الحرب الخفية: من يديرها؟ وما خطرها؟
ليست حربًا بالسلاح التقليدي، بل أخطر منها بكثير... إنها حرب الوعي التي تديرها مراكز استخباراتية، وتستهدف العقول والسرديات والوجدان. فكيف يعمل "مركز عمليات الوعي" في جيش الاحتلال؟ وما أدوات الغزو الافتراضي الذي يسعى لاختراقنا؟ وهل نستطيع تفادي هزيمة الوعي قبل أن تُحسم المعركة؟
نص الحلقة
بيار أبي صعب: مساء الخير، أخطر من طائرات الشبح والقنابل الخارقة للحصون، أفتك من الأسلحة الفائقة التطوّر التي تحمل لشعوبنا الموت والدمار والتهجير والإبادة. هناك حربٌ خفيّة تشنّها قوى الهيمنة بلا هوادة على المجتمعات والدول وحركات التحرّر التي تقاومها. إنها حربٌ شرِسَة خطرة غير مرئية تدور في العالم الافتراضي وتقوم على إدماج خبرات السياسة والأمن والاتصالات والمعالجة الخارِقة لقواعد معلوماتٍ عملاقة، حربٌ هدفها استعمار وجداننا وغزو عقولنا واستباق أفعالنا واختراق منظوماتنا ومجتمعاتنا ومصادرة وعينا. لعلّها الجبهة الأخطر اليوم، الجبهة الحاسِمة التي تحرّك باقي الجبهات وتمهّد للغزوات وتمكّن الاحتلال. كيف تدور هذه الحرب؟ ومَن يديرها؟ وما أدواتها؟ وما خطرها؟ ما هو مركز عمليات الوعي التابع لشُعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي؟ وهل بات الاجتياح الافتراضي قادراً على تغيير سرديّتنا وتوجيه إدراكنا وإحباط معنوياتنا وتأجيج عصبياتنا؟ وأخيراً كيف نتدارك هزيمة الوعي التي تمثّل حقّاً أعلى درجات الهزيمة؟
==للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها معنا في الاستوديو الكاتب والباحث السياسي علي حسن مراد، من رام الله خبير الشؤون الإسرائيلية ياسر منّاع ،ومن لندن الدكتور أمير النِمرات رئيس مركز الأمن الرقمي في جامعة شرق لندن، أهلاً بكم. أبدأ بك أستاذ علي، الزمن الرقمي كشفنا أمام هذه الآلة التي تراقب وترصُد وتخترق وتحرّض وتضرب أحياناً، هذا ليس بجديد ولكن مواجهات وحروب السنتين الأخيرتين أظهرت الخطورة القصوى لهذا الأمر.
علي حسن مراد: تحيّاتي لك أستاذ بيار =ولضيوفك وللمشاهدين. نحن نمرّ الآن بمرحلة ما كان يُحكى في الماضي بأن حروب المستقبل سوف تُخاض فيها أنواع جديدة وأساليب جديدة في ممارسة الحرب، وبالتالي اليوم عندما نقول بأن المعركة والحروب لم تعد تُخاض فقط بالقوّة النارية بل باستهداف العقول والتي هي آخر الجبهات التي يستهدفها الاستعمار بشكلٍ أساسي، نتحدّث عن الوعي، وعندما نقول الوعي فنحن نتحدّث عن المعلومات، وعندما نتحدّث عن المعلومات نتحدّث عن دراسات متعدّدة التخصّصات وفي صُلبها مثلاً عِلم النفس لأنه لاستهداف أيّ مجتمع وضربه يجب أن تدرسه وتجمع أكبر قَدْر ممكن من المعلومات عنه، وبعدها تقرّر كيف وما هي الأساليب وكيف ستصل إلى أهدافك بالاستناد إلى الوسائل المُتاحة. ونحن نعرف بأن التطوّر التكنولوجي مع ظهور الإنترنت في التسعينات وانتشاره في كل دول العالم، هذا ساهم إلى حدٍّ كبير بالوصول إلى الفرد الواحد الموجود في بيته والذي ليس بالضرورة له عمل عسكري في مواجهة الاستعمار، هذا الفرد الجالس في بيته يؤثّر على محيطه وأولاده وعائلته وبالتالي الجهات المُعادية لمشاريع التحرّر عرفت بأنه لا يمكنها أن تركّز على الأنماط السابقة من الحروب، وأنه ينبغى الارتقاء في البحث عن أساليب جديدة تستطيع أن توصلنا إلى عقل المُتلقّي العادي خاصةً مع حروب الجيل الرابع، نحن كنا أمام نموذج مواجهة جيوش نظامية كلاسيكية لحركات لادولتية، هم يسمّونها حركات تمرّد ونحن نسمّيها حركات مقاومة. هذه الحركات نجحت بفرض حروب استنزاف على الأعداء وبالتالي كان ينبغي الانتقال إلى مرحلةٍ جديدة واستعمال أساليب جديدة على حركات المقاومة في مواجهتها، وبالتالي تحسين فرص إنجاح أهدافهم. اكتشف الغرب الجماعي بالتحديد ومن =ضمنه الكيان الإسرائيلي بأن سرّ قوّة هذه الحركات هي البيئات الحاضِنة، وبالتالي لنذهب لضرب التنظيم علينا أن نضرب البيئات الحاضِنة باستعمال التكنولوجيا التي أصبحت مُتاحة للجميع، للأطفال كما للشيوخ ، وبالتالي استهداف الوعي الذي يؤثّر بطبيعة الحال مع تراكُم الضربات والعمل على التنظيم في نهاية المطاف.
بيار أبي صعب: سنرى لاحقاً إلى أي مدى نجح هذا الاختراق، أنتقل إلى رام الله وأسأل الأستاذ ياسر منّاع، هل العالم الرقمي هو الخاصِرة الرخوة لشعوبنا ومقاوماتنا في مواجهة التغوّل الإسرائيلي؟
ياسر منّاع: من دون أدنى شكّ أن العالم الرقمي هو الخاصِرة الرخوة لشعوبنا العربية والنافِذة التي تستطيع منها أية دولة بشكلٍ عام اختراق أيّ مجتمع على اعتبار أن هذه العوالم الرقمية والمنصّات الاجتماعية منتشرة في كل مكان ومتوفّرة في كل بيت ولدى كل الأجيال والشرائح، وبالتالي المسألة ترتبط بطبيعة هذه الوسائل وطبيعة الرسائل، اليوم يتمّ الاعتماد على الرسائل السريعة القصيرة المدروسة والتي تمتلك المفاتيح الحقيقية والمفاتيح التي من خلالها يتمّ الدخول والتأثير في المجتمعات. الأمر الأهمّ هو أن هنالك غياباً للسيادة الرقمية، معنى ذلك أن الدول العربية بشكلٍ عام لا تمتلك أية سيادة على هذه المنصّات بشكلٍ عام، إنتاج هذه المنصّات وإدارتها مثل فيسبوك مثلاً، منصّة إكس أو تويتر سابقاً، كل هذه المنظومات هي منظومات غربية يتمّ التحكّم بها من قِبَل وكالات الاستخبارات العالمية الغربية وبالتالي الشعوب العربية مُسْتَهْدفة. هذه أحد الاسباب التي تجعل هذه المنصّات هي الخاصِرة الرخوة، إضافةً إلى ذلك أن الكثير من الدول بما فيها إسرائيل تعرّف هذه المنصّات الرقمية =على أنها جزء من الأمن القومي وبالتالي لا بدّ من حمايتها. لذلك نرى بأنه في الكثير من الدول هنالك الكثير من الأقسام والمراكز المُتخصّصة في حماية الأمن القومي الرقمي من الاختراق ومن التأثير، لذلك نرى في بعض الدول حَجْباً لبعض المواقع أو التحكُّم في بعض الصفحات والمعلومات. وبالتالي باعتقادي أن هذه المسألة هي نسبية بين الدول والاختراق النفسي والاختراق في الوعي أيضاً هو نسبي بين المجتمعات، ولكن بشكلٍ عام في الآونة الاخيرة باتت هنالك ثقافة أوسع ومعلومات أوسع وهنالك وعي أكثر في مسألة هذه الحرب الرقمية وطُرق التأثير وما شابه ذلك.
بيار أبي صعب: سنسأل لاحقاً عن إمكانية إيجاد هذه السيادة الرقمية في مجتمعاتنا وبلادنا. أنتقل إلى الدكتور أمير النِمرات في لندن، من تقنيات الجيل الخامس إلى الذكاء الاصطناعي ما الذي تغيّر خلال العقد الأخير في منطق المواجهة مع إسرائيل؟
أمير النِمرات: في البداية أسعد الله مساءك ومساء السادة المشاهدين الكرام والتحية لضيوفك الكرام الأخ علي والأستاذ ياسر. أنا أتّفق مع ما تفضّل به الضيوف الكرام حول أهمية السيادة الرقمية وودور التكنولوجيا حالياً في إدارة الصراع، وأتّفق أيضاً مع ما قيل حول أن هناك غياباً شبه كامل يواجه ما يُسمّى باستراتيجيات السيادة الرقمية حالياً على مستوى العالم وبالأخصّ في الوطن العربي. ما تغيّر الآن هو الاستثمارات الضخمة في البنى التحتية للذكاء الاصطناعي. قبل ذلك هناك كانت استثمارات ضخمة للتحوّل الرقمي في أية دولة، كانت العوامل الاقتصادية في موضوع التحوّل الرقمي وأصبح نجاح اقتصادات الدول مُرتبطاً بالتحوّل الرقمي، وبالتالي أتاح الاعتماد على التكنولوجيا بهذا الكمّ الهائل في حياتنا، كل شيء أصبح رقمياً ومُدوّناً والأسماء أصبحت تُعطى أرقاماً والعناوين أصبحت أرقاماً وحتى الوجوه أصبحت أرقاماً، فبالتالي الذكاء الاصطناعي والاستثمارات التي تمّ ضخّها في هذا المجال أدت إلى تحوّل استراتيجي، وبالتالي الدول الغربية بما فيها إسرائيل اعتمدت استراتيجيات منذ البداية أو وجّهت كل استثماراتها في هذا الاتجاه. ما يميّز هذا العصر أيضاً رغم الإمكانيات المطلوبة والاستثمارات التي يُراد لأية دولة أن تضخّها في مجال الذكاء الاصطناعي، يبقى هناك أيضاً هامش كبير جداً للدول غير الغنية ولكن =إذا كانت هناك إرادة لأن موضوع الذكاء الاصطناعي هو برنامج يتحدّث عن الوعي وقَرْصَنة العقل البشري. هناك أيضاً عقول بشرية في الوطن العربي وعقول لا تتطلّب ذلك القَدْر من المليارات والاستثمارات إذا كانت هناك إرادة حقيقية في مواجهة هذه الاستراتيجيات الموجّهة. ولكن كما ذكر الأستاذ ياسر أن المجتمعات العربية تُرِكَت بلا أية توجّهات وبلا استراتيجيات وبلا سياسات. ربمّا أغلب السياسات والاستثمارات وُظّفت للحصول على معلومات عن أشخاص مُعيّنين أو عن مجموعات مُعيّنة لا تؤثّر في الخارطة العالمية على تلك الدولة بشكل كلّي، أحياناً استُثْمِرَت مئات الملايين للوصول إلى شخصٍ مُعيّن في دولة مُعيّنة، وبالتالي غياب هذه الرؤية وغياب هذه الاستراتيجية خلق هذا الفراغ، ودائماً حين يكون هناك فراغ يجب أن يأتي شيء آخر ويملأ هذا الفراغ.
بيار أبي صعب: أستاذ أمير إسمح لي أن أقاطعك، في الاتجاه نفسه الذي تتحدّث به بروح الدكتور نبيل كحلوش الباحث الجزائري في الدراسات الاستراتيجية والأمنية، لنستمع إلى شهادة الأستاذ كحلوش يتحدّث فيها عن الحرب النفسية التي تستهدف الوعي والإدراك.
نبيل كحلوش: حينما نتكلّم عن الحرب السيبرانية فنحن نتكلّم عن فضاء افتراضي، كذلك نتكلّم عن شبكات معقّدة للغاية يتلاشى فيها الخط الفاصل بين الحليف والعدو وبين الهدف الرسمي والهدف الشعبي وغيرها من النقاط التي كان يمكن أن نلاحظها في الميدان التقليدي. أهم ميزة للميدان السيبراني أننا لا نلاحظ الخطوط الفاصلة بين العدو والصديق، هذه النقطة الأولى، النقطة الثانية تتجلّى الحرب السيبرانية حالياً في أنها تستهدف المجال النفسي وحتى أن هناك مراكز تسمّى بمراكز العمليات النفسية، هذه العمليات النفسية بالإضافة إلى العمليات التي تستهدف الوعي تقوم بضخّ أكبر قَدْر من المعلومات المُضلّلة وكذلك المعلومات المغلوطة نحو الوعي وكذلك إحداث أكبر قَدْر من التشوّه الإدراكي في الخرائط الذهنية للمُتلقّين وبالأخصّ للجماهير. كذلك هناك استراتيجية يستخدمونها ألا وهي التمهيد قبل حدوث أمرٍ ما تسمّى بصناعة حدث الفكرة بمعنى أنهم يصنعون حدثاً وهمياً، على سبيل المثال انهيار المقاومة، انهيار الشعب الفلسطيني أو انهيار أيّ شعبٍ آخر قبل أن يحدث الانهيار فعلاً وقبل أن تحدث أية مؤشّرات تشير إلى هذا الإنهيار فعلاً، أي أنهم يصنعون حدث الفكرة، يروّجون للفكرة أولاً ثم يصنعون هذه الأحداث حتى يتقبّلها الشخص في النهاية حيث أنهم يستهدفون الوعي ثم يستهدفون العين وليس العكس بمعنى أن هناك فعلاً مراكز للعمليات هذه تقوم بها الكثير من الأجهزة الإسرائيلية سواءً التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية أمان أو كذلك للموساد أو الشاباك، إذاً هي عبارة عن =منظومة أمنية مُتداخِلة ولكنها كلها تهدف بوسائل متعدّدة بالطبع إلى استهداف الوعي والإدراك وتشويه صورة الإدراك سواءً عند الجيل الحالي أو القادم. هذا ببساطةٍ يجعلنا نفهم بأن الحرب السيبرانية اليوم هي حرب الحقيقة ضدّ الكذب، ضدّ الدَجَل الفكري والدَجَل الإعلامي.
بيار أبي صعب: أستاذ علي الثورة الرقمية أو ثورة المعلومات وضعتنا أمام واقع جديد، ضخامة قواعد البيانات وسرعة انتقالها والقدرة الخارِقة على معالجتها بلَمْحِ البصر، نحن ذاهبون إلى حربٍ هجينة غير تقليدية، هل لدينا الإمكانيات والقُدرة على خوضها؟
علي حسن مراد: أولاً لا بدّ من الإشارة إلى أن هذه التقنيات وهذه التكنولوجيا بما أنها بشكلٍ أساسي من تصنيع الغرب الجماعي، وهنا لا بدّ من الإشارة أنه عندما نتحدّث عن الغرب الجماعي لا يمكننا أن نفصل الكيان الإسرائيلي عن الدول الغربية الأساسية، الولايات المتحدة وبريطانيا حتى في موضوع تطوير هذه التكنولوجيا. اليوم في كيان العدو هناك معاهد ومؤسّسات أكاديمية وتعليمية ودراسات عُليا تتلقّى تمويلاً خيالياً كل عام بمئات ملايين الدولارات من دول الاتحاد الأوروبي، من الولايات المتحدة وأستراليا وكندا وغيرها من الدول التي تقدّم استثمارات وتموّل برامج تطوير هذه التكنولوجيا. طبعاً في كيان العدو عندما نتحدّث عن تطوير هذه الأدوات هو يكاد يكون سبّاقاً في هذا الإطار، على سبيل المثال حاييم وايزمان الذي كان أول رئيسٍ لكيان العدو كان كيميائياً وهو ساعد البريطانيين في الحرب العالمية الأولى عبر تصنيع الأسيتون الذي طُوّر منه سلاح الكوردايت وهو وقود شديد الاشتعال استعملوه في (الأطول) البحري.
بيار أبي صعب: هو مؤسّس المعهد الذي قُصِف خلال حرب الإثني عشر يوماً.
علي حسن مراد: هذا المعهد بالتحديد يتلقّى تمويلاً بما لا يقلّ عن مليار و500 مليون دولار سنوياً من دول أميركا، لا أتحدّث هنا فقط عن حكومات بل عن مؤسّسات خاصة تقدّم هذا الدعم، مؤسّسة أميركية واحدة العام الماضي موّلت معهد وايزمان ب 938 مليون دولار.
بيار أبي صعب: كل هذه المؤسّسات الغربية تموّل الحرب الهجينة لإسرائيل، وتموّل إبادتنا بمعنى من المعاني، هل نحن قادرون على المواجهة؟
علي حسن مراد: قمتُ بهذا الاستعراض لأقول إنه لا مجال لكي نصل إلى مستوى مُتكافئ مع الجانب الغربي، هناك هوّة كبيرة جداً، حركات المقاومة لديها ميزانيات تكون فيها الأولويّة للجهد العسكري والأمني والإعلامي أما التطوير التكنولوجي فهو بحاجة إلى إمكانيات دول، طبعاً إيران لديها الإمكانيات في المجال السيبراني وهي من الدول التي تصنَّف ضمن قائمة الست دول الأولى في العالم لكن مع ذلك بما أن هذه التكنولوجيا مُخْتَرَعة بالأساس في الغرب فبالتالي هي مُتقدّمة بأشواطٍ عديدة عن كل دول العالم. هناك مقولة درجت وشهدناها في الحرب الأخيرة على لبنان منذ طوفان الأقصى حتى الآن بأن التكنولوجيا غلبت الأيديولوجيا. أنا لا أوافق على هذه المقولة رغم أن هناك اعترافاً بوجود هذه الهوّة الكبيرة لكن تبيّن بأن الأيديولوجيا هي التي تمنع العدو من تحقيق أهدافه، ننظر الآن إلى غزّة، لا مجال للحديث عن الإمكانيات المادية، هم يقاتلون باللحم الحيّ ولكن ما يُبقيهم صامدين ويُفشِل أهداف العدوان هي الأيدولوجيا، العقيدة، الهوية الثقافية التي يتمسّك بها الغزّيون ويصمدون وكذلك شعوبنا في المنطقة.
بيار أبي صعب: العقيدة هي أهمّ سلاح لشعوبنا ومقاوماتنا في مواجهة هذه الحرب الهجينة. أستاذ ياسر منّاع هل الحرب التي تُخاض ضدّ العرب اليوم هي حرب إعادة تشكيل الوعي؟ أنت كتبتَ أن السيطرة على الوعي أهمّ من السيطرة على الأرض.
ياسر منّاع: صحيح، السيطرة على الوعي أهم بكثير ومقدّمة وتمهيد للسيطرة على الأرض. باعتقادي أن مسألة الحرب على الوعي ليست بجديدة، جابوتنسكي حينما كتب نظرية الجدار الحديدي، ماذا أراد من هذا الجدار الحديدي؟ قَتْل بصيص الأمل لدى العرب بمعنى أن هذه الفكرة كانت مُسيطرة وواضحة لدى أرباب المشروع الصهيوني ولكن في هذه الأيام ومع تطوّر التكنولوجيا وانتشار وسائل التواصُل الاجتماعي والمنصّات الرقمية أصبحت هنالك كثافة في استخدام حرب الوعي وأصبحت أكثر تنظيماً. لذلك هذه الحرب التي تُخاض اليوم ضدّ الشعوب العربية بشكلٍ عام والشعب الفلسطيني واللبناني والإيراني والشعوب التي تتعرّض لاعتداء ومواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي باعتقادي أن هنالك ثلاثة أهداف، أولاً إسرائيل تريد أن تفكّك الإرادة لهذه الشعوب من خلال هذه الحرب، إذا استطاعت أن تفكّك الإرادة وأن تغيّر بعض المفاهيم باعتقادي أنها ترى بأنها نجحت في جزء مهم من حربها، وبالتالي هذا يقود إلى النقطة الثانية أنها تخلق واقعاً بديلاً وإن كان هذا الواقع افتراضياً من خلال السرديات والروايات التي تحاول الترويج لها واستغلال بعض الحقائق بمعنى ليس فقط خلق واقع بديل بل في بعض الأحيان أن تقوم بتفسير بعض الأحداث غير المُفسّرة لهذه المجتمعات بطريقةٍ مدروسة تشابه الواقع ولكن هي في الحقيقة روايات مغلوطة وكاذبة وتؤدّي إلى تشوّه إدراكي. المسألة الثالثة هي تحييد هذه الشعوب وهذا هو الهدف، باعتقادي أن هذا هو الهدف الذي تحدّث عنه جابوتنسكي وقتل الأمل لدى العرب بمعنى تحييد هذه =الشعوب عن مسار التحرّر وحتى عن المسار التوْعَوي والنَهْوض بهذه المجتمعات لأن نهضة أيّ مجتمع من الدول العربية هو خطر على إسرائيل وإن كان ليست هنالك مواجهة مباشرة مع هذا الاحتلال، ولكنه يرى في تقدُّم الشعوب العربية ونهضتها وامتلاكها للوعي والثقافة والقُدرة على إنتاج ذلك هو بمثابة خطر.
بيار أبي صعب: أنتقل إلى الدكتور أمير النِمرات، ساحة القتال اليوم افتراضية صارت أدواتها الأفكار والمعلومات الخاصة والعامة كما تفضّل الضيوف الكرام والصوَر والفيديو والتحديد الجغرافي وبرامج التجسّس واختراق الخصوصية إلى آخره، أما الضحايا فهم الأفراد والدول والكيانات المختلفة على السواء، أين نحن من زمن الحروب السيبرانية التي تشلّ المنظومات وتُقَرْصِن البيانات ويمكن أن تدمّر العالم من دون نووي مع حفظ النِسَب؟
أمير النِمرات: سأحاول أن أتناول الجانب الإيجابي والمتفائل في هذا اللقاء، لا شكّ في موضوع دور الذكاء الاصطناعي ودور التكنولوجيا في قَرْصَنة الوعي العربي بشكلٍ عام وضرب الأمّة العربية والإسلامية ومحاولة ضربها على الأقل في كثير من الأخلاقيات أو في المبادئ أو الدين أو العقيدة، هذا موضوع مُمَنْهَج ومعروف وهناك حرب شرِسة قبل التكنولوجيا خلال الحرب التقليدية، ولكن ما أصبح خطيراً حالياً هو الاستثمار في نماذج الذكاء الاصطناعي أو الخوارزميّات التي تتعامل مع الضحية كرقم، فبالتالي نشاهد ألسنة دخان رقمية مُتصاعِدة من مراكز البيانات في كل مكان، وطبعاً التواطؤ في شركات التكنولوجيا العملاقة كمايكروسوفت وأمازون في هذا الموضوع هي بعقود بمليارات الدولارات. في مايكروسوفت هناك خدمات الحَوْسَبة السُحابية التي قدّمت لإسرائيل 19 ألف ساعة من المهندسين قاموا بدعم الجيش الإسرائيلي في تحليل الكثير من البيانات حيث يأخذ البيان عشرين أو ثلاثين ثانية لتحديد الهدف وخلال دقيقة الشخص يُمحى قَيْد الشخص المُسْتَهْدَف من القَيْد المدني. مشروع "لافندر" و "ويرز دادي" وفاير فاكتوري" هي أمثلة على هذه التكنولوجيا المُستخدَمة. هنا في بريطانيا من المعروف أن مطار تل أبيب هو محطة =قَرْصَنة كاملة لأي شخص يدخل هذا المطار، وكذلك الكثير من الدول الأوروبية تمنع الموظفين الذين يشغلون مناصب حساسة من السفر إلى إسرائيل وهم يحملون الهواتف الذكية، وبالتالي التأثير والدعم الذي تحصل عليه من قبل الشركات العملاقة خصوصاً التي اتّخذت مقاراً لها في الولايات المتحدة هي بالأصل شركات إسرائيلية عبر ما يسمّى بتبييض الإسم.
بيار أبي صعب: نستنتج أن الغرب الجماعي ضدّنا، سنعود إلى هذا الموضوع بعد الفاصل، فاصل قصير ونعود أعزّائي المشاهدين.
أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذا الجزء الثاني من "على محمل الجد"، نصل هنا إلى الجزء الثاني من حلقتنا مع فقرة "على محمل النقد"، الكاتب والباحث اللبناني خضر سلامة المتخصّص في المحتوى الرقمي يتحدّث لنا عن كيفية مواجهة الفِخاخ والمخاطر التي تضجّ بها مواقع التواصُل الاجتماعي، رأيه أن تحقيق السيادة الرقمية ونشر ثقافة الأمن الذاتي هي عنوان المعركة، نشاهد معاً.
خضر سلامة: التجسّس وجَمْع البيانات هي برأيي من أهمّ ما قدّمت السوشيال ميديا على المستوى العسكري للدول والجيوش وغيرها، بمعنى اليوم تستطيع السوشال ميديا أن تَرْفدني بمعلومات مع قُدرة اختراق عالية وقَرْصَنة بقُدرة تجسّس مباشرة على الأفراد من جهة. من جهةٍ ثانيةٍ على بناء شكل هندسي واضح لعلاقة الأفراد ببعضهم، التموضوعات الأيديولوجية والجماعية إضافةً إلى ذلك يمكن لعملية رَصْد مُحْتَرِفة لكل المنشورات التي تُنْشَر في بلدٍ ما أو في منطقةٍ جغرافيةٍ ما أن تعينني على تصيُّد المعلومات الجغرافية، المعلومات المكانية، وجوه الأفراد الظاهرين عن طريق الخطأ أحياناً، فكل هذه تعمل ضمن إطار جمع البيانات وجمع البيانات يبدأ من أمور بسيطة مثل صوَر الأفراد وأسمائهم وصولاً إلى مواضيع أكثر تعقيداً مثل اتجاهاتهم السياسية، تفكيرهم، اهتماماتهم، تنقّلاتهم الجغرافية إلى آخره، هذه كلها أمور متوافرة للأسف بشكلٍ عام على حساباتنا المفتوحة على السوشيال ميديا.
حين نتحدّث عن التنميط أو بناء نمط واضح لمجتمعٍ معيّن أو لفئةٍ اجتماعية معيّنة فنعني بها ما يسمّى بالهندسة النفسية والهندسة الاجتماعية لهذا المجتمع، نتحدّث هنا مجتمع كامل وليس أفراد فقط لفَهْم سلوكياته وثغراته النفسية أو المادية أو غير ذلك، وهذا كله من جهة سيساعدني على تحسين مردود الحملات النفسية التي أقوم بها، الاستخباراتية والنفسية التي أتوجّه بها لهذا المجتمع وتعزيز فُرَص إسقاط الأفراد في فخّ العمالة والتواصُل، هذا يتمّ عبر ما يسمّى بالهندسة الاجتماعية ولكن ربما إذا قام تكتُّل دول معيّنة أو تكتُّل قوى معيّنة تستطيع أن تخلق منصّات كاملة ببنيّة تحتيّة مستقلّة تماماً عن البنية الغربية ورأينا هذه التجربة في الصين. ثانياً نحن بحاجة إلى تعزيز مفهوم يستخفّ به البعض للأسف وهو مفهوم السيادة الرقمية أي سيادة الدولة على فضائها الرقمي وعلى حقوق وواجبات مواطنيها =على الإنترنت. نحن بحاجةٍ أيضاً إلى خلايا عمل ولجان عمل مشتركة بين القطاع الحكومي والقطاع الأهلي تعمل على تعزيز فكرة ثقافة الأمن الذاتي أي أن يكون كل فرد أميناً على نفسه ولديه المعرفة الكافية ليعرف ماذا ينشر على الإنترنت وما لا يجب أن ينشره، كيف يحمي نفسه من الاختراقات بالحدّ الأقصى لأنه لا توجد حماية مطلقة، مخاطر بعض منصّات التواصُل الاجتماعي غير الواضحة بسياسة الخصوصية وإلى آخره، هذه كلها يمكن أن تكون لُبْنة أو حجر ركيزة في عملية بناء أمن وطني وقومي حقيقي على مستوى الإنترنت وتحديداً وسائل التواصُل الاجتماعي.
بيار أبي صعب: دكتور أمير النِمرات أعود إليك وأعتذر على المقاطعة قبل قليل، أنت مُتخصّص في الأمن السيبراني، هل من الواقع الدعوة إلى تحقيق السيادة الرقمية التي تحدّث عنها الأستاذ خضر سلامة؟ كيف يكون ذلك ممكناً على المستوى السياسي والقانوني وعلى المستوى التقني والرقمي على وجه الخصوص؟
أمير النِمرات: أتّفق مع كل ما قاله الأستاذ خضر سلامة حول الخطوات الفعّالة في =تحقيق السيادة الرقمية، وأريد أن أضيف أنه إذا كانت هناك إرادة، ليس فقط الدول العربية رأينا الرئيس الفرنسي يتحدّث قبل سنوات عن موضوع الاستعمار الرقمي، فرنسا نفسها تشكو من هذا الأمر، وقد دعا إلى بناء بنية تحتية تحفظ السيادة الرقمية الفرنسية، بالتالي يجب أن تكون هناك استراتيجية وتبنٍّ لهذا الفكر، وهذا الفكر يأتي عبر فرض استراتيجيات وبتبني سياسات من قِبَل الدولة وبالتالي نقل هذه السياسات إلى المؤسّسات ونشر الوعي بشكلٍ مًتلازِم مع كل هذه السياسات في المجتمع، ولكن كما ذكرنا بالرغم من كل الاستثمارات والأرقام التي نسمعها حالياً عن استثمارات بمليارات الدولارات في بناء مراكز البيانات والبنى التحية والاستثمار في موضوع الذكاء الاصطناعي. كانت التكلفة اليومية لنموذج الذكاء الاصطناعي Open AI وشات جي بي تي ثلاثة ملايين تقريباً، الآن انخفضت هذه التكلفة إلى 150 ألف دولار، إذاً لم تعد هناك هذه الأرقام المرتفعة التي نخاف منها، فبالتالي هناك نيّة للبناء في هذا المجال وأريد أن أؤكّد أن هناك إمكانيات كبيرة جداًفي الوطن العربي، إذا تحدّثنا عن لبنان فهناك عقول ضخمة في موضوع الذكاء الاصطناعي والبَرْمَجة، وإذا تحدّثنا عن حركات المقاومة فهي لديها أيضاً كل الإمكانيات وإن كانت بميزانيات بسيطة. إذا تحدّثنا على مستوى مؤسّسات في أية دولة أو وزارة إذا كانت هناك إرادة فسنجد الكثير من النماذج الإبداعية، تبنّي هذا الأمر كاستراتيجة ينبغي أن يكون أولويّة.
بيار أبي صعب: أستاذ ياسر منّاع كتبتَ مؤخّراً مقالاً يتناول الغزو المنهجي الذي تتعرّض له منصّات التواصُل الاجتماعي من قِبَل الاحتلال لفَهْم سلوكياتنا والتأثير فيها وتوجيه إدراكنا وخلق وعي بديل، المقال يستند إلى دراسة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بعنوان "قصة إنشاء مركز عمليات الوعي في الجيش الإسرائيلي"، هل بإمكانك أن تحدّثنا عن مركز العمليات الإدراكية هذا وأهدافه وطريقة عمله ووسائل مواجهته؟
ياسر منّاع: منذ انتفاضة الأقصى كان هناك اهتمام مُتزايد بمسألة الوعي، وبالتالي كان هناك تساؤل لدى موشي يعلون الذي رأى بأن العنف ضدّ الفلسطينيين لا يُجدي نفعاً وبأنه منذ بداية انتفاضة الأقصى كل العنف الذي استخدمته إسرائيل ضدّ الفلسطينيين لم يوقِف الانتفاضة. وبالتالي حاول أن يبحث عن طريقة أخرى للتعامُل مع الفلسطينيين بشكلٍ خاص ورأى في مسألة صَهْر الوعي أو كيّ الوعي كما يُسمّى ولكن هذه الطريقة لم تكن بشكلٍ مُنظّم. في عامي 2003 و2004 كانت هنالك فكرة إنشاء هذا المركز، في البداية كان هذا المركز تابعاً لشعبة العمليات في الجيش الإسرائيلي ولكنه لم يؤتِ أُكله ولم يحقّق الغرض الذي أُنشئ من أجله وهو التحكّم في إدراك الشعب الفلسطيني والشعوب التي تخوض مواجهة مع إسرائيل. تمّ نقل مسؤولية هذا القسم إلى شعبة الاستخبارات العسكرية أمان. وبالتالي منذ تلك اللحظة هذا القسم وهذا الجهاز يعمل بطريقةٍ منهجيةٍ ومدروسةٍ جداً، يستند إلى الأبحاث للجماهير المُسْتَهْدفة أولاً، ثانياً للمعلومات الاستخباراتية والتحليلات وما يرشَح عن هذه المعلومات. وبالتالي نحن نتحدّث عن قاعدة بيانات كبيرة جداً يستند إليها هذا المركز. هو أولاً يقوم ببحث الجماهير بمعنى أن هذا الجمهور المُسْتَهْدف يتمّ بحثه إضافةً إلى ذلك تصميم الحملات الإدراكية بمعنى ما طبيعة الرسالة التي يودّ هذا القسم أو =صُنّاع القرار إيصالها إلى المجتمع المُسْتَهْدف، ومن ثم عمليات تدريب داخلية وخارجية على كيفية تنفيذ هذه العملية ومن ثم عملية تفعيل التكنولوجيا والوسيلة المناسبة. وبالمناسبة في عام 2006 وفي حرب لبنان الثانية نَشَطَ هذا المركز وقام بإصدار أكثر من 74 نوعاً من المنشورات في لبنان وقام بطباعة أكثر من 17 مليون منشور وُزّع في لبنان على مدار الحرب تضمّن ذلك بعض المنشورات وبعض الصوَر الاستهزائية، محاولات اختراق البثّ عبر الرسائل المباشرة من قِبَل الاحتلال الإسرائيلي لسكان الكثير من المناطق. الأهمّ من ذلك أن المُعضلة التي تواجه هذا الجهاز ويرز ذلك أيضاً في السابع من أكتوبر بأن هنالك نقصاً في فَهْم هذه المجتمعات، الكثير من الدراسات أشارت إلى أن إسرائيل اتّجهت إلى الاعتماد على الذكاء الاصطناعي وبالتالي الدراسة البشرية والمعرفة البشرية تراجعت في ما يتعلّق بهذه المجتمعات وفي تعلُّم اللغة العربية، وأن هذا كان أحد الأسباب في فشل فَهْم هذه المجتمعات. وبالمناسبة بالأمس كان هنالك خبر يقول بأن قسم الوعي في الجيش الإسرائيلي يسعى إلى دراسة اللهجة اليمنية واللهجة العِراقية ودراسة الثقافة الإسلامية بشكلٍ أكثر عُمقاً ودراسة عادات وتفاصيل هذه الشعوب. وبالتالي مسألة عدم فَهْم العدو أو عدم فَهْم الطرف الآخر بشكلٍ صحيح هي إحدى المُعضلات. هذا القسم كان يُطلق الأحكام =المُسبقة على هذه المجتمعات وهذه الجماهير المُسْتَهْدفة وأيضاً هذه تُعدّ إحدى السلبيات التي واجهت هذا القسم.
بيار أبي صعب: أشكرك جداً أستاذ ياسر. أستاز علي لنعود إلى الحرب النفسية التي تُخاض على المقاومة، في عالم مجتمع التواصُل هناك نوع من الدّفع باتجاه التحريض، التضليل، وأحياناً التحريض الطائفي والمذهبي والإثني، المشكلة أن جزءاً كبيراً من روّاد مواقع التواصُل الاجتماعي يقعون في الفخّ ويشاركون التغريدات ويعلّقون عليها وهذا يعطيها الشرعية لا بل أكثر من ذلك، يكشفون معلومات خاصة وعامة خطيرة، فكيف يمكننا أن نتعاطى ضمن هذه الحدود بمواجهة الحرب النفسية والتضليل والدّفع إلى الفتنة؟
علي حسن مراد: أولاً ينبغي أن ننتبه إلى أن أغلب الدعاية أو الحرب النفسية الموجّهة تجاه مجتمع المقاومة بلغته أي باللغة العربية التي يكون مصدرها مباشرةً الجيش الإسرائيلي أو مركز السيطرة على الإدراك أو العمليات الإدراكية يكون واضحاً من لغته، مثلاً عندما يخرج أفيخاي أدرعي ويخاطب ويتحدّث، أو حتى الحسابات التي تُديرها الوحدة 8200 في شعبة الاستخبارات العسكرية لهجتها وأسلوبها في مُخاطبة الرأي العام العربي واضح، لكن نحن لدينا مشكلة الآن وهي تورُّط إعلام عربي وجيوش إلكترونية عربية بمُعاونة العدو بتحقيق أهدافه في الحرب النفسية. هذه مشكلة باعتقادي، يمكننا أن نجري حلقات للحديث عنها ولكن جواباً على سؤالك كل مَن يشارك تغريدةً أو مضموناً أو محتوى يهدف إلى ممارسة الحرب النفسية فلدينا قانون صادر عام 1994 في لبنان، قانون الإعلام حيث هناك بنود مواد تُجرِّم تناقُل هذه الدعاية النفسية قبل الحرب وخلال الحرب وحتى بعد الحرب، كل ما يضرب الروح المعنوية للبلد، للدولة أو لأيّ طرف في الدولة هذا أيضاً يُجرَّم. نتيجة حال التراخي وعدم التشدّد بتطبيق القوانين نتيجة الإرادة السياسية تجد بأن هناك مَن يستخفّ، شخصيات اعتبارية في المجتمع تقوم بإعادة التغريد لتغريدات صهيونية، واضحة الدعاية والحرب النفسية فيها بالمحتوى.
بيار أبي صعب: وحتى إن كان عن حُسن =نيّة هناك مَن يدخل في سِجال ويشتم الطرف الآخر دون أن يدركوا بأنهم يمنحوه الشرعية ويروّجون لمقولته.
علي حسن مراد: أعطيك مثالاً ، أفيخاي أدرعي قام بمتابعتي.
علي حسن مراد: ذكرناه مرتين، أنا أتحفّظ وأسمّيه الناطق باسم جيش العدو.
علي حسن مراد: نعم، قام بمتابعتي فحظرته مبشارةً لكي لا أدع مجالاً للتواصُل، هكذا ينبغي للجمهور أن يفعل حتى وإن اضطررنا في إطار الرد على الرواية أو السردية، يمكن الاكتفاء بالتقاط صورة لكي لا أساهم بترويج أو بزيادة التفاعُل لأن هذه الحسابات يجري قياسها وفقاً لمدى انتشار المحتوى.
بيار أبي صعب: الوعي الفردي يلعب دوراً كبيراً.
علي حسن مراد: لا ينبغي أن نكتفي فقط بأن يخرج الأمر من الجهات العليا بأنه ينبغي عليكم أن تفعلوا كذا، مثلاً في دولة مثل لبنان الأمن العام في لبنان يقوم بإصدار نشرات دورية، حتى الجيش اللبناني مديرية التوجيه مؤخّراً باتت تنشر تحذيراً بأن هناك محتوى معيّناً في تطبيق كذا يمارس دعاية وحرباً نفسية مُعادية تجاه المجتمع اللبناني تجنّبوه. التوعية هي المجال الأساسي والسلاح الأهمّ لنا في مواجهة هكذا نوع من الحرب النفسية لأن هذا فضاء افتراضي مفتوح وبالتالي عملية الحواجز تكاد تكون مُنْعَدِمة.
بيار أبي صعب: دكتور أمير النِمرات سؤال أخير، الذكاء الاصطناعي يعتمد بالأساس على البيانات وفي الدول العربية كل البيانات ليست مِلكاً لهذه الدول وليس لديها أدنى استقلالية بل هي تابعة للشركات العالمية كما تفضّلت حضرتك وذكرتَ بعض هذه الشركات قبل قليل. هل يمكن أن نتخيّل يوماً الخروج من هذه الأنظمة العالمية المُهيمنة إلى أنظمة بديلة أم أن الحلّ هو في التكيّف مع الأنظمة المُهيمنة والتحايل عليها؟
أمير النِمرات: أريد أن أضيف تعقيباً على كلام الأستاذ علي حول ما يتمّ تداوله أو أحد الأساليب التي تُستخدم في تجييش بعض التعليقات، المشكلة أنها تتمّ بطريقةٍ مؤتمتة، هناك تفاعُل حتى بأسماء عربية أو شخصيات دينية وهي ليست شخصيات حقيقية بل اعتبارية أو مؤتَمة، فبالتالي الوعي حول هذا الموضوع مهمّ جداً. وأيضاً في الغرب هناك الكثير من الناشطين المؤيّدين للقضية الفلسطينية والقضايا العربية بشكل عام يواجهون هذه السردية بنفس الطريقة. للإجابة على سؤال حضرتك موضوع الذكاء الاصطناعي يعتمد على البيانات، وبالتالي هذه البيانات أصبحت تُعدّ مخزوناً استراتيجياً، والكثير من هذه البيانات حسّاسة وتسليمها لهذه الدول أو لهذه الشركات العملاقة هو خطيئة كبرى، الموضوع لا يختلف عليه إثنان، ولكن ما نشاهده في الاتحاد الأوروبي في التعامل مع هذه الشركات هو في سنّ قوانين وتشريعات وغرامات في ما يتعلق بانتهاك الخصوصية ومشاركة بيانات هؤلاء الأفراد ونقلها من خارج حدود الدولة فبالتالي إذا كانت هناك إرادة في سنّ تشريعات، والمؤسّسة التشريعية في كل بلد عليها هذا الواجب بأن تقوم بسنّ تشريعات لحماية المُستهلكين وليس أن تكون بيانات دولة ما أو مواطني دولة ما =مُتاحة بشكل مفتوح للعلن. الآن أصبح موضوع البيانات هو الأساس أو المُحرّك الأساسي لكل نماذج الذكاء الاصطناعي، فبالتالي أنت إذا عملتَ على حماية هذه البيانات فأنت تحمي نفسك وتحمي حدودك أيضاً، حتى الحدود التقليدية يمكن حمايتها من خلال البيانات الرقمية.
بيار أبي صعب: أشكرك جداً دكتور أمين. أستاذ ياسر منّاع كيف نواجه هذه الحرب الخفيّة؟ أنت تحدّثتَ عن تحويل الوعي من ساحة انكسار إلى ساحة صمود، جميل لكن كيف؟ تدعو إلى التوعية النفسية والإعلامية والسياسية وإلى كشف أساليب التلاعُب الإدراكي الإسرائيلي، هل كل ذلك ممكن فعلاً برأيك؟
ياسر منّاع: باعتقادي أنه ممكن ما دام أن العقل العربي هو المُسْتَهْدف وبالتالي كل شخص تقع على عاتقه مسؤولية أن يقوم،هذا على المستوى الفردي ومن ثم على مستوى المجتمع المدني ومن ثم على المستوى الرسمي. وبالتالي لا يمكن تحميل مسؤولية أو إلقاء المسؤولية على طرف دون الآخر. التوعية الفردية والمسألة الفردية، نحن نتحدّث عن وسائل التواصل الاجتماعي، نحن نتحدّث عن دراسات وأبحاث عربية بدأت تكشف هذه الطرق وهذه الأساليب وبالتالي لا يُخفى على أحد أن هذه الطرق وهذه الأساليب يمكن كشفها ببساطة والتعرّف عليها. المجتمع المدني أيضا من خلال المدارس والجامعات وما شابَه ذلك أيضاً يمكنه أن يؤدّي دوراً توْعَوياً، إضافةً إلى ذلك المستوى الرسمي من خلال سنّ التشريعات والقوانين كما تفضّل الضيوف الكرام. إضافةً إلى ذلك بناء منظومات وإنْ لم نستطع بناء بنية رقمية على الأقلّ بناء منصّات ومواقع تواصُل اجتماعي مقاومة مُضادّة تحارب هذه الروايات وتعمل على إبراز الحقيقة. بالمناسبة هنالك أحد أهم الظواهر في الوطن العربي ألا وهي منصّات التحقّق من الأخبار، وبالتالي هذه باعتقادي لا تقلّ أهميةً في في ظلّ انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات لا سيّما في زمن الحروب. هذه المنصّات أيضاً تمارس دوراً هائلاً جدّاً ومهمّاً للغاية لا يقلّ أهميةً عن نقل الحقيقة. وبالتالي كما قلنا باختصار الميدان الأول والمكان الأول الذي يعمل على حفظ أو الانتقال من ساحة الانكسار إلى ساحة الصمود هي ذات النفس وذات العقل بمعنى أن المسؤولية الفردية هي أولى هذه الميادين.
بيار أبي صعب: أشكرك جداً أستاذ ياسر وأختم معك أستاذ علي مراد، نفس السؤال الذي سألته لزميليك، كيف يمكننا أن نواجه على مستوى التوعية، على مستوى الثقافة =الرقمية، على مستوى فَضْح خِدَع العدو الإسرائيلي وأدواته؟
علي حسن مراد: لن أضيف الكثير على ما تفضّل به الزميلان لكن في نقطة المجتمع المدني باعتقادي في ظلّ توجّهات سياسية لدى السلطات ولدى الأنظمة الحاكِمة في بلداننا العربية ليس من مصلحتهم بأن تُثار عملية الوعي تجاه الرواية والسردية الصهيونية لأن أغلبهم لديهم توجّهات في التطبيع. باعتقادي أن المجتمع المدني يمكنه أن يلعب دوراً كبيراً جداً، وعوضاً عن تأسيس جمعيات تفرّخ يومياً كالفطر بمواضيع تافِهة، الأوْلى أن يجري تأسيس جمعيات تُعنى بإثارة الوعي في قضايا مواجهة الحرب النفسية والحرب السيبرانية وعملية التأثير على الوعي الجَمْعي للمجتمع وللأمّة. هذه الجمعيات يمكنها أن تزور المدارس والجامعات وتقيم الندوات وتشارك في حواراتٍ إعلامية والحضور في مواقع التواصُل لكنها بحاجة إلى دعم. باعتقادي هناك طاقات شابّة مُستعدّة لأن تلعب هذا الدور لكنها بحاجةٍ إلى الدعم، للخيّرين في مجتمعاتنا ارجوكم انتبهوا إلى هذا الموضوع المهم جداً، يمكنكم بأموالكم وبعطائكم في هذا الإطار أن تدعموا هذا المجتمع، تأسيس هذا النوع من الجمعيات يمكن أن يُحْدِث نقلةً نوعية في هذا الإطار.
بيار أبي صعب: لم أكن أتوقّع هذا الجواب ولكنه ممتاز، المجتمع المدني بمعناه الأرقى هو جزء من الحلّ، أشكرك جداً. كلمة ختام للشاعر الفلسطيني الراحل زكريا محمد "النصر أن تفعل ما عليك فعله والهزيمة ألا تفعل، نتيجة المعركة تحدّدها أنت أيضاً بل أنت أولاً، أنت المُحارِب الفعلي". أما الفيلسوف الصيني سون تزو، فيلسوف الحرب فكتب في القرن السادس قبل الميلاد "من الأفضل أن تهاجم تفكير العدو بدلاً من مدنه المُحصّنة، ليست المهارة أن تحقّق مئة نصر في مئة معركة بل أن تُخضِع عدوّك من دون قتال". شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب علي حسن مراد وياسر منّاع وأمير النِمرات، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.