غزة وضمير العالم
الحلقة تسلط الضوء على التحوّل الكبير في وعي الشعوب حول العالم تجاه فلسطين، حيث لم تعد القضية محصورة في حدود جغرافية أو نزاع إقليمي، بل صارت رمزاً إنسانياً للحرية والعدالة. من هتافات الألتراس في ملاعب كرة القدم، إلى المظاهرات الضخمة في الدول الغربية الديمقراطية، يعبّر الشباب والمنظمات الشعبية عن تضامن متزايد يضع الحكومات أمام ضغط شعبي غير مسبوق. ورغم أن المواقف الرسمية لا تزال مترددة وأقل جرأة، إلا أن مؤشرات التغيير بدأت بالظهور في بعض الدول. الحلقة تطرح سؤالاً أساسياً: كيف يمكن لهذا الزخم الشعبي العالمي أن يفتح أفقاً جديداً للقضية الفلسطينية ويجعلها قضية كل إنسان يبحث عن الكرامة والحرية؟
نص الحلقة
حمدين صباحي: تحيّة عربية طيّبة، سنتان من الطوفان لم يزل العدوان مستمرًا، لم تزل المقاومة صامدة.
والسؤال، هل انتصرنا أم هُزِمنا في الطوفان؟ لا يزال وقت الإجابة لم يأتِ كاملًا، لكن الحقائق التي صنعها طوفان الأقصى ناطقة، تمثّل علاماتٍ على طريق النصر.
بين هذه الحقائق أن ضمير العالم أصبح الآن مع فلسطين وضدّ كيان العدوان، من الحقائق الراسِخة أن هذا التحوّل لم يحدث من قبل طوال قرابة القرن من الصراع العربي الصهيوني، من الحقائق الراسخة أن السحر انقلب على الساحر، وكل المظلومية الصهيونية التي نسجت لهذا الكيان العدواني، تعاطفًا إنسانيًّا عالميًّا قد تبدّلت المواقع فيها. الآن أصبح الظالم القبيح أمام العالم هو كيان العدوان الصهيوني والعربي، لم يعد إرهابيًّا بل مناضلًا صلبًا من أجل حقّه في الأرض والعدل. الآن، كل ما أنفقته آلة الدعاية الصهيونية من مليارات ومن سنوات لتطفي على كيان الاغتصاب معانيَ أنها واحة الديمقراطية، وأنها باحثة عن السلام، وأنها تدافع عن الوجود ضدّ البرابرة، كل هذه المعاني انهارت. إذا كانت إسرائيل قد دمّرت مباني غزّة، فإن غزّة قد دمّرت معاني إسرائيل. فأيُّ الدمارين أعظم؟ دمار المبنى أم دمار المعنى؟
حمدين صباحي: من حقّنا ومن واجبنا أن نفرح بما أنجزه طوفان الأقصى. عدوّنا يريدنا أن نرى الثمن الغالي الذي دفعناه، شهداء من قادتنا العظماء إلى أطفالنا الأبرياء، يريدنا أن نركّز على الألم الحقيقي الذي في داخلنا نتيجة ما قدّمناه في هذه المعركة، وهي من أعظم معارك الحرب المستمرة بيننا وبين العدو الصهيوني من حوالى قرن وستستمر. من حقّنا ومن واجبنا أن نرى الأثر الإيجابي العظيم الذي أثمرته دماء الشهداء وبسالة الصمود في غزّة، وروعة التضحيات التي صاحبت هذه الجولة من الصراع. من حقّنا ومن واجبنا أن نثمّن ونعتزّ ونفخر بأننا لم نقدّم ضحايا. لا، نحن قدّمنا أبطالًا دفعوا ثمنًا غاليًا لتحوّلاتٍ عميقة نجح طوفان الأقصى في أن يحقّقها. من أهمّ هذه الثمار العظيمة للتحوّلات العميقة موقفُ بُعْدِ الإنسانية، شعوب العالم، يقظة الضمير الإنساني للتحوّل الكبير العميق الواسع في الرأي العام العالمي الذي انتقل نقلةً كبرى، نقلةً نوعية، بعدما كان عدونا إسرائيل هو الحَمَل الوديع الديمقراطي المُحاصَر من برابرة العرب الذين يريدون انتزاع الحق منه في الوجود وفي الحياة. هذه الصورة، صورة إسرائيل التي أنفق عليها المليارات عبر 7 عقود مُتتالية على الأقل حتى الآن. المعنى الذي نجحت الحركة الصهيونية في تزويره وتضفيه على نفسها، وثق به الإنسانية في أمم الأرض كلها. المعنى الإيجابي، الصورة الحلوة هي إسرائيل، الصورة القبيحة هي العرب والفلسطينيون. هذا تاريخ طويل من العمل الدعائي المُنظّم المُنْفَق عليه، المُخطّط الذي احتشدت له وسائل إعلام وسينما في هوليوود وغيرها، وأثمر لصالح العدو حتى جاء طوفان الأقصى فانقلب السحر على الساحر.
انظروا للصورة اليوم. الصورة هي نقيض ما قبل طوفان الأقصى، الصورة هي الحقيقة وليس الزَيْف الذي أزاغ عيون البشرية في عقود خلت. الصورة بعد طوفان الأقصى واضحة، ناطقة، وواصلة، ومعبّر عنها في الضمير العالمي. القُبح كله هو في الكيان الصهيوني الذي هو قاتِل، سافِك للدم، يرتكب الإبادة الجماعية، يلغ في الدم الشريف الطاهر للأطفال، ويجوعّهم ويقتلهم في طابور البحث عن لقمة.
إسرائيل الآن مدان، مجرم، هارب من العدالة، ربما يستطيع أن يفرّ من المحاكم الدولية التي صدرت بالفعل ضدّ رئيس وزراء ووزير دفاع هذا الكيان، لكن لا إمكانية للإفلات من عِقاب الضمير. عِقاب الضمير يلحقه الآن كل شاب وشابة ليهتفوا في شوارع العالم: الحرية لفلسطين. صورة الفلسطيني الآن هي صورة الإنسان الباسِل الصامِد المُتشبّث بأرضه، المُدافع عن حقّه الذي يطلب حقّه في التحرّر من الاحتلال، الذي يطلب حقّه في الحياة، الذي يطلب حقّه في سلام عادل قائم على استرداد الحقّ. أما صورة الصهيوني فهي صورة المجرم المُدان بالأحكام والهارب من تنفيذها.
هل ممكن أن هذا التحوّل العظيم الكبير في تاريخ الصراع العربي الصهيوني كان يتمّ لولا طوفان الأقصى؟ لا. هل يمكن أن هذا التحوّل العميق في تعبير الضمائر الإنسانية في كل العالم عن نفسها مع فلسطين ضدّ إسرائيل كان يتمّ من دون التضحيات العظيمة التي دفعناها شعبًا، ومقاومة، وقادة، ومقاومين؟ لا. هذه واحدة من الثمار العظيمة. وما أقوله، أن إسرائيل التي أنفقت مليارات من أجل أن تعطي لنفسها معانيَ =طيّبة على غير حقيقتها الشرّيرة، وتُطفي علينا معانيَ شرّيرة على غير حقيقتنا كشعبٍ يقاوم الاحتلال من أجل حريّته، معاني إسرائيل هذه كلها ضُرِبت في طوفان الأقصى. إذا كانت إسرائيل بوحشيّتها دمّرت مباني غزّة، فغزّة ببسالتها دمّرت معاني إسرائيل، وعلينا الآن أن نحكم: أيُّ الدمارين أوجع، دمار المعنى أم دمار المباني؟
المباني في غزّة سنعيد تعميرها، لكن إسرائيل لا يمكن أن تعمّر المعاني التي هدمتها بسالة الفلسطيني ودمّرها طوفان الأقصى، وهذه من علامات النصر الذي نراه في الدنيا له أثر في اللحظة وفي المستقبل القريب وفي حسم الصراع بين الأمّة وعدوّها. نحتفي بهذه الثمرة العظيمة، نحرص عليها، نواصلها ونعرف أن قضيّتنا، فلسطين نعم عربية، ولكن هي قضية عربية إسلامية إنسانية، الإنسانية الآن تأخذ الموقف الصحيح، الإنسانية الآن على الجانب الصواب من التاريخ، الإنسانية الآن مع فلسطين ضدّ الاحتلال ووحشية الكيان الصهيوني، وهذا تحوّل لو تعلمونا عظيم.
هذا التحوّل العظيم في موقف الإنسانية لم يكن ممكناً أن يتم كما قلنا إلا ببسالة صمود فلسطيني مُذْهل ومُعْجِز، لكن أيضًا سبب مهم: قُدرة المعلومة الآن على الانتشار، وسائل الإعلام، أدوات التواصُل الاجتماعي التي مكّنت الغَزاة المُحاصرين تمامًا أن تنقل صورة حيّة. وسائل الإعلام، بالذات الفضائيات في زمن سماوات مفتوحة، هنا لا توجد إمكانية لطَمْس الحقيقة. نحن في عالم يصعب فيه الإنكار كما كان الأمر من قبل، ورغم أن البشرية تمكّنت في ظروفٍ لم تكن مُتاحة لها هذه القُدرة على تناقل المعلومة وعلى المعرفة، تمكّنت من أن تخوض معارك إنسانية مع قضايا عادلة، ربما أهمّها في لبنان عندما اندلعت التظاهرات في أمريكا ضدّ الحرب في لبنان، كانت عاملاً هامًاً جدًّا في نصر مُستحقّ للشعب اللبناني بعد تضحيات غالية جدًّا قدّمها، وفي قضية جنوب إفريقيا. نظام الفصل العنصري لم يصمد رغم السنوات الطويلة التي أمضاها رمز هذا النضال نيلسون مانديلا داخل السجن، كانت الإنسانية تنتصر لقيمة المساواة، عدم التمييز، الوقوف ضدّ الفصل العنصري، وكان وقوف العالم من عوامل إنهاء نظام الفصل العنصري وهيمنة البيض.
الآن فلسطين هي الموجة السارية في الضمير العالمي لوقفة إنسانية مع قضية هي العدل بذاته، أن يحصل الفلسطيني على حقّه، أن تردّ الإنسانية تغوّل الكيان الصهيوني الذي يمارس جريمة موصوفة بأحكام محاكم دولية، لكي تكفّ يده عن هذا العدوان على كل قيمة أخلاقية أو على القانون الدولي. قوّة المعرفة هذه أمرٌ بالغ الأهمية، قوّة الصورة، الصورة الآن تشكّل الوعي وتنفذ في وجدان، تشكّل الحال الإنسانية النفسية والمعنوية والعقلية نتيجة المعرفة بالمعرفة وبالصورة. نحن استطعنا في طوفان الأقصى أن نُحدِث هذا التحوّل العميق في الموقف الإنساني العالمي. هذا التحوّل، كما أثمر في لبنان وفي جنوب إفريقيا وقضايا أخرى، سيثمر في سعي الشعب العربي الفلسطيني لاسترداد أرضه =وإقامة دولته على كامل ترابها. هذا المعنى الذي نريد أن نتنبّه له ونُحسن التعامل معه لأنه في القادم من الأيام سيبقى الصراع على الوعي، على المعرفة، على الصورة، على المعنى، جزءاً رئيسياً من صراعنا ضدّ كيان الاغتصاب والاحتلال والإبادة الذي اغتصب أرضنا، ومزروع في وسطنا، ويمارس القتل ضدّ شعبنا يوميًّا.
الأداء في الحفلات الفنية: نحن شاهدنا حفلات منقولة على الهواء، كالحفل الشهير الذي قطعت فيه الـBBC الإرسال عندما بوب فيلان، مغنٍّ شهير لديه جمهور هائل، خبط على خشبة المسرح، لم يهتف فقط: "الحرية لفلسطين، الحرية لفلسطين، فلسطين حرة"، وهو شعار أصبح موجودًا الآن في العالم كله، لكن أيضًا أضاف موقفًا حاسمًا ضدّ المُعتدي عندما هتف: "الموت، الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي". هذا تطوّر مهول في وعي العالم، في تكوينه النفسي، وفي تعبيره المُعلن الواضح عن موقفه في هذا الصراع ما بين الحقّ الذي هو فلسطين، والباطل الذي هو إسرائيل، ما بين قِيَم إنسانية خيّرة نفسها في عالم عادل، في سلام حقيقي وليس سلامًا مُفتعلًا يفرض الاستسلام، ما بين هذه القِيَم الإنسانية الراقية وما بين التوحّش الذي تمثّله إسرائيل بعدوانيّتها وقُدراتها على القتل ثم القتل ثم القتل. نحن أمام تحوّل كبير نراه في كل الدنيا. من حقّنا أن نسأل الآن: كيف نتفاعل كأمّة عربية وأصحاب حقّ مع هذا الضمير العالمي الذي فيه موجة سائدة معنا؟ والموجة التي مع إسرائيل خالصة أصبحت هي الموجة المُتنحية. كيف نصل بهذه الموجة إلى مداها؟ كيف نستفيد منها كأحد عوامل حسم الصراع؟ هذا واجب مُلقى على كل مَن يفكّر في الأمّة أو على مؤسّساتها. لا أريد أن أقول على أنظمتها، رغم أن كل نظامنا الرسمي العربي أيضًا مسؤول عن دعم هذه الصورة، لكن عن قواها الشعبية، عن الخيّرين فيها، والحالمين بغدٍ نستحقّه. نريد أن نعرف أننا لسنا لوحدنا، نحن لسنا فقط الفلسطينيين، نحن لسنا فقط العرب، نحن لسنا فقط العالم الإسلامي، نحن الإنسانية وهي تستردّ أجمل ما فيها، القُدرة على أن يكون ضميرها اليقظ دليلها من أجل الانتصار لقِيَم العدل التي تدمّرها إسرائيل.
فؤاد ومان – فنان وملحّن جزائري: طبعًا الأغنية كانت دائمًا لسان حال ظروف معيّنة، زمن معيّن. نستطيع أن نقول بأن الأغنية أرّخت لبعض الظروف وبعض الأحداث، سواء السياسية أو الاجتماعية، كانت لسان حال عدّة مراحل من الزمن أو التاريخ. أحسن دليل على هذا هو بالنسبة لتاريخنا في الجزائر، إبّان الاستعمار، ومع انطلاق ثورة التحرير في مطلع نوفمبر 54، بعد سنوات من بداية الثورة، تأسّست فرقة جبهة التحرير الوطني، والتي كانت تضمّ مجموعة من المُمثّلين والمُغنّين والكتّاب والملحّنين، واستطاعت أن توصِل صوت الجزائر إلى العالم من خلال بعض الأعمال الفنية التي جابت بها مختلف بِقاع العالم. وبالتالي نستطيع أن نقول بأن ما يحدث اليوم في غزّة وما سايرها من أعمال فنية تحدّثت عمّا يجري في فلسطين يعتبر ترجمة أو تصويرًا للوضع من خلال نصوص نهائية وألحان وأصوات جميلة استطاعت أن تصل إلى مدى معيّن من الإقناع، وطبعًا صوّرت ما يجري في مجموعةٍ من الأعمال الفنية بمختلف الأصوات.
لا أظنّ بأن الأغنية استطاعت أن تؤدّي دورًا كبيرًا لما يجري من انتقام وحشي. أعتقد أن الصورة هي التي استطاعت أن توصِل هذه المُعاناة إلى العالم، لكن دور الأغنية لم يكن بذلك الحضور القوي إلا بعض المحاولات من هنا وهناك، صوّرت المشهد المؤلم من خلال بعض النصوص والألحان والأصوات الفنية.
الشباب ربما بصورةٍ أكثر، وهناك ربما مَن يتفاعل مع الوضع، لكن أعتقد بأن الكبار هم مَن يتألّمون ويتجاوبون مع ما يقدّم من إنتاج فني، لأنهم يدركون ويعون جيّدًا الأحداث التي تجري في غزّة وفي فلسطين.
تقرير:
التضييق والتعتيم لم يمنعا العالم الرياضي يومًا من التعاطُف والتضامُن مع مظلومية غزّة. روابط الألتراس وجماهير ذات الخلفية اليسارية كانت فاعلة جدًّا.
آخر المواقف: رفض مُشجّعي دوسلدورف الألماني تعاقد النادي مع مهاجم منتخب كيان الاحتلال شون وايزمن.
الأمثلة خارج كرة القدم كثيرة جدًّا، جديدها مطالبة أكثر من 400 رياضي كندي بإلغاء مواجهة كأس ديفيز للتنس ضدّ إسرائيل، قبلها تظاهرات الجماهير الإسبانية في العاصمة مدريد ضدّ زيارة نادي مكابي تل أبيب لخوض مباراة في كرة السلّة.
=جمهور نادي سلتك في اسكتلندا يمثّل الحركة الأنشط من دون منازع.
لا تكاد تمرّ مباراة في أية مسابقة من دون رفع الأعلام الفلسطينية خلالها، مع لافتات تطالب بوقف الإبادة.
رفع البطاقة الحمراء في وجه رياضيي الاحتلال كان من ابتكار ألتراس غرين، أشهر مواقف أندية الصف الأول الأوروبي كان من مُشجّعي باريس سان جرمان الفرنسي.
فيفو الكبير يحمل شعار: "الحرية لفلسطين".
عربيًّا، المغرب مع ألتراس الوداد وينرز، وألتراس الرجاء غرين بويز. كثيرًا ما تتحوّل المباريات الدولية في تونس إلى منصّات التضامن.
وفي الدوري المحلي، تنشط جماهير أندية الترجّي، والنجم الساحلي، والأفريقي على نحو غير متوقّع، وترسم صوَر الشهداء والأطفال.
أما في أرض المليون ونصف المليون شهيد، فيولد الجزائري وفي قلبه حب فلسطين، لينعكس الأمر على الملاعب.
صرخة المدرّجات وتضامن الجماهير المتواصِل انعكسا على التعاقدات.
من وحي الدمار أعلن بعض الأندية العربية التوقيع مع لاعبين من المنتخب الفلسطيني: الأهلي المصري مع الهدّاف وسام أبو علي، الوحدات الأردني مع قائد المُنتخب الفلسطيني مصعب البطاط.
تأثير المجازر حرّك ضمير أشهر مدرّبي كرة القدم العالميين، استشهاد بطل الكرة الفلسطينية سليمان العباد مثّل مناسبة جديدة للنجم الفرنسي السابق إريك كانتونا لوصف ما يجري في غزّة بالإبادة الجماعية.
منذ اندلاع العدوان الأخير لعبت المنتخبات الفلسطينية دورًا بارزًا في إيصال صورة =المُعاناة، الترويج قبل كل استحقاق ينطلق من بين خِيَم النازحين، مزّقها الركام، مشاهِد أرادت القول إن الرياضة الفلسطينية لن تنكسر.
ورغم تدمير ملاعبها، ستظلّ أداة للمقاومة.
دور أزعج سلطات الاحتلال، ولا سيما حملة طرد كيانها من الاتحاد الدولي، الدعم الرياضي لا يقتصر على التضامن المعنوي. فمن تشيلي، حيث تقيم أكبر جالية فلسطينية خارج المنطقة العربية، استوحى نادي ديبورتيفو بالستينو قميص فريقه من الكوفية الفلسطينية، كما خصّص 1920 منها للبيع على أن يعود رَيْعها لدعم مخيّم عايدة في بيت لحم.
حمدين صباحي: عندما نرى مدرّجات كرة القدم تضجّ بالهتاف لفلسطين وضدّ إسرائيل، يجب أن نقول: هذه بَرَكة طوفان الأقصى. هذا هو التحوّل في الوعي، لأننا نحن أمام جماهير معظمها شاب ومنظّمة تنظيمًا جيّدًا، في روابط المُشجّعين هم الألتراس، وهذه روابط لديها تقاليد ودرجة من الأحكام الداخلية وقُدرة على الإبداع. هذا الجيل الجديد يشجّع الكرة عندما تكون فلسطينية هتافه، وتكون دخلت روابط الألتراس التي تتّسع لتصل كل مساحة المُدرّج، لوحة يشارك في صنعها آلاف من المشجّعين حتى تقول يافطة: "الحرية لفلسطين" أو "نحن مع غزّة" أو "نحن ضدّ الإبادة الجماعية". هذا معناه أن هناك أجيالًا في هذه الدنيا جديدة تنتمي لقيمة الحقّ وتريد بذل ما لديها من طاقة لتأييد هذا الحقّ والوقوف ضدّ التغوّل الصهيوني.
طبعًا، تأييد فلسطين عابر، كما هو عابر للجنسيات والقوميات، ظاهرة إنسانية، هو عابر أيضًا للأجيال. في الوقت الذي نرى فيه هتافات شباب الألتراس في كل مدرّجات الدنيا والغرب على وجه التحديد، نحن أيضًا لدينا المُسنّون يتظاهرون في بريطانيا في تظاهرة ضدّ القانون عندما حَظَر البرلمان منظّمة العمل من أجل فلسطين واعتبرها إرهابية. خرج بريطانيون أصحاب ضمائر حتى يقولوا: نحن ضدّ الإبادة وضدّ إسرائيل، ومع هذه =المنظّمة العمل من أجل فلسطين. وفي يوم واحد، وهذا جديد أو نادر على تاريخ الشرطة البريطانية، تمّ اعتقال أكثر من 500 مواطن بريطاني، ولا يعرفون كيف ستتمّ محاكمتهم.
في حقائق جديدة تُفْرَض في الشارع وتُسْمَع في كل الدنيا ويتمّ التفاعل معها، ربما نحن شاهدنا هُتافات في ملاعب عربية، في ملاعب الرجاء المغربي، والترجّي التونسي، والأهلي المصري، وسواها. وهذه من الحالات التي خرجت على القمع والمَنْع الذي تمارسه سلطات النظام الرسمي العربي على شعبنا العربي بكل أقطاره، باستثناءاتٍ قليلةٍ. لماذا؟ لأن الألتراس في الملعب قادرون على تشكيل تظاهرة، لكن داخل السور وليس في الشارع، وأن يفرضوها بدرجةٍ عاليةٍ من التنظيم، وبالذات أن الألتراس منظّمات غير سياسية، فانتزعوا هذا الحقّ كما لو أنهم عيّنة ممثّلة لكل الشعب العربي المحروم فعليًّا من التعبير عن حقيقة مشاعره مع أهله في غزّة ومع قضيّته التي هي قضية فلسطين، قضية كل عربي حرّ وصاحب ضمير. ظواهر تتفاعل بين ملاعب في كل مكان في العالم، وملاعب عربية تسرق أو تختطف أو تختلس حقّها في التعبير، وهي محرومة منه في الشوارع بسبب حَظْر حقّ التظاهُر السلمي على الشعب العربي في كل أو معظم دول هذا الوطن.
حسن خلف الله – رئيس رابطة النقّاد الرياضيين في مصر: لا شكّ طبعًا أن أيّ حدث يحدث في الملاعب الرياضية، سواء كرة القدم أو غيرها، في مُساندة القضية الفلسطينية يكون لديه ردّ فعل ممتاز منذ بدء الحرب على غزّة. ونحن نرى كثيرًا من الأشكال التي ظهرت للتنديد بهذه الحرب، وبما يحدث في غزّة وفي فلسطين بشكل عام، سواء في الملاعب العربية أو الملاعب الأوروبية. كل ذلك كان له انعكاس واضح جدًّا على الرسائل التي تصل للمجتمعات الأوروبية والمجتمعات الغربية بشكلٍ عام، وكانت الرسائل مؤثّرة بشكلٍ كبيرٍ جدًّا. ورأينا هذا على الانعكاس السياسي في الشوارع الأوروبية، أبسط أمر.
وهذا دور الرياضة بشكلٍ عام، هو طبعًا عدم خَلْط الرياضة بالسياسة مطلوب، ولكن هذه الرسائل هي رسائل تعبّر عن نَبَض الشارع، تعبّر عمّا تشعر به الجماهير تجاه ما يحدث في القضية الفلسطينية وما يتعرّض له أهل غزّة على مدار السنتين الماضيتين. فما أودّ قوله باختصار أن تلك الرسائل مؤثّرة جدًّا. وتوقّفنا عند بعضها مؤخّرًا، رأيناها بمباراة إيطاليا وإسرائيل، لما عُزِفَ سلام دولة الاحتلال، ورأينا أيضًا مواقف سابقًا، كغوارديولا وكثير من اللاعبين الأوروبيين والعرب، رأينا مواقف كثيرة ورسائل كثيرة جدًّا. وهو كما قلت لك، يؤثّر دائمًا بضبط الشارع.
مباراة كرة القدم أشبه بمسرحية على الهواء، والمتابعة لها تكون متابعة كبيرة جدًّا، فأية رسالة تحصل خلال مباريات كرة القدم يكون لها انعكاس في وجدان حتى الرجل الأوروبي الذي لا يعرف أيّ أمر عن القضية الفلسطينية. التأثير بدأ، لو نظرنا له، التأثير وصل إلى مواقف بعض الأندية الأوروبية. في البداية كانت في البداية أندية كثيرة تمنع لاعبيها وتحظّر عليهم قيامهم بأية أمور تدعم القضية الفلسطينية، ورأينا مواقف كثيرة للاعبين تمّت مُعاقبتهم واستبعادهم من الأندية. الرسائل التي حصلت في الملاعب دفعت الأندية للهدوء، ومواقفها تبدّلت وتركت بعض الأمور. ورأينا غوارديولا، كما يتحدّث في مؤتمر صحفي لمساندة القضية الفلسطينية، وشاهدنا لاعبين كباراً كثراً، نشروا رسائل بكل أريحيّة تدعم القضية الفلسطينية أو تقف ضدّ ما يقوم به الاحتلال في غزّة.
كل هذه الأمور تدريجيًّا أيضًا تبدأ برسالة. لاحقًا التغيّرات في المواقف تحصل، هناك تغيّرات =بدول كثيرة بدأت تدعم وتتحدّث بناءً على رفض الشارع. الشوارع انطلقت من الملاعب، أثّرت بوجدان الشعب، وبدأ الناس كلها تتكاتف وتتضامن. هذا غير، أكيد، مواقف سياسية كثيرة لكثير من الدول الأوروبية، وكثير من الدول الغربية. لا شكّ بأن كرة القدم قوّة ناعمة كبيرة جدًّا، وجمهور كرة القدم مؤثّر جدًّا.
حمدين صباحي: هذا الضمير العالمي الظاهر الواضح أثره ليس فقط في التكوين الذي يؤدّي لرأي عام، لأنه في دول الغرب ذات التقاليد الديمقراطية، الرأي العام مؤثّر على قرار الحُكّام، على قرار السلطة. لا تستطيع سلطة أو حكومة في الغرب أن تتجاهل الرأي العام، لأنها ستكون بحاجةٍ له في الانتخابات القادمة، تحتاج كل صوت، فهي حريصة على إرضائه. وهذا يمكن أن يُفسّر لنا مساحة التغيّر في مواقف حكومية في بلدان عديدة في العالم. أصبحت الآن أكثر شجاعة في إبداء موقف ضدّ إسرائيل، وتحديدًا ضدّ جريمة الإبادة الجماعية المستمرة، وأصبح صوتها مرتفعًا في مواجهة التغوّل الصهيوني، وهذا لم يكن موجودًا سابقًا.
أما نجد هذه الروعة الإنسانية والأخلاقية في استقالة وزير الخارجية في هولندا، واستقالة ثمانية وزراء من نفس الحكومة، لأنهم لم يتمكّنوا من أن يقنعوا حكومتهم بتطبيق مزيد من العقوبات ضدّ إسرائيل. هذا تحوّل كبير لا بدّ من أن نأخذه بعين الاعتبار. صحيح، جملة المواقف في الحكّام والحكومات والنظام الحاكم في الغرب ليس فيها تحوّل نوعي كالرأي العام. ما يحصل في العالم الآن تحوّل نوعي، انقلاب كبير، ثورة في الوعي وفي الروح في العالم وفي الضمير الإنساني لصالح فلسطين، لكن ما يحصل في الحكومات هو تحوّل كمّي، يمكن أيضًا بالتراكُم أن يكون تحوّلًا كبيرًا ونوعيًّا. لكن لا بدّ من أن نقف بانتباه أمامه. مسارعة العديد من الدول بنيّتها إعلان الاعتراف بدولة فلسطين في الدورة الآتية هذا الشهر للجمعية العامة للأمم المتحدة، هذا تحوّل. وقف عمليات تصدير أسلحة أو بعض الأسلحة من بعض الدول، هذا تحوّل مهمّ. أن تقدّم بعض الحكومات على تقديم بعض من يحملون جواز السفر الإسرائيلي للمحاكمة، كما حدث، هذا تحوّل مهم. العالم يستفيق ويرى نور الحقيقة، يرتبطه بعدالة القضية في فلسطين ويتقدّم بالتدرّج نحوها. تحوّل الهائل في الرأي العام والتحوّل المحدود في مواقف الحكومات، لا بدّ من أن نرعاه ونحرص على استدامته، ولا بدّ من أن يدرك هذه الهوّة أو الفجوة الفاصلة ما بين القواعد والقِمم في كل أمر في العالم. الضمير الإنساني الآن كله مع فلسطين، لكن المواقف الحكومية لا. الضمير الإنساني يريد اليوم وقفًا فوريًّا لحرب الإبادة وعِقابًا رادعًا لإسرائيل، أما المواقف الحكومية فلا، لكن بدأنا نرى في المواقف الحكومية ظواهر جديدة مبشّرة. رئيس أيرلندا يصرّح منذ وقت قريب بأنه لا بدّ من استخدام القوّة ضدّ إسرائيل لوقف الإبادة الجماعية والتجويع. هذا جديد، وهو جديد مهمّ، وسيتراكم، وسيكون له أثر، والأثر لصالح قضية الحق الفلسطيني وضدّ العدوان الدائم للكيان الصهيوني.
العالم يتغيّر الآن، هذه بعض ثمار طوفان الأقصى، وما أكثر ثماره التي تفرح بما يتوازن مع التضحيات التي تؤلِم والتي قدّمتها الأمّة والمقاومة والشعب في هذه الجولة العظيمة من جولات صراعنا ضدّ عدوّنا.
حمدين صباحي: نريد أن نتأمّل سويًّا وجوه مؤيّدي فلسطين في كل المجتمعات الغربية. التظاهرة التي خرجت في أستراليا هي تظاهرات عديدة، في أستراليا بعضها كان شبه مليوني في مئات الآلاف. تأمّلوا =جيّدًا وجوه المشاركين، أو وجوه المشاركين في الحركة الطلابية التي بدأت في كولومبيا وانتشرت في كل جامعات أمريكا، أو في ميادين لندن أو باريس أو برلين أو غيرها من كل عواصم الغرب.
هؤلاء ناس خرجوا ليقولوا: نحن مع فلسطين ضدّ إسرائيل، بوضوح وقَطْع وحَزْم ويقظة للضمير واستقامة أخلاقية. لاحظوا أن هذا يتمّ في الغرب، ولم نرَ هذه الظواهر في وطننا العربي أو في العالم الإسلامي بنفس الحجم، طبعًا رأيناه، لكن ليس بنفس الحجم. ولاحظوا أن المُنتمين للحضارة الغربية في هذا العصر وعبر السنوات في نموّ هائل للفرديّة. الشاب هناك الذي يخرج لرفع عَلم فلسطين ويهتف لها، غالبًا روابطه بأسرته ليست وثيقة، باحث عن ذاته، والقِيَم الليبرالية ساقت إلى مدى بعيد. يكاد البعض يقدّس الفردية والانفصال عن المجتمع والقضايا الكبرى، يعيش لنفسه هو عالمه، كما لو أن فلسطين تأتي في هذه اللحظة في ظلّ هذه الأوضاع الحضارية التي يجتازها الغرب لتقدّم، ممكن أن أقول نوع من العلاج النفسي لذوات فردية تباعَدت أو تنأَت عن مجتمعاتها الصغيرة أو الكبرى، وتجد في فلسطين الآن طريقة لإعادة الارتباط بالعالم. كما لو أنني أرفع عَلَم فلسطين، أنتمي إلى إنسانيّتي، أعمل من فلسطين مادة للاشتقاق تعيد ربطي بمجتمع وبحضارة إنسانية، أو بحضارات إنسانية متّسعة كنت مفصولًا عنها، أستعيد قيمة مفقودة في داخلي. فلسطين بهذا المعنى، الانتماء لعدالة قضيّتها والدفاع عنها في وجه عدوانيّة الإبادة الصهيونية، يضفي على الفرد قيمة ويربط هؤلاء في ما يمكن أن يخلق شراكة إنسانية واسعة مبنية على أساس قيمة العدالة والحرية، وفيها يقظة دائمة للضمير.
فلسطين يُرفع علمها الآن في أرجاء الدنيا شباب وكهول من كل الأجيال، في كل الأمم. الرابط الذي يجمعهم: هُتاف "فلسطين حرّة". هذا معنى كبير تكتسبه فلسطين في ضمير الإنسانية في هذه المرحلة من تاريخها ومن تطوّرها، ليس فقط السياسي والحضاري، وتكتسب =معنى قِيَمي. فلسطين الآن قيمة، ليست مجرّد صراع على الأرض ما بين قوّتين عسكريّتين، هي قيمة إنسانية، أو هي عنوان الصراع ما بين منظومتين للقِيَم: قِيَم الاستعمار وفرض السيطرة واحتقار الشعوب ونهبها، والفصل العنصري، والتمييز على أساس الدين في دولة يهودية خالصة: إسرائيل، أو الجنس. هؤلاء عرب لا بدّ من أن نتخلّص منهم، أغيار أقلّ شأنًا، ونحن شعب الله المُختار. قِيَم مُتوحّشة، قبيحة، ذميمة تنكشف إسرائيل الآن أمام الضمير العالمي باعتبارها تجسيدًا للقُبْح، بينما تستردّ فلسطين معناها الأصلي: قيمة الدفاع عن الحقّ، عن الأرض، عن الكرامة الوطنية، عن الاستقلال، عن التحرّر الوطني. وهذه قِيَم كبيرة في الضمير الإنساني وفي نصوص القانون الدولي الذي لا يجد طريقه للتطبيق. فلسطين حاليًّا باتت معنى لكل هذه القِيَم، وبات الانتصار لها، وليس الانتصار لحقّها فقط في تحرير أرضها وإقامة دولتها على كامل هذه الأرض. وتذكّروا جيّدًا، إذا كانت كولومبيا وشوارع العالم يقولون: "فلسطين من النهر إلى البحر"، لا يقدّمون تنازلًا، لا يكافئون الغاصب بنصف أو أكثر من نصف الأرض، كما يقول حلّ الدولتين، لأنهم حال ضمير وليست حال توازن سياسي، وليست حال حِسْبة يعملها نظام أو حزب، حال إخلاص لعدل مُفْتَقد في الدنيا. فلسطين حاليًّا هي موضوع من يريد أن ينتصر لقيمة العدل، للحق، والخير، والجمال. هو مع فلسطين، والواقفون ضدّ فلسطين واقفون، باختصار، مع الشر والقُبح والدمامة والوحشية والظلم.
هنا فلسطين: علمها وإسمها، والغناء لها، والهتاف لها، والكرنفالات التي تهتف لها في الدنيا. هي ليست فقط تدافع عن القضية الفلسطينية، هي تدافع عن منظومة قِيَم فلسطين، عنوانها في مواجهة منظومة للانحطاط الأخلاقي والعدوان على القِيَ م الإنسانية. عنوانها: الكيان الصهيوني.
لذلك، هناك ناس كثير أصحاب قضايا ربما تكون قضية محلية. أتحدّث عن الغرب، وقد تكون قضية ليست لها علاقة مباشرة بصراعنا كأمّة عربية ضدّ عدوّنا الصهيوني. ثم انتبهوا لحقيقة أقولها أخيرًا: رغم أن هذه مكانها في البداية وفي النهاية وفي كل وقت، لماذا شعوب الأرض في الغرب تظاهرت، ولماذا الشعب العربي في كل أقطاره ومعظم عالمه الإسلامي لم يخرج؟ لا بنفس العدد، ولا بنفس الطريقة، ولا بنفس الأداء.
أجروا مطابقة ما بين خريطة انتشار تظاهرات تأييد فلسطين وخريطة طبيعة النظام السياسي الحالي، ستجدون شبه تطابق ما بين أمرين:
الوقوف مع فلسطين وحقها، وأن الشعوب هذه في دول تحكمها قواعد ديمقراطية، نظام سياسي ديمقراطي، نظام يكفل تداولًا سلميًّا للسلطة، ويعطي للشعوب حقوقًا من بينها حقّ التعبير عن الرأي بأساليب عديدة، من بينها حق التظاهر السلمي.
الديمقراطية هي التي أكسبت طوفان الأقصى هذا الحضور الهائل عالميًّا مع فلسطين وضدّ إسرائيل، والقمع والاستبداد والمنع هو الذي حرم طوفان الأقصى وفلسطين من أن يرى نفس التأييد حتى في أمّته العربية وفي عالمه الإسلامي.
لماذا أعيد التركيز على هذه الحقيقة؟ لكي أذكّر نفسي وأذكّر كل من أتعامل معه ويتفاعل معي: كثير منا لا يعطي للديمقراطية حقّها كعنصر رئيسي من عناصر وأسلحة وعوامل انتصار فلسطين وانتصار الأمّة في مواجهة العدو الصهيوني. حتى بعض قوى المقاومة وبعض القوى شديدة الولاء لفكرة المقاومة كثيرًا ما تتجاهل الديمقراطية أو تراها مجرّ د إضافة مكمّلة أو زائدة جمالية. لا، ليس صحيحًا، الديمقراطية هي طريق تحرير فلسطين، ومن دون ديمقراطية لا حضور للشعب، ومن دون حضور الشعب لا انتصار، لا لقوى المقاومة ولا لفلسطين، ولا لأية قيمة كبرى ترتقي مع تحرير فلسطين حتى تشكل مستقبل الذي تستحقّه فلسطين وتستحقّه الأمّة. الديمقراطية هي التي أكسبتنا هذا التأييد والزُخم والدفء الإنساني، والديمقراطية هي التي ستسمح للشعب العربي أن يعبّر عمّا حُرم منه من موقف حقيقي، عميق، أصيل، إنه مع فلسطين حتى النصر.
حمدين صباحي: وأعطي نصف عمري للذي يجعل طفلًا باكيًا يضحك، وأعطي نصفه الثاني لأحمي زهرة خضراء أن تهلك، وأمشي ألف عام خلف أغنية، وأقطع ألف وادٍ شائك المسلك، وأركب كل بحر هائج حتى ألُمَّ العطر عند شواطئ الليلك. أنا بشرية في حجم إنسان، فهل أرتاح والدم الزكّي يُسفك؟