مع ديمتري كيسيليوف - المدير العام للمجموعة الاعلامية الدولية "روسيا سيغودنيا"

نص الحلقة

 

مهدي الديراني: من العاصمة موسكو، أهلاً وسهلاً بكم أعزّائي المشاهدين إلى هذه المقابلة الخاصة مع المدير العام لوكالة روسيا اليوم للأنباء وإذاعة سبوتنيك ديمتري كيسيليوف. أهلاً ومرحباً بكم، وشكراً على تلبية طلبنا لإجراء هذه المقابلة.

وفي هذه المقابلة سنتحدّث عن الإعلام الروسي وكيف واجه التحدّيات العالمية، وتحديداً بداية الحرب على أوكرانيا.

إذًا، تقرير يُلقي الضوء على الإعلام الروسي، نتابع.

 

فيديو:

أن يقع الاختيار على إعلامي لإجراء مقابلةٍ خاصة مع الرئيس فلاديمير بوتين، وتتناقلها المؤسّسات الإعلامية في العالم، ليس بالمهمّة السهلة.

هكذا جلس ديمتري كيسيليوف، المدير العام للمجموعة الإعلامية الدولية "روسيا سيغودنيا"، أمام الرئيس الروسي. 

بين نشأته في العاصمة موسكو ودراسته في لينينغراد أو سان بطرسبورغ حالياً، تشكّلت شخصية إعلامية استثنائية برزت على مرّ العقود بين مختلف المؤسّسات العريقة.

هو يعزف على أنغام الكتابة، والمحاورات التلفزيونية، والإدارة الإعلامية، كما يُتقن العزف على الغيتار تماماً، وهو يحمل جينات فنية عريقة لكونه إبن شقيق المُلحّن السوفياتي الشهير يوري شابونين.

لم يأبه للعقوبات الأوروبية في وجهه بدءاً من عام 2014، بل نظر إلى مُنتقديه كما ينظر بجُرأة إلى عدسة الكاميرا. قدّم طعناً بالعقوبات أمام محكمة الاتحاد الأوروبي، ولو من دون جدوى، فسجّل موقفاً في أرشيفه الإعلامي.

بين حَظْر السفر وتجميد أصوله، تنوّعت العقوبات، ليكون جزءاً من حِصارٍ غربي على وطنه روسيا.

أكمل المسيرة بإيمانٍ، فآمن بالقدّيس جاورجيوس شفيع غالبيّة الشعب الروسي، وهو يحمل وساماً إسمه التكريمي من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية.

أسهم في حملة شريط القدّيس جاورجيوس لعموم روسيا باللون البرتقالي، تزامُناً مع الاحتفالات بالذكرى الثمانين ليوم النصر.

عمله مديراً عاماً لوكالة "روسيا سيغودنيا"، وهي مؤسّسة إعلامية حكومية، لم يمنعه من الإطلالات التلفزيونية، وتحديداً في برنامج "فستيني دلّي" على قناة روسيا الأولى.

منذ عام 2022، خاض الإعلام الروسي تحدّياً خاصاً بإيصال الحقيقة إلى العالم في ظلّ الحرب الدائرة في أوكرانيا، وبموازاتها حرب سيبرانية وإلكترونية.

أُقْفِلت مؤسّسات روسية في أوروبا، واستشهد صحافيون على جبهات القتال، لكن رغم ذلك، كان دمتري كيسيليوف يجد الوقت لتوقيعِ عقودِ تعاونٍ وشراكةٍ مع مؤسّسات إعلامية صديقة، على رأسها الميادين.

بين مواجهة الحِصار الإعلامي وعقود الصداقة، لا شكّ في أن الأفق الإعلامي الروسي سيكون واسع المدى، وهذا ما سنتحدّث عنه اليوم في المقابلة الخاصة.

 

مهدي الديراني: في البداية، وإذا أردنا أن نعود للوراء إلى بُعيد انطلاق العملية العسكرية في أوكرانيا، كيف تمكّن الإعلام الروسي من كَسْر الحصار المعلوماتي؟

 

دمتري كسليوف: في الواقع، أنا أعتقد أن القوّة تكمُن في الحقيقة، فعندما يُقدّم مراسلونا، وتحديداً مراسلونا العسكريون، تقاريرهم من خطوط الجبهة الأمامية، وهم موجودون هناك يتحدّثون من الميدان إلى الناس، ينقلون الوقائع من المُقاتلين، من أبطالنا، إلى المواطنين العاديين، لا يمكن إلا أن نثق بصدق هؤلاء الأشخاص.

من الواضح أنهم يقولون الحقيقة، فالحقيقة لا تصدر من أولئك الذين يكتبون من بعيد، من خلف مكاتبهم، وهم جالسون ربما في مطبخهم أو في منزلهم أو في أحد مكاتب وكالات الأنباء البعيدة.

الحقيقة ينقلها المُراسلون وحدهم، وهم الموجودون فعلياً في قلب الحدث، في قلب المعركة، ويشاركون مباشرة في الوقائع التي تجري على الجبهة.

تعلم، أرى أن هذا ينطوي على قَدْرٍ كبير من الثقة، وهذه نقطة مهمّة.

من ناحيةٍ أخرى، تمتلك روسيا منطقاً راسِخاً لا يتزعزع، وهو منطق قائم على السلام. فعندما نقول: دعونا لا يُهدّد بعضنا بعضاً، وعندما نشدّد على التالي أيضاً، دعونا لا نوسّع الأحلاف العسكرية باتجاه بعضنا البعض، ودعونا لا نُسلّح نظاماً نيو نازياً، فإن هذا الطرح بات أكثر فَهْماً وقبولاً سواء في أوروبا أو في دولٍ أخرى في العالم.

أما الطرف الآخر، فيزداد عدوانيّة، وينضوي إلى رايات النيو نازيين، وهذا هو جوهر النازية الحقيقية، لأن النازية تعني تصنيف الناس في درجاتٍ وفئاتٍ، وهو أمر نرفضه لأنه جوهر التقسيم العنصري.

هذا من الدرجة الأولى، أما من الدرجة الثانية، فسيُتاح للأوكراني الذهاب إلى المدرسة، فيما لم يكن مسموحاً للروسي الذهاب إلى المدرسة أو أيّ صَرْحٍ علمي. ستكون هناك روضة للأطفال الأوكرانيين، أما الروسي فلن يدخلها أبداً. الأوكراني سيتحدّث بلغته الأمّ، أما الروسي فيجب ألا يتحدّث بلغته الأمّ لأن ذلك ممنوع عليه. هذا هو بالضبط مفهوم النيو نازية، وما تقوم به روسيا اليوم، إنها تخوض نضالاً ضدّ هذا النظام، نضالاً على الأرض، ونضالاً إعلامياً لا يقلّ أهميّة أيضاً، وهي تحقّق الانتصارات في هذا المجال.

 

مهدي الديراني: وهنا سيّد ديمتري، عندما نتحدّث عن التضليل أو التشويه إذا صحّ القول، كيف استطاعت روسيا من إثبات المصداقية في نقل الوقائع السياسية في ظلّ هذه الحملة؟

 

دمتري كسليوف: أنتم تعلمون أن هذا، في رأيي، يُعدّ نتيجة لقيادة الرئيس فلاديمير بوتين، لاعتباره السياسي الأكثر خِبرة في العالم اليوم، وهو نتيجة لصدقه العميق، وفَهْمه الواسع للقضايا الحالية، ولطريقة تموضُع روسيا على الساحة الدولية أيضاً.

نحن لا نتصرّف بعدوانيّة، ولم نفرض قيادتنا على العالم كما فعلت الولايات المتحدة سابقاً، بل اقترحنا نموذجاً عالمياً قائماً على التعدّدية القُطبية. عالم مُتعدّد المراكز، حيث لا يُطلب من أية دولة أن تكون نسخة عن الولايات المتحدة، بل أن تكون على طبيعتها.

دعوا اليابان تكن يابانية، والدول العربية تكن عربية ومُتنوّعة دينياً وثقافياً كما هي، والصين صينية، والسويد سويدية، والولايات المتحدة أمريكية. فلتعيشوا وفق أنماطكم الحضارية الخاصة، هذا ما نطلبه.

هذا النموذج بالنسبة لنا ليس عدائياً بطبيعته، بل نحن نتعامل مع مختلف الأديان والشعوب بنيّة طيّبة واحترام.

ونحن الآن نتحدّث من موسكو، من استوديوهات شركة التلفزيون والإذاعة الحكومية الروسية، وهي القناة الحكومية الأكثر مُشاهَدة داخل البلاد. ولكننا لا نبثّ داخلياً فقط، فنحن نُنْتج الأخبار ونبثّها بـ54 لغة. لا أعرف دولة أخرى في العالم تفعل ذلك. سواء داغستان، أحد أقاليم روسيا، نحن نُعدّ نشرات إخبارية بـ14 لغة.

وهذا النَهْج الإعلامي، كما نرى، قريب من قلوب دول عديدة، ما يُمكّننا من تشكيل ما نُسمّيه اليوم الأغلبيّة العالمية.

 

مهدي الديراني: وإذا أردنا اليوم أن نتحدّث بلغة الأرقام عن التغطية لوسائل الإعلام للذكرى الثمانين ليوم النصر، هل ربما هنا تحدّثوننا عن عدد الوفود، عدد القنوات الأجنبية التي قَدِمَت من أجل هذه التغطية؟

 

ديمتري كيسيليوف: أنا لا أصدر اعتمادات للمُراسلين الأجانب، لكن حقيقة أن نحو عشرين قائدًا أجنبيًا سيحضرون إلى روسيا تُشير إلى أن وفودًا إعلامية من بلدانهم سترافقهم، بالإضافة إلى حضور وسائل إعلام من مختلف أنحاء العالم، إنه حَدَث سيكون ضخمًا بحقّ. 

لكن ما أودّ تأكيده هو أهميّة فَهْم المغزى الحقيقي لهذا الحدث، ففي الغرب وفي أوروبا تحديدًا سيُفسَّر العرض العسكري، كما أعتقد، أنه استعراض للقوّة، وسيوضَع في سياق إظهار العدوانيّة الروسية. لكن الحقيقة أن العرض العسكري يحمل معنى آخر تمامًا، فتلك الدقّة والانضباط، التشكيلات المحكمة والهيئة الرسمية العسكرية، كلها تُجسّد تحيّة عسكرية رمزية لوحدة عسكرية سقطت في سبيل تحرير العالم من النازيّة الهتلريّة.

إنه تكريم لذِكرى الأبطال الذين ضحّوا بحياتهم من أجل حرية الجميع، من أجل حريّتنا وحريّتكم كما يُقال، وقد بلغت الخسائر البشرية لروسيا، التي كانت وقتها جزءًا من الاتحاد السوفياتي، نحو 27 مليون إنسان. وهذا العرض يُقام تخليدًا لتلك الأرواح، كتحيّة عسكرية مُهيبة لهم.

هناك عروض عسكرية تُنظّم في دولٍ أخرى، في إيطاليا أو في فرنسا مثلًا في الرابع عشر من شهر تموز/يوليو، لكنها تأخذ طابعًا احتفاليًا يشبه الكرنفال.

أما في روسيا، فالعرض العسكري يحمل طابعًا من الانضباط والوقار، وهو حدث لتكريم جنائزي وعسكري مُهيب.

 

مهدي الديراني: واليوم، كيف استعدّت موسكو لهذا الحدث الضخم؟ لجهة أيضًا الفعاليات، هل هناك ربما اليوم حدث جديد أو ما الذي يُميّز اليوم هذه التغطية؟

 

ديمتري كيسيليوف: أنتم تعلمون أننا كنا نستعدّ لهذا الحدث بهدوءٍ ومن دون مُبالغة أو بَهْرَجة زائدة، لكن بطبيعة الحال هناك أولويّات يجب أن نأخذها بعين الاعتبار، وعلى رأسها تأمين السلامة خلال هذه الأيام، لأن احتمالات الاستفزازات أو حتى محاولات ارتكاب أعمال إرهابية وعدائية تبقى قائمة. ويُعْتبر يوم التاسع من أيار/مايو، بما يتضمّنه من فعاليات احتفالية في موسكو، هدفًا مُغريًا للإرهابيين، ما يجعل الجهود المبذولة في مجال الأمن كبيرة ومُكثّفة للغاية.

وفي الوقت نفسه، نرى كيف تُجرى بعض التحسينات في المدينة من تعبيد الطرق وتنفيذ مشاريع خضراء وتهيئة الشوارع.

موسكو دائمًا جميلة ونظيفة، لكن في هذه الفترة هناك روح خاصة في التحضيرات استعدادًا لمناسبة ينتظرها الناس بشوقٍ. بالنسبة لنا، هذا اليوم ليس مُجرّد عرض عسكري أو ذكرى، إنما هو تجسيد لالتزامنا العميق بالحرية، بالمساواة الثقافية، وبالسلام. هذا هو المعنى الحقيقي لهذا اليوم بالنسبة لسكان موسكو، وللروس تحديدًا، ولكل مَن اختار أن يكون معنا في هذا اليوم.

 

مهدي الديراني: هذا العام يصادِف ذكرى مرور عشرين عامًا على حملة الشريط للقدّيس جورج التي أطلقتها مجموعة روسيا سيغودنيا. ما الذي يُميّز هذه الحملة؟ وأخبرنا عنها لو تكرّمتم؟

 

ديمتري كيسيليوف: في الواقع، صاحِبة فكرة هذه الحملة هي زميلتنا ناتاليا لوسيبا، لقد أطلقت المُبادرة بشكلٍ شخصي، واستندت فكرتها إلى رمزٍ قديمٍ للغاية لكنه عميق في دلالاته، إذ إنه رمز البطولة الذي ارتبط بالجنود الروس منذ الحُقبة القيصرية مرورًا بالحُقبة السوفياتية. هذا الشريط المعروف بألوانه البرتقالية والسوداء، ليس مُجرّد قطعة قماش، إنما هو شريط الأوسمة التي كانت تُعلّق عليه أوسمة الشجاعة والبطولة. الألوان ترمز إلى لهيب المعركة ودخان ساحة القتال، وهذه الرمزية القوية هي ما يجعل هذا الشريط يحمل في طيّاته معنى عميقًا.

عندما نبدأ كل عام بإطلاق الحملة، يكون أول توزيع للأشرطة من أمام مبنى وكالتنا، ويتمّ ذلك حَصْريًا من خلال المُتطوّعين، فالأشرطة لا تُباع بل تُوزّع مجّانًا، وتنتشر لاحقًا من محطّات الوقود، مرورًا بالمدارس، ومحطّات المترو، ووصولًا إلى الجميع.

بالنسبة لنا، هذه الشارة أصبحت رمزًا للحرية والقِيَم العُليا التي يدافع عنها اليوم جنودنا وأبطالنا، وبينهم مَن يقاتلون الآن في أوكرانيا.

نحن لا نحارب الشعب الأوكراني، بل نخوض معركة على أراضي أوكرانيا ضدّ الغرب الذي اصطفّ تحت راية النيو نازيّة.

نحن نحارب نظام كييف الإجرامي الذي أثبتت التجارب التاريخية أن مثله لا يسقط إلا بالهزيمة العسكرية.

هذا ما حدث في ألمانيا، وفي اليابان، وفي إيطاليا، وهذا للأسف ما سيحدث في أوكرانيا أيضًا. الوضع يتطلّب تدخّلًا جراحيًا وليس مُجرّد الانتظار.

 

مهدي الديراني: وعندما نتحدّث عن الإعلام، لا بدّ من أن نتحدّث عن الشراكة ما بين شبكة الميادين الإعلامية والوسائل الإعلامية الروسية. كيف تقيّمون هذه الشراكة اليوم؟ وأية آفاق لهذا التعاون؟

 

ديمتري كيسيليوف: أعتقد أنكم جئتم إلى روسيا بقلوبٍ مُنفتحة، ونحن من جانبنا نعمل وفق مبادئ مهنية راسِخة، نتعامل مع بعضنا بعضًا كزُملاء في المهنة، وهذا ما يجعل التواصُل بيننا سهلًا وطبيعيًا. لا أحد يُخفي نوايا سيّئة، ولا يسعى إلى استخدام المعلومات سلاحًا ضدّ الآخر، ولهذا أرى أن أمامنا جميع الفُرَص للتعاون المُثْمِر.

وكالتنا مُنفتحة تمامًا على هذا النوع من التفاعُل، وأنا شخصيًا أنظر إلى هذا التعاون بأملٍ كبيرٍ وإلهامٍ صادق.

 

مهدي الديراني: المدير العام لوكالة روسيا سيغودنيا وإذاعة سبوتنيك، ديمتري كيسيليوف، شكرًا لكم، والشكر موصول لكم مشاهدينا.