"الغارديان": أفريقيا.. القارة الأكثر وحدة

وباء العزلة الاجتماعية يصيب الأفارقة مع انتشار الثقافة الغربية.

0:00
  • "الغارديان": أفريقيا... القارة الأكثر وحدة

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً حول ظاهرة الشعور بالوحدة في أفريقيا، من خلال قصة شخصية لماكيلين من جنوب أفريقيا، كنموذج لمعاناة الأفراد في القارة، خصوصاً النساء والشباب، في ظل تغيّرات اجتماعية واقتصادية عميقة.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

الوحدة سمة دائمة تطبع حياة ماكيلين منذ أن كانت في الـ9 من عمرها، حين توفيت والدتها في بلدتهما في زيمبابوي، وأُرسلت للعيش مع والدها الذي كان يعمل بعيداً عن المنزل في أغلب الأوقات. أمّا زوجته الجديدة فكانت تضمر مشاعر سلبية تجاه أولاده الآخرين، وكانت تسيء إليهم عاطفياً. وقد عاشت ماكيلين مع 3 إخوة غير أشقّاء، لكنّهم كانوا أكبر منها بكثير تقول، "كنت هناك فقط لأنجو وأعيش لليوم التالي وأنا كنت أعلم أنّني وحدي".

ذلك الشعور لم يفارق ماكيلين أبداً، وهي الآن في الـ33 من العمر، وتعمل في مجال رعاية الأطفال وتربّي 4 منهم بمفردها في مدينة جكيبرها التي كانت تعرف سابقاً باسم بورت إليزابيث في جنوب أفريقيا. وهناك العديد من الأفارقة الذين يعانون الوحدة مثل ماكيلين. ووفقاً لتقرير صدر في حزيران/ يونيو الماضي عن منظّمة الصحة العالمية، فإنّ شعوب القارّة السمراء الأكثر معاناة من الوحدة على وجه الأرض، حيث أفاد ما نسبته 24% من السكّان بأنّهم يشعرون بالوحدة.

ووفقاً لمنظّمة الصحة العالمية يعتبر المراهقون الذين تراوح أعمارهم بين الـ13 والـ17 عاماً الأكثر تأثّراً بذلك. وتأتي منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط في المرتبة الثانية من حيث معدّلات الشعور بالوحدة بنسبة 21%، تليها جنوب شرق آسيا بنسبة 18%. أمّا أوروبا فتسجّل أدنى معدّل بنحو 10%. ويأتي التقرير بعد أن أعلنت المنظّمة الأممية أنّ الشعور بالوحدة "مصدر قلق عالمي على الصحة العامة"، بينما أُسست لجنة دولية معنية بالترابط الاجتماعي لدراسة المشكلة.

يُنظر إلى أفريقيا تقليدياً على أنّها تتمتع بثقافة جماعية تعطي الأولوية لاحتياجات وأهداف المجموعة ككل على الأفراد. لكنّ هذا بدأ يتغير، حسب الدكتورة كليوبا مايلو، عضو اللجنة المذكورة ووزيرة الصحة الكينية السابقة. تقول: كان رد فعلي الأولي هو رفض النتائج، بسبب ميلي إلى الاعتقاد بأنّ المجتمع الذي نحن عليه اليوم هو مجتمع الخمسينيات أو الستينيات في أفريقيا، وأنّ هناك المزيد من الشعور بالوحدة في نصف الكرة الغربي، ثمّ أدركت أنّ الشعور الذي كان لدي كان مجرد محاولة لاستيعاب ماضينا، وما زالت الوحدة لا تعتبر مشكلة في أفريقيا، والناس لا يريدون مناقشتها.

وبدلاً من ذلك، أُهملت الرفاهية الاجتماعية في السياسات الصحية لمصلحة التركيز على الأمراض المعدية وغير المعدية، بينما تشهد المدن في القارّة توسعاً سريعاً، وعلى مدى العقود الثلاثة المقبلة، سوف يتضاعف عدد سكّان المناطق الحضرية في أفريقيا، من 700 مليون إلى 1.4 مليار بحلول عام 2050. تضيف مايلو: "لم ندرك أبداً حقيقة أنّنا نعولم أنفسنا وندفع الأفارقة للعيش في ظروف غير تقليدية. وبطريقة ما، رفضنا فكرة وجود معاناة الوحدة والعزلة التي يعانيها الكثيرون في القارّة".

كما أنّ ارتفاع مستويات الشعور بالوحدة يعود إلى المجتمع المتغير، والتوسع الحضري المتزايد والعولمة، فضلاً عن هياكل الحكم الجديدة، والهجرة، والفقر، وتغير وجهات النظر والقيم بشأن الثروة والنجاح. وفي البيئات التقليدية عرفت الثروة بشكل مختلف كما تقول مايلو: "كلّ ما تحتاجه هو بقرة ومكان للزراعة. وكان الجميع متشابهين في نمط العيش، أمّا الآن، فهناك مستويات مختلفة من الفقر، "هناك الكثير من الضغط وتجد أن الناس لا يتعاضدون كما في السابق".

تقول ماكيلين إنّ أفريقيا التي نشأت فيها تختلف كثيراً عن تلك التي تعيش فيها اليوم. فالناس يقلدون الثقافة الغربية، وربّما هذا أحد الأسباب التي تجعل من الناس أكثر أنانية. وتجد ماكيلين صعوبة في الانفتاح على الناس خوفاً من الحكم عليها لأنّها والدة عزباء لأطفال من آباء مختلفين، والذين تخلوا عنها جميعاً. كما أنّ فرصتها في التواصل الاجتماعي ضئيلة، نظراً لأنّها تحاول بناء مشروعها الخاص وتربية 4 أطفال من دون أيّ مساعدة مالية.

تقول: أعاني التوتر في ظل ظروف تزداد صعوبة في جنوب أفريقيا، و"هناك الكثير من كراهية الأجانب ولدي شعور ثقيل بأننِي لم أعد أنتمي إلى هنا بعد الآن. فإذا حدث شيء ما، يجب أن أكون الأمّ والأب لأطفالي، ولا يمكنني أن أثق بأحد لطلب المساعدة".

وتوافق عالمة النفس والمستشارة العالمية للشبكة الأفريقية لخبراء سياسات الشباب لطيفة أودونوغا، على أنّ أفريقيا تتغير من قارّة يعيش فيها العديد من الناس في مجتمعات متماسكة إلى قارّة يُمحى فيها أسلوب الحياة التقليدي بحجّة التحضر. وتقول إنّ "الشعور بالوحدة يمثل قضية ملحة بالنسبة إلى الشباب في جميع أنحاء القارّة، وجيل الشباب محبط، وهناك الكثير من البطالة، وتعاطي المخدرات، ومشاكل متعلقة بالصحة العقلية، وهناك الكثير من الشباب يموتون انتحاراً". كما أنّ ارتفاع تكاليف المعيشة يؤدّي إلى أنّ الناس يفضلون البقاء في منازلهم بدلاً من إنفاق الأموال على الفعاليات الثقافية على سبيل المثال.

وتلوم أودونوغا التكنولوجيا على مساهمتها في المشكلة. حيث يستخدم المزيد من الأشخاص تطبيقات مثل "تيك توك" للترفيه، ومن خلال عملها في نيجيريا سمعت عن بعض الأفراد الذين يلجأون إلى "شات جي بي تي" للتحقق ممّا إذا كانوا يعانون الاكتئاب، بدلاً من التحدث إلى أحد أفراد الأسرة. تقول إنّه على الرغم من أنّ "الشعور بالوحدة قد لا يُعترف به على نطاق واسع في أفريقيا، إلاّ أنّ هناك منظّمات مكرسة لمعالجته".

وتستشهد بمنصة الصداقة، وهو نهج طُوّر للمرة الأولى في زيمبابوي لتدريب العاملين في مجال الصحة المجتمعية على تقديم العلاج السلوكي المعرفي الأساسي مع التركيز على جدولة الأنشطة ودعم المجموعات. وقد كُرّر هذا النموذج في بلدان في جميع أنحاء العالم.

وسلط تقرير منظمة الصحة العالمية الضوء على برنامج "دعم الأقران" في كيب تاون، حيث دُرّب المتطوعون الأكبر سناً على توفير الصداقة والرفقة للسكّان للأكبر منهم من خلال الزيارات المنزلية المنتظمة. وأفاد المشاركون من جنوب أفريقيا بانخفاض الشعور بالوحدة، وكانت هناك زيادة كبيرة في المشاركة الاجتماعية.

اعتماداً على مدى التزامنا بهذا العمل تقول أودونوغا، قد يكون هناك مستقبل لنا لمعالجة العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة، ولكن إذا لم نفعل "فإنّه محكوم علينا بالهلاك، ونواجه الكثير من المشاكل التي تتجاوز الصحة العقلية التي ستكون كارثة وعاراً تاماً على الإنسانية".

نقله إلى العربية: حسين قطايا.