"CFR": ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا.. هل العقوبات ضد روسيا تنجح؟

فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية واسعة على روسيا بسبب حربها في أوكرانيا. ومع استمرار الصراع، يتساءل الخبراء عن جدوى هذه العقوبات.

  • "CFR": ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا.. هل العقوبات ضدّ روسيا تنجح؟

موقع "مجلس العلاقات الخارجية" الأميركي ينشر مقالاً يتناول سياسة العقوبات الأميركية والدولية المفروضة على روسيا منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022، مع تحليل لمدى فعّاليتها وتطوّرها في ظلّ الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

خلال السنوات الثلاث الماضية، فرضت الولايات المتحدة وحلفاؤها عقوبات اقتصادية واسعة النطاق على روسيا، بسبب حربها في أوكرانيا. ومع استمرار الصراع يتساءل المراقبون ما إذا كان هذا المسار ينجح. فمنذ غزو روسيا لأوكرانيا في شباط/فبراير 2022، نفّذت الولايات المتحدة مجموعةً واسعةً من العقوبات تُركِّز على عزل روسيا عن النظام المالي العالمي، وتقليل أرباحها من قطاع الطاقة لديها، وإضعاف تفوّقها العسكري.

وكانت هذه العقوبات مُضافةً إلى مجموعة من العقوبات الأميركية ضدّ روسيا بعد أن ضمَّت شبه جزيرة القرم في عام 2014. بينما أدّى إعادة انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى عدم اليقين في مستقبل الدعم الأميركي لأوكرانيا، لكنّ إدارته لم ترفع أو تُخفِّفْ نظام العقوبات ضِدّ روسيا الذي طبَّقه سلفه جو بايدن.

وبينما تضغط الولايات المتحدة من أجل محادثات جديدة لوقف إطلاق النار من دون جدوى، ازداد إحباط ترامب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ممّا دفع به إلى إطلاق تهديدات بعقوبات جديدة وبالمزيد من الأسلحة لأوكرانيا لجلب روسيا إلى طاولة المفاوضات. وبعد التهديد بفرض رسوم جمركية على دول الطرف الثالث التي تواصل التعامل مع روسيا، اتخذت إدارة ترامب إجراءات مباشرةً ضدّ موسكو هذا الشهر، وفرضت عقوبات على أكبر شركتين نفطيتين في البلاد والشركات المتفرِّعة منهما.

العقوبات ضدّ روسيا

بدأت واشنطن وابل العقوبات في العام 2022 بتجميد 5 مليارات دولار من أصول البنك المركزي الروسي في الولايات المتحدة، وهي خطوة غير مسبوقة لمنع موسكو من استخدام احتياطات نقدها الأجنبي لدعم الروبل الروسي. كما منعت أكبر بنك روسي والعديد من المصارف الأخرى من استخدام نظام "سويفت" المالي العالمي، وهو خدمة مراسلة بين البنوك، مقرُّها بلجيكا وهو إلزامي لمعالجة المدفوعات الدولية. كذلك، منعت وزارة الخزانة الأميركية المستثمرين الأميركيين من تداول الأوراق المالية الروسية، من ضمنها الديون. كما تقيّد العقوبات مجتمعة التعامل مع 80% من أصول القطاع المصرفي الروسي. كما سعت واشنطن إلى مصادرة الأصول الأميركية لأفراد روس خاضعين للعقوبات، ومن بينهم الرئيس فلاديمير بوتين.

وقد ركّزت الولايات المتحدة أيضاً على الحدّ من قدرة روسيا على الاستفادة مِن البيع العالمي للوقود الأحفوري. وفي العام السابق للحرب، سجَّلت روسيا أكثر من 240 مليار دولار من صادرات الطاقة، نصفها تقريباً جاء من النفط. في آذار/مارس 2022، حظرت واشنطن استيراد النفط الخام الروسي والغاز الطبيعي المسال والفحم، وقيّدت الاستثمارات الأميركية في معظم شركات الطاقة الروسية. وفي كانون الأول/ديسمبر في العام ذاته، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها في مجموعة السبع قواعد تهدف إلى وضع حدٍّ أقصى للسعر الذي ستدفعه الدول المستوردة الأخرى، مثل الصين والهند، مقابل النفط الخام الروسي. وفي عام 2024، منعت الولايات المتحدة واردات اليورانيوم المخصَّب الروسي، ممّا أدّى إلى قطع مصدر رئيسي للإيرادات عن روسيا. ومع ذلك، يمكن لبعض الشركات الأميركية التقدّم بطلب للحصول على إعفاءات حتى عام 2028 للتحايل على الحظر.

خلال الشهر الجاري فرض ترامب أوّل إجراءات عقابية مباشرة ضدّ روسيا منذ عودته إلى منصبه، ممّا يؤكّد إحباطه العميق من بوتين مع استمرار تعثُّر مفاوضات وقف إطلاق النار. وقد فرضت وزارة الخزانة عقوبات على أكبر شركتين نفطيتين في روسيا، إضافة إلى ما يقرب من 30 شركة متفرّعة عنهما. وتهدف الإجراءات إلى استهداف اثنين من المموّلين الرئيسيين لـ"آلة حرب الكرملين"، كما كتب وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسينت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي التكنولوجيا العسكرية، قامت وزارة التجارة الأميركية بتقييد صادرات منتجات عالية التقنية، مثل مُعدّات الطائرات وأشباه الموصلات إلى روسيا، بهدف الحدّ من قدراتها العسكرية. وتمتد قيود التصدير إلى السلع التي تنتجها الدول الأخرى باستخدام التكنولوجيا الأميركية.

وفي قطاعات متنوّعة أخرى، فرضت الولايات المتحدة ومجموعة السبع عقوبات على الألماس الروسي في كانون الثاني/ يناير 2024، وهو أحد أكبر الصادرات الروسية التي لم تكن خاضعة للعقوبات حينها. وكانت موسكو قد سجّلت ما يقرب من 4 مليارات دولار من عائدات الألماس في عام 2022، حيث شكّلت دول مجموعة السبع نحو 70% من المستوردين. كما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركات في جميع أنحاء العالم من ضمنها الصين وتركيا والإمارات العربية المتحدة، وقالت، إنّ هذه الدول ساعدت روسيا على التهرّب من العقوبات.

وبينما العقوبات الأميركية فشلت حتى الآن في شلّ الاقتصاد الروسي، لا تزال لدى الولايات المتحدة مجموعة من إجراءات العقوبات الأكثر شمولاً التي يمكنها استخدامها، كما كتب الأستاذ في جامعة كولومبيا إدوارد فيشمان، بما في ذلك سدُّ الفجوات التي تسمح لموسكو بالوصول إلى العملة الصعبة. ومن شأن السعي وراء هذه الأدوات الاقتصادية أن يزيد الضغط على روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا.

إجراءات الحكومات الأخرى

نفّذت الولايات المتحدة هذه العقوبات سويّاً مع شركاء آخرين، في مُقدِّمتهم الاتحاد الأوروبي الذي فرض عقوباته الخاصة على البنوك والأفراد الروس من ضمنهم الرئيس بوتين، لكنّ عقوبات الكتلة على واردات الطاقة الروسية كانت الأكثر إثارةً للجدل. فحين وقعت الحرب في عام 2022، كانت أوروبا أكبر سوق لاستيراد الطاقة الروسية، التي كانت توفّر ما يقرب من 40% من الغاز الطبيعي الذي يستهلكه الاتحاد الأوروبي، ونحو ثلث النفط الخام للكتلة. ونظراً لهذا الاعتماد والمعارضة من هنغاريا والأعضاء الآخرين، لم يفرض الاتحاد الأوروبي قيوداً على واردات الغاز على مستوى الكتلة، لكنّه حظر واردات معظم النفط الخام الروسي، وانضمّ إلى الالتزام بسقف سعر مجموعة السبع.

وفي أوائل عام 2023، فرض الاتحاد حظراً إضافيّاً على المنتجات النفطية المكرّرة الروسية مثل الديزل والبنزين. وخلال العام الجاري أعلنت الكتلة عن أنّها ستستطيع حظر واردات الغاز الروسي بالكامل بحلول نهاية عام 2027. وقبل أسبوع من إعلان إدارة ترامب العقوبات ضدّ المصارف الكبرى الروسية، كشفت بريطانيا النقاب عن عقوبات مماثلة ضدّ عمالقة النفط. أيضاً خلال الشهر الجاري، حظر الاتحاد الأوروبي واردات الغاز الطبيعي المسال الروسي، وأعلن عن إجراءات جديدة تستهدف البنوك الروسية وأسواق الأوراق المالية والعملات المشفّرة.

كما فرض الاتحاد الأوروبي وحكومات أخرى عقوبات تستهدف القنوات المالية والتكنولوجيا العسكرية الروسية. والواقع أنّ ثلثي أصول البنك المركزي الروسي المجمّدة التي تزيد قيمتها عن 330 مليار دولار موجودة في الاتحاد الأوروبي، ومعظمها في بلجيكا. وقد دعا المشرّعون الأميركيون والأوروبيون مراراً وتكراراً إلى استخدام احتياطيات البنك المركزي الروسي المصادرة لتمويل إعادة إعمار أوكرانيا. وفي كانون الأول/ديسمبر 2022، وافق التكتل على حظر تصدير بعض المُعدّات العسكرية إلى روسيا وحلفائها، مثل إيران. وفي الوقت نفسه، قيَّدت تايوان منتجها الرائد في العالم لأشباه الموصلات، والتي يمكن استخدامها عسكريّاً، أو في الطائرات المسيّرة وغيرها إلى روسيا.

مع ذلك، بعض الدول لم تتخذ سوى القليل من الإجراءات ضدّ روسيا، أو اغتنمت اللحظة لمصلحتها الخاصة. فالصين والهند على سبيل المثال زادت وارداتها من النفط والغاز الطبيعي الروسي، بينما عمل آخرون كوسطاء، حيث استوردوا البضائع الغربية ثمّ أرسلوها إلى روسيا.

هل العقوبات فعّالة؟

تسبَّبت العقوبات في بعض الألم على الاقتصاد الروسي، حيث انخفضت عائدات النفط والغاز بعد تطبيق الحدّ الأقصى للسعر في العام 2022. كما تعرّضت أصول البنك المركزي الروسي لخطر المصادرة. لكنّ هذه العقوبات لم تتسبَّب في انهيار اقتصادي واسع النطاق أو توقف الغزو الروسي لأوكرانيا. وقد قدَّر صندوق النقد الدولي أنّ الناتج المحلي الإجمالي لروسيا زاد بالفعل بنسبة 3.6% في عام 2024، وهو معدّل نمو أعلى من الولايات المتحدة والعديد من الاقتصادات الغربية الأخرى بسبب الإنفاق الضخم على الحرب.

ومع ذلك، يقول بعض مؤيّدي العقوبات إنّ الإجراءات ليست مُصمَّمةً حصرياً لسحق الاقتصاد الروسي أو إنهاء الحرب، ولكن لإرسال رسالة مفادها أنّ انتهاك المعايير الدولية وغزو الجار سيقابل بردّ قوي من التحالف. وأشاروا إلى أنّ العقوبات لا تزال تُسبِّب اضطرابات لروسيا، مشيرين إلى نقص السلع الحيوية مثل الأدوية وقطع غيار الطائرات، بينما يجادل مؤيّدون آخرون بأنّ العقوبات ستكون فعّالةً بشكل متزايد بمرور الوقت، ممّا سيجبر روسيا على إجراء مقايضات مُكلفة.

ويقول محللون إنّ روسيا هدف صعب بشكل خاص نظراً لتصديرها للعديد من السلع الحيوية، بما في ذلك النفط والغاز والأسمدة والقمح والمعادن الثمينة. في بعض الأحيان، استخدمت روسيا مكانتها كمصدر للطاقة للانتقام من أوروبا. وفي آب/أغسطس 2022، أغلقت موسكو خط أنابيب نورد ستريم 1، الذي كان يوفّر ما يقرب من 60% من الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا. كما أنّها تكيَّفت بفعّالية مع نُظم العقوبات الجديدة، وسرعان ما وجدت موسكو طرقاً للالتفاف على سقف أسعار مجموعة السبع، من خلال تجنيد "أسطول الظلّ" من ناقلات النفط وتحويل الصادرات إلى الصين والهند. وفي الوقت نفسه، تواصل العديد من الدول الأوروبية استيراد الغاز الروسي، وهو أغلى من النفط الخام.

قبل غزوها في عام 2022، أمضت روسيا سنوات بمراكمة أكثر من 640 مليار دولار من احتياطيات البنك المركزي، نصفها فقط يخضع الآن لعقوبات غربية. كما تكيَّفت روسيا لإجراء الكثير من تجارتها الثنائية بالروبل، ورفعت أسعار الفائدة لتحقيق الاستقرار في عملتها إلى مستوى ما قبل الغزو تقريباً.

كذلك، رفعت موسكو من حجم التجارة مع الصين بشكل كبير. وفي عام 2023، استوردت الصين كميات قياسيةً من الطاقة الروسية، وتتمّ الآن نحو 92% من التجارة بين البلدين بالروبل الروسي واليوان الصيني، وفقاً لمسؤولين روس، مقارنة بـ 25% قبل الغزو. كما تدخَّلت بكين لتزويد موسكو بأشباه الموصلات وغيرها من التقنيات التي يمكن أن تكون لها استخدامات عسكرية.

العقوبات ومفاوضات وقف إطلاق النار

لقد جعل ترامب إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية تعهُّداً رئيسياً في حملته الانتخابية، ومنذ عودته إلى البيت الأبيض، ضغطت إدارته من أجل وقف إطلاق النار ومفاوضات السلام. ومنذ نيسان/أبريل الماضي هدَّد ترامب مراراً بفرض المزيد من العقوبات على روسيا إذا لم توافق على وقف مؤقت لإطلاق النار قبل محادثات السلام. وأعلنت رئيسة المفوّضية الأوروبية أورسولا فون أيضاً في أيار/مايو الماضي، عن استعداد الاتحاد الأوروبي لفرض المزيد من العقوبات على قطاعي الطاقة والمال في روسيا من أجل جذب موسكو إلى طاولة المفاوضات.

وكان قد اجتمع الوفدان الروسي والأوكراني في إسطنبول التركية في أول محادثات سلام مباشرة بينهما منذ الأيام الأولى للحرب في العام 2022. والآن أيضاً المحادثات جاءت كتتويج لأشهر من الضغوط التي مارستها إدارة ترامب على الطرفين. ومع ذلك، لم يحضر الرؤساء بوتين وترامب والأوكراني فولوديمير زيلينسكي المحادثات، التي فشلت في تحقيق انفراجة كبيرة. 

مع استمرار المفاوضات خلال الصيف الماضي، ازداد انتقاد ترامب لبوتين، في أثناء الإعلان عن صفقة جديدة مع حلف "الناتو" في تموز/يوليو الماضي، لتزويد أوكرانيا بشريحة جديدة من الأسلحة بما في ذلك صواريخ باتريوت الدفاعية، حيث قال الرئيس الأميركي للصحافيين إنّه "غير راضٍ للغاية" عن بوتين. وفي الشهر نفسه، هدّد ترامب بفرض ما يصل إلى 100% "تعريفات ثانوية" على روسيا إذا لم يتمّ التوصّل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غضون 50 يوماً، وهو الموعد النهائي الذي قلَّصه لاحقاً.

ومع ذلك، فقد انقضى الموعد النهائي من دون الإعلان عن عقوبات جديدة. وقبل اجتماعه مع بوتين في منتصف آب/ أغسطس الماضي، واصل ترامب ممارسة التهديد بالتعريفات الجمركية لزيادة الضغط على روسيا، بعد زيادة التعريفات الجمركية على الهند لاستمرارها في شراء النفط الروسي، كذلك تعهّد ترامب أيضاً بأنّ المزيد من هذه الإجراءات المالية الثانوية في طريقها لدول الطرف الثالث، قد تتضمّن ربّما الصين.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.

حلف الناتو يحاول التمدد باتجاه الشرق قرب حدود روسيا، عن طريق ضم أوكرانيا، وروسيا الاتحادية ترفض ذلك وتطالب بضمانات أمنية، فتعترف بجمهوريتي لوغانسك ودونيتسك، وتطلق عملية عسكرية في إقليم دونباس، بسبب قصف القوات الأوكرانية المتكرر على الإقليم.