توماس براك وخرائط ما بعد سايكس بيكو هل تعيد أمريكا رسم المشرق
توماس براك.. سفير أمريكا في تركيا، لكنه يتحدث بلسان يتجاوز حدود انقرة ويدخل عمق دمشق وبيروت. بلغة ناعمة، لكن بمضامين تهز خرائط المشرق: هل تغيرت عقيدة واشنطن فعلاً؟ ولماذا هذا الدعم الغامض لإدارة سورية لم تنجز بعد مراحل الشرعية معروفة المسار؟ لماذا يُدفع الكرد إلى التسليم؟ ولماذا تُرفع العقوبات عن دمشق بسرعة وسهولة؟ في لبنان، اختفت لغة التهديد الاميركية… لا شروط، لا عقوبات، بل "شراكة في إعادة الهيكلة": ماذا تعني إعادة لبنان إلى "بلاد الشام"؟ وهل التسريبات عن طرابلس والجولان مجرد خيال… أم جزء من صفقة تاريخية يعاد من خلالها رسم المشرق؟ ثلاث دوائر… من دمشق إلى بيروت، ومن سايكس بيكو إلى ما بعدها. فهل يعاد تشكيل المنطقة والعبث بالخرائط بالقوة او ما دونها؟
نص الحلقة
كمال خلف: سلام الله عليكم مشاهدينا في دوائر القرار.
توماس باراك وخرائط ما بعد سايكس بيكو، وهل تُعيد أمريكا رَسْم المشرق؟
توماس باراك سفير أمريكا في تركيا لكنه يتحدّ ث بلسانٍ يتجاوز حدود أنقرة ويدخل عُمق دمشق وبيروت بلغةٍ ناعمةٍ لكن بمضامين تهزّ خرائط المشرق. هل تغيّرت عقيدة واشنطن فعلاً ولماذا هذا الدعم الغامِض لإدارة سوريّة لم تُنْجِز بعد مراحل الشرعية المعروفة المسار؟ لماذا يدفع الكرد إلى التسليم؟ ولماذا تُرْفَع العقوبات عن دمشق بسرعةٍ وسهولة؟
في لبنان اختفت لغة التهديد الأمريكية، لا شروط، لا عقوبات، بل شراكة في إعادة =الهَيْكَلة. لكن ماذا تعني إعادة لبنان إلى بلاد الشام؟ وهل التسريبات عن طرابلس والجولان مجرّد خيال أم جزء من صفقةٍ تاريخيةٍ يُعاد من خلالها رَسْم المشرق؟
ثلاث دوائر: من دمشق إلى بيروت، ومن سايكس بيكو إلى ما بعدها. فهل يُعاد تشكيل المنطقة والعَبَث بالخرائط بالقوّة أو ما دونها؟
أهلاً بكم.
=كمال خلف: أرحّب بضيفي الدكتور بسام أبو عبد الله، الخبير في العلاقات الدولية. في القسم الأول والقسم الثاني سنطّلع على وجهة النظر الأمريكية من خلال سيّد سكوت ريتر، الكاتب والضابِط السابق في سلاح المارينز، يطلّ معنا من نيويورك، سيكون معنا في الجزء الثاني.
إلى الدائرة الأولى مباشرة مشاهدينا، وعنوانها: واشنطن ودمشق الجديدة، دعم وغَزَل لا محدود. فما هي الأهداف؟
كمال خلف: دكتور بسام، حيّاك الله. مباشرة، كيف ترى، كيف نفسّر هذا الدعم الأمريكي لحكومة سوريا لم تُنْجِز بعد كما ذكرت في المقدّمة: لا انتخابات، لا صناديق، لا مشاركة، لا مساراً انتقالياً معروفاً، ولا تحديداً إذا كان هناك مسار انتقالي إلى أين ستنتقل سوريا؟ هل هي دولة ديمقراطية، دولة مدنية، دولة إسلامية؟ ما هي بالضبط؟ رغم ذلك، نرى أن هناك دعماً مُسايرة، وأكثر من ذلك، نرى هناك غَزَلاً أيضاً بالإدارة السورية الجديدة. هل من تفسير؟
بسام أبو عبد الله: مساء الخير أستاذ كمال، ومساء الخير للمشاهدين الكرام. طبعاً معك =حقّ، هذا سؤال منطقي ويضع إشارات استفهام كثيرة. الولايات المتحدة، الكل يعرف، السياسة الخارجية الأمريكية تاريخياً ليست جمعية خيرية ولم تكن جمعية خيرية مع أهمّ من النظام أو السلطة القائمة في سوريا على الإطلاق.
إذاً هناك ثمن أو هناك مشروع يجب أن تنفّذه أو تعهّدت به أو أوتيِ بها إلى السلطة لتنفذه بشكلٍ واضحٍ تماماً. دعني أعود فقط كمُقدّمة نظرية سريعة إلى عدد "فورن أفيرز" تموز هذا الشهر، وهي مجلة ناطقة باسم الدولة العميقة في الولايات المتحدة. هذا المقال عنوانه، وأنا ألفت الانتباه إليه: "النظام العالمي الأمريكي الجديد: عودة روح الحرب ولمبدأ القوّة تصنع الحقّ". طبعاً هذا الكلام ماذا يعني؟ أن الولايات المتحدة، ووفقاً لهذا المقال المهمّ، تريد تدمير النظام العالمي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية، الذي يقوم على القانون الدولي والأمم المتحدة، والعودة إلى ما قبل الحرب العالمية الأولى باستخدام القوّة لتغيير الخرائط.
مفهوم سيادة الدول وهذه المبادئ والقرار الوطني وغير ذلك، هذا كله يُطاح به باتجاه مبدأ أن القوّة تصنع الحقّ. السؤال الذي يطرح نفسه: إذا كانت القوّة تصنع الحقّ وفقاً للمنطق الأمريكي الجديد الذي تقوله "فورن أفيرز"، لماذا القوّة تصنع الحقّ بيد الولايات المتحدة والقوّة لا تصنع الحقّ بيد شعوب المنطقة؟ لماذا المطلوب مثلاً أن يجرَّد الجميع من سلاحه في المنطقة وأن يقبل هذه الخرائط؟ لماذا القوّة لا تصنع الحقّ؟ وأنا مع هذا المبدأ، إذا كان هذا المبدأ، فلنقل إن القوّة تصنع الحقّ أيضاً لشعوب المنطقة. كيف يمكن أن تكون أنت مُسالِماً وتقبل بما يُفرض عليك من خرائط ومن دون أن تكون لديك القدرة على مقاومة؟
كمال خلف: لديّ سؤال، دكتور. نحن برأيك أمام نقطة تحوّل هنا، تحوّل أمريكي من أولويّة مُحاربة التطرّف منذ 11 سبتمبر العام 2001 إلى وقتٍ قصير. هل نحن أمام تحوّل أمريكي من أولويُة مُحاربة التطرّف إلى توظيفه سياسياً كما كان يجري أحياناً قبل 2001، قبل 11 سبتمبر، تجربة أفغانستان في وجه السوفيات وغيره؟ هل عادت الولايات المتحدة إلى توظيف التطرّف والتشدّد الإسلامي؟
بسام أبو عبد الله: أنا أميل إلى وجهة النظر هذه، العودة إلى نظرية بريجنسكي، وخاصة أن توظيف ما يُسمّى بين قوسين مع التحفّظ على كلمة الجهاد الإسلامي، توظيفه باتجاه تحقيق المصالح الأمريكية وتغيير الخرائط، هذا الأمر واضح جدّاً. كيف يمكن للولايات المتحدة، التي نتذكّر أن أول لقاء مع السلطة المؤقّتة حالياً في دمشق كانت هناك تحفّظات، وكان هناك اتجاهان =أو تيّاران داخل الولايات المتحدة: تيّار مُتحفّظ وتيّار يقول لنعطهم فرصة.
الآن واضح تماماً منذ استقبال دونالد ترامب للشرع في الرياض، واضح تماماً أن هناك ضوءاً أخضر كبيراً. تأتي تسمية توماس باراك لتوضّح النقاط أكثر بكثير، عندما يصل توماس باراك إلى تشبيه الشرع بجورج واشنطن. هذا فاجأني عندما يقول بأن طرابلس هي مُنْتَجع بحري للشام. هذا كلام خطير جدّاً. نحن نتحدّث عن تغيير خرائط. عندما نرى التنفيذ على الأرض، اليوم مثلاً في السويداء والمجازر التي تُرْتَكب بحقّ أهلنا في السويداء وما يجري من تدخّل دموي وقَتْل ومجازر، وأمريكا لا تعلّق على الإطلاق ولا تُبدي أيّ ردّ فعل، فنحن نفهم أن هناك دعماً كبيراً لهذه الحكومة أو سلطة الأمر الواقع. عندما نضيف إلى ذلك موضوع تجنيس الأجانب، لماذا يُجنّس الإيغور وتقبل الولايات المتحدة بهؤلاء المُرتزقة الأجانب الإرهابيين؟ إذاً هناك مشروع ستنفّذه بمعنى أن دمشق، أنا بتقديري الآن، تحوّلت إلى مركزٍ مُعْتَمَد للولايات المتحدة للجهاديين الأجانب.
كمال خلف: هي أقرب للحال الوظيفية. دكتور، إذا سمحت لي، سنعرض معك ومع المشاهدين أبرز الإجراءات كيف بدأت العلاقة بين واشنطن وسوريا وأبرز الإجراءات منذ 8/12 سقوط النظام السابق إلى هذا اليوم. نتابع.
تقرير:
=الثامن من ديسمبر 2024، سقوط النظام، واشنطن تدعو إلى حلٍّ سلمي لا يُقصي أحداً، الثالث عشر من مايو 2025، ترامب يعلن خلال زيارته الرياض نيّته رَفْع العقوبات عن النظام المؤقّت في سوريا.
الرابع عشر من مايو، لقاء ترامب مع الرئيس أحمد الشرع في الرياض مؤكّداً رَفْع العقوبات واستكشاف التطبيع.
في 23 من مايو، إصدار جنرال لانسيز 25 من الخزانة، تأجيل لعقوبات قانون قيصر 180 يوماً، فتح الباب أمام تعامل الشركات مع دمشق.
في 29 من مايو، سفير واشنطن لدى تركيا ونائب المبعوث إلى سوريا توماس باراك يزور دمشق ويرفع العَلم الأمريكي في مبنى السفارة. في 30 من يونيو، ترامب يوقّع أمراً تنفيذياً يلغي معظم عقوبات سوريا باستثناء قيصر والعناصر المُرتبطة بالإرهاب والأسد.
الأول من يوليو، تنفيذ رَفْع العقوبات رسمياً بإلغاء حال الطوارئ منذ عام 2004 بما يمهّد لعودة سوريا إلى النظام المالي العالمي.
في 7 من يوليو، واشنطن ترفع تصنيف هيئة تحرير الشام من قائمة التنظيمات الإرهابية بعد اعتراف قيادتها المؤقّتة وتشجيع الحوار مع الشرع.
العاشر من يوليو، تقرير الأمم المتحدة يجد غياب صلات نَشِطة بين تنظيمات مثل حماس والدولة، ما يدعم توجّّه الولايات المتحدة لتخفيف الضغوط الدولية على الشرع.
كمال خلف: دكتور بسام، إذا سملنا بنظرية التوظيف، وهي إلى الآن هي المنطق الوحيد الذي يمكن أن يفسّر كما فسّرته حضرتك، لكن التوظيف له مدى زمني. عندما نتحدّث عن رَفْع عقوبات، نتحدّث عن غَزَل، نتحدّث عن مَدْح، نتحدّث عن تجاوز عن موضوع الأقليات والديمقراطية والدستور والحوار الوطني وكل الأشياء التي تفعلها الدول عندما يسقط نظام أو تبدأ بناء جديد، كلها تمّ التغاضي عنها.
في سبيل الوظيفة، لكن الوظيفة هنا، دكتور، يجب أن تكون محدّدة زمنياً، أي أن الوظيفة لا يمكن أن تكون لا نهائية. عندما تقوم بوظيفتك وتنتهي مهمّتك، تتحوّل الأمور، أو عندما تتبدّل مصالح الدول التي تريد الوظيفة. هنا يأتي دور الحديث عن هذا المسار، كيف سينتهي وإلى أيّ حدّ سوف يستمر؟
بسام أبو عبد الله: أولاً، أستاذ كمال، ليس =كل ما تخطّطه الولايات المتحدة يحدث. نحن أيضاً يُفترض ألا نأخذ وكأن كلام توم باراك. تعرف أن كوندوليزا رايس منذ عام 2006 تحدّثت عن شرق أوسط جديد، والآن الحديث يجري عن شرق أوسط جديد، لكن أيّ شرق أوسط هذا الذي نتحدّث عنه؟ أولاً، سلطة الأمر الواقع هي سلطة، والولايات المتحدة تعرف بأنها سلطة مذهبية أحادية لا تخفي نواياها ولا تخفي العملية التي تقوم بها بتفكيك مؤسّسات الدولة السورية.
الحقيقة، أستاذ كمال، ما يجري الآن في سوريا هو تجربة العراق ولكن بطريقةٍ أخرى. حلّ الجيش، طرد كل كوادر الدولة تحت عنوان فلول، كان هناك اجتثاث البَعث، هنا فلول يتحدّثون عنها وإنهاء الأحزاب السياسية، السيطرة على النقابات، والآن عملية إخضاع ما يُسمّى مع تحفّظي على المُصطلح الأقلّيات: مجازر العلويين أم مجازر في السويداء ضدّ الدروز، وسيدفع ذلك أيضاً موضوع قصد وموضوع الكرد.
لكن من أجل ماذا كل هذا؟ هذا سؤال مركزي. إذا افترضنا جَدَلاً، وطبعاً سيترافق كل ذلك مع لقاءاتٍ مع الإسرائيليين. هذا حدث في آخر لقاء في باكو، واليوم هناك لقاء في بروكسل، حضر وزيرا الخارجية اللبناني والسوري بوجود وزير الخارجية الإسرائيلي، وقيل إن هناك لقاءات قد تحدث بين الشيباني وبين وزير الخارجية الإسرائيلي.
الآن، هل الهدف هو شرق أوسط جديد؟ نعم، أيّ شرق أوسط جديد؟ الشرق الأوسط الجديد الذي تراه إسرائيل، طبعاً بدعمٍ أمريكي، لأنه عندما نتحدّث عن إسرائيل، نتحدّث عن الولايات المتحدة. لا تريد إسرائيل أية قوّة عسكرية مُحيطة بها، من هنا حتى هذا الأمر يشمل القوى الإقليمية الكبرى حتى بالجيش العراقي السوري. الآن يجري الحديث عن مصر ثم تركيا وإيران، هذه الدول الثلاث الأساسية.
كمال خلف: وبالتالي نكون أمام سيادة إسرائيلية مُطلقة على المنطقة وفق شرق أوسط بهَنْدَسة إسرائيلية أمريكية. لكن كما ذكرت، دكتور، قلت بأن الخطط الأمريكية ليست قَدَراً. سأناقشك بهذه الفكرة، لأننا رأينا تجارب فاشلة في أفغانستان وفي ليبيا وفي العراق كذلك قبلهما.
لكن أريد أن أطلّ معك، دكتور، ومع مشاهدينا على خارطة سوريا في الوقت الراهن، لنعرض ما الذي يجري داخل الحدود السورية. هذا اللون الأصفر، مشاهدينا، هي مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)، هم حلفاء للولايات المتحدة الأمريكية. داخل هذه المناطق هناك قواعد أمريكية تقلّصت، طبعاً هذه القواعد إلى ثمانٍ، حتى توماس باراك قال سنُبقي قاعدة واحدة.
هنا، طبعاً جنوباً، تتقدّم إسرائيل منذ 8/12 بشكلٍ مطّرد من الجولان السوري المُحتلّ باتجاه مناطق القنيطرة، وأيضاً باتجاه هذه المناطق، جبل الشيخ القريبة من الحدود السورية اللبنانية، التي سوف نشاهدها بعد قليل.
=هناك شيء مهمّ يحدث الآن في هذه اللحظة، دكتور، ستعلّق عليه بعد قليل: التصعيد في السويداء، مشاهدينا، المُفاجئ الذي نشهده الآن والانتهاكات التي تُرْتَكب هناك. إسرائيل هدّدت بالتدخّل، قصفت دمشق، قصفت مناطق في ريف السويداء وفي السويداء وفي درعا. اللافت، مشاهدينا، أن استنفار تقارير غير رسمية، تقارير صحافية، تقول إن مناطق قسد تشهد شرق الفرات استنفاراً، وإذا تدخّلت إسرائيل قد يتمّ إحياء سيناريو تتحدّث عنه إسرائيل، وهو طريق داود، من هنا من السويداء باتجاه مناطق قسد عبر هذه البادية السورية التي نراها.
إذا تمّ وصل هذه المناطق مع هذه المناطق، حقّقنا معبر داود، معبر داود الذي يوصِل إسرائيل مباشرة إلى حلمها التوراتي التاريخي: نهر الفرات. هذا هو، تصل إسرائيل إلى نهر الفرات. طبعاً هذه المنطقة، كما ترون، فيها جيوب لداعش. يتمّ الحديث دائماً عن مساندة قوات سوريا الديمقراطية، التحالف الدولي لعمليات في منطقة البادية.
=إذاً، هذه منطقة مهمّة جداً، مشاهدينا، هذه منطقة البادية السورية من شمال شرق سوريا شرق نهر الفرات إلى منطقة السويداء. يتمّ رَبْط التصعيد في السويداء بهذا المشروع. إلى الخارطة التالية التي تتحدّث، مشاهدينا، عن منطقة الجولان السوري المُحتلّ. هذه حدود الجولان، هنا الداكِنة، وهذه المناطق التي تقدّمت إليها إسرائيل بعد 8/12، بعد سقوط النظام، يتمّ تقدّم بهذا الشكل الإسرائيلي داخل الحدود السورية في هذه المناطق: جبّة الخشب، القنيطرة، وأيضاً المنطقة العازِلة انتهت نهائياً. يتمّ الحديث أن المباحثات التي تتمّ المباشرة وغير المباشرة بين الإدارة الجديدة وبين إسرائيل تشمل اتفاقاً على هذه المناطق، ربما على مناطق أخرى في سوريا.
انتقل مباشرة، مشاهدينا، إلى منطقةٍ مهمّة: منطقة الحدود اللبنانية السورية، تحديداً هنا عند جبل الشيخ. التقارير تقول، انظروا، هذا معبر المصنع الذي يصل بين لبنان وسوريا، وأيضاً طريق بيروت. النشاط الإسرائيلي الأخير، مشاهدينا، عند هذه المنطقة، منطقة رخلة، وفق كل التقارير، تقول إن الآليات الإسرائيلية وصلت إلى هذه المنطقة. كان في حديث عن إنزالٍ في هذه المنطقة، منطقة يعفور. هذه المناطق، مشاهدينا، قريبة جداً من نقطة المصنع التي تصل بين دمشق وبيروت، وهي على الحدود مباشرة مع لبنان.
الخارطة الأخيرة، مشاهدينا، منطقة الساحل السوري. طبعاً، منطقة الساحل السوري لا تزال منطقة محلّ نقاش، فيها القواعد الروسية، قاعدة حميميم الروسية، ولا زال الحديث عن نفوذٍ روسي في هذه المنطقة، لكن غير مؤكّد النفوذ الروسي. ما الذي يمكن أن تفعله روسيا في هذه المنطقة؟ لكن منطقة الساحل، مشاهدينا، لا تزال محلّ نقاش بعد المجازر التي جرت، وهناك حديث عن أن هذه المنطقة قد تكون لديها مستقبلاً رغبة في أن تلتحق بمناطق السويداء وشمال شرق سوريا بالمُطالبة بشيء يشبه الفيدرالية أو غير ذلك.
دكتور، تعليق منك على ما يجري في سوريا على الخارطة، طبعاً، وتحديداً موضوع السويداء. السويداء، لماذا الآن؟ البعض قال إن الشرع عندما ذهب إلى باكو وجلس مع الإسرائيليين، أخذ ضوءاً أخضر. البعض قال إنه اعتمد أنه يتّصل مع الإسرائيليين فدخل، لأن قضية البدو تبدو قضية مُفْتَعلة، ليست قضية حقيقية. وبالتالي، هذا يطرح: هل التسخين هو استغلال الإدارة الجديدة لتقارُبها وخطوطها المفتوحة مع إسرائيل ودعم أمريكي، أم أن التسخين وراءه، كما ذكرت قبل قليل، هو إحياء مشروع الوصل بين جنوب سوريا وشرق الفرات؟
بسام أبو عبد الله: أستاذ كمال، طبعاً هذا لا =يمكن بالمنطق. باجتماعات باكو حصلت، ثم تأتي حادثة بسيطة يمكن حلّها عبر جهاز الشرطة أو الأمن العام أو غير ذلك، لتشعل كل هذا. وطبعاً، الدخول العسكري أو هذا الدخول الهَمَجي إلى مدينة السويداء وقَتْل الناس الأبرياء لا يمكن أن يتم من دون تحضير مُسْبَق. إذاً، هناك خطط موجودة. سلطة الأمر الواقع في دمشق اعتقدت بأن كلما تقرّبت من إسرائيل، أو حتى الضوء الأخضر الأمريكي يعطيها المجال للسيطرة، لأنه يجب أن نتذكّر أن توم باراك قال حتى اتجاه قسد: "قالوا في سوريا دولة واحدة، أمّة واحدة، جيش واحد". والله اعتقدت أنا أنه أصبح عضواً في حزب البعث يتحدّث عن أمّة عربية واحدة، فشعاراتها هكذا، بمعنى لا نريد كانتونات، لا نريد دويلات داخل هذه الدولة السورية. هذا ضوء أخضر بدليل أن الولايات المتحدة في أحداث السويداء لم تعلّق حتى الآن على الإطلاق. التعليق هو أو التدخّل الإسرائيلي، وطبعاً تدخّل إسرائيلي، لا أعتقد أن أحداً يرحّب فيه، بمن فيهم أهلنا في السويداء أو أيّ سوري آخر، لأنه كما أشرت بالخرائط، الإسرائيليون يريدون فتح هذا الكوريدور، وبالتالي الاشتغال. لكن إذا أردنا القول للسلطة الحالية، سلطة الأمر الواقع، هم بشكلٍ أو بآخر مع ما يشكّلون من هذا المشروع الإسرائيلي بسلوكيّاتهم بعمليات قتل الشعب للأبرياء، وبغضّ النظر عن وجود سلاح شرعي وغير شرعي، ما هكذا تورَد الإبل. وما يحدث في السويداء هو جريمة موصوفة، إبادة جماعية كما حدث في الساحل. ما هو المطلوب؟ ما هو دور هذه السلطة التي تقول إنني أريد بَسْط سيطرة الدولة؟ تمام، الكل يريد بَسْط سيطرة الدولة ويريد القانون ويريد الشرعية، ولكن هذه السلطة لم تُظْهِر لأهل السويداء ولا لأهل الساحل ولا للأخوة الكرد ولا لأيّ مكان بأنها سلطة تقف على مسافةٍ واحدة من الجميع. ما حدث في السويداء تابعنا الفيديوهات ونتابع عمليات القتل الجماعي والإذلال. هذه ليست ممارسة سلطة أمر واقع. الآن صدر بيان اليوم عن رئاسة السلطة المؤقّتة يقول: "جرائم وسنُحاسب وكذا". حتى الآن، جرائم الساحل لم يُحاسَب عليها أحد. هذه الوجوه معروفة لديهم، هذا جزء من قاعدة هذه السلطة المؤقّتة، وهم لا تنطبق عليهم إلا صفة قَتَلة ومُجرمين بالأجرة، للأسف، ومرتزقة يقتلون الناس. أنا أعرف ولديّ معلومات عن ناس قُتِلوا بالمِنْجَل، وقتلوا بالسيف، وقتلوا بالسكاكين. وبالتالي، هذا أمر مُخيف.
إذا أخذنا المشروع الكبير، ماذا تريد؟ لاحظ أن الولايات المتحدة صامتة تماماً، لا تتحدّث ولم تعلّق على الإطلاق على أحداث السويداء. إذاً، هي إما راضية وأعطت الضوء الأخضر، أو أن هناك.
كمال خلف: صار في صمتٍ أمريكي، في صمتٍ أوروبي وفي صمتِ منظّمات دولية وحقوقية. وهذا غريب، دكتور. تبقى معي لنفتح الدائرة الثانية، كذلك نأخذ رأيك بموضوع لبنان وسوريا معاً.
مشاهدينا، إلى الدائرة الثانية، عنوانها: لبنان تحت المِجْهَر، من لغة أورتاغوس الصِدامية إلى نعومة باراك القاتلة.
كمال خلف: أرحّب طبعاً بهذه الدائرة بالسيّد سكوت ريتر، الكاتِب والضابِط السابق في سلاح المارينز. حيّاك الله، سيّد سكوت ريتر. قبل أن أبدأ معك، وكذلك مع ضيفي الدكتور بسام، سأستعرض مشاهدينا تصريحات توماس باراك في ما يخصّ لبنان منذ تولّيه الملف اللبناني والسوري والتركي، لكن في ما يخصّ لبنان، أبرز التصريحات خلال زيارتين قام بهما نستعرضهما.
تقرير:
19 من حزيران 2025، باراك يقدّم لرؤساء لبنان مُقْترحاً لتسليم سلاح حزب الله خلال أربعة أشهر مقابل انسحاب إسرائيلي وهدوء على الحدود.
29 من حزيران، منح باراك لبنان مهلة لإنهاء الاحتفاظ الفعلي بأسلحة المقاومة وستة أشهر لنتائج ملموسة.
7 من تموز 2025، باراك يعلن إنه غير مصدوم إنما مُنْدَهش للغاية وسعيد بردّ الحكومة اللبنانية على مُقترحه، ووصف الزيارة بالجيّدة والبناءّة، ولفت إلى إنشاء خطّة مستقبلية ضمن حوار أمريكي لبناني مشترك.
7 من تموز، قال باراك إن الأسلحة غير المُنْضَبِطة يجب أن يتولّى الجيش الرسمي وأجهزته السيطرة عليها، وشدّد بالقول: "إذا أردتم تغييراً فلتقوموا به وسندعمكم، أما إنْ لم ترغبوا فلا مشكلة".
7 من تموز، أعرب باراك عن قلقه إزاء تحليق طائرات إسرائيلية فوق بيروت خلال اللقاء، واصفاً ذلك بالأمر الغريب، مؤكّداً أن الحدود اللبنانية الإسرائيلية يجب أن تُرْسَم ضمن خطة الاستقرار المُقترحة.
11 من تموز 2025، كرّر باراك في مقابلة خاصة أن وجود سلاح حزب الله ضمن الدولة لا بدّ من أن يُنظّم فوراً، مُحذّراً من نهاية لبنان إذا لم تسلّم الدولة حصرية السلاح، وملوّحاً بإعادة لبنان إلى نطاق بلاد الشام جغرافياً إذا لم يحدث ذلك.
كمال خلف: سيّد سكوت ريتر، إليك مباشرة. لغة أورتاغوس التي كانت تأتي إلى هنا تُهين المسؤولين اللبنانيين، تستفزّ اللبنانيين، ولغة صِدامية، لغة استعلاء ولغة إملاءات، ومرة تأتي تحمل نجمة داود على يدها وتظهر أمام وسائل الإعلام، وتمتدح إسرائيل كثيراً داخل لبنان. إلى أن جاء توماس باراك. توماس باراك، لا كلامه دبلوماسي أكثر، ناعم أكثر، ولكن الجوهر أخطر بكثير مما كانت تقوله أورتا غوس. ما هو تفسير ذلك؟ كيف نرصُد هذا التحوّل، سيّد سكوت ريتر؟
سكوت ريتر: بداية، من الجيّد أنكم تحدّثتم =عن هذا التشابُه ما بين السياسة المُعْتَمدة من قِبَل مورغن أورتا غوس ومن قِبَل توماس باراك في ما يتعلّق بالتعامل مع الساحة اللبنانية السياسية. بالتالي، يجب التعامل أيضاً مع حزب الله في ما يتعلّق بكونه حزباً سياسياً ومُكوّناً سياسياً، وليس فقط مُكوّناً عسكرياً يواجه إسرائيل في المنطقة. توماس باراك، أو كون توماس باراك لا يرتدي نجمة داود، لا يعني أنه لا يتبنّى السياسة عينها، أو ربما أيضاً السياسة العدائية التي وصفتموها، التي كانت تعتمدها وتنطق بها مورغن أورتا غوس. ولا يزال يعتمد السياسة عينها، ولا يزال يركّز على التواصُل والتنسيق مع إسرائيل، وهو يأتي إلى هنا في سبيل تثبيت سيادة إسرائيل على المنطقة، على لبنان وسوريا، وعلى المنطقة بشكلٍ شاملٍ. وبالتالي، ما من اختلاف ما بين سياسة أورتا غوس وسياسة باراك، وإن خلط السمّ بالعسل كما يفعل باراك لن يكون ذو فائدة لا للبنان ولا للمنطقة.
كمال خلف: سيّد سكوت ريتر، أيضاً عندما يقول توماس باراك، نحن أمام مبعوث أمريكي يحذّر لبنان، إذا لم يُسلّم حزب الله السلاح فإنه سيعود إلى بلاد الشام، إلى بلاد الشام يعني ضمّ لبنان إلى سوريا، إلى سوريا الكبرى. هذا المُصطلح "بلاد الشام" غير موجود في القاموس الأمريكي منذ مئة عام، منذ سايكس بيكو وما بعدها. لم يستخدم دبلوماسي أمريكي مُصطلح بلاد الشام. بلاد الشام يعني سوريا والأردن وفلسطين ولبنان. عودة لبنان إلى بلاد الشام، يقول إعادة دمجها. يتحدّث عن طرابلس بأنها مُنْتَجع سوريا، كما قال ضيفي قبل قليل الدكتور بسام. وهذا يشير إلى خرائط. هذا الكلام، سيّد سكوت ريتر، هو فلتات لسان، هو تلويح وتهديد، هو تعبير عن مشروع يطلّ برأسه يتعلّق بتغيير الخرائط، على طريقة خاصة أن الرجل يقول: سايكس بيكو رديء، غير جيّد، هو يريد تبديل سايكس بيكو بخرائط جديدة. كيف تفهم هذه التصريحات؟
سكوت ريتر: عندما نتحدّث عن الدبلوماسيين السابقين، هؤلاء كانوا جزءاً لا يتجزّأ من وزارة الخارجية، جزءاً لا يتجزّأ من هذه السياسة التي تقوم بإدارتها وتشغيلها الإدارات الأمريكية المُتلاحِقة. وبالتالي، هذه السياسات تمتلك مزايا مُتعدّدة، وهؤلاء الدبلوماسيون الذين ذكرناهم مرتبطون في السابق بهذه السياسات المُتلاحِقة على مدى السنوات. توماس باراك ليس دبلوماسياً، إنما هو رجل أعمال، هو صديق لدونالد ترامب، هو أيضاً يمتلك علاقة وثيقة بالقادة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة هنا في المنطقة. وليس جزءاً من جسم وزارة الخارجية الأمريكية، وهو لا يمتلك أبداً أية خبرة في ما يتعلّق بعمل هذه الوزارة. هو اليوم المبعوث الرسمي للرئيس الأمريكي إلى هذه المنطقة، وهو الآن يرعى هذه العملية الانتقالية الحاصلة. هو الآن عندما يتحدّث عن بعض الأمور، يمكنني القول إنه لا يتبنّى سردية وزارة الخارجية الأمريكية الحَرْفية. إن كلامه يمكن أن يكون جزءاً من هذا الكلام، ربما مُتأثّراً بتفاعُلاته مع أصدقائه وأصحاب المصالح الذين يمتلك معهم علاقة وطيدة في المنطقة. وأعتقد أن هذه المشكلة الأساسية في ما يتعلّق بسياسة ترامب الخارجية، أن هذه السياسة لا تتميّز بالاستمرارية إذا ما صحّ القول، وهي ليست مُلتصقة كما كانت عليه السياسات الخارجية السابقة. هو يقوم بتوظيف بعض الأصدقاء =الذين يمتلكون خلفية تجارية وخلفية ريادة أعمال. توم باراك رجل أعمال وليس بالرجل الدبلوماسي.
كمال خلف: سأتحدّث عن هذا الرجل معك، سيّد سكوت ريتر، لأن هناك الكثير مما يقول حول موقعه وتصريحاته. دكتور بسام، أيضاً لأنك تحدّثت عن توظيف التشدّد مرة أخرى والتنظيمات المُتشدّدة، وفسّرت كل هذا التغاضي عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والتخلّي عن الأقلّيات في سوريا، حتى المسار الانتقالي، بأن المرحلة مرحلة توظيف وليست مرحلة استقرار وبناء دولة في سوريا. من ضمن التوظيف، دكتور بسام، الحديث عن استخدام المجموعات في سوريا والوضع الجديد في سوريا للانقضاض على لبنان. في خشية في لبنان الآن من أن يتم استخدام الإدارة الجديدة وقوّاتها للضغط على حزب الله. الآن سياسياً يجري إعلامياً تقارير أنه يمكن أن يكون هناك تصعيد على الحدود. لكن من الجانب التنفيذي العسكري، هل تعتقد أننا في مرحلة الضغط على حزب الله وعلى لبنان من خلال حدوده الشرقية وما يجري في سوريا؟ أم أن المُخطّط يقتضي ذلك والصِدام قادم لا محالة؟
بسام أبو عبد الله: أنا أعتقد أن هناك ثلاث تجارب، أستاذ كمال، لموضوع إلقاء السلاح. هذا موضوع حسّاس يتحدّث عنه السيّد توماس باراك. لكن أنا أريد أن أذكّره أن في ثمانينات القرن الماضي وقعت مجازر صبرا وشاتيلا بعد أن قدّمت تعهّدات للفلسطينيين بأنه لن يمسّهم أحد، واستشهد وقتها 3000. مجازر الساحل أيضاً قدّمت تعهّدات ووجد السبب، وهناك الآلاف من قُتِلوا أيضاً في الساحل السوري. الآن السويداء نفس الأمر. الآن إذا نقلنا هذا الملف إلى لبنان وقيل لحزب الله أن يُلقي السلاح، ضمن إطار هذا يحدث عندما تكون هناك دولة قوية قادرة، والجيش قوي قادر على حماية مواطنيه بغضّ النظر عن انتماءاتهم. هذا ممكن، لذلك هذا سؤال خطير. الآن ما الذي سيجري؟ هل حديث السيّد توماس باراك هو زلّة لسان؟ لا، ليس زلّة لسان. هناك تفكير حقيقي بأن هؤلاء، وكنا قد تحدّثنا في بداية البرنامج، هؤلاء الإرهابيون الأجانب وغيرهم، لماذا يوضَعون في ألوية الآن وفِرَق عسكرية خاصة؟ هناك معلومات تقول بتهريب عدد كبير من المسلّحين باتجاه طرابلس الآن، والكل يعرف بأن هناك احتمالات لتنظيمات بدأت تظهر وأسماء في منطقة طرابلس. وقد يحدث هجوم لأنه ليس لديك دولة مسؤولة في دمشق، هي كما أسلفنا، تقوم بدورٍ وظيفي مطلوب منها أن تقوم به الآن. إدخال لبنان في الفوضى، وهذا أمر يجب أن ينتبه إليه مشهد السويداء والساحل. على مسيحيي لبنان أن يقرأوا المعادلة بشكلٍ صحيح، وعلى الدروز وعلى السنّة، وعلى كل لبناني أن يكون موحّداً. القضية ليست تغيير خرائط. علاقة بين لبنان وسوريا، أصلاً هل هي تابعة، كما قلت، لبلاد الشام أم سوريا الكبرى؟ الحقيقة أن العلاقة هي مجتمعية، والفصل أو الضمّ أو كذا لا قيمة له الآن بتغيير الخرائط.
نحن نستطيع الذهاب إلى لبنان. أصلاً، أعداد كبيرة من السوريين في لبنان، إضافة لعامل اللجوء الذي يمكن أن يُسْتَخْدم. واكتشف الجيش اللبناني قبل يومين خلايا موجودة في مناطق لبنانية، وهذا مؤشّر خطير جدّاً.
كمال خلف: هنا، دكتور بسام، باختصار، أنت تريد أن تقول أو كأني فهمتك بأنه ليس من الضروري أن تدخل الحكومة أو يكون هناك قرار في سوريا أن القوات الموجودة في سوريا تأتي إلى لبنان. ممكن أن تخلق حالة وظيفية من داخل لبنان؟
بسام أبو عبد الله: طبعاً، هذا ممكن من داخل لبنان مع دعمٍ من سوريا، لأن الحدود طويلة، هذا احتمال يجب أن يضعه اللبنانيون ضمن اعتباراتهم.
كمال خلف: دكتور بسام أبو عبد الله، الخبير في العلاقات الدولية من دبي، شكراً جزيلاً لك. سنكمل في هذه الدائرة، مشاهدينا، والتالية مع السيّد سكوت ريتر.
=سيّد سكوت ريتر، قبل أن أسألك السؤال الأخير في هذه الدائرة وننتقل إلى التالية، سنعرض الآن مَن هو توماس جوزف باراك، هذا الرجل الذي يُلزَّم، إذا جاز التعبير، تركيا وسوريا ولبنان، نتابع.
كمال خلف: سيّد سكوت ريتر، من الأشياء الجديدة والفريدة وغير المعهودة أن يكون هناك سفير للولايات المتحدة الأمريكية في تركيا، وفي ذات الوقت هو مبعوث الإدارة الأمريكية إلى سوريا ولبنان. الرجل هنا وكأنه مندوب سامي من زمن الاستعمار التقليدي، وليس مجرّد سفير أو مبعوث، أو أن الإدارة الأمريكية تحاول أن تُدير ملفاتها من مركز إقليمي. تركيا من خلالها تُدير المنطقة المحيطة كلها: سوريا ولبنان وربما لاحقاً العراق وغيرها. كيف ترى هذا الشيء الجديد الذي لم نعهده في الإدارات السابقة؟
سكوت ريتر: أنتم محقّون في ما يتعلّق بوصف هذا الوضع بالوضع الجديد وغير المسبوق. كما تعلمون، قام ترامب بتشكيل واقع جديد إلى محلّ مسارات جديدة، سياسات جديدة غير مسبوقة. وبالتالي، هو وضع يده على إرث فاشل على المستوى الدبلوماسي من وجهة نظره، وبالتالي هو يعتمد مساراً جديداً ومنهجية جديدة في إدارة هذه الأعمال. وبالتالي، هو قام بتعيين توم باراك ليس فقط لترؤّس سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في تركيا، إنما أيضاً ليلعب دور الممثل الخاص في سوريا ولبنان، وأيضاً هو يلعب دور الممثل الخاص للولايات المتحدة الأمريكية في أذربيجان وأرمينيا. وبالتالي، هذا أمر غير مسبوق، لاسيما على مستوى الموظّفين الذين يمتلكون مناصب عُليا في الخارجية الأمريكية. كما تعلمون، إن الإدارة الحالية لا تعتمد سياسة تقليدية على المستوى الدبلوماسي، إنما هي تركّز على تعيين ممثلين جُدُد. نحن نتحدث عن ستيف واتكوف وتوم باراك. هؤلاء يمتلكون خلفية تجارية، هم أصدقاء قريبون جداً من الرئيس ترامب. وهذه هي الصورة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية. نحن لم نعد أمّة مبنية على هذا العماد الكبير الذي كان يشكّله رئيس الجمهورية أو الرئيس الأمريكي. اليوم بات الرئيس الأمريكي يُحيط نفسه بأشخاص لا ينتمون إلى المنظومة الأمريكية التقليدية، إنما إلى منظومته الشخصية، منظومة ترامب الشخصية. وهم يمتلكون ولاءً أو يتميزون بولاء لترامب نفسه وليس للإدارة الأمريكية. وأعتقد أن هذا أمر مُثير للقلق ليس فقط للرأي العام الأمريكي، إنما أيضاً للشرق الأوسط بشكل عام. لأن كل هذه السياسات المُتراكمة السابقة التي كانت تعتمدها الإدارات الأمريكية السابقة والرؤساء الأمريكيون السابقون لم تعد اليوم موثوقة أو لم يعد يمكن للشرق الأوسط تطبيقها واعتمادها كمِثالٍ على ما يحصل على أرض الواقع. وهذا الأمر لن ينتهي بطريقةٍ صحيحة.
كمال خلف: شيء غريب، إلا أن توماس باراك وكأنه مندوب سامي في المنطقة، لديه ملف دول عديدة. ستيف واتكوف وكأنه هو وزير الخارجية بينما روبيو لا يظهر في الصورة. والأمور تتبدّل وتتغيّر بشكل غريب. سأتوقّف مع فاصل، سيّد سكوت ريتر، بعده سنتحدّث بشكل واسع عن توماس باراك وخرائطه وتصريحاته. فاصل ونعود.
كمال خلف: أهلاً بكم من جديد، مشاهدينا، في دوائر القرار إلى الدائرة الثالثة: توماس باراك وخرائط ما بعد سايكس بيكو. هل تُعيد أمريكا رَسْم المشرق؟
سنعرض بداية هذه الدائرة تقريراً سيشمل ضفتيّ العنوان. نتابعه.
تقرير:
قبل أكثر من قرن، اجتمع الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس والفرنسي جورج بيكو لرَسْم مستقبل المشرق العربي بحبر قلم فوق خريطة ليست لهم. هكذا ولِدَت دول ما بعد السلطنة، وتشكّلت خرائط كيانية هشّة قامت على حدود مفروضة لا على عَقْدٍ اجتماعي عادل. واليوم تعود تلك الخرائط إلى الواجهة لتُعاد صياغتها وفق هندسة جديدة وبأدوات أمريكية. توماس باراك، السفير الأمريكي الذي تجاوز المؤلّف دبلوماسياً، بات يتحدّث بلسان استراتيجي لا يشبه ما عهدته المنطقة من مبعوثي واشنطن. يهاجم سايكس بيكو بلا موارَبة، ويستدعي مُصطلح بلاد الشام إلى قلب الخطاب السياسي الأمريكي، بما يوحي بأن التفكير في الجغرافيا لم يعد محظوراً، وبات مطروحاً على طاولة دائرة القرار. لكن لغة باراك الناعمة تخفي خلفها تبدّلاً عميقاً في العقيدة السياسية للإدارة الأمريكية الحالية. فواشنطن ما بعد عام 2024 لم تعد تتحدّث عن الديمقراطية ولا عن الحريات ولا حقوق الأقلّيات. أسقطت شعاراتها الكبرى طوعاً، وتقدّمت نحو تسويات تقايض الجغرافيا بالاستقرار، والنفوذ بالصمت، والشرعية بواقع القوّة. سوريا تمنح فرصة العودة إلى المشهد الدولي على الرغم من غياب الدستور والبرلمان والصناديق، ويُعاد تأهيل إدارة ولِدَت من رَحْم فصائل متشدّدة، فيما يدفع بالكرد، الحليف التاريخي لواشنطن، نحو الاندماج في سلطة لا تعترف بهم. في لبنان، تنتقل واشنطن من فصاحة التهديد إلى دبلوماسية الترويض. باراك لا يلوّح بالعقوبات، بل يقدّم عرضاً ناعماً لنزع سلاح حزب الله تحت سقف الدولة، لا المواجهة. في الخلفية، تتصاعد تسريبات عن صفقاتٍ جغرافية: طرابلس مقابل الجولان، فضلاً عن انكماش لبنان إلى حدوده الصغرى وربما إلى ما هو أبعد من ذلك. فهل يُعاد الآن تفكيك النظام الإقليمي العربي لمصلحة ترتيب ما بعد الدولة الوطنية؟ وهل باتت الولايات المتحدة تستخدم العصا الإسرائيلية والجزرة الدبلوماسية لإعادة ترتيب المشرق بما يوافق مصالحها ومصالح حلفائها؟ في لحظة مفصلية كهذه، لا يبدو السؤال: ماذا تريد أمريكا ترفاً تحليلياً، وفي الجواب قد تبدأ حكاية خرائط جديدة تُرْسَم =بالنار والدمار، وتُفْرَض بحروبٍ وتلويح بأخرى، والثمن الذي سيدفع يبدو باهظ الكلفة.
كمال خلف: سيّد سكوت ريتر، انطلاقاً من التقرير، هل بدأنا فعلاً، اعتماداً على تصريحات أمريكية وتسريبات وغير ذلك، هل بدأنا مرحلة العَبَث بخرائط الشرق الأوسط، وهناك محاولات فعلية لتغييرها وتبديلها؟
سكوت ريتر: أعتقد أنه من الواضح سعي الولايات المتحدة الأمريكية إلى جانب إسرائيل الذي يركّز اليوم على إعادة تشكيل حدود المنطقة، حدود الشرق الأوسط. ولكن هناك اختلافات عميقة ما بين موقعنا الحالي والوضع الذي كان يسود خلال فترة سايكس بيكو. تلك الفترة كانت مُغايرة جداً. اليوم الشرق الأوسط أصبح أكثر انفتاحاً وأكثر ربما تقدّماً مما كان عليه في تلك المنطقة. وبالتالي، هذه الخرائط لم يتم رَسْمُها من دون اعتبارات مُتعدّدة، وأيضاً تبعات مُتعدّدة وتهديدات مُتعدّدة. في السابق، كان الوضع أسهل بكثير بالنسبة لهذه القوى. اليوم، دونالد ترامب يتصرّف أو يعتمد سياسة المُنْتَصر، وهذا الانتصار هو الذي يستمدّ منه إلهامه في ما يتعلّق بإعادة رَسْم خرائط الشرق الأوسط. توم باراك يتصرّف اليوم وكأنه ممثل للقوّة المُنْتَصِرة. هل تعتقدون أن حزب الله قد هُزِم؟ هل تعتقدون أن حزب الله سوف يختفي عن الساحة؟ هل هذه المنظّمة المقاوِمة التي تنشط منذ 40 عاماً تقريباً، هل سوف تذهب هذه المنظّمة إلى أوراق التاريخ وكُتُب التاريخ فقط لأن توماس باراك طلب أن يتم تطبيق هذه المنهجية أو هذا الخيار؟ سوريا اليوم تواجه فوضى عارِمة. سوريا لا يمكن لها أن تلعب دوراً في هذه الخطّة الكبرى إذا ما كانت صحيحة. هذه الدولة اليوم تواجه فوضى وعُنفاً منتشرا، وبالتالي من الصعب جداً لها أن تلعب دوراً حسّاساً على هذا المستوى. يجب علينا أن نفهم أن ترامب ليس الملك، بالرغم من أنه يحاول لعب دور الملك أو الإمبراطور، وسوف تنتهي ولاية ترامب بعد ثلاث سنوات تقريباً، وبالتالي إن المنظومة الأمريكية سوف تعود لسيطرتها على مسار صُنع القرارات في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كل هذه الخطط والسياقات التي ذكرتها ترامب سوف تذهب.
كمال خلف: هناك شيء مخيف، شيء مقلق =حقيقة ومُخيف، لأنك تتحدّث عن حسابات خاطئة وعن نوع من العَبَث. عندما يقال: ضمّ طرابلس مقابل تخلّي الشرع عن الجولان، يأخذ طرابلس اللبنانية. نعود إلى لبنان الصغير وليس لبنان الكبير عام 1920، ضمّ لبنان إلى بلاد الشام. كلام يحصل في تجربة الآن في سوريا. هذا خطير إذا كان مدروساً وسينفّذ، وخطير إذا لم يكن مدروساً أيضاً. خطير أكثر أن يتم الفشل على طريقة الفشل في أفغانستان، حيث خرجت القوات الأمريكية كما شاهدت، وكيف غادرت الطائرات، أو الفشل في ليبيا حيث سُحِل السفير الأمريكي في الشوارع، وهذا أدّى إلى الإطاحة بأحد الزعماء العرب بهندسة صامتة، أو الفشل في العراق أيضاً. نحن وكأنك تقول إن حساباتهم خاطئة، وهذا عَبَث، وأن الفشل أمامهم، لكن الفشل سيكون مُكلفاً للغاية، أليس كذلك؟
سكوت ريتر: نعم، بلا شكّ إن هذه السياسات وهذه القرارات لم يتم النظر فيها بطريقةٍ صحيحةٍ، وهي ربما نتيجة عمل هواة، إذا ما صحّ القول. توم باراك، وخلال =الولاية الأولى للرئيس ترامب، كان قد انتقد الرئيس ترامب، وكان قد تحدّث عن سياساته المجنونة بهذه الصيغة الحَرْفية. وهذا أمر صحيح، هذا أمر حقيقي، لاسيما في ما يتعلّق بسياسة ترامب تجاه المسلمين والعرب. اليوم، توماس باراك عاد ليكون جزءاً من هذه المنظومة وهذه الإدارة، ولكن هذا لا يُغيّر صحّة ما قاله خلال ولاية ترامب الأولى وصحّة توصيفه لسياسات ترامب. الرئيس ترامب يعتمد سياسات مجنونة، لا توجد استمرارية ولا يوجد اتّزان، والتساق في هذه السياسات، وما من خطة كبرى ترعى هذه السياسات المعتمدة، أو ربما مؤامرة كبرى ترعى هذه السياسات المعتمدة. هذه السياسات المعتمدة ليست سوى ترجمة لرؤية ترامب غير المتّسقة. وبالتالي، إذا ما تمكّن ترامب من تنفيذ هذه الخطط، فإنه سوف يؤدّي إلى هذا الخراب وهذه الفوضى التي تحدّثتم عنها. ولكن أيضاً، تركيا تُعدُّ دولة وأمّة تمتلك رؤية، مثلاً رؤية تاريخية. إذا ما كنتم توافقون على هذه الرؤية أو لا. إيران أيضاً دولة ذات تاريخ وتمتلك رؤية واستراتيجية. إذا ما وافقتم على هذه الاستراتيجية أو لا، أو إذا ما كنتم حلفاء لإيران أو لا. يجب علينا أن نعترف بصحّة هذه المبادئ. هذه أمم، هذه دول تمتلك تاريخاً وتمتلك إرثاً وتمتلك رؤية واضحة. هناك دول مُتعدّدة تمتلك رؤية واضحة ومنهجية واضحة تعتمدها بشكلٍ واضح، وبالتالي هذا ما يمنع المنطقة من تحوّلها إلى سيناريو ليبيا.
كمال خلف: انتهى الوقت، سيّد سكوت ريتر، لكن أعطني كلمة واحدة قبل أن أختم، هل سيفشلون؟ أنت تتوقّع لهم الفشل، نعم أم لا؟
سكوت ريتر: تقصد الولايات المتحدة؟
كمال خلف: نعم.
سكوت ريتر: بلا شكّ، سوف تكون هذه =الفترة فترة فاشِلة بشكلٍ كاملٍ للولايات المتحدة الأمريكية، وإن ذلك سوف يؤدّي إلى خراب بالنسبة لمئات الآلاف في المنطقة.
كمال خلف: شكراً، شكراً جزيلاً لك، سيّد سكوت ريتر، الكاتب والضابط السابق في سلاح المارينز، كنت معنا مباشرة من نيويورك.