صوت المقاومة فحسب بل كان أيضًا صوت الأحرار في العالم، حتى أولئك الذين لا ينتمون إلى محور المقاومة أقرّوا بهذه السيادة فيه، وأشادوا بقُدرته على تناول القضايا الإنسانية والملفات العالمية بكل وضوح وموضوعية، بعيدًا عن الانقسامات والانتماءات السياسية. 

على نحوٍ عامٍ يمكنني القول إن إحدى أبرز سِمات والدي بعيدًا عن منصبه السياسي، هو أنه لم يكن يومًا أسيرًا للمناصب، فكان دائمًا يردّد قولًا مأثورًا عن الإمام علي عليه السلام: "إنّ هذا المنصب أزْهَد عندي من عطفة عنز".

 

زوجة الشهيد: كان عُمر السيّد عبد اللهيان إبّان الثورة لا يتجاوز الخامسة عشرة، وقد تأثّر بها تأثّرًا بالغًا، حتى أنه فور انتصارها أسّس مع رفاقه في مسجد الحيّ نواة لحركة الباسيج، ومنذ ذلك الحين كان يحمل في داخله هاجسًا دائمًا لخدمة الناس ونُصرة المظلومين، ساعيًا لتطبيق مبادئ الثورة الإسلامية في حياته.

 

بيسان طراف: يُقال إن إحدى أمنيات الشهيد الفريق قاسم سليماني كانت أن يتولّى حسين أمير عبد اللهيان منصب وزارة الخارجية، وبالفعل قد تولّى هذا المنصب ولكن كان قاسم سليماني شهيدًا.

وإذا ما مررنا أيضًا إلى مذكّرات الشهيد حسين أمير عبد اللهيان في كتابه "سبح شان"، نلاحظ العلاقة الوطيدة التي كانت بين الشهيدين.

حدّثينا عن محطّات جمعت الشهيد حسين أمير عبد اللهيان مع الشهيد قاسم سليماني، وعن هذه العلاقة الخاصة بينهما؟

 

زوجة الشهيد: بين السيّد أمير عبد اللهيان والشهيد قاسم سليماني علاقة صداقة واحترام مُتبادَل، كان ذلك واضحًا في الأحاديث التي كنا نسمعها في المنزل، وكيف كان السيّد عبد اللهيان يتحدّث عن الشهيد سليماني، ويستذكر أخلاقه وخِصاله النبيلة التي كانت مصدر إلهام لنا جميعًا.

وبعد استشهاد الحاج قاسم، قالت ابنته زينب إن السيّد عبد اللهيان كان يُذْكَر دائمًا في منزل الشهيد سليماني بكل محبّة وتقدير، ما يعكس عُمق العلاقة بينهما، ولدينا في إيران مثل يقول: "الشهداء يعرفون بعضهم بعضًا"، وأعتقد أن هذه المحبّة بينهما كانت تجسيدًا حقيقيًّا لهذا المثل.

 

بيسان طراف: كان يدعو له حين كان يذهب إلى المقامات الدينية في العراق وسوريا، صحيح؟

 

زوجة الشهيد: نعم، كان دائمًا يدعو له. كان الحاج قاسم محبوبًا جدًا بيننا جميعًا، كنا ندعو له، وكنت دائمًا أضع صَدقَة من أجل سلامته وعودته سالـمًا من مهمّاته، وكنت إضافة إلى الصَدَقة التي أخصّصها للسيّد =عبد اللهيان، أخصّص أيضًا صَدَقة للحاج قاسم، ولقد كان لاستشهاد الحاج قاسم سليماني تأثير كبير فينا.

في ذلك الصباح، فور معرفتنا بنبأ استشهاده، خرجنا جميعًا من المنزل، وقد رأيت في عينيّ السيّد عبد اللهيان التأثّر ذاته الذي رأيته عندما توفيت والدته، حيث رأيت دموعه في تلك اللحظة على الشهيد سليماني، كالدموع التي ذرفها على والدته.

 

فيديو:

حسين أمير عبد اللهيان: كانت علاقتي بالقائد الحاج قاسم علاقة من نوعٍ آخر، يعني أنا وزوجتي كنا نتصدّق صباح كل يوم من أجل سلامة القائد سليماني، وفي الحقيقة لو أردت أن أهْمُس اليوم بشيء في أذن القائد، لالتزمت الصمت فحسب. 

 

بيسان طراف: عندما نتحدّث عن الشهيد الوزير حسين أمير عبد اللهيان، تلقائيًّا نتذكّر فلسطين، آمَن بها، بقضيّتها، دافع عنها، كان صوت فلسطين في المنابر الدولية. هل كان يُحدّثكم عن فلسطين؟ كيف أيضًا حدّث أولادك عن فلسطين وعن القدس؟

 

زوجة الشهيد: فكرة دعم الشعب الفلسطيني راسِخة في منزلنا، ولذلك بعد أحداث طوفان الأقصى، كان الشهيد عبد اللهيان يعمل على نحوٍ مكثّف، وكما اعترف الأعداء، فقد وصفته إحدى القنوات الإسرائيلية قائلة: "وزير خارجية إيران يعمل كأكثر من ثلاثة وزراء في المنطقة".

كنا نتابع هذه الأنشطة وندرك تمامًا، نظرًا إلى طبيعة الكيان الصهيوني، أن حياته كانت مهدّدة بسبب مواقفه، لكن كما قال =السيّد عبد اللهيان: إذا لم يكن هو مَن يذهب ويتحدّث ويدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني، فمَن كان سيقف ضدّ الظلم ويبلّغ العالم مُعاناة الأطفال والنساء المًستضعفين في فلسطين؟ مَن كان سيُطالب بحقوق هؤلاء المظلومين من المجتمع الدولي؟

 

فيديو:

حسين أمير عبد اللهيان: بينما تؤدّي أميركا دورًا مباشرًا بارتكاب وتنفيذ المجازر ضدّ الشعب الفلسطيني هي ليست في مكانة أن تدعو الآخرين إلى ضَبْطِ النفس وعدم توسيع الحرب.

 

محمد حسين عبد اللهيان: بعد عملية طوفان الأقصى، بدأت سلسلة من التهديدات تطال والدي، ففي السنوات السابقة كان قد تلقّى تهديدات من جماعة مُنافقي خَلْق، ثم جاءت تهديدات تنظيم داعش مع اندلاع الأزمة السورية، وفي السنوات الأخيرة برزت تهديدات الكيان الصهيوني على نحوٍ علني وصريح، حيث أعلن أن والدي مُدْرَج ضمن قائمة الاغتيالات، وأنه يُعدّ من بين أهداف هذا الكيان. لدرجة أنه، وكما أخبرنا والدي، بأنه في آخر زيارة له إلى نيويورك، كلّفت السلطات الأمريكية الفريق الأمني التابع لنائب الرئيس الأمريكي أن يتولّى حمايته، نظرًا لخشية الأمريكيين أنفسهم من إمكانية إقدام الكيان الصهيوني على تنفيذ عملية اغتيال بحقّه هناك.

كانت هذه التهديدات حاضِرة في حياة والدي، وكان على دراية تامة بحجم المخاطر، لكنه لم يكن يُخْبرنا بها، ولم يكن يُشْعرنا بها، ومع ذلك لم تؤثّر هذه التهديدات فيه أبدًا، ولم تُضْعِف من عزيمته أو تُغيّر شيئًا من مواقفه، بل ظلّ ثابتًا شجاعًا يُعبّر عن آرائه بكل جُرأة وحَزْم في المحافل الدولية، من دون أن تهتزّ له كلمة أو يتراجع عن موقف.

كان والدي صوت المظلومين في الأمم المتحدة، ويدافع عنهم بكل قوّة وشراسَة، كما كان يُوجِّه انتقادات شديدة وبكل صلابة إلى الكيان الصهيوني، وهو موقف ربما تعجز كثير من الدول الإسلامية حتى عن مجرّد تصوّره.

 

فيديو: 

حسين أمير عبداللهيان: ما يحصل حاليًا في فلسطين ثبت بوضوحٍ أنّ أيّ تطبيع مع إسرائيل لا يعني أننا نتخلّى عن الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة، بل إن أية مساع للتطبيع مع إسرائيل هي محكومة بالهزيمة.

 

بيسان طراف: أخبرنا عن سماحة السيّد حسن نصر الله، والعلاقة التي كانت بينه وبين والدك؟

 

محمد حسين عبد اللهيان: كان والدي على علاقة وثيقة جدًا بالسيّد حسن نصر الله، وكان يحرص على لقائه في كل زيارة له إلى لبنان. لم يكن اللقاء بينهما مجرّد لقاء عابر أو قصير، بل كانت اللقاءات دائمًا تمتدّ لساعاتٍ طويلة. لم تكن مواعيد اللقاءات تقليدية في الغالب، فقد كانت تُعْقَد في ساعاتٍ مُتأخّرة من الليل.

 

زوجة الشهيد: في العادة، حين كان السيّد عبد اللهيان يخبرنا أنه سيعود إلى مقرّ إقامته في لبنان في ساعةٍ مُتأخِّرة من الليل، كنا ندرك مباشرة أنه سيلتقي بالسيّد حسن، وكان ينتهي اللقاء بينهما بحدود الثالثة فجرًا.

 

محمد حسين عبد اللهيان: حين كان والدي يحدّثنا عن جلساته مع السيّد حسن نصر الله لم يكن يذكر سوى الذكريات الطيّبة، كان يعتبر تلك اللحظات من أكثر الأوقات مِتعة بالنسبة له.

قبل 15 عامًا حظيتُ بتوفيق زيارة السيّد نصر الله وتشرّفت برؤيته عن قُرب، وهي لحظة لا تُنسى بالنسبة لي.

 

بيسان طراف: شاركتم في تشييع سماحة السيّد حسن نصر الله؟

 

محمد حسين عبد اللهيان: نعم.

 

بيسان طراف: أخبرنا عن هذا اليوم، عن يوم التشييع؟

 

محمد حسين عبد اللهيان: كما تعلمون، ففي الوقت الراهِن لا توجد رحلات مباشرة مُنتظِمة من إيران إلى بيروت، وكنا على مَتْنِ أول رحلة مباشرة من هذا النوع، رغم ما أحاط بها من مخاطر وتهديدات، لكننا كنا مؤمنين بأهمية هذه المسيرة وبضرورة الحضور.

ولذلك، ورغم كل تلك المخاطر، استقللنا أول رحلة مباشرة إلى بيروت للمشاركة في مراسِم التشييع. سادت أجواء حزن عميق لا توصَف، لكن العدو الصهيوني، ونتيجة لجهله بطبيعة هذا الشعب، ظنّ أن استعراضه للقوّة قد يُربك مراسِم التشييع، أو يزرع الخوف في نفوس المشاركين.

إلا أن ما شهدناه كان العكس تمامًا، فبعد مرور طائراته الحربية، تحوّل الحزن إلى حالٍ من الحماسة والشعور العميق بالعزيمة، وبرأيي هنا أيضًا أخطأ الكيان الصهيوني في تقديراته.

 

بيسان طراف: كان أيضًا معروفًا بتأثره =وعلاقته أيضًا بعوائل الشهداء، وأيضًا كان مُناصِرًا جدًا إلى جانب الفقراء. أخبرنا بعض القصص عن هذا الجانب الإنساني لدى والدك الشهيد؟

 

محمد حسين عبد اللهيان: كان والدي يُولي اهتمامًا خاصًّا لعوائل الشهداء، سواء في إيران أو في البلدان الأخرى التي كان يزورها. فعلى سبيل المثال، عندما كنا في لبنان، كان يحرص دائمًا على زيارة روضة الحوراء زينب أو روضة الشهيدين، وكانت هذه الزيارات جزءًا ثابتًا من برنامجه، وهناك كان يلتقي عائلات الشهداء ويتحدّث إلى أفرادها.

في أحد أسفاره أذكر أنه سار مشيًا على الأقدام بين الروضتين بالرغم من التهديدات الأمنية التي كانت قائمة وقتها.

كان يحدث أحيانًا أن تُمْنح لوالدي مُكافأة أو هدية ما، فكان يطلب من المكتب أن يبيعها، ثم يستخدم ثمنها لمساعدة الأشخاص الذين يأتون لطلب العون والمساعدة، فقد انكشفت لنا كل هذه التفاصيل بعد استشهاده.

بعد استشهاد والدي، كنا نلاحظ مجيء =بعض عمال النظافة لتنظيف الطريق أمام منزلنا من تلقاء أنفسهم، وحين سألنا أحدهم عن السبب، أخبرنا أن والدي حين كان يمرّ من أمام منزله كان يتوقّف بسيارته ويترجّل منها ليسأله عن أحواله، وإذا كانت لديه مشاكل كان والدي يتابعها ويحلّها. لذلك =شعر عامل النظافة بأن ذلك دَيْن في رقبته، وأراد أن يردّ الجميل بطريقته الخاصة.

 

بيسان طراف: عندما تشتاق إليه، ماذا تفعل؟

 

محمد حسين عبد اللهيان: يقيننا بأنه في المكان الأفضل يخفّف عنا وجع الفَقْد والاشتياق.

 

زوجة الشهيد: أنا لا أزال أتحدّث إليه باستمرار يوميًّا وأطلب منه أن يدعو لنا بحُسن العاقبة، لعلّنا نحظى بخاتمة طيّبة كما حظيَ بها هو.

 

محمد حسين عبد اللهيان: لقد كنا وما زلنا نفخر بك، سواء في حياتك أو بعد رحيلك، وكما قال أحد الأصدقاء: عاش سعيدًا ومات شهيدًا.

نفخر بك في الحياة الدنيا، ونزداد فخرًا بك في الحياة الأبدية، ونرجو أن تكون شفيعًا لنا في الآخرة.