بين من يدعم الإبادة ويفضحها.. من يستحق جائزة نوبل للسلام؟

مرشحان لـ «جائزة نوبل للسلام» ضجت بهما المنصات والمحافل أخيراً. الأول، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أكبر مورد للسلاح في العالم، وهو مسؤول مباشر عن الحروب والويلات في هذه المنطقة .والأغرب أن من رشحه للجائزة، هو مجرم الحرب بنيامين نتنياهو. في قبالته تقف مدافعةٌ عريقةٌ عن حقوق الانسان، لا تتعب من مطاردة الاحتلال وتوثيق جرائمه. امرأةٌ وحيدةٌ في مواجهة «الإمبراطورية». إنها المحامية والباحثة الايطالية فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة في فلسطين المحتلة. من هي هذه المقاتلة الشجاعة التي أعلنت أميركا عليها حرب إلغاء؟ كيف لم تتعب من استنهاض ضمير الانسانية، ومطالبة الدول والشعوب والمؤسسات الأممية، بوضع حد للإبادة في غزة؟ وبمحاسبة المتواطئين، من مسؤولين وحكومات وشركات ومنظمات؟ وبانهاء الاحتلال في فلسطين؟ هل سمعها «العالم المدعو حرا»، قبل أيام، وهي تصرخ من بوغوتا، في المؤتمر الطارئ لـ «مجموعة لاهاي»: «إذا انكسرت غزة... ماتت الانسانية»؟

نص الحلقة

 

بيار أبي صعب: مساء الخير، مُرشّحان لجائزة نوبل للسلام ضجّت بهما المنصّات والمحافِل أخيراً، الأول هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب أكبر مورِّد للسلاح في العالم وهو مسؤول مباشر عن الحروب والويلات في هذه المنطقة وسواها. والأغرب أنّ مَن رشّحه للجائزة هو مُجرم الحرب بنيامين نتنياهو، في قُبالته تقف مُدافعةٌ عريقة عن حقوق الإنسان، لا تتعب مُطاردة الاحتلال وتوثيق جرائمه، امرأة وحيدة في مواجهة الإمبراطورية، إنها المحامية والباحثة الإيطالية فرانشيسكا ألبانيزي المُقرّرة الخاصة للأمم المتحدة في فلسطين المحتلّة. مَن هي هذه المُقاتِلة الشجاعة التي أعلنت أميركا عليها حرب إلغاء؟ كيف لم تتعب من استنهاض ضمير الإنسانية ومُطالبة الدول والشعوب والمؤسّسات الأممية بوضع حدٍّ للإبادة في غزّة؟ بمُحاسبة المتواطئين من مسؤولين وحكومات وشركات ومنظّمات وبإنهاء الاحتلال في فلسطين؟ هل سَمِعَها العالم المدعو حرّاً قبل أيام وهي تصرخ من بوغوتا في المؤتمر الطارئ لمجموعة لاهاي، إذا انكسرت غزّة ماتت الإنسانية، ما الذي يُحرّك هذه المُجاهدة التي لم تتراجع أمام أبشع حملات التجريح والتشويه وأخرها العقوبات الأميركية؟ أليس تكريماً لجائزة نوبل للسلام أن تُمْنَح لفرانشيسكا ألبانيزي؟

للتوسّع في هذا الموضوع معنا في الاستوديو الكاتب والأكاديمي الدكتور عمر نشّابة المُتخصّص في العدالة الجنائية وحقوق الإنسان، ومعنا من رام الله الطبيب الفلسطيني الدكتور مصطفى البرغوثي الأمين العام لحركة المُبادرة الوطنية الفلسطينية، ومن المنامة معنا الكاتِبة والصحافية البحرينية الأستاذة خولة مطر وهي مديرة سابقة في الأمم المتحدة، أهلاً بكم جميعاً. دكتور عمر نشّابة نبدأ معك، هذه المرأة الشُجاعة فرانشيسكا ألبانيزي، قبل أن نتحدّث عن إنجازاتها ومعاركها والعقوبات عليها ما هو دور المُقرّرة في الأمم المتحدة ووظيفتها؟

 

عمر نشّابة: في البداية شكراً على =الاستضافة، مُقرّر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التابع لمجلس حقوق الإنسان الذي يقوم بتعيينه لفترة ثلاث سنوات، وهناك مُقرّرون عن مختلف الشؤون المُرتبطة بحقوق الإنسان، هناك مُقرّر عن الأشخاص المنقولين قسّراً من مكانٍ إلى =آخر، مُقرّرون للصحة، للعدالة الجَنْدَرية أو غيرها من الشؤون المرتبطة بحقوق الإنسان، يُعيَّن المُقرّر لثلاث سنوات قابلة للتجديد وهذا ما حصل مع فرانشيسكا ألبانيزي التي تمّ تعيينها قي العام 2022 وجُدّد لها رغم كل الهجمات التي تحدّثتَ عنها وسنتحدّث عنها لاحقاً. مُقرّر حقوق الإنسان يُفْتَرض به أن يُعدّ التقارير التي تنقل واقع الأمور، مُقرّرة لحقوق الإنسان في الضفة الغربية وغزّة أو المناطق المحتلّة من العدو الإسرائيلي، وظيفتها أن تنقل تقارير تتحدَّث بالتفصيل عن أوضاع حقوق الإنسان في الضفة الغربية وغزّة وتقدّم التوصيات، وقد كانت هذه النقطة الأساسية التي عرَّضتها للانتقاد لأن توصياتها لم تتناسب مع السياسة الأميركية والإسرائيلية، وبالتالي أدّت لاتّهامها بمُعاداة السامية.

 

بيار أبي صعب: سنعود بالتفصيل إلى هذا الموضوع، أنتقل إلى ارام الله مع الدكتور مصطفى البرغوثي، أهلاً بك، إضافةً إلى دورك السياسي والقيادي أنت تلعب دوراً =حاسِماً على الجبهة الإعلامية ومن خلال مواقع التواصُل لفَضْح جرائم إسرائيل وممارساتها والتأثير بالرأي العام وبناء حملة تضامُنٍ عالمية والعمل على وقف الإبادة، ما أهميّة الدور الذي تلعبه من وجهة نظركم السيّدة ألبانيزي في هذا السياق؟

 

مصطفى البرغوثي: شكراً لك على استضافتي وتحيّة للمشاهدين الكرام، وتحيّة لضيوفك الذين يُسعدني أن أكون معهم. الحقيقة أن فرانشيسكا ألبانيزي قامت بدورٍ عظيم منذ بدأت هذه الحرب العدوانية على قطاع غزّة ليس فقط في ما يتعلّق بغزّة بل أيضاً كما ذكرتم في ما يتعلّق بكل ما يجري في الأراضي المُحتلّة بما فيها الضفة الغربية ومدينة القدس التي تتعرّض لبَطْشِ المستوطنين. التقيتُ بالسيّدة ألبانيزي في أكثر من مناسبة وفي أكثر من مهرجان تضامني في إيطاليا وغيرها ودوماً كان دورها مؤثّراً جدّاً، طبعاً تقاريرها ذات أهمية كبرى لأن هذه التقارير تصبح من وثائق الأمم المتحدة، لكن ما أثار الجانب الأميركي والإسرائيلي وردّ الفعل الأميركي هو بتأثير اللوبي الإسرائيلي، ما أثارهم هو مجموعة الأدلّة التي قدّمتها في تقاريرها لمحكمة الجنايات الدولية لمُحاكمة مُجرمي الحرب الإسرائيليين على الجرائم التي يرتكبونها، وما أثارهم هو عدم تردّدها في وصف الأمور كما هي من دون كلمات ملتوية أو =مُبطّنة. بصريح العبارة ذكرت أن إسرائيل ارتكبت ثلاث جرائم حرب: جريمة الإبادة الجماعية وجريمة التطهير العِرقي وجريمة العقوبات الجماعية بما في ذلك تجويع السكان، لم تكن مُستعدّة أن تُمالئ أو تتردّد في وصف الحقيقة كما هي وم دون أيّ تخفيف للجُمَل لأسبابٍ دبلوماسية. وثانياً هي تأثيرها كبير في ما يجري الآن في محكمة الجنايات الدولية، وثالثاً أصبحت أيقونة للتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، لا تتردّد ولا تتأخّر في أن تشارك في أيّ مهرجان أو نشاط تضامُني مع الشعب الفلسطيني في أيّ مكان في العالم. لكل هذه العوامل الثلاثة هي طبعاً مؤثّرة وكما ذكرتم من مُفارقات الدهر ومُفارقات القَدَر أنها هي التي تناضل من أجل حقوق الإنسان تُرشَّح لجائزة نوبل للسلام ومُجرم الحرب المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية مطلوب للمحكمة، نتنياهو يُرشّح الرئيس الأميركي ترامب، نصّاب يُرشّح نصاباً ولكن الأهم من ذلك وأنا يهمّني أن أذكر ذلك الآن أن محكمة الجنايات الدولية أعلنت أنها ترفض الاستئناف الذي قُدِّم من قِبَل إسرائيل لوقف إجراءاتها في ما يتعلّق بالإبادة الجماعية الجارية أو وقف إجراءات اعتقال نتنياهو. هذا بحدّ ذاته صفعة من القُضاة الذين فرض عليهم ترامب عقوبات أيضاً، هم وجّهوا له الصفعة المناسبة بأن عقوباته لا تهمّهم =ولن تؤثّر في استقلالية قضاء محكمة الجنايات الدولية. 

 

بيار أبي صعب: سأسألك هذا السؤال بالتفصيل لاحقاُ عن ثقتك بالقانون الدولي اليوم ولكن لننتقل إلى المنامة، أستاذة خولة مطر أهلاً بك من البحرين، أنتِ أيضاً تنقّلتِ بين المناصِب في الأمم المتحدة وعملتِ مباشرةً مع المفوضيّة السامية لحقوق الإنسان، كيف تنظرين إلى الدور الذي تلعبه زميلتك فرانشيسكا ألبانيري؟

 

خولة مطر: شكراً جزيلاً أستاذ بيار وأنا =سعيدة بأن أكون معك مع ضيوفك الكرام، الدكتور مصطفى من فلسطين والأستاذ عمر بالطبع. فرانشسكا ألبانيزي حقيقةً تمثّل خروجاً عن الشخصية الأممية التي اعتدناها بمعنى أنه في تاريخ الأمم المتحدة الحديث شخصيات انفردت وفي معظمها كانت من النساء التي وقفت من أجل العدالة ووقفت حقيقةً لتمارس دورها المطلوب منها القيام به والذي وصفه الزميل عمر وأيضاً الدكتور مصطفى بشكلٍ واضح، كمُقرّرة خاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المُحتلّة هي قالت وسمّت الأشياء بمُسمّياتها التي يتوارى العديد من مسؤولي الأمم المتحدة الآن أو يبتعدوا عن استخدامها، حتى أنه أصبح لدى العديد من المُراقبين إحساس عام بأن الأمم المتحدة أيضاً بعد غزّة، دول =العالم  أو ما تُسمّى بالديمقراطيات العالمية قد كُشِف عنها ذلك الغطاء الذي كان يُصوّرها على حياديّتها، على قوّتها، على دورها الأساسي في ما يحدث، دور المعنيين في الأمم المتحدة، مُفوّض حقوق الإنسان وحتى الآخرين من المسؤولين في الأمم المتحدة، أنا أرى أنهم يقومون برفع الصوت ولكن في إطار البيانات التي هي برأيي أقلّ من الحدث باستثناء فرانشيسكا التي أعلت من مرتبة الأمم المتحدة بما تقوم به. هي مَن وضعت الأمم المتحدة بدورها الأساسي عندما قيل  في بيان تأسيس الأمم المتحدة "نحن البشر" كمنظّمة تمّثل البشر في كل مكان وتمثّل الحق والعدالة. إذاً فرانشيسكا أيضاً رفعت الغطاء عن العديد من العاملين في الأمم المتحدة ووضعت الأمم المتحدة في إطارها، وأنا أرى في التجديد لها  إقرارٌ من العاملين في الأمم المتحدة أنهم بحاجةٍ إلى شخصيةٍ مثل فرانشيسكا، في ما  تعجز الأمم المتحدة حتى أن تُدخل المساعدات الغذائية والإنسانية إلى غزّة، عجزت عن وقفف العدوان.

 

بيار أبي صعب: منذ تعيينها في ربيع 2022 مُقرّرةً في الأمم المتحدة تتعرّض فرانشيسكا ألبانيزي لمختلف أشكال الضغط والترهيب، هي الباحِثة في مجال حقوق الإنسان وقد وضعت كتاباً مرجعياً عن اللاجئين الفلسطينيين في القانون الدولي. بعد تقريرها الأول عن سِمات الاستعمار الاستيطاني للاحتلال الإسرائيلي واجهت حملاتٍ تكفيرية بتهمة العداء للسامية، وبعد تقريرها الأخير عن الشركات الأميركية والعالمية المُتواطئة مع الإبادة في غزّة نالت شرف العقوبات الأميركية. مَن هي هذه السيّدة التي سمّت الجريمة باسمها ووضعت القانون الدولي أمام التحدّي؟ نشاهد معاً.

 

بيار أبي صعب: نعود إليك دكتور نشّابة، =وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو بتبريره العقوبات حاول تحميل ألبانيزي جزءاً من المسؤولية عن قرار المحكمة الجنائية الدولية بطلب وقف نتنياهو ووزير حربه. في الحقيقة كلنا نعرف أن =المُزْعِج في تقريرها هو أنها مسّت بقُدس أقداس الرأسمالية الاستعمارية، بالشركات الأميركية وغير الأميركية المتواطئة مع الإبادة في غزّة، ما هو موضوع هذا التقرير وما أهميّته؟ وما مدى قانونية العقوبات الأميركية على ألبانيزي؟

 

عمر نشّابة: هذا التقرير هو قمّة الهرم بكل الإنجازات التي قامت بها ولكن هناك عدّة أمور تحدَّث عنها الدكتور البرغوثي والأستاذة مطر وهو أنها سمّت الأشياء بمُسمّياتها، هي ذكرت أن الكيان الإسرائيلي هو كيان أبارتايد والأبارتايد بحسب إعلان روما هو جريمة ضدّ الإنسانية.

 

بيار أبي صعب: حتى أن كلمة أبارتايد لا تكفي.

 

عمر نشّابة: في أحد تقاريرها حسمت بأن هناك إبادة جماعية وأثارت بتوصياتها المادة السادسة من ميثاق الأمم المتحدة التي تنصّ على أنه إذا خالفت الدول الأعضاء الميثاق وأنت تتذكّر السفير الإسرائيلي حينما وقف في الجمعية العامة للأمم المتحدة وأمسك ميثاق الأمم المتحدة ودمّره أمام جميع الأعضاء، وبالتالي قالت في توصياتها إنه يجب اللجوء إلى المادة السادسة من الميثاق التي تنصّ على أن مجلس الأمن يمكنه أن يوصي بطرد إحدى الدول من منظّمة الأمم المتحدة وعليه اتّخاذ هذا القرار. هي نادت ولا زالت تنادي بإصرار في بوغوتا على ضرورة حَظْر دخول الأسلحة ومنع توريد الأسلحة إلى الكيان الإسرائيلي، تحدّثت =عن منع رسوّ السفن في موانئ الدول التي كانت حاضرة ومشاركة في الاجتماع، وقدّمت كل المُستندات والمعلومات الدقيقة والموثّقة عن الجرائم المُرتكبة إلى المحكمة الجنائية الدولية، وقد سمح لها كريم خان الذي اتُّهم بقضايا تحرش جنسي وتنحّى عن مركزه. الأشخاص الذين حلوّا مكانهم تابعوا هذا المسار، لم تنجح الحملة الأميركية بالترهيب والدليل هو التمديد لألبانيزي لثلاث سنوات إضافية حتى 2028.

 

أضيف إلى ذلك ما شدّد عليه الدكتور البرغوثي وهو الضفة الغربية والقدس لأن الجرائم الدولية رغم التركيز اليوم على الإبادة الجماعية في غزّة، التقرير الذي قدّمته موثّق بطريقة زائدة عن اللزوم، وأعتقد أنه وفقاً لمنهجيّة كتابة التقارير شدّدت ألبانيزي الباحثة والمُتخصّصة في حقوق الإنسان والأكاديمية على أن تُضيف المراجع لأنها تتحدّث عن شركاتٍ دوليةٍ ضخمة مثل مايكروسوفت ولوكهيد مارتن وكاتربيلر وهيونداي، هذه جميعها تساعد الكيان الإسرائيلي على الاستمرار بجرائمه وتدعمه اقتصادياً لأن هذه الحرب مكلفة، الكيان الإسرائيلي يعاني من العجز وهذه الشركات تقوم باستثمارات إضافية لصالحه، حتى أن هناك شركات صينية =ذُكِرت في التقرير، الدولة تكون مسؤولة عن الحفاظ على القوانين الدولية وكل شركة تخالف القوانين الدولية تُحاسب ويجب على دولتها أن تحاسبها لأنه يُفترض بأن هذه الدولة قد تعهّدت باحترام حقوق الإنسان والقانون الدولي. 

 

بيار أبي صعب: دكتور مصطفى البرغوتي من الواضح أن أميركا أعلنت الحرب على ألبانيزي كما سبق أن فعلت مع كريم خان مدّعي عام الجنائية الدولية وسلفه السيّدة فاتو بنسودا، فرانشيسكا تعهّدت بمواصلة مهامها مُعتبرةً أن ما تتعرّض له ليس إلا رسالة تخويف موجّهة لكل مَن يدافع عن العدالة الدولية، لكن ==كيف يسعها أن تواجه منفردةً حرباً قانونية شَرِسة ستخوضها ضدّها أهمّ مكاتب المُحاماة في أميركا بتوكيلٍ من الشركات الكبرى التي فضحها التقرير؟

 

مروان البرغوثي: هي ليست وحدها، هذه هي نقطة القوّة، أنظر إلى ما تضجّ به وسائل التواصُل الاجتماعي من ترشيحات من كل أنحاء العالم لفرانشيسكا ألبانيزي لجائزة نوبل لحقوق الإنسان للسلام، هذا كله يؤكّد أنها ليست وحدها. في الواقع إذا تمعّنا في ما يجري نرى أن فرانشيسكا ألبانيزي لم تفعل شيئاً استثنائياً سوى الدفاع عن القانون الدولي، هي لم تخترع قوانين جديدة ولا خرجت على إطار القانون الدولي، ما يغيظ الغرب أو =المُستعمرين في الغرب أنها ذكّرت العالم بما ينصّ عليه القانون الدولي، وكل ما وثّقته من خروقات تقوم بها إسرائيل ضدّ الشعب الفلسطيني وشعوب العالم كلها مُستندة إلى القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. هي أدّت واجبها كمحامية وباحثة، هي لم تقم بعمل من منطلق الانحياز السياسي مع أنني متأكّد بأن قلبها كلّياً مع الشعب الفلسطيني لكن هي قامت بعملها بصورةٍ مهنيةٍ دقيقة من مُنطلق الالتزام بالقانون الدولي، وذكرت الخروقات التي جرت للقانون الدولي، لذلك عندما تقف الولايات المتحدة بكل وقاحة لتعارِض، هي لا تعارِض فرانشيسكا ألبانيزي بل تعارِض القانون الدولي الذي هو على المحكّ هنا كما قالت هي، وكل فكرة القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي وكل فكرة الترتيبات التي أنشأتها البشرية بعد فظائع الحرب العالمية الأولى والثانية أنشأتها البشرية وتوافقت عليها بعد الحرب العالمية الثانية في ما سُمّي بالأمم المتحدة ومنظومة حقوق =الإنسان ومنظومة القانون الدولي تجلّى اليوم، غزّة عرَّت العالم، عرَّت النظام الدولي، وأظهرت عجز العالم عن تنفيذ القانون الذي وضعه بنفسه، عرَّت أيضاً ازدواجية المعايير الغربية عندما تقارِن المواقف في ما يتعلّق بروسيا وأوكرانيا وفي ما يتعلّق بفلسطين. الحقيقة أن الذي جرى أيضاً كان بمثابة سَكْب الماء على رأس كل أولئك الذين خطّطوا لأن تكون محكمة الجنايات الدولية محكمة لمُحاكمة قادة الدول النامية ، قادة دول أفريقية وليس أن تكون مكاناً لمُحاكمة أساطين الغرب بما في ذلك مُرتكبي جرائم الحرب من الولايات المتحدة وإسرائيل. إذاً ما قامت به فرانشيسكا ألبانيزي أنها وضعت القانون الدولي في مكانه الصحيح وأية معارضة لها بما في ذلك فرض العقوبات بالمناسبة على أربعة من قضاة محكمة الجنايات الدولية هو خروج على القانون الدولي، فليخرج ترامب ويقول للعالم بصراحةٍ إنه هو والولايات المتحدة لا يعترفان بالقانون الدولي، أما فرض =العقوبات على فرانشيسكا ألبانيزي فهذا لن يؤثّر فيها ولا في مواقفها بل على العكس هو يُجسّد الاستقطاب الجاري في العالم بين مَن هم مع الحقّ والقانون والمُتغطرسين الذين يستبدّون بالقانون. 

 

بيار أبي صعب: أستاذة خولة مطر قول آخر لألبانيزي "لا يمكننا أن نصمت حين يتعلّق الأمر بالعدالة للشعب الفلسطيني في لحظةٍ حاسِمةٍ من تاريخه". كيف تتفاعلين مع كلام هذه السيّدة الإيطالية حين نعرف أن الكثير من المسؤولين والنُخَب والحُكّام والإعلاميين والمُفكّرين في العالم العربي أغمضوا أعينهم وأصمتوا آذانهم عن الكارثة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني منذ 77 عاماً أو على الأقلّ منذ سنتين من الإبادة في غزّة؟

 

خولة مطر: في الحقيقة كما قال الدكتور مصطفى والأستاذ عمر أنها تضع الجميع ليس فقط المعنيين بشؤون العدالة الدولية وتثبيت القانون الدولي الذي خرج من رَحْم الحروب لوقف حروب الإبادة والمجازر الجماعية، هي تضع الجميع في محكّ خطير، المحكّ هو أن فرانشيسكا ألبانيزي رفعت الغطاء حتى عن هؤلاء، عن المُثقّفين والأكاديميين العرب، الحُكّام العرب لم يكن أحد يتوقّع منهم غير ذلك، لنكن واقعيين، هؤلاء الحُكّام هم مَن ساهموا منذ سبعين عاماً على مرّ التاريخ على اختلاف الأسماء والعناوين هم مَن ساهموا ويساهمون الآن بما يحدث للشعب =الفلسطيني. التقارير الدولية المُسرّبة من الغُرَف المُغلقة تقول إن الكثير من الحُكّام العرب يقفون مع حرب الإبادة هذه، إنهم لم يأخذوا موقفهم حتى ضمن عضويّتهم في المنظّمات الدولية. أنا مع الدكتور مصطفى بأن العالم بأجمعه يصطفّ خلفها وينادي بأن تكون هي المُرشّحة وأن يقف معها، لذلك هي عندما قالت إن ما يجري تجاهي ليس موضوعاً شخصياً بل هو موضوع هل نريد قوانين دولية تحكم البشرية والعالم أم نريد أن يحكم البشرية والعالم مثل هؤلاء المُتغطرسين الطُغاة الذين يقومون بحرب الإبادة والمجازر الجماعية.

 

بيار أبي صعب:  نعم أستاذة خولة سنعود إلى نوبل بسؤالٍ منفصل هو السؤال الأخير في هذه الحلقة، أعزّائي المشاهدين فاصل قصير ونعود. أهلاً بكم مجدّداً أعزّائي المشاهدين في هذه الحلقة من "على محمل الجد"، أعيد الترحيب بضيوفي الدكتور عمر نشّابة في بيروت، الدكتور مصطفى البرغوثي في رام الله، الأستاذة خولة مطر في المنامة. نصل الآن إلى الجزء الثاني من الحلقة مع فقرة "على محمل النقد". الدكتور خالد الشولي وهو محامٍ دولي وعضو الفريق القانوني المُمثّل لضحايا فلسطين أمام محكمة الجنايات الدولية يعلن ترشيح ألبانيزي لجائزة نوبل للسلام، فهي بتعبيره نموذجٌ نادر في زمن التخاذُلات والانحيازات، لنستمع إلى شهادته.

 

خالد الشولي: خلال السنوات الأخيرة =وخصوصاً في ظلّ المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة برزت العديد من الشخصيات الحقوقية والسياسية الغربية التي كان لها دورٌ حاسِم في تغيير الرأي العام الأوروبي والدولي لصالح القضية الفلسطينية. ساهم هذا الدور والعمل المتواصِل لهؤلاء الناشِطين إلى جانب جهود مؤسّسات المجتمع المدني في تشكيل مقاومةٍ فكرية وحقوقية حقيقية في وجه السياسات الحكومية المُنحازة والإعلام المُهَيْمِن الذي سعى طويلاً إلى طَمْسِ الحقائق وتشويه عدالة القضية الفلسطينية، وهذا ما رأيناه خلال العقود السابقة. هذه النُخَب المسنودة طبعاً بوعيٍ شعبي مُتنامٍ تمكّنت من كَسْر الكثير من الحواجز وكَسْب مساحات مؤثّرة داخل المجتمعات الأوروبية.وهو ما نراه اليوم في حجم التحرّكات الشعبية الداعمة لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني، ومُطالبة المجتمع الدولي بالاعتراف بحقّ الشعب الفلسطيني في الكرامة وتقرير المصير وإنهاء الاحتلال، هذا الاحتلال الجاثِم منذ أكثر من 76 عاماً بشكلٍ مباشر ولكن أيضاً هناك أكثر من قرنٍ من الزمن والشعب الفلسطيني يرزح تحت هذا الاحتلال. كذلك بدأت الرواية الفلسطينية تجد مكانها المشروع داخل المنصّات الإعلامية الكبرى بعد عقودٍ من التهميش. لا بدّ من التنويه بهذه القضية لأن الإعلام الغربي كان موجّهاً ولذلك فإن الدخول إليه وعملية التغيير في منهجيّته تحتاج إلى وعيٍ وعملٍ مُتواصل ودؤوب. أما في ما يتعلّق بالسيّدة فرانشيسكا ألبانيزي وترشيحها لجائزة نوبل للسلام فأنا أعتقد بأننا أمام امرأة عظيمة، نحن في فريق المحامين الدوليين وبدعمٍ من المحامين حول العالم، آلاف من المحامين ونقابات مهنية بارزة ونُقباء معروفين في العالمين العربي والدولي نؤكّد دعمنا الكامل لترشيحها لجائزة نوبل للسلام. رغم حملات الاضطهاد المتواصلة التي تتعرّض لها هذه السيّدة منذ أكثر من عامين، كما تعرّض لها المُقرّران الخاصان الآخران لكن هي تعرّضت لكثيرٍ من الاضطهاد في هذا المجال بما في ذلك محاولات تشويه صورتها وفرض =عقوبات بحقّها إلا أن موقفها الثابت وعملها المنهجي في تطبيق قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية يجعل منها نموذجاً نادراً في زمن التخاذُلات والانحيازات السياسية الدولية. إن السيّدة ألبانيزي لم تفعل أكثر من التمسُّك بالحقّ الفلسطيني في الوجود والدفاع عن مشروعيّة ومطلب الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وهو ما يجعل طلب ترشيحها لنوبل للسلام خطوةً طبيعية، ونحن ندعم هذا الترشّح ونقدّمه وسوف نرسل رسالة إلى اللجنة المُكلّفة بطرح هذا الترشيح.

 

بيار أبي صعب: دكتور مصطفى البرغوثي، في طريقها إلى الولايات المتحدة عبرت طائرة سفّاح غزّة كأن الجنائية الدولية لم تكن في أجواء اليونان وإيطاليا وفرنسا كما ذكرت السيّدة ألبانيزي، كمسؤولٍ سياسي وكشخصية مؤثّرة على الساحة العالمية الدولية أما زلتَ تؤمن في ضوء الصراع غير المُتكافئ مع قوى الهيمنة بأن القانون الدولي يمكن أن يُنْصف الشعب الفلسطيني؟

 

مصطفى البرغوثي: القانون الدولي كقانون يُنْصِف الشعب الفلسطيني ولكن الدول التي تتحكّم بالقانون الدولي وتطبيقه لا تُنْصِف الشعب الفلسطيني، وإجمالاً أكبر فضيحة حدثت في القرن الواحد والعشرين حتى الآن هي هذه الفضيحة التي قامت بها كل الحكومات الغربية مع استثناءات قليلة باستثناء بعض الدول كإسبانيا وإيرلندا وسلوفينيا، هذه الدول بتنكّرها ليس فقط للقانون الدولي بل تنكُّرها لقوانينها الخاصة دفاعاً عن إسرائيل. أنا قلتُ في أكثر من مناسبة كم وفد إلى الدول العربية وفلسطين ليعلّمنا من الدول الأوروبية والأميركية عن حقوق الإنسان والقانون الدولي والقانون الإنساني الدولي، أين كل هذه الوفود والبرامج ؟ أين هم هؤلاء الذين كانوا يتبجّحون بالكلام عن القانون الدولي ثم اختفوا مرةً واحدة عندما بدا جلّياً وواضحاً أن إسرائيل هي مَن يخرق القانون الدولي. نحن لا نشعر بخيبة أمل فقط بل بفُقدان ثقة مُطلق بكل أولئك الذين مارسوا النفاق والكذب تجاهنا وتجاه القضية الفلسطينية، ولكن هذا لا يجعلنا نُنْكِر دور الشعوب عندما تخرج هذه التظاهرات المليونية في بريطانيا أو هولندا وتُجْبِر هذه التظاهرات برلمانات هذه الدول وأحياناً حكومات هذه الدول على تغيير مواقفها، هذا أمر يبشّر بالخير. لذلك نحن فَقَدنا الثقة بالكثير من الحكومات ولكننا استعدنا الثقة بكثيرٍ من الشعوب التي ما زالت تُصرّ على الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني. 

 

بيار أبي صعب: أستاذة خولة مطر، في المؤتمر الوزاري الطارئ بشأن فلسطين الذي دعت إليه كولومبيا وجنوب أفريقيا سمعنا الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو يقول "لقد انتقلنا من زمن الإدانة الكلامية إلى زمن التحرّك الجماعي الفعّال لوقف العدوان الإسرائيلي المتواصِل"، كيف يُتَرْجَم ذلك على أرض الواقع؟ أليست فرانشيسكا ألبانيزي رغم شجاعتها والصَخْب الذي تثيره حالةً معزولة في مواجهة الوحش الاستعماري؟

 

خولة مطر: هي بالتحديد ليست معزولة ولكن هناك جماهير واسعة رأيناهم من طلاب في جامعاتٍ أساسية في الولايات المتحدة وفي أوروبا، رأينا أكاديميين، باحثين، رأينا رؤساء دول ورأينا دولة مثل جنوب أفريقيا تقف إلى جانب فلسطين أكثر من أية دولةٍ عربية جارة ومعنيّة، هذا يعني أن فرانشيسكا ليست وحيدة إنما هذه الأصوات ليست هي الأصوات الأكثر قوّةً أو قُدرةً على التأثير ضمن المنظّمات الدولية والمحافل الدولية. هذا لا يعني أن هذا المدّ لن يكتب الانتصار بل قد يعني أنها مرحلة مؤثّرة كما هي المرحلة التي لحقت الحرب العالمية الثانية في وضع القوانين الدولية وبناء نظام عالمي أكثر عدالةً يضمن العدالة لجميع البشر ولا يوزّع العدالة بين رجل أبيض وبين الآخرين أي أن العدالة =فقط لهم وليست للآخرين، ولذلك ظلّت هذه المنظّمات وهذه المحافِل عَرْجاء إن لم تكن قاصِرة عن تطبيق ما قامت من أجله وتحقيق تلك العدالة، ولهذا هناك حديث الآن عن الحاجة إلى إعادة النظر في هذه المحافل من المنظّمات الدولية، الحاجة إلى إعادة النظر في تمثيلٍ أكثر عدالة لكل شعوب الأرض وليس فقط للمُهَيْمنين والذين هم أصبحوا أداة الحرب والقتل في العالم. أكثر حروب العالم الأخيرة قامت على أيدي نفس الدول الأساسية المؤثّرة في مجلس الأمن والمؤثّرة في القرارات العالمية والتي تساند إسرائيل اليوم وغيرها من الدول تقف مُتفرّجة أو مساهمة بشكلٍ غير واضح وغير صريح. أريد أن أعلّق أيضاً على قضية تطرّقت إليها بالنسبة للشركات، العديد من الشركات التي ذكرها الأستاذ قد تكون شركات أساساً مقرّاتها في أميركا وأوروبا ولكن هناك شركات أخرى مُبَطّنة كثيرٌ منها من منطقتنا، فالعدو ليس هناك فقط، العدو هنا والشركات هنا ومُحاربة المُقاطعة حتى عندما قامت حملة المُقاطعة وهي أضعف الإيمان برأيي باتجاه إسرائيل قامت شركات لمواجهتها، كثيرٌ منها واجهتها عربية.

بيار أبي صعب: دكتور نشّابة نعود إلى مجموعة لاهاي ومؤتمر كولومبيا، هل هو انتقال إلى مرحلةٍ جديدة وقد قرأتُ مقالاً لك حول الموضوع، لنضع المشاهدين في صورة المؤتمر والإضافات أو النقلة النوعية التي يمثّلها مؤتمر كولومبيا. 

 

عمر نشّابة: هذا ائتلاف وتجمُّع ومجموعة استثنائية وتحرُّك مباشر وجدّي، يحاول المُنظّمون أن تبقى الأمور بعيدة عن الأنظار لأن هناك تحرّكات لا يريدون الإفصاح عنها وتمّ الاتفاق بشأنها، المُعْلَن هو التشديد على احترام المحكمة الجنائية الدولية والقرارات الصادرة عنها خصوصاً أوامر التوقيف بحقّ نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، هذه قرارات صادرة عن محكمة وهي قرارات شرعية، ترامب أصدر عقوبات بحقّ المُقرّرة الدولية وعلى القُضاة كما ذكر الدكتور برغوثي بموجب الأمر التنفيذي 14/1203 على أساس أن الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل غير موقّعتين على إعلان روما ولكن يبدو أن ترامب غير مُطّلع على إعلان روما هو ومُستشاريه لأن فلسطين وقّعت على هذا الاتفاق وهي مُعْتَرف بها كدولة، وهذه الجرائم تحصل على أرض فلسطين والمُقرّرة الخاصة في الأمم المتحدة المعنيّة بالوضع في الأراضي المحتلّة قدّمت هذه التجاوزات التي تشكّل جرائم ضدّ الإنسانية وجرائم حرب، وربما تخلص محكمة الدول لاحقاً إلى حسم المسألة بأنها إبادة جماعية. قبل أن أجيب على سؤال مجموعة لاهاي أقول إن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية اختصاصها هو مُلاحقة الأفراد أما محكمة العدل الدولية فمن اختصاصها مُلاحقة الدول، القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا كانت أمام محكمة العدل الدولية، القرار الأول الذي اتّخذته محكمة العدل الدولية بشأن أمر مباشر للكيان الإسرائيلي بإدخال الأكل والأدوية ووقف القتل كان ذلك في عهد الرئيسة القاضية دونهيو التي كانت تعمل في State department، كانت هي رئيسة محكمة العدل الدولية قبل الرئيس نواف سلام الذي استقال وأصبح رئيساً للحكومة في لبنان، دونهيو هي التي تلت الأمر، هي أميركية وبالتالي هناك مشكلة داخلية في الولايات المتحدة الأميركية وهذه المشكلة برأيي ستتفاقم قريباً لأن الولاايت المتحدة تضمّ أهم كليات الحقوق في العالم، هناك تقارير موثّقة ودقيقة كما ذكر الدكتور برغوثي، هذه التقارير تُسْتَخْدم في الأكاديميا وفي كليات الحقوق المعنية بهذا الأمر. أما بالنسبة إلى مجموعة لاهاي، هذه المجموعة تأسّست من الدول الموقّعة على إعلان روما وهي موجودة في لاهاي بقيادة جنوب أفريقيا والآن كولومبيا، وقد اتّخذت قراراً أساسياً بفرض احترام المحكمة الجنائية الدولية واحترام مذكّرات التوقيف وتوقيف الأشخاص المطلوبين للتحقيق معهم، 30 دولة وقابلة للتوسّع، لبنان من ضمنها وأنا سعيد بأن بلدي هو ضمن هذه المجموعة، البرازيل انضّمت إلى جنوب أفريقيا في الدعوى المُقدّمة أمام محكمة العدل الدولية. هي مهمّة جداً بالنسبة للمُقاطعة ومنع توريد الأسلحة لأن هناك أكثر من ألف شركة تقوم بصناعة قِطَع طائرات ال إف 35 المُدمّرة التي يستعملها العدو الإسرائيلي في قتل الأطفال وتدمير المستشفيات، أيضاً منع رسوّ السفن كما فعلت إسبانيا  ومثلما حاول الإخوة في المغرب، وبالتالي هذا الزُخم يجب أن يكبر ويجب أن يزداد عدد الدول المشاركة، هذا المؤتمر الأول الطارئ ونحن نتظر المؤتمرات القادمة مع عددٍ أكبر من الدول. 

بيار أبي صعب: دكتور مصطفى البرغوثي، السؤال الأخير عن نوبل، أنت ذكرتَ قبل قليل أن ترشيح ألبانيزي هو نوع  من الاستفتاء الأممي حولها، هذا السؤالي الذي سأطرحه على ضيوفي الثلاثة يتعلّق بهذه المبارزة الرمزية فوق أرض فلسطين تختصر الصِراع الأخلاقي الذي يقسم الكوكب إلى كتلتين، من جهة السفّاح ترامب ومَن معه من قوى الهيمنة ومن جهةٍ أخرى العالم، الضحايا مُتمثّلين بالمحامية ألبانيزي وبينهما جائزة نوبل للسلام، تفضّل. 

 

مصطفى البرغوثي: أولاً دعني أذكّر أنه منذ أن بدأ هذا البرنامج اِحسب كل 17 دقيقة يُقْتَل أو يُجْرَح طفل فلسطيني جديد، 50 ألف طفل حتى هذه اللحظة جُرِحوا أو استشهدوا والحبل على الجرّار، حجم الجريمة الوحشية التي ترتكبها إسرائيل لا يمكن لأحد أن يستطيع إخفاءها. من ناحيةٍ ثانيةٍ ربما ما نشهده الآن من نهوضٍ عالمي للتضامُن مع الشعب الفلسطيني يذكّرنا بحالٍ مماثلة وإنْ كانت أقل حدّة من حيث الضحايا، حال النهوض الذي جرى لإسقاط نظام الأبارتايد العنصري في جنوب أفريقيا. كنتُ دائماً أردّد وأقول إن ما سيجري في فلسطين سيكون مُشابهاً للسيناريو الذي جرى لجنوب أفريقيا. في البداية تتحوّل الشعوب ثم تضغط على البرلمانات فتتحوّل ثم ينتهي الأمر بالضغط على الحكومات وآخر القادمين طبعاً الولايات المتحدة، لكن حتى داخل الولايات المتحدة هناك تحوُّل شعبي هائل الآن لصالح القضية الفلسطينية. في الواقع ما نعيشه اليوم وما نشهده هو تحقّق نبوءة نيلسون مانديلا الذي قال عندما تحرَّرت جنوب أفريقيا إن قضية فلسطين هي قضية العدالة الإنسانية الأولى في عصرنا، في مرحلةٍ ما كانت فيتنام هي قضية العصر، في مرحلةٍ أخرى كانت الجزائر ونضالها من أجل استقلالها، في مرحلةٍ أخرى كانت جنوب أفريقيا، اليوم فلسطين هي القضية، ما الذي يجعل كولومبيا والبرازيل وجنوب أفريقيا تنبري بهذا الشكل. يؤسفني أن أقول في ظلّ غياب عربي مؤسِف، هذا الذي يجري يدلّ على أن قضية فلسطين أصبحت فعلاً قضية العدالة الإنسانية، والصِراع الذي يجري الآن على موضوع جائزة نوبل للسلام هو انعكاس للأمر، انعكاس لحقيقة أن قضية فلسطين هي التي شطرت العالم اليوم إلى مَن هو مع الحق والعدل والقانون الدولي ومَن هو مع الظلم والبطش الذي يتجلّى في سلوك ترامب وسلوك إسرائيل وحُكّامها، وهذه ستكون الصورة في المرحلة القادمة. أنا لا أدري إن كانت مؤسّسة جائزة نوبل للسلام تتجرّأ وتُقْدِم على إعطاء جائزة نوبل =للسلام للسيّدة ألبانيزي وهي تستحقّها بجدارة، ولكن سواء تجرّأت أو لم تتجرّأ الواقعة حدثت، وإلبانيزي حصلت على جائزة السلام العالمي من الشعوب ومن كل مَن ينشط من أجل القانون الدولي سواء قرّرت اللجنة أو لم تقرّر.

 

بيار أبي صعب: بالنسبة للأكاديمية السويدية لا نعلم خصوصاً أن جائزة نوبل للسلام ماضيها ليس مُشرّفاً فقد نالها قَتَلة وسفّاحون في الماضي. أستاذة خولة مطر لستِ من المُتحمّسات لجائزة نوبل للسلام لكنها مواجهة أمر واقع، هل ترشّحين بدورك فرانشيسكا للجائزة؟ ليس المهمّ أن تنالها بقَدْر ما يهمّ أن تكون هناك حملة عالمية كونيّة دعماً لها.

 

خولة مطر:  أنا معك بأن تاريخ جائزة =نوبل ليس ناصِع البياض بل أُعطِيَت لمُجرمي حرب، وأنا من ضمن مَن قاموا ويقومون الآن فرانشيسكا ألبانيزي لهذه الجائزة لأنني أعتقد أن غزّة وفلسطين الآن تشكّل مرحلة تاريخية أخرى لإعادة النظر في كل هذا، لإعادة الاعتبار والنظر في المؤسّسات الدولية، في الجوائز الدولية، في المحافل الدولية. إذاً الترشيح الذي حصل كما تفضّل الدكتور البرغوثي أن الشعوب صوّتت لصالحها، ولذلك مهما حدث بعد ذلك ستبقى وصْمة عار للجائزة ووَصْمة عار لكل المنظّمات الدولية إن لم تطهّر نفسها، وأعتبرها مرحلة للتغيير والتطهير بل أتصوّر أننا نعيش الآن مرحلة إعادة نظر في كل هذا النظام العالمي السياسي الذي هَيْمَن على الشعوب والأوطان لسنواتٍ طويلة ساد فيه الظلم وانعدام العدالة والقياس بمقياسين أو ميزانين وذلك سيقوم بفضل فلسطين وشعبها وتضحيات غزّة وفلسطين. هم مَن سيُحرّروا هذا العالم من نظامه الاقتصادي غير العادل، من نظامه السياسي غير العادل، من انعدام العدالة وكثرة الظُلم في العالم، وهي ستستحقّها ونالتها بصوت الشعوب بدلاً من صوت الحكومة والحكّام. 

 

بيار أبي صعب: أستاذة خولة مطر شكراً. دكتور عمر نشّابة أعرف أنك لستَ من المتحمّسين لجائزة نوبل للسلام ولكن العملية أخذت طابع ترشيح شعبي واسع لهذه السيّدة الفاضلة التي تُسمّى فرانشيسكا ألبانيزي، أريد أن أعرف رأيك.

 

عمر نشّابة: برأيي أن أهم جائزة هي =وقف الإبادة الجماعية ومحاسبة مُرتكبي هذه الجرائم الممتدّة منذ 75 عاماً حتى اليوم وانسحاب العدو الإسرائيلي وعودة الصهاينة إلى حيث أتوا، هذه هي الجائزة الأساسية التي نتطلّع إليها ونريدها. بالنسبة لجائزة نوبل فلها أهمية رمزية في السياسة الدولية والساحة الدولية وأهمية إعلامية، ألبانيزي تحدّثت أيضاً في تقريرها عن محاسبة وسائل الإعلام والجهات الإعلامية المُتواطئة مع الإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجرائم ضدّ الإنسانية. ومن خلال ما قالته ألبانيزي بعد تعرّضها للعقوبات قالت لا تتحدّثوا عني بل تحدّثوا عن أطفال غزّة وأهلها المُحاصَرين الذين يتعرّضون للإبادة. أعتقد أنها إذا حصلت على هذه الجائزة ستُهديها إلى أطفال غزّة وأطبائها وللصامدين في غزّة، وللناس الطيّبين في غزّة أصحاب الإرادة الصُلبة للاستمرار والحياة. وبما أنك منحتني شرف الختام أوجّه التحية إلى المقاومة في غزّة وإلى هؤلاء الشباب الذين رفضوا التخلّي عن حقوقهم الأساسية ولجأوا إلى السلاح وهم يقاتلون من بطن الأرض، وهذا حقّ مكفول في القانون الدولي. أن أقول بما أنه اعطيتني شرف أن أختم  بدّي وجّه تحية للمقاومة بغزّة. و هولي الشباب يلي رافضين انه يتخلّوا عن حقوقن الأساسية ولجأوا الى السلاح. وهم يقاتلون من بطن الأرض في أرضهم. وهذا حقّ  مكفول في القانون الدولي. صحيح أن ألبانيزي لا تستطيع الحديث عن هذا الأمر لأنه خارج اختصاصها ولكن القانون الدولي ينصّ على حقّ الكفاح المسلّح، هو حقّ لكل الشعوب التي تتعرّض لما يتعرّض إليه أهلنا في غزّة المُحاصَرة وفي الضفة الغربية والقدس وفي الجولان المُحتلّ وفي المناطق السورية المحتلة وفي الجنوب اللبناني أيضاً، هذا حقّ مُكرّس في القانون الدولي ويجب ذكر هذا الأمر، ونتمنّى أن يستفيق الضمير العالمي ويقف إلى جانب هذه المحامية الشجاعة ويقوم بما عليه أن يقوم به، وهو كما قال الدكتور البرغوثي الالتزام بالقانون الدولي فقط وإلا سادت الفوضى.

بيار أبي صعب: أشكرك. كلمة ختام لعلي =شريعتي "عندما تقرّر الوقوف ضد الظلم توقّع أن تتعرّض للشَتْم ثم التخوين ثم التكفير، لكن إيّاك أن تسكت عن الظلم كي يُقال عنك إنك رجل سلام". وأخيراُ سُئل الإمام الشافعي كيف تعرف أهل الحقّ في زمن الفِتَن، فأجاب "اِتبع سهام العدو ترشدك إليهم". شكراً لضيوفي مع حفظ الألقاب:عمر نشّابة، مصطفى البرغوثي، خولة مطر، شكراً على المتابعة وإلى الأسبوع المقبل.