مع المناضل الأممي جورج عبدالله
المناضل الأممي جورج عبد الله، يتحدث في حوار شامل هو الأول من نوعه مع الميادين، عن عن فكره، وسنوات أسره، وعن المقاومة وبناء الدولة، ويتطرق إلى مشروعه السياسي والنضالي بعد التحرر.
نص الحلقة
موسى عاصي: لم تُنْهك سنوات الأسْر الواحدة والأربعون فكره، بقي صُلباً صامداً لم يتزحزح عن مسارٍ رَسَمه لنفسه منذ بدايات وعيه السياسي الباكِر. جورج ابراهيم عبد الله القادم من عصر الحُلم بالتحرير الكامل لا يُساوِم على حقّ الشعوب وخصوصاً حقّ الفلسطينيين بفلسطين. المعركة الكبرى مستمرّة بالنسبة له، هي مواجهة بلا حدودٍ جغرافية لوقف الظُلم اللاحِق بالفلسطينيين، وسلاح هذه المواجهة بالنسبة له الأساس هو الشارع =العربي الذي إنْ تحرّك يُحْدِث انفجاراً ضخماً كما يقول. نحن الآن في بلدة القبيات في بيت جورج عبد الله الرمز الأممي لنتعرّف على جورج أكثر وعلى فكره وسنوات أسْره وماذا يريد اليوم وهو الذي انتزع حريّته عُنوةً وبات حرّاً خارج القُضبان. حمداً لله على سلامتك جورج وأهلاً وسهلاً بك في بيتك بالقبيات.
جورج عبد الله: شكراً وأهلاً وسهلاً بكم.
موسى عاصي: بدايةً أشكرك باسمي وباسم الميادين على استضافتنا في بيتك وعلى مَنْحِ الميادين هذا الحوار وهو الأول من نوعه بعد خروجك من الأسْر. سؤالي الأول بعد واحد وأربعين عاماً من الأسْر كيف عُدتَ إلى هذا البيت وإلى هذه العائلة التي تركتها منذ سنواتٍ طويلة؟
جورج عبد الله: كنتُ على تواصُلٍ مستمر مع العائلة، وجدتُ العائلة في وضعٍ نفسي ممتاز واستقبلتني بكل الحرارة التي تستقبل بها العائلات اللبنانية أبناءها. عائلتي هي عائلة لبنانية مُتواضعة فيها من الوفاء والمحبّة ما يمكننا أن نقول إنها =عائلة مُوحَّدة ومُتضامِنة بشكلٍ عام، ولديها من الثقافة النضالية ما يكفي لأن تكون لُحمتها على قاعدة المواجهة العامة لما هو على جماهير شعبنا بكل عائلاته أن يتحمّلوه. تحمّلوا سنوات الأسْر بكل بساطةٍ وكل ألمٍ في نفس الوقت، أتيتُ ووجدتهم كما عَهِدتهم نموذجاً للوفاء والمحبّة.
موسى عاصي: كان لك استقبال واسع وكبير جداً في مطار بيروت وعلى طريق المطار وهنا في بلدتك القبيات، هل هذا ما توقّعته بعد 41 عاماً من الغياب؟
جورج عبد الله: لنكن صريحين إلى مستوى الصراحة المُطلقة، لا لم أتوقّع أن يكون الاستقبال بهذه الحرارة، استُقْبِلت بشكلٍ يؤكّد لي أكثر مما كنت أتوقّع أن شعبنا لديه من الطيْبة ولديه من الأصالة ما لا يمكن إلا أن ننتصر بفعل أصالته. استقبلتُ فور خروجي من الطائرة من قِبَل وحدات الأمن وكانت المُفاجأة كبرى بأنهم عبّروا عن كل ما يختلج في قلب أيّ لبناني =حينما يلتقي بأهله، تصرّفوا كأهلٍ وأحبّةٍ ورفاق، لهم خالص الشكر. ما إنْ وصلتُ إلى القاعة حيث يوجد الرفاق وجدتُ لبنان موحَّداً وكانت هذه المُفاجأة الأكبر وإنْ كنتُ أتوقّع شيئاً منها، لكنني وجدته موحَّداً وصُلباً ومِرْحاباً في الواقع.
موسى عاصي: سأتحدّث عن لبنان الموحّد بعد ذلك ولكن أريد أن أعود بالتاريخ معك إلى العام 1982 ومن ثم العام 1984، =هناك العديد من التّهم التي اتُّهِمْتَ بها من قِبَل السلطات الفرنسية، هناك لَغْط كبير، المسألة ليست واضحة بهذا الحدّ وبهذا الشكل للمشاهدين وللكثير من مُتابعي جورج ابراهيم عبد الله، ما الذي حصل فعلاً ولماذا أُسِرَ جورج ابراهيم عبد الله 41 عاماً؟
جورج عبد الله: اتّهِمْتُ بأنني مسؤول عن الفصائل الثورية المسلّحة اللبنانية، وبأن للفصائل عمليات في أوروبا ومن ضمنها فرنسا. التهمة الأساسية التي تحمّلتُ مسؤوليّتها والدفاع عن شرعية هذه العمليات، اعتبرتُ أن من حقّ أيّ لبناني أن يقوم بكل ما هو ضروري لمواجهة العدو في أيّ مكانٍ يوجد، اعتبرتُ هذا حقاً شرعياً، قلتُ لهم في المُرافعة إن ما تنسبونه إليّ هو شرفٌ كبير لم أنله، لم يُكلّفني شعبي بأن أقوم بأيّ عملٍ مما تقولونه لكن لي شرف الدفاع عن شرعيّة هذه الأعمال الآن وغداً وبعد غد. الحُكم صدر على هذا الأساس استناداً إلى قوانين، لم توجّه لي تهمة الإرهاب أي أنني حوكْمتُ وخرجتُ من المحكمة بحكم ٍبالمؤبّد لكن ليس على تهمة الإرهاب لأن الإرهاب لم يكن تهمة في فرنسا في ذلك الحين، وهذه مسألة غاية في الأهمية، حينما يتحدّثون عن فصل السلطات وما شابَه، لم يُعاد النظر في التهمة الموجّهة إليّ، أُحْضِرتُ أمام محكمةٍ مُخفّفة للإرهاب وكنتُ أول مَن يحضر أمام هذه المحكمة، هي محكمة خاصة تتألّف من القُضاة المهنيين فقط، هذه المحكمة مُخصّصة لمُحاكمة الإرهابيين من حيث المبدأ، لم تُوجّه إليّ تهمة الإرهاب، كانت هناك جمعية مُخرّبين أو مُشاغبين أو ما =شابَه. مررتُ أمام هذه المحكمة من دون أن تُعاد توجيه تهمة الإرهاب، حينما حضرتُ أمام هذه المحكمة طلب المُدّعي العام الحُكم بأقل من تسع سنوات وهي مسألة غاية في الأهمية لأن المُدّعي العام عادةً يطلب الحدّ الأقصى ولم تكن لديه أية أدلّة مادية حول مُشاركتي بشكلٍ أو بآخر في الأعمال التي جرت، لكن لديه الأدلّة الكافية كما صرَّح بأنني أدافع عن هذه الأعمال وأعتبرها شرعيةً.
موسى عاصي: لكنك لم تُشارك فيها، هذا ما ذكرته أمام المحكمة.
جورج عبد الله: أنا أدافع عن شرعيّتها في فرنسا وفي أيّ مكانٍ آخر وتمّ الحُكم عليّ في النهاية بالمؤبّد رغم أن المُدّعي العام طلب أقلّ من تسع سنوات.
موسى عاصي: حُكِم عليك في البداية تسع سنوات وكان من المُفْتَرض أن تخرج من الأسر في العام 1999.
جورج عبد الله: قبل أن أحضر أمام المحكمة الخاصة التي حكمت عليّ بالسجن المؤبّد حُكِمَ عليّ بمسألة جواز سفر في محكمة بدائية، كان يُفْتَرض أن أخرج من السجن ولم تكن هناك دعوى من قِبَل أميركا، تمّ الاتفاق بمعنى ما، أمضيتُ فترة سنتين وكان من المُفترض أن أخرج من السجن. في اللحظة الأخيرة حضر ممثّل الدولة الأميركية.
موسى عاصي: متى كان ذلك؟
جورج عبد الله: في العام 1983- 1984، قامت الولايات المتحدة الأميركية بتكليف سفيرها برَفْع دعوى مباشرة بحقّي وهذا مَنَع ترحيلي. في هذه الدعوى أُحِلْتُ أمام القضاء في هذه المحكمة الخاصة وحُكِم عليّ بالسجن المؤبّد.
موسى عاصي: لكن في العام 1999 كان من المُفترض أن تخرج ولم تخرج.
جورج عبد الله: لم يكن هناك حُكم مُشدّد =بحقّي فكانت فترة الخمسة عشر عاماً كافية كي تحصل على الحرية المشروطة وتغادر البلاد، قرّروا ألا أخرج.
موسى عاصي: يعني استمرّت الضغوطات الأميركية حتى آخر لحظة.
جورج عبد الله: استمرّت حتى الأمس.
موسى عاصي: هل تعلم بأن هناك رسالة أميركية وصلت إلى محكمة الاستئناف في شهر ديسمبر كانون الأول تقول لمحكمة الاستئناف إننا لا نريد رؤية جورج ابراهيم عبد الله خارج السجن؟
جورج عبد الله: الولايات المتحدة الأميركية لم تنتظر حتى الآن بل تحرّكت في العام 2002 حينما صدر قرار بإخراجي من السجن، بين عامي 2002و 2003 منحتني المحكمة الحرية المشروطة فغيَّروا كل النمط الذي نقدِّم به نحن طلب الحرية المشروطة وأعادوا إقامة ما يُسمّى بالمحطّة القضائية التي كانت في زمن الاحتلال الألماني لفرنسا وهي التي أدانت المقاومين الفرنسيين. بيربين خلال الندوة النيابية هاجم القاضي الذي يوجد في منطقة "بو" واعتبره قاضياً لا يفهم بالسياسة ولا علاقة بالقضايا التي تتعلّق بأمن الدولة، وهذا يثبت مرة أخرى أن الكلام عن الفصل بين السلطات القضائية والسياسية غير موجود، فأعادوا إنشاء L'Appel de Paris التي كانت أثناء الاحتلال الألماني، ومنذ ذلك الحين أصبح القاضي المُكلّف على علاقةٍ مباشرة بوزارة الداخلية ومن خلاله تصدر القرارات. بعد ذلك ألغوا الحُكم وبقيتُ في السجن، تمّ الرفض مراتٍ عديدة كون القاضي يرفضها مباشرةً، وفي العام 2012 قبلوا بقرار الإفراج عني لكنهم =طلبوا أن يوقِّع وزير الداخلية على القرار، إذا كان هناك بلد ديمقراطي كما يدّعون وكان هناك فصل للسلطات، السلطة القضائية هي السلطة الأعلى.
موسى عاصي: لماذا رفض مانويل فالس؟
جورج عبد الله: لأن السلطة السياسية رفضت بكاملها وليس فقط مانويل فالس، في تلك الفترة أرسلت هيلاري كلينتون رسالة مُسجّلة تقول له "لا يهمّ ما صدر عن المحكمة، تجلس على هذا القرار وتبقيه في السجن"، وهذا ما حصل. حينما حاولت السيّدة توبيرا وزيرة العدل أن تتدخّل قال لها أولاند رئيس الجمهورية لا تتدخّلي في هذا الموضوع، في حين أن هذه هي مهمّتها في الواقع، وتمّ إلغاء الحُكم مرةً ثانية، قاموا بتمييز والتمييز أعاد المُحاكمة إلى البداية.
موسى عاصي: إلى أن وصلنا إلى العام 2024 وجلسات منذ شهر نوفمبر.
جورج عبد الله: أثناء وجودي أمام قاضية طلبات التحرير كانت القاضية مُنفتحة إذا صحّ التعبير. نحن نتحدّث عن المرحلة الأخيرة، السيّدة فولانت هي القاضية التي =تقرّر. انغقدت جلسة إيجابية جداً، في ذلك الأسبوع كانت هناك عدّة مقالات في بعض الصحف ومن ضمنها مقال في جريدة لوموند يطرح كل المُخالفات التي حصلت قانونياً أثناء فترة اعتقالي وأثناء المُحاكمات، كان الأمر أشبه بمسرحية.
موسى عاصي: هنا أريد أن أسألك هل هناك قرار قضائي حرّ واضح هو الذي أخرجك من الأسْر؟ ما الذي حصل طيلة السنوات الواحدة والأربعين؟ يُقال إن هناك صفقة حصلت لإخراجك من الأسْر خصوصاً وأننا نتحدّث اليوم عن أن إيمانويل ماكرون يتعارض مع الأميركيين في مسألة غزّة وفلسطين، هل هذا صحيح؟
جورج عبد الله: هذا الكلام فيه شيء من الصحّة، القول بأن العدالة الفرنسية لا تختلف عن غيرها، هذه الأمور ليست محصورة في فرنسا، عند مصلحة الدولة تنتهي كل القوانين في فرنسا وفي أيّ مكانٍ آخر، حصلت بعض الضغوط ولكن هناك موقف فرنسي من المُناضلين العرب، في كل تاريخ فرنسا الحديث لم يُفْرَج عن أيّ مناضل عربي ما لم يكن مقابله مناضل مُعْتَقل لدى الطرف الآخر. في كل الفترة الأخيرة سواء كان في لبنان أو غيره، سواء كان من جماعة هذا التنظيم أو ذاك، هناك حملة تضامُن نجحت في أن تجعل تضامنها مع الأسير يندرج في إطار تثبيت النضال على مسألة فلسطين، مَن يتضامن مع عبد الله يتضامَن ويقف بوجه حرب الإبادة الجارية في غزّة. تصاعدت الحملة بشكلٍ ملحوظ جدّاً بين أن يتظاهر عشرة أو عشرون أو مئة أو مئتان أو خمسمائة أمام السجن وبين أن يتظاهر ثلاثة آلاف، هناك فرق، بقَدْر ما تتصاعد الحملة بقَدْر ما تتصاعد الحملة في الوقت نفسه لفلسطين. حينما تُرْفَع راية "حرّروا جورج عبد الله تحرّرون فلسطين" فهي رايات فلسطين المرفوعة، هذا يُسبّب خَرْقاً للأمن الوطني. القاضية برَّرت حُكمها حينها بأن بقاء جورج عبد الله في السجن يُزَعْزِع الأمن الوطني أكثر من تحريره، هذه الحجّة الأولى، الأميركيون يقولون إذا خرج عبد الله سيُسيء للأمن الوطني فأجابت القاضية مُسبقاً بأن بقاء عبد الله في السجن هو الذي يُسيء للأمن الوطني، بدأوا بأربعمئة مُناصِر يطالبون بتحريره وأصبحوا الآن سبعة آلاف، وبقَدْر ما سيطول حُكمه سيطول تأثيره على الحملة الجارية. إذاً من المُفضّل أن يخرج وعلى الجهات الإدارية أن تقوم بما عليها وهذا ما حصل. طبعاً كانت هناك مُطالعات قضائية لتثبّت موقعها من حيث الفَقَرات القانونية، المحامي قام بما عليه وقدَّم لها دراسات حقوقية حول هذا الموقف. =عمري 74 عاماً، هذا من الناحية القانونية يجب الإفراج عني، يعني لو تقدّمتُ بطلبٍ إلى أوروبا فإن فرنسا ستُدان ولكنني لم ألجأ لهذا الأسلوب أبداً.
موسى عاصي: لماذا؟ لاحظتُ خلال كل هذه السنوات أن هناك إصراراً من قِبَلك على عدم طلب المُساعدة في الإفراج عنك، حتى في الفترة الأخيرة رفضتَ التعويض، طالبت المحكمة بالتعويض على عميليّ الموساد والسي آي إيه بالأموال، حتى هذه المسألة رفضتها لماذا؟
جورج عبد الله: أنا أعتبر أن تحرير أيّ مُناضل يتمّ عبر مسألة واحدة، تصعيد التضامُن معه على قاعدة المشاركة في سيرورة النضال الجاري في هذا البلد، وسيرورة النضال الجاري في فرنسا الآن سواء تعلّق بالحركة العمالية الفرنسية أو بما يُسمّى الاستعمار والإمبريالية أيّ فلسطين بالتحديد، أنا أعتبر أن تحريري يتمّ عبر مُزاوجة المُطالبة بتحريري بتفعيل النضال من أجل تحرير فلسطين. هذا هو الهدف الأساس وسبب اعتقالي، إذاً عليّ أن أساعد في هذا المجال وقمتُ بما عليّ، هذه المسألة تتنافى مع أن سلوكي حسن وأنني نادِم على هذا وهذا، أنا أعتبر أنه طيلة هذه الإحدى والأربعين عاماً عليّ أن أواجه هذه الضغوطات، أنا =لستُ نادِماً بل أعتبر بأنني قمتّ بأقل من واجبي، أعتبر أن هذه العملية صحيحة وشرعية، حينما تكون هناك حرب تدمير في بلدي من حقي أن اخرق كل القوانين للرد على هذا التدمير. حينما يكون هناك حرب إبادة أمام الجميع فمن واجبي كمناضل أن أسخّر أي سبب لدعم القوى التي تناضل ضد حرب الإبادة.
موسى عاصي: قلتَ لا أريد أن أدفع قرشاً واحداً لقاتلي الأطفال في فلسطين ولبنان، وما قاله لي المحامي في الفترات السابقة إن القضاء يريد الاعتراف منك بأنك تريد دفع هذه الأموال وبعد ذلك يمكن أن يتمّ الإفراج عنك.
جورج عبد الله: كما ذكرتُ أنا أبلغ من العمر 74 عاماً ولم أعمل منذ أربعين عاماً وليس لديّ ممتلكات خاصة منذ مطلع السبعينيات، إذاً من الناحية القانونية لا أطالَب بأي شيء، حينما تكون محكوماً بالسجن المؤبد وبلغتَ من العمر سبعين عاماً ولا توجد لديك ثروة لا تدفع شيئاً، الندم ليس في لفرنسي. أنا قلت وأقول الآن وقلتُ ذلك للقضاة أنا لستُ نادماً بل أنا أعتبر أن هذه الأعمال شرعية وضرورية، أنا لم أقل أنني لا أعتبر هؤلاء ضحايا، قلتُ بأنهم مجرمين ويجب إدانتهم، ولا أرى أن عائلات الأميركيين سواء كانوا من المخابرات العسكرية أو من السي آي إيه أو الموساد أو غيرها من الأجهزة، لا أقول بأن عائلاتهم بريئة أو غير بريئة، هم جميعاً مجرمون، وبالتالي أنا لستُ على استعداد لأعوّض عليهم بل أنا لستُ على استعداد ألا اعتبرهم مجرمين. حينما أتت قاضية محكمة الاستئناف وطالبت أن نقدّم ولو شيئاً كنوع من المساومة، أن أقول "يا حرام"، إنهم مجرمون يقتلون أطفالنا أمام العالم أجمع، ما فعلوه في لبنان، قلته وكرّرته في المحكمة الأخيرة، ماذا فعلوا في صبرا وشتيلا؟ أتى ميتران وقال "اخرجوا أنتم المقاتلون. من صبرا وشاتيلا كون فرنسا عضو دائم في مجلس الأمن تحمي المخيّم، أتى ريغان وقال نفس الشيء، وأتى ممثل إيطالي وقال نفس الشيء، كان هناك ثمانمئة جندي فرنسي وثمانمئة جندي أميركي وأربعمئة جندي إيطالي. قبلت القيادة العامة للقوات المشتركة اللبنانية الفلسطينية بأن ينسحب المقاتلون من المخيّم، ما إن انسحبنا حتى وقعت المجزرة برعايتهم، لم تجرِ محاكمة أي جندي، الجندي الفرنسي الذي انسحب لم ينسحب من تلقاء نفسه لأنه ليس ميليشيا بل هو ضمن جيش نظامي وصدرت أوامر من الجيش الفرنسي ومن الجيش الأميركي والجيش الإيطالي، لم تجرِ مساءلة أو محاكمة أحد، هناك أربعة آلاف أو أكثر ممّن سقطوا ضحايا في صبر وشاتيلا ويأتي الأميركي ليرفع دعوى ضده ويقول قُتل مسؤول للمخابرات الأميركية والإسرائيلية، وتأتي فرنسا والمدعي العام ويرافع هذا المدعي العام الذي نسائله، أنت الذي تحاكم مواطناً لبنانياً أرضه محتلّة وشعبه مدمّر وجيشك شريك في هذه الأعمال وتسمح لنفسك بأن توجّه لي تهمة القتل أو غيره، أنت الذي تنظر إلى ثلاثين ألف شخص سقطوا في 1982 في بيروت ، ويأتي الأميركي عبر محامي الدفاع ليقول إنه مظلوم، طبعاً لا يمكن أن أقبل بذلك، بعد أربعين اأو حتى بعد خمسين عاماً لا يمكن أن أعتبر أحداً من جنوده ضحية، لا يمكن إلا أن أعتبره مجرماً وهذه مسألة طبيعية.
موسى عاصي: إذاً عندما نتحدّث أنه لم تكن هناك أي صفقة إنما خرجتَ بفعل حملة التضامن الشعبية والنيابية وخصوصاً من نواب فرنسا الأبية. جورج عبد الله كان في أسرك العديد من الأشخاص الذين كانوا يزورونك والتقيتَ بعض هؤلاء في اليوم الأخير قبيل ساعاتٍ قليلة من خروجك إلى الحرية. هؤلاء رأيت على وجوههم علامات التأثر، هم فرحون جداً بخروجك من الأسر ولكنهم حزينون لأنهم سيفارقونك، سنستمع إلى بعض الشهادات التي سُجّلت قبل ساعات من خروجك.
سأتوقف عند الرسالة الأخيرة، جورج عبد الله لن يتغيّر أبداً ونحن لن نتغيّر، هذا ما قاله زائر لك، أريد أن أعلم منك اليوم بعد خروجك إلى الحرية هل ستتابع نضالك كما كان وراء القضبان؟
جورج عبد الله: أنا أعتبر أن أي أسير مناضل يناضل وهو كأسير أي يناضل ضمن ظروفٍ خاصة سماتها هي حدود الأس وإمكانيات الرفاق في الخارج أن يسمحوا له بأن يدرج صموده في آليات النضال في الخارج، حينما يخرج يستمر كمناضل وليس بحاجة لحركة تضامن كي يدرج نضاله في آليات المواجهة الراهنة. أنا حالياً في الخارج أناضل ضمن إمكانياتي المتواضعة وفهمي المتواضع واستعداداتي النفسية المتواضعة كأي مناضل في لبنان أو في فلسطين وفي أي مكان. أنا أشعر بنفسي كمناضل عادي بتصرف القوى الحية القيّمة على آليات النضال في فلسطين، في لبنان وفي الوطن العربي عموماً.
موسى عاصي: قبل أن أسألك ماذا تريد أن تفعل الآن بعد خروجك من الأسر أريد أن أعرف منك سريعاً كيف كان يقضي جورج عبد الله يومياته في الأسر؟
جورج عبد الله: في الأسر كان وقتي منظّماً جداً، من الثامنة والنصف إلى العاشرة إلا ربعاً صباحاً كنتُ أقوم أمارس الرياضة، ومن العاشرة إلا ربعاً إلى العاشرة أستحمّ، ومن العاشرة حتى الحادية عشرة وعشر دقائق أقوم بقراءة البريد الذي يصلني، البريد مكثّف جداً، وبعد الأكل لغاية الساعة الرابعة أستمرّ في قراءة البريد. من الرابعة حتى السادسة أقرأ الكتب النظرية وغيرها، ومن السادسة حتى السابعة إلا ربعاً أمضيها وأنا أتجوّل مع بعض الرفاق والمناضلين الباسكيين، وهكذا يمضي اليوم، أما في الليل فأنا أنام لخمس ساعاتٍ كحدٍّ أقصى وما تبقى من الوقت ما بين الكتابة والقراءة.
موسى عاصي: الاتصال بالعالم الخارجي؟
جورج عبد الله: الاتصال بالعالم الخارجي يتمّ عبر وسيلتين ولكن الوسيلة الأولى هي الرفاق الذين يأتون لزيارتي والمراسلات وهناك الهاتف، في فرنسا كما في سائر البلدان الأوروبية هناك منجزات لهذه الشعوب، هناك هاتف داخل زنزانة الأسير يمكنه أن يتّصل بمَن يرغب على أن يقدّم الرقم للمراقبة، فأنت يمكنك أن تتّصل بمَن تشاء وتخضع للرقابة الميدانية. أي اتصال يكون مسجلاً مباشرةً، الأجهزة المعنية تفضّل أن تتّصل بأكبر عددٍ ممكن لكي يكون لديها أكبر كمٍّ من المعلومات، بالتالي التواصل مع الخارج كان مرضياً جدا.
موسى عاصي: كيف تلقّى جورج عبد الله انتصار العام 2000 عندما أعلن الإسرائيليون أنهم يريدون الانسحاب من الأراضي اللبنانية؟
جورج عبد الله: بدون قيد أو شرط، مهزومون هم وحلفاءهم.
موسى عاصي: كيف وصلك هذا الخبر؟
جورج عبد الله: عبر الرفاق وعددهم كبيروالتواصل مباشرةً عبر الهاتف حول الأخبار الموجزة.
موسى عاصي: على مستوى المناضل جورج عبد الله عندما يحصل هذا الانتصار.
جورج عبد الله: هذه مسألة مهمة جداً وعلينا استخلاص الدروس أقل ما يمكن النظرية بالمعيار الاستراتيجي للنضال الثوري، التحرير يتمّ بوسائل معيّنة وله آفاق معيّنة، وهذا ما يستدعي الآن أن نعيد القراءات على ضوء واقع المقاومة التي انتصرت وصمدت والتي واجهت ببسالة وقدّمت خيرة قيادتها قرابيناً، هذه المقاومة ستقوم بمستلزمات الصمود للبلد بكامله وستقوم حكماً باستخلاص الدروس والعبَر من مجريات المعركة والتضحيات التي جرت. طبعاً هناك تحديات وطروحات يعمل العدو على فرضها لا سيّما في المشرق العربي وليس فقط في فلسطين وهي مسألة صوملة المنطقة أي تدمير الدول في المنطقة.
موسى عاصي: ما المقصود بمسألة الصوملة؟
جورج عبد الله: المطلوب حالياً هو تدمير دول المشرق العربي، تدميرها كتصوّر للمجتمع بحد ذاته وتحويله إلى كتل طائفية مذهبية إثنية وتقوم القوى الإمبريالية وإسرائيل بالإشراف عليها، تحدد أين يموت وأين لا يموت، مَن يُحمى ومَن لا يُحمى، كيف يُحمى ومَن يكلَّف بالحماية. المقاومة في لبنان لا يمكن أن تدع الصوملة تصل إلى لبنان.
موسى عاصي: هل هذا ممكن؟ هل لدينا إمكانية لإقفال الطريق أمام هذا المشروع؟
جورج عبد الله: المقاومة هي القوة الأكبر لمنع هذه الصوملة وهي الجهة الوحيدة التي لها مصلحة مباشرة في منع الصوملة. في الواقع ليست هناك مجموعة بشرية لها مصلحة بالصوملة في لبنان بغضّ النظر عما يقوله هذا التافه أو ذاك الغبي، في لبنان نبقى جميعاً أو لا يبقى أحد. في لبنان ننتصر جميعاً ولا ننتصر إلا جميعاًٍ.
موسى عاصي: كيف ننتصر جميعاً؟
جورج عبد الله: ننتصر جميعاً ببناء دولةٍ وطنية، ببناء جيش وطني، المقاومة هي صاحبة المصلحة الأولى. في بناء الدولة الوطنية، الدولة التي يتمتع مواطنوها بالحرية والكرامة، الدولة التي لديها جيش يحمي الوطن، يحمي كرامة المواطن، يحمي كرامة هذا البلد. المقاومة هي صاحبة المصلحة، أن يكون لدينا جيش جنوده مؤمّنون، جندي لا يتقاضى سوى 20 دولاراً صحيح لا يمكنه أن يعيل عائلته، جماهير المقاومة مطالَبة بأن تحتلّ الشوارع وتفرض كل هذه الأمور. وحدها جماهير المقاومة هي صاحبة المصلحة وقادرة إذا تكاتفت وتحمّلت مسؤوليّتها أن تفرض بناء الدولة الوطنية اللاطائفية وبناء الجيش الوطني المسلّح القادر على مواجهة كل المصاعب والقادر على حماية حدودنا البرية والمياه الإقليمية وأجواءنا وكرامة مواطنينا جميعاً. المقاومة هي صاحبة المصلحة الأولى أكثر من أي طرفٍ آخر.
موسى عاصي: هل أنت تعلم فعلاً ما يجري حالياً في لبنان وفي المنطقة؟ هل أنت على علم بتوزيع القوى ومراكز القوى وموازين القوى في لبنان والمنطقة؟
جورج عبد الله: موازين القوى إلى حدٍّ ما واضحة، هناك قوى للمقاومة وجماهير المقاومة تشكّل غالبية الشعب اللبناني بعكس ما يُقال، هذه الجماهير إذا تحمّلت مسؤولياتها يمكنها أن تبني دولةً وطنية وجيشاً وطنياً، ما من أحد في لبنان لا سيّما أولئك الذين قدّموا قادتهم قرابيناً يهوى حمل السلاح أو الكلاشينكوف ويقول أنا سأقاوم، كلنا نقف خلف بناء جيش يحمينا جميعاً، مَن هو الجيش؟ مَن هم جنود لبنان؟ من أين أتوا؟ من عكار، من الشمال، من البقاع ومن الجنوب، هم أبناء فقراء لبنان، مَن هم رتباء الجيش ومَن هم ضباطه؟ هم ليسوا مهرّبين أو مخادعين، هم من أكثر الناس مناقبيةً، سلِّحوا هذا الجيش ليحمينا جميعاً. لا أتصوّر أن مقاوماً واحداً سيقصّر في دعم هذا الجيش، لا أتصوّر أن مقاوماً واحداً أو مَن يدعم المقاوم لن ينزل الى الشارع ليطالب بأن يكون جيشنا هو الجيش الوطني الأساسي، عماد الدولة التي تواجه مزارع الطوائف والمذاهب. نحن بإمكاننا أن نبني جيشاً ودولة ليست بحاجة لأحد ليحمي ما يسمّى بأقليات أو بما هم فعلاً أقليات. جيشنا وشعبنا وجماهيرنا قادرة على أن تكون بالمستوى العالي الذي يرقى إلى مستوى المواجهة. لا الدروز بحاجة لأحد ليقول لهم سأحميكم ولا الموارنة ولا السنّة ولا الشيعة، دولتنا هي دولة كل هذه المكوّنات. المقاومة هي صاحبة المصلحة الأولى في بناء هذه الدولة، هي صاحبة المصلحة الأولى في بناء الجيش الذي يصون حدود هذه الدولة، وأتصوّر أن جماهير المقاومة ستكون في طلائع مَن يدفع بهذا الاتجاه. أنا أتحدّث كأسير الآن ولستُ ملمّاً بكل مجريات الأمور ولكنني أتصوّر أن قيادات المقاومة هي مَن تطلب من جماهيرها أن تتحرّك في هذا المجال.
موسى عاصي: تراهن على الشارع.
جورج عبد الله: على الشارع وبكل الوسائل، ما من أحد في لبنان يمكنه أن ينتصر منفرداً، وما من أحدٍ في لبنان يمكنه أن يطلب مساعدة الخارج على الآخرين ويبقى في لبنان. بدون لفٍّ أو دوران مَن يطلب مساعدة الآخرين لن يبقى في لبنان. لبنان ينتصر بكل مقوّماته أو يُلغى. حينما ننظر من لبنان باتجاه الشمال نرى ما هو الخطر، انظروا إلى ما يحصل في سوريا، وانظروا إلى المواقف الوطنية التي ذكّرتهم بسلطان باشا الأطرش، يُشكر ويُقدَّر وليد جنبلاط في الواقع، لنتحدّث به بشيء من الصراحة، ما من أحد لديه درهم عقل يمكن أن يقبل أن نتحّول إلى أقليات يحرّكها نتنياهو أو غيره. نحن لدينا تراث طويل في هذا المجال ويمكننا أن نبني دولة واحدة تصون كرامة مواطنيها. نحن مواطنون في هذا البلد، والمقاومة التي تقدّم خيرة قادتها لا يمكن أن تسعى إلى شيء آخر.
موسى عاصي: هناك معارضة قوية لمشروع المقاومة في لبنان، على المستوى الداخلي، هناك أزمة إقليمية، هناك أزمة دولية، نلاحظ زيارات المبعوثين الأميركيين للإجهاز على المقاومة، هل ما تتحدّث عنه لا يزال ممكناً؟
جورج عبد الله: بتقديري هذا هو المطفوح وهذا هو الحل الوحيد الممكن، مَن يطالبون بتجريد المقاومة من سلاحها يتحدّثون عن أمور للاستهلاك المحلي والتشويه، يقولون للجيش اللبناني أنت لستَ جيشاً وطنياً إنما أنت أداة بيدنا، حينما يقوم الجيش باستلام مخزن لقوى المقاومة طُلب منه أن يدمّره، هو بحاجة إلى السلاح ولكنهم فضوا أن يحتفظ به، قالوا له دمّره فوافق، قالوا لا يكفي عليك أن تصوّر تدميره كي يقتنع الإسرائيلي أن هذه الادوات التي تسيء لدباباته التي تبعد عنك عشرة أمتار، أنت من الذلّ بحيث تفضّل التدمير والخضوع على أن توججها. هذا ما يريدونه، جيشنا ليس هذا، جيشنا جيش وطني، أبناء عكار والبقاع والجنوب يعرفون أن لبنان بحدوده الكاملة، هم رهنوا دماءهم للدفاع عنها وهم قبل غيرهم، مَن حرمهم من إمكانيات الدفاع يتحمّل المسؤولية. المهمة الأساسية للمقاومة أن تدفع لأن يملك هذا الجيش سلاحه، ولا أتصوّر أن أحداً سيكزدر في شارع الحمراء وبيده كلاشينكوف ليصفّق بها، كلنا نعرف أن الجيش يحمي البلاد، يعفيني من أن أستشهد، أنا لستُ بحاجة إلى الشهادة.
موسى عاصي: أنت تعلم جورج قبل الأسر أن الجيش اللبناني لم يكن يوماً جيشاً مجهّزاً لمواجهة إسرائيل.
جورج عبد الله: وهذه هي النتيجة التي نحن أمامها ومن هنا مهمّة المقاومة الأولى هي بناء هذا الجيش. ما تقوله الصحيح، هذه مهمة المقاومة، مهمتها الأولى حالياً أن ننزل إلى الشارع كي يكون جيشنا الجيش القوي الذي يفخر ضباطه بإمكانية الدفاع عن الوطن بفعل جهودنا نحن، ليفعلوا ما يشاؤون، ليفرضوا الضرائب على من يشاؤون، ليسلبوا أموال مَن يشاؤون، جنديّنا لا يمكن أن يستعطي الطعام لعائلته، جنديّنا يجب أن يكون مؤمّناً ككل مَن لديه استعداد لتقديم دمائه. أن أتصوّر أنّه ما من مواطن لبناني مارونياً كان أو سنّياً أو شيعياً يرغب بأن يرى جيشاً ذليلاً. جميعنا نقف خلف الجيش حينما يكون هذا جيشنا، جيش الدفاع عن حدود الوطن الوطن وكرامته وسمائه ومياهه، هذا جيشنا، هذه مهمّة المقاومة. أنا لا زلتُ أتحدّث كأسير ينظر إلى الأمور بشكلٍ مجرّد، أنا لا أعرف لا فلان ولا فلان، ما من أحد منزّه في هذه البلاد، جميعنا لدينا نواقص لكن القوى التي تدفع باتجاه بناء الدولة وبناء الوطن هي تدفع باتجاه بناء جيش وطني. أتصوّر أن المقاومة هي صاحبة المصلحة الأولى في بناء هذا الجيش.
موسى عاصي: هل تراهن على الحراك الشعبي في لبنان وتراهن أيضاً بالنسبة لغزة على الحراك الشعبي العربي؟
جورج عبد الله: نعم.
موسى عاصي: نتحدّث هنا عن مسألة أوسع بكثير من لبنان. هل تعلم أن الشعوب العربية لم تتحرّك طيلة أزمة غزة وأننا لم نرَ سوى اليمن وتونس، لم نرَ أي تظاهرة في العالم العربي لمساندة غزة كما رأينا في أووربا، هل يمكن أن نراهن على الشعوب العربية لإنقاذ غزة؟
جورج عبد الله: ليس فقط المراهنة، علينا السعي هذه أيضاً من مهمّات المقاومة، المقاومة ليست محصورة في لبنان، نحن نراهن على تحريك الشارع العربي، تحريك الشارع العربي هو مهمة مركزية، هذه المهمة تقف وتنطق باسم صمود المقاومة المسلّحة في غزة وفي الضفة وليست بديلاً أو بعيداً عنها بل هي أحد وجوهها وجوهها. الثورة الفلسطينية بشكلٍ عام إذا تحدّثتُ بمنطق المناضل الثوري أعتبرها إحدى الروافع الرئيسية إذا لم تكن الرافعة الرئيسية للثورة العربية ولكن دون الحديث عن هذا. من المحيط اإى الخليج يأكلون نفس الأكل ويصلّون نفس الصلاة ويغنّون نفس الأغاني. ما يجري في غزة أمام أعين الجميع، هناك مذبحة تفوق كافة المذابح، هناك حرب إبادة. هناك أجساد تتحرك وهي عبارة عن هياكل عظمية لأطفال على بُعد أمتار من أزهر مصر. لا أتحدّث عن القوى الوطنية أو اللاوطنية، لا أتحدّث عن النظام المصري بل أتحدّث عن أزهر مصر، هناك ما يفوق الثمانين مليوناً من أتباع الأزهر، يكفي أن يتحرّك واحداً من أصل ثمانين وبيده ليس صاروخاً ولا قنبلة ولا طائرة بل كوب ماء ويتوجّه إلى رفح المصرية، ليقرع الباب وبيده كوب حليب، مليون من أصل ثمانين، هذا واجب الأزهر، مَن يتحدّث لا هو من دعاة الأزهر ولا هو من دعاة الأديان لكن أقول إن هذا هو الحد الأدنى، هذه ليست مؤسسة عابرة أو سياحية بل هي الوعاء التاريخي لما يسمّى بحضارتنا العربية، آن الأوان لأن يتحمّل مسؤوليته، غريتا جاءت من السويد وبيدها كوب ماء ووقفت قبالة غزة، ريما الحسن تأتي من بلجيكا وبيدها كوب ماء انتصاراً لغزة، أكثيرٌ أن يتحرّك أبناء مصر وبأيديهم كوب ماء؟
موسى عاصي: جورج نأتي إلى ختام هذه الحلقة، أريد أن أسأل عن جورج عبد الله اليوم في لبنان، هل لديك مشروع سياسي؟ هل لديك مشروع تأطير قوى معيّنة؟ ماذا يريد جورج عبد الله من اللبنانيين وهذا سؤال طُرح عليّ كثيراً عندما علم البعض أنني ساقابلك، قالوا ماذا يريد جورج عبد الله؟ نريد أن يقوم بشيء ما، ما الذي يمكن أن يقوم به جورج؟
جورج عبد الله: جورج عبد الله مناضل بسيط من مناضلي شعبنا، سألتقي بالفعاليات لترى هي ماذا يمكنني أن أفعل وأن أقدّم لهذا الوطن. سألتقي وأسمع وأرى ما كنتُ أراه بشكلٍ مجرد من خلف القضبان لأرى فعله عيانيةً، لأرى كل هذه القيادات مَن لديه الوقت ليستقبلني وأتناقش معه في بعض الأمور وليقول لي يمكنك أن تخدم في هذا المجال أو ذاك المشروع الوطني، مشروع بناء الدولة، مشروع بناء الجيش، مشروع مقاومة العدو الصهيوني، مشروع الحفاظ على أمن مجتمعنا. مسائل بسيطة جداًيطرحا اي مناضل وأنا من ضمن هؤلاء المناضلين العاديين، لستُ فارساً على حصانٍ أبيض.
موسى عاصي: أنت كبير جداً يا جورج بالنسبة لنا وبالنسبة للمشاهدين وبالنسبة للكثير الكثير في لبنان والعالم العربي وفي أوروبا وفرنسا، جورج عبد الله المناضل خلف القضبان، جورج عبد الله يبقى مناضلاً في الحرية، شكراً جزيلا لك جورج على هذا اللقاء.
جورج عبد الله: شكراً لك وللميادين، شكراً لطاقم الميادين صوت مناضلي هذا الشعب وصوت جماهيره وصوت.
موسى عاصي: شكراً لكم مشاهدينا الكرام، كان هذا اللقاء مع المناضل اللبناني الكبير جورج إبراهيم عبد الله من منزله في القبيّات، إلى اللقاء.