"Project Syndicate": هل نحن في فقاعة مالية؟

في حين أنّ هناك أسباباً كافية للاعتقاد بأنّ الاستثمارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في طور الفقاعة، إلا أنّ السؤال الحقيقي هو متى وكيف ستأتي النهاية؟

0:00
  • الاستثمارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في طور الفقاعة، إلا أنّ السؤال الحقيقي هو متى وكيف ستأتي النهاية؟
    الاستثمارات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في طور الفقاعة، إلا أنّ السؤال الحقيقي هو متى وكيف ستأتي النهاية؟

موقع "Project Syndicate" ينشر مقالاً يتناول احتمالية وجود فقاعة استثمارية في سوق الذكاء الاصطناعي ويحلّل المؤشرات التي قد تدلّ على هذه الفقاعة، إضافة إلى تقييم المخاطر المتعلقة بالاستثمار في هذا القطاع.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

هناك أسباب كافية للاعتقاد بأنّ الاستثمارات التي يحرّكها الذكاء الاصطناعي موجودة في منطقة فقاعة، والسؤال الحقيقي هو متى وكيف قد تأتي النهاية. وبالنسبة لأيّ شخص يخاطر بالتكهّنات، فإنّ الدروس المستفادة من الفقاعات السابقة، إضافة إلى مؤشرات الأسواق المالية الرئيسية، تقدّم دليلاً مفيداً.

من المعروف أنّ تعريف الفقاعات المالية في الوقت الفعلي أمر بالغ الصعوبة، حتى لحظة انفجارها. وللتأكّد من وقوعنا في فخّ كهذا، لا بدّ من فهم حجم وكثافة طفرة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي اليوم، إضافة إلى توقيت انتهاء هذه الفقاعة المحتملة.

وهناك أربع طرق على الأقل لتحديد متى تتراكم الفقاعة في الأسواق المالية؛ أولها النظر إلى التقييمات، حتى عندما تصل مقاييس التقييم التقليدية، مثل نسبة السعر إلى الأرباح "بي إيه"، إلى مستويات مفرطة، حيث يبرّر السوق ذلك بالتركيز على مقاييس جديدة لتبرير آخر للمبالغة في التقييمات.

وعلى مدار معظم ربع القرن الماضي، بلغ متوسط نسبة السعر إلى الربحية في "مؤشر ستاندرد آند بورز 500" نحو 16 ضعفاً، والآن وصل إلى 25 ضعفاً. ولكن يمكن تبرير هذه الزيادة بالتركيز على إمكانات تحقيق مكاسب إنتاجية جديدة من الذكاء الاصطناعي، أو على المنتجات ذات القيمة الأمنية الوطنية، مثل أشباه الموصلات، التي ستحظى بحماية ودعم الحكومة في نهاية المطاف.

كذلك، يجادل بعض المعلّقين بأنّ المؤشرات الحالية، مثل الناتج المحلي الإجمالي، لا تلتقط ببساطة مصادر جديدة لإمكانات النمو في الاقتصاد. وحالياً، حقيقة أنّ عوائد الأسهم المتوقّعة أعلى من عوائد السندات، تعني أنّ تقييمات الأسهم "عقلانية" بالفعل، حتى لو بدت مرتفعة.

العامل الثاني الذي يجب مراعاته هو السرد السائد، والذي يدور عادةً حول رسالة مفادها أنّ "هذه المرة مختلفة". فالفقاعة يدعمها دائماً الإيمان بنموذج جديد أو تكنولوجيا ناشئة، سواء كان ذلك الإنترنت، أو الإنتاجات اليابانية، أو الكهرباء والسكك الحديدية. كذلك، يُولّد السرد النموذجي جسراً عقلياً بين ما هو في الواقع التدفّقات النقدية الحالية، وما يمكن أن يكون توقّعات الإيرادات المستقبلية.

هذا الجسر هو ما يجذب المستثمرين للشراء في الاتجاه الصاعد المحتمل، في حين أنّهم قد يركّزون على توقّعات النمو القابلة للحساب منطقيّاً للأعمال التجارية، فإنّ الخطوة التالية هي شراء سردية غير عقلانية حول تحوّل اقتصادي وشيك. ويحدث هذا عندما يصبح الاستثمار أحادي الجانب بمستوى مفرط، لأنّه يصبح من الصعب المجادلة ضد الرواية السائدة.

وفي الشهر الماضي فقط، حصلت شركتان ناشئتان على تقييمات لافتة للنظر من خلال الاستفادة من سرد الذكاء الاصطناعي. وبلغت قيمة شركة "نانو للطاقة النووية" 2.3 مليار دولار، على الرغم من عدم وجود إيرادات أو حتى ترخيص للعمل. وبلغت قيمة مورد الطاقة لمركز البيانات "فيرمي"، الذي تأسس في كانون الثاني/يناير العام الجاري، 14.8 مليار دولار.

ومثلها مثل الفقاعة اليابانية في الثمانينيات، فقاعة "الدوت كوم" في الفترة بين 1999 و2001، قد يعكس الوضع اليوم سوء تخصيص جيد لرأس المال، حيث يطارد الجميع التكنولوجيا الجديدة اللامعة، بينما الخطر الواضح هو أنّ المستثمرين لن يقتربوا من العوائد التي يبدو أنّهم يتوقّعونها.

المؤشر الثالث للفقاعة هو الرافعة المالية الخفية، حيث لم يستمر المستثمرون والمضاربون في مراكمة الأسهم المبالغ فيها فحسب، بل قاموا بذلك بأموال مُقترضة. فعلى الدوام، توجد رافعة مالية متزايدة في جميع أنحاء نظام الظلّ المصرفي. ولكن، ربّما يكون القلق الأكبر هو المخاطر الكامنة في منتجات الأسواق المالية، مثل الصناديق المتداولة في البورصة، التي تشكّل رافعةً ماليةً.

والأكثر خطورة هو أنّ انفجار خيارات "رهانات يوم واحد على حركة أسعار الأسهم" يشير إلى أنّ المزيد من مستثمري التجزئة ينخرطون في صفقات ذات رافعة مالية قد لا يعرفون كيفية إدارة مخاطرها. كما أنّ هذا التصاعد في الاستدانة، وهو سمة شائعة في الفقاعات، ولا سيّما بروزه خلال الأزمة المالية العالمية في عام 2008، يؤكّد أنّ المضاربين والاقتصاد بشكل عامّ مُعرّضان طبيعياً لمخاطر أكبر ممّا يدركون. ووفقاً لـ"هيئة تنظيم الصناعة المالية"، بلغ دين الهامش، وهو المبلغ الذي يقرضه الوسطاء للمستثمرين، مستوىً قياسياً بنحو 1.06 تريليون دولار في آب/أغسطس، بزيادة سنوية قدرها 33% على أساس سنوي.

وأخيراً، من السمات الشائعة للفقاعات التعاملات الدائرية بين الشركات، حيث يقوم العديد من المشاركين في السوق بتدقيق الصفقات الأخيرة، مثل استثمار شركة "إنفيديا" بمبلغ 100 مليار دولار في شركة "أوبن إيه آي"، التي ستستخدم الأموال لدفعها لشركة "أوراكل"، والتي ستقوم بعد ذلك بشراء رقائق من "إنفيديا". على هذا، كانت مثل هذه الترتيبات سبباً رئيسياً في فقاعة الأسهم اليابانية في ثمانينيات القرن الماضي.

بافتراض أنّنا بالفعل في فقاعة، فإنّ السؤال التالي المفترض أن يتعلّق بموعد انكماشها أو انفجارها. وفي حين أنّ هذا يتطلّب حتماً التخمين، إلا أنّ هناك بعض المؤشرات المهمة التي يجب مراقبتها، بدايةً من معنويات السوق.

في الوقت الحالي، يقود مستثمرو التجزئة الكثير من زخم أسعار الأسهم، في حين أنّ المعنويات المؤسسية محايدة، لكنّهم لا يزيدون مراكزهم فيها. وبما أنّ المستثمرين الأفراد يشكّلون نسبةً صغيرةً نسبياً من السوق ككلّ، فإنّ هذا الحماس لا يمكنه سوى دفع قدرٍ محدود من تضخّم أسعار الأصول.

مؤشّر آخر هو تحديد المواقع، حيث يُعرف من عبارات بسيطة أنّ الفقاعة تتضخّم أكثر إذا ارتفعت قوة العرض المؤسسي بشكل مُركّز وطويل، لأنّ هذا يشير إلى أنّ المستثمرين الكبار يتخلّون عن أصول أخرى مثل السندات أو الذهب أو القطاعات ذات الأداء الضعيف مثل "الرعاية الصحية"، ويخصّصون المزيد من رأس المال لأصول الذكاء الاصطناعي ذات المخاطر المرتفعة.

ونظراً لأنّ معظم الناس بدأوا توّاً التعرّف إلى قدرات الذكاء الاصطناعي، يبقى أن نرى ما هي نماذج الأعمال الجديدة التي ستظهر. ومع مرور الوقت، سيتوصّل المستثمرون المحترفون إلى فهمٍ أفضل لقيمة الذكاء الاصطناعي وأين قد تكمن الشقوق في السرد المبهج السائد.

يبدو أنّ قصة الذكاء الاصطناعي أقرب إلى مرحلة عامي 1996 و1997 من فقاعة "الدوت كوم"، منها بين أعوام 1999 إلى 2001. وسلوك المضاربة والتقييمات التي شهدناها في أواخر تسعينيات القرن الماضي لم تظهر بعد اليوم.

وبينما كانت فقاعة "الدوت كوم" قائمة على العديد من الشركات الناشئة، والتي انهارت تقييمات الكثير منها في النهاية إلى الصفر، فإنّ طفرة الذكاء الاصطناعي تدور حول قادة التكنولوجيا العالميين مثل "إنفيديا" و"ألفابت"، والذين لديهم إيرادات راسخة وسجلات حافلة. وهذا يعني أنّ هناك قاعدة أقوى لأيّ انخفاض في قيمة الأصول، ممّا يشير إلى أنّ الفقاعة من المرجّح أن تنكمش تدريجياً بدلاً من أن تنفجر بشكلٍ عنيف.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.