مع ميخائيل بيوتروفسكي - مدير متحف الأرميتاج ومدير كلية الاستشراق في جامعة سانت بطرسبرغ
نص الحلقة
مهدي الديراني: من مدينة سان بطرسبرغ، أهلاً وسهلاً بكم أعزّائي المشاهدين إلى هذه المقابلة الخاصة، نُجريها مع الدكتور ميخائيل بيوتروفسكي، مدير متحف الأرميتاج ومدير كليّة الاستشراق في جامعة سان بطرسبرغ.
دكتور بيوتروفسكي، أهلاً وسهلاً بكم معنا، وشكراً على تلبية طلبنا لإجراء هذه المُقابلة عبر شاشة الميادين.
ميخائيل بيوتروفسكي: أهلاً ومرحباً، مرحبًا في أرميتاج وفي سان بطرسبرغ.
مهدي الديراني: إذاً محاور عديدة سنتناولها خلال حديثنا، ولا شكّ في أن الاحتفال بعيد النصر هو عنوان أساسي، ولكن قبل ذلك سنُلخّص مسيرتك السياسية والأكاديمية والتراثية إذا سمحتم، بتقريرٍ خاصٍ نشاهد، ومن ثم نتابع.
تقرير:
يُقال إن الولد سرّ أبيه، ولعلّ هذا ما يُفسّر تسلُّم ميخائيل بيوتروفسكي إدارة متحف الأرميتاج بعد والده مطلع التسعينات، فهو نجل بوريس، عالِم الآثار، ووالدته أربيميسي جون بولدجيان، الباحِثة في عِلم الآثار والأبجديّة.
عَشِق الأبجديّة العربية فدرسها في جامعة لينينغراد وتخصّص في الأدب العربي، قبل أن يُكْمِل رحلته الأكاديمية في جامعة القاهرة.
هامَ بحروف العربية، بضادِها وقافِها، فبادله اليمن حبّاً، واستقبله مُترجِماً في المدرسة العُليا للعلوم الاجتماعية.
نال درجة الدكتوراه في التاريخ، إلا أنه سُرعان ما خَلَع ثوب التخرُّج ليرتدي عباءة البحث العِلمي، ووقّع أكثر من 300 مؤلّف بحثي، بينها دراسة مُعمّقة في التاريخ الديني والسياسي للإسلام في العالم العربي.
ومنذ عام 1992 تولّى إدارة ثاني أضخم متحف في العالم بعد اللوفر الفرنسي.
وإذا كانت الإمبراطورة كاترين الثانية قد أرادت إنشاء هذا الصَرْح الثقافي عام 1764، فإن بيوتروفسكي اختار أن ينشر الثقافة الروسية في عزّ الحرب البارِدة وتهاوي أنظمة كبرى، مؤمِناً بأن القطار الثقافي أسرع من رصاص السياسة.
وبالفعل حقّق مَراده، كيف لا وقد وسَّع رُقعة الأرميتاج لتبلغ الولايات المتحدة مروراً بإيطاليا وهولندا.
خمسةُ مبانٍ ضخمة تنضوي تحت مظلّة الأرميتاج، تمتدّ على مساحةِ 233,345 متراً مربّعاً، فُتِحَت أبوابها لثلاثة ملايين ونصف مليون زائِر سنوياً، أي لأكثر من عدد سكان دول وجزر عديدة.
تُوِّج بجائزة الرئيس الروسي في مجاليّ الأدب والفن، كما نال جائزة الدولة لصَوْنه الإرث الثقافي، وفي عام 1997 أطلق الاتحاد الفَلكي إسم بيوتروفسكي على كوكبٍ صغيرٍ تكريماً له ولوالده بوريس. وها نحن اليوم نستعدّ للدخول إلى أجمل الكواكب الثقافية في العالم، تحت إدارة ميخائيل بيوتروفسكي.
مهدي الديراني: من جديد، أهلاً بكم دكتور =بيوتروفسكي. كما ورد في التقرير، فإن متحف الأرميتاج بكل ما يُمثّل، انتقلت إدارته من الأب إلى الإبن، كيف تصف اليوم علاقة العائلة مع هذا المتحف العريق، وماذا يعني لكم؟
ميخائيل بيوتروفسكي: نبدأ من البداية التي بدأت بها، نحن نحتفل بالعيد الثمانين للنصر العظيم، ونحن سنوياً قبل الذِكرى، عُدنا من المقابِر العسكرية بخير، ونحن أهدينا الزهور لقبور الناس الذين ماتوا في حِصار بطرسبرغ. مُجرّد ظهور لوحة خاصة، لوحة ذِكر لموظّفي أرميتاج الذين استشهدوا في الحِصار وفي الدفاع عن وطننا في الحرب.
والعلاقة العائلية هي أيضاً تختصّ بالحرب، لأنه أثناء الحرب، والدي، هو كان الأثري والعالِم الشهير، هو كان هنا في أرميتاج، هو كان جزءاً من الدفاع عن أرميتاج، من الدفاع الوطني، الدفاع الجوّي، هو كان من الناس الذين قاموا بإخفاء القنابل، إلخ... هنا في إرميتاج. وجدّتي هي كانت عامِلة في المكتبة، المكتبة العِلمية في أرميتاج، وكانت تُعطي الكُتب للموظّفين الذين سكنوا في أرميتاج أثناء الحِصار، وبعض من الناس ماتوا، وأنا أعرف من مُذكّراتها هي كانت من وظائفها أن تأخذ الكُتب من أيدي الناس الذين توفّوا. هذه العلاقات العائلية في أرميتاج.
أنا مُرتبط بأرميتاج بشكلٍ وثيقٍ جدّاً. الوالد كل حياته كان يعمل في أرميتاج، وجدّتي، وطبعاً أنا كَبِرتُ هنا في الأرميتاج. ولذلك ترى أن هناك ارتباط الجميع بالأرميتاج، هناك أجيال عَمِلوا في الأرميتاج، الأب والإبن والجدّ، إلخ... وجزء من هذا التقليد، هو أنني أصبحت مديراً لأرميتاج بعد الوالد، هو كان مديراً لأرميتاج طوال 25 سنة، وأنا مدير لأرميتاج منذ 32 سنة.
مهدي الديراني: هل صحيح كما يُقال إن متحف الأرميتاج يحتاج ربما إلى أعوامٍ لمعرفة كل ما يحتويه بداخله؟
ميخائيل بيوتروفسكي: طبعاً، حتى أنا لا أعرف كل شيء في الأرميتاج، أعرف كثيراً، لكن ليس كل شيء. ولكن بصورةٍ غير دعائيّة، يمكن أن يكون هناك أسبوع يكفي للإنسان العادي ليعرف بصورةٍ ما عمّا يوجد في الأرميتاج.
مهدي الديراني: منذ عام 1992، وتُشرِفون على إدارة المتحف، وقد عملتم أيضاً على توسيع نطاقه الثقافي من خلال إنشاء غُرَف خاصة في كل من لندن وأمستردام. كيف أسهمت هذه المُبادرة برأيكم في نشر الثقافة الروسية في أوروبا الغربية؟
ميخائيل بيوتروفسكي: هناك شيء من الأرميتاج، نحن في الأرميتاج كبرياء، لنا أرميتاج، وكل ما وراء الأرميتاج الخارج، نحن لا يوجد عندنا فارِق بين غازان ولندن.
وعندنا عملنا بفترةٍ نُسمّيها فترة الانفتاح على العالم، انفتاح روسيا على العالم، نحن بدأنا نعمل بطريقةٍ مستمرةٍ في كل العالم. نحن لدينا غرفة في لندن، وغرفة في غازان، وغرفة في لاس فيغاس، وعندنا غرفة وقاعة أرميتاج في لوكسمبورغ، إلخ... ونحن أصبحنا متحفاً عالمياً، وفي كل بلد نحن كنا نعرض الثقافة والحضارة وتاريخ روسيا بمختلف الأشكال، روسيا ودور روسيا في الفن العالمي.
طبعاً، هذا كان يُسرّ البعض، والبعض كانوا حزينين. وعندما يُتاح الانفتاح، الغالبيّة تكون حزينة. ولذلك علاقاتنا مع الغرب مؤقّتة، العلاقات الرسمية، وغرف أرميتاج مُغْلَقة، وغُرَف أرميتاج تزداد في روسيا، ولدينا مشاريع نحن نُسمّيها سبوتنيك أرميتاج في روسيا. وقبل يومين عدت من أورينبورغ، هناك في سبوتنيك أرميتاج الجديد، وهناك مشاريع لإنشاء عدّة فروع وسبوتنيك أرميتاج أيضاً في العالم العربي.
مهدي الديراني: منذ بدء العملية أو الأعمال العسكرية في أوكرانيا، شَهِدَت روسيا أشكالاً مختلفة من الحِصار. هل هذا الحِصار الثقافي أيضاً كان من ضمن جملة الحملة على روسيا؟
ميخائيل بيوتروفسكي: هناك حِصار ثقافي، ولكن نحن نعمل، ولدينا كل التكنولوجيا الجديدة، وفي السماء أرميتاج موجود هنا مادياً، وهو موجود في السماء وفي الإنترنت. ولذلك هناك علاقة، والناس يعرفون أن كل نشاطات أرميتاج، وكل المعارِض السنوية لأرميتاج، إلخ...
علاقات رسمية، رسمية غير موجودة، ممنوع على كل متاحف الغرب أية علاقات مع أرميتاج، لكن علاقات شخصية، علاقات عِلمية موجودة. الناس يزورون المتاحف، يزورون المكاتب، يكتبون الكتب، ولا يمكن في الوقت الراهِن أن تُقطع إطلاقاً كل العلاقات.
عندما كنا في الفترة السوفياتيّة والاتحاد السوفياتي، كان أسهل، كانت هناك ستارة حديدية من الجانبين. الآن هناك ستارة ليست بالحديدية.
مهدي الديراني: هل تأثّرت غُرَف الأرميتاج في لندن وأمستردام أو في غير مكان في العالم بفعل هذا الحِصار؟
ميخائيل بيتروفسكي: لا شيء، هذه غُرَف الأرميتاج، عندنا نظام كنظام الأقمار الصناعية، نحن نُسمّيها سبوتتنيك، الكاميرا تصوّر ويغيّر دورها، إلخ... مكتبة أرميتاج في لندن منذ سبع سنوات انتهت لأنه أصبحت العلاقات، قبل أوكرانيا كان كل شيء، أصبحت العلاقات غير جيّدة، وكان صعب الحصول على أموالٍ في لندن لتطوير المتحف.
لاس فيغاس أيضًا سبع سنوات، يكفي كفاحاً أكثر من اللازم للاس فيغاس، طبعًا أمستردام أُغْلِقت أثناء حرب أوكرانيا، وننتظر المستقبل.
هذا نظام علاقات الأرميتاج، علاقات عالمية وعلاقات نظام مؤسَّس على المرونة، في النهاية نحن نتحرَّك من هذا المكان إلى هذا المكان، إلى السماء، فوق السماء، نحن موجودون في كل مكان مهما كانت الظروف.
مهدي الديراني: من المعروف أنكم تتمتّعون بعلاقةٍ جيّدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، نودّ هنا أن نعرف أكثر من خلالكم عن هذه العلاقة، وأية صفات يتمتّع بها الرئيس بوتين، تحديدًا تلك التي لا نقرأ عنها في الإعلام؟
ميخائيل بيتروفسكي: ليست عندي أية علاقة خاصة، أنا أعرف الرئيس بوتن جيّدًا، هو من سان بطرسبورغ، من لينينغراد، وهو بدأ العمل في لينينغراد في الفترة التي بدأت عملي كرئيس متحف أرميتاج، ولذلك لديّ علاقات.
ونحن الآن نجلس في قاعةٍ من القاعات التي كان فيها بوتين منذ عدّة أشهر، في هذه القاعة قدَّم لي وسام شرف الوطن.
وأيضًا هذه الغرفة الثانية، هو كان يأتي لعدّة مرات، يأتي بالهدايا للأرميتاج، في فترةٍ من الفترات بوتين يقدِّم لنا الهدايا من الآثار العتيقة المهمّة للمتحف، هو كان يُقدّمها كهديةٍ للأرميتاج، وفي هذا المكان كان يضع هذه الأشياء.
هو عندما كان طالبًا في المدرسة كان يزور أرميتاج عدّة مرات، وهو دائمًا كان يقول أسبوعيًا كان يأتي إلى أرميتاج أو المتحف الروسي، هو يعرف المتحف ويعرف الحياة المتحفية.
ولذلك عندما هو أصبح رئيس القسم الأجنبي في رئاسة مدينة لينينغراد، هو كان يأتي برؤساء الدول إلى أرميتاج للزيارة، وأيضًا للحوار معهم، حوار دبلوماسي في أرميتاج، في قاعة أرميتاج، يجري بطريقةٍ جيّدة جدًا.
مهدي الديراني: هل قُرْبكم من الرئيس الروسي بوتين هو السبب في فرض ربما عقوبات على حضرتكم، وتحديدًا هنا نتحدّث عن كندا؟ أم أن موقفكم من نشر الثقافة الروسية في العالم هو السبب في ذلك؟
ميخائيل بيتروفسكي: عقوبات من كندا؟ هذا أمر ظريف. عقوبات من كندا يعني عقوبات من أوكرانيا. كندا الآن أصبحت تحت سيطرة وضغط من الأوكرانيين، كثيرون في كندا وهم دائمًا كانوا ضدّ روسيا، ضدّ الاتحاد السوفياتي وكل شيء.
ولذلك هناك عقوبات من أوكرانيا، والعقوبات من أوكرانيا عليّ وعلى مُدراء في بعض المتاحف الأخرى بسبب قيامنا بحفرياتٍ أثريةٍ في كريميا، يعتبرون كريميا بلداً أوكرانياً، ولكن كريميا بلد تاريخي، والأرميتاج قام بحفريات وتنقيبات أثرية في كريميا في فترة الإمبراطورية الروسية، في فترة الاتحاد السوفياتي، وفي أوكرانيا السوفياتية، أوكرانيا مستقلّة أيضًا، كنا نحن من البعثات العالمية، أرميتاج كانت الموجودة.
وفي ما مضى، بالنسبة للنشاطات العالمية والثقافية، هذه أمور سياسية غير مهمّة جدًا لأننا دائمًا نحن موجودون، دائمًا نقوم بفحص تاريخ كريميا، بلد مليء بمختلف الآثار، ومعرفة الفترات التاريخية المختلفة، وهذا السبب.
مهدي الديراني: قلّدكم الرئيس الروسي وسام الاستحقاق الوطني من الدرجة الأولى. كيف يُمْنَح هذا الوسام وماذا يعني لكم؟
ميخائيل بيتروفسكي: هذا شرف كبير لي، أن لديّ كل درجات الأوسمة، المجموعة الكاملة، هذا وسام مهمّ جدًا، هذا تقييم لنشاط أرميتاج ولي بدرجةٍ ما، ولكن للأرميتاج، لأن الأرميتاج هو رمز روسيا، رمز الثقافة الروسية، تاريخ الثقافة الروسية، ورمز نشاط الثقافة الروسية في الوقت الحاضِر ودورها. وهذا يعني أننا نعمل ونقوم بهذا الدور بشكلٍ جيّد.
وأنا أعتقد حقيقة أن الأرميتاج يقوم بتحسين الجو في العالم بصورةٍ عامةٍ، الفن هو كأمرٍ طبي، الفن والمتاحف أمر طبي للعالم، العالم المريض، ونحن أطباء.
مهدي الديراني: اليوم ونحن على أعتاب الذكرى الثمانين ليوم النصر، هل يمكن مُقاربة الحُقبة الحالية مع فترة لينينغراد؟
ميخائيل بيتروفسكي: طبعًا من الجانب لا يمكن، لأنه كان جو حصار وحرب في الحقيقة هنا، والناس ماتوا في بطرسبورغ، وهنا الناس ماتوا جوعًا في الأرميتاج.
ولكن أيضًا يمكن، لأنه في فترة الحِصار الأرميتاج كان ينظّم كثيرًا من الأمور السريالية، مثل احتفال بالذِكرى للشعراء الشرقيين المشهورين مثل نيزامي وناويي. أنا أعتقد أن الناس الآن لا يعرفون مَن هو نيزامي، هو من أهمّ الشعراء في اللغة الفارسية الأزربجاني، مهمّ جدًا بالنسبة للتُراث العالمي والشرقي، وناويي من أوزباكستان، إلخ...
هذا كان مهماً، كل العالم كان يحتفل، ولكن أثناء الحرب اعتقدوا أن الوقت غير مناسب، هنا قلنا: لا، مناسب، حتى في ظروف الحِصار والحرب والجوع، نحن نجتمع هنا، نقرأ الشعر، نُقدِّم المُحاضرات حول الثقافة وعَظَمَة الثقافة الشرقية، إلخ... هذا كان الرمز جدًا مهمّاً.
ونحن الآن، قبل شهرين، أقمنا معرضًا عن الفنان كاسبار دافيد فريدريش، فنان ألماني مشهور جدًا بالنسبة لألمانيا، هو رمز الروح الألمانية، وعندنا مجموعة لوحات فريدريش خارج ألمانيا، ونحن أقمنا معرضًا كبيرًا جدًا وجميلًا يُسمّى "فريدريش وروسيا"، هنا في أرميتاج، أيضًا لا يمكن أن نرسلها إلى الخارج، والزيارة مُمكنة عن طريق الإنترنت. هذا إلى درجةٍ مثل الرمز، مثلما عملنا أثناء الحِصار، نحن في الحِصار الثقافي، ليست مشكلة، نحن نقوم بواجباتنا ونفعل المطلوب، ونحن نريد أن نعمل في الجانب الثقافي من أجل الثقافة العالمية بالصورة.
مهدي الديراني: وهذا جميل جدًا ما ذكرتموه. المُقتنيات في المتحف هي ذات قيمة عالية، فكيف تمّت حماية هذه المُقتنيات خلال الحِصار على لينينغراد؟
ميخائيل بيتروفسكي: في بداية الحرب تمّ نقل جزء من مُقتنيات المتحف إلى جبال أورال، إلى مدينة سفيردلوفسك وهي كانت يكاتيرينبورغ، والآن هناك يوجد سبوتينك أرميتاج أورال، موجود هناك، في نفس المكان، كان مكانًا للحفاظ على جزءٍ من مُقتنيات أرميتاج.
الباقي كان موجودًا هنا، كانت هذه الأواني موجودة في الرمل، بهذه القاعة بالضّبط، وكما قلت، والدي وموظّفون كانوا يعملون لحماية هذه الأمور وحماية البناء، وكان البناء يحتاج بعد ضربه بالقنابل إلى ترميمٍ مستمر.
مهدي الديراني: العديد من المباني في المدينة تحوّلت إلى ملجأ لاستقبال المواطنين كما هو بات معروفًا، هل هذا الأمر انطبق على المتحف أيضًا خلال فترة الحِصار؟
ميخائيل بيترسكوف: كان هناك مكان مهمّ تحت الأرض كان يُسمّى حماية ضدّ القنابل للناس العاملين في أرميتاج ولمُمثّلي المؤسّسات الثقافية في هذه المنطقة مدينة لينينغراد. ناس سكنوا هنا، خرجوا للدفاع ضدّ الهجمات الجوّية، خرجوا وماتوا من جوعهم في هذا المكان. أنا كنت عند جدّتي ونزلت من المكتبة هناك في هذه الغرفة التغطية لحفظ الكتب من أيدي الناس الذين ماتوا ولينتقل لآخرين، في النهاية كتب للكتابة ومؤلّفات العلمية. هذا الأمر سريالي، ولكن هذا تاريخ. أنت تنتصر على الشرّ. هذه كانت ليست حربًا عادية، هذه كانت حربًا بين الشرّ والحياة، الخير والشرّ، ونحن لا شكّ، المتحف نستفسر العمل الجاري في هذه الأمور الفلسفية والكبيرة كالشرّ والخير. نحن ندافع عن الخير ضدّ الشرّ.
مهدي الديراني: وبالحديث عن المتحف، هل هناك ربما برامِج خاصة ثقافية في المتحف استعدادًا واحتفالًا بعيد النصر الثمانين؟ أو ماذا يُميّز عيد النصر في الذكرى الثمانين؟
ميخائيل بيترسكوف: مهم جدًا، تحدّثت معك بتاريخنا. أرميتاج كانت من أبطال الحرب وأبطال مهمّة جدًا. ونحن أيضًا من أبطال الحفاظ وحماية ذَكريات الحرب. ونحن ٨١ سنة، نحن يجب أن نروي ونحكي للأجيال الجديدة ما هي كانت هذه الحرب ماديًا ومعنويًا، وهذه نشاطاتنا. ونحن نفتح مختلف المعارِض. اليوم، نحن بعد هذا الحوار، سنحتفل بافتتاح معرضين. المعرض الأول عن ذكرى موظّفي أرميتاج الذين ماتوا في فترة الحِصار وقدّم لأرميتاج مجموعة تحف فنية من مجموعتهم الخاصة.
والمعرض الثاني معرض عن حَفْر البورسلان الذي كان يُنْتَج أثناء الحرب والحِصار في سان بطرسبورغ، في لينينغراد، وهو ذكريات للنصر، إلخ.
ونحن نعرض اليوم ليومٍ واحدٍ وساماً مشهوراً، وسام النصر. وسام النصر بمئات الماس، كان أُنْتِج ٢٢ منها، ٢٠ للمارشيلات قادة الجيش، وواحد موجود في أرميتاج. ليومٍ واحدٍ، نحن نعرضه بشكلٍ حَصْري. وأيضًا ليومٍ واحدٍ، نحن نعرض في إحدى قاعات أرميتاج القنبلة الأخيرة التي وقعت على أرميتاج ودمَّرت جزءًا من المتحف. هذا موجود في إحدى قاعات أرميتاج.
نحن نقوم بأمورٍ عاديةٍ وأيضًا بأمورٍ رمزية لنُفسّر للناس أن هذا الأمر مُقدّس ومعنوي جدًا.
مهدي الديراني: دكتور ميخائيل بيوتروفسكي، شكرًا جزيلًا لكم على هذه المُقابلة من هنا في مدينة سان بطرسبورغ في روسيا، وتحديدًا من متحف الأرميتاج.
شكرًا جزيلًا لكم.
ميخائيل بيوتروفسكي: كل الشكر.
مهدي الديراني: الشكر الأكبر موصول لكم أعزّ ائي المشاهدين.