"Responsible Statecraft": تعريف معاداة السامية.. التلاعب في الدستور الأميركي من أجل "إسرائيل"
تنتشر قوانين حرية التعبير غير الدستورية في جميع أنحاء الولايات المتحدة ويبدو أن لها هدفاً واحداً: مواجهة المعارضة بشأن ما يحدث في غزة.
-
"Responsible Statecraft": جرى تسييس تعريف معاداة السامية واستخدامه في الولايات المتحدة لقمع الانتقادات الموجهة لـ "إسرائيل"
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول الجدل حول تعريف معاداة السامية وكيف جرى تسييسه واستخدامه في الولايات المتحدة لقمع الانتقادات الموجهة لـ "إسرائيل"، خاصة بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
"معاداة السامية هي تصوّر معيّن لليهود، قد تُعبّر عن كراهية تجاههم. وتستهدف معاداة السامية، بلاغياً وجسدياً، الأفراد اليهود وغير اليهود و/ أو ممتلكاتهم، والمؤسسات المجتمعية والمرافق الدينية اليهودية". وقد لا يقتصر الأمر على ذلك. وهل تُعدّ معاداة الصهيونية معاداة للسامية؟ يحاول موقع التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست توضيح ذلك: "قد تشمل هذه المظاهر استهداف "دولة إسرائيل"، باعتبارها جماعة يهودية. ومع ذلك، فإن انتقاد إسرائيل، على غرار أي دولة أخرى، لا يمكن اعتباره معاداة للسامية". وهذه اللغة تبدو غامضة أيضاً.
ويواصل النص الاستشهاد بأمثلة على معاداة السامية، بما في ذلك "اتهام اليهود كشعب بالمسؤولية عن أفعال خاطئة حقيقية أو متخيلة ارتكبها شخص أو مجموعة يهودية واحدة، أو حتى عن أفعال ارتكبها غير اليهود". وهل يندرج انتقاد حكومة "إسرائيل" ضمن هذا التصنيف؟ أم أن هذه نقطة أخرى متعلقة بمعاداة السامية أثارها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست: "اتهام المواطنين اليهود بأنهم أكثر ولاءً لإسرائيل، أو للأولويات المزعومة لليهود في جميع أنحاء العالم، من ولائهم لمصالح دولهم".
لا تبدو صياغة التعريف قانونية، لأنه، وفقاً لأرونوف، لم يكن من المفترض أن يكون قانوناً. ومع ذلك، يقول المنتقدون إنّ التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وأنصار "إسرائيل" يستخدمونه لقمع الانتقادات الموجهة لسياسات الحكومة الإسرائيلية وللعمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية هنا في الولايات المتحدة.
وقد أوضحت أفيفا تشومسكي ما يحدث في مقال نُشر في مجلة "ذا نيشن" الأسبوع الماضي قالت فيه: "إن إيجاد سُبُل قانونية لقمع ما كان سيُعتبر خطاباً سياسياً محمياً بشأن إسرائيل هو أحد الأسباب الرئيسة التي دفعت التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست وحلفاءه إلى الشعور بالحاجة إلى تحويل تعريفهم إلى قانون. ويزعم دعاة التبني القانوني لهذا التعريف أنه ضروري نظراً لتزايد معاداة السامية في هذا البلد".
لقد انتشرت هذه القوانين بعد أشهر، إن لم يكن أسابيع، من هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، عندما قُتل أكثر من 10 آلاف غزّي، معظمهم من المدنيين، في عمليات "الجيش" الإسرائيلي في القطاع. وتصاعدت الاحتجاجات في الشوارع الأميركية، ولا سيما في الجامعات، مع بدء الأميركيين في التشكيك في المساعدات العسكرية الأميركية لـ"إسرائيل". وحذّر مسؤولون حكوميون، بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، من أنّ حوادث معاداة السامية قد وصلت بالفعل إلى "مستويات تاريخية" في جميع أنحاء البلاد.
وفي مشروع قانونه الصادر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 والذي يطالب وزارة التعليم "باعتماد تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لاستخدامه في إنفاذ قوانين مكافحة التمييز الفيدرالية"، قال النائب مايك لولر (الجمهوري عن ولاية نيويورك) صراحةً: "لقد شهدنا ارتفاعاً سريعاً في معاداة السامية في الجامعات، ونحن بحاجة إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضدها".
وفي نهاية المطاف، أقرّ مجلس النواب الأميركي مشروع قانون تعريف مؤيد للتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست، بأغلبية 320 صوتاً مقابل 91 صوتاً، في أيار/ مايو 2024. أما مجلس الشيوخ، فقد فشل حتى الآن في اتخاذ مثل هذا الإجراء. في غضون ذلك، تواصلت حملة قمع حرية التعبير، التي غالباً ما كانت مبررة ببعض أشكال الحظر التي فرضها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست على معاداة السامية.
لقد تم اعتقال الناشط الفلسطيني وطالب الدراسات العليا في جامعة "كولومبيا" محمود خليل في شهر آذار/ مارس "دعماً للأوامر التنفيذية التي أصدرها الرئيس ترامب والتي تحظر معاداة السامية". وبعد احتجاجات العام الماضي على الحرب في غزة، قالت إدارة ترامب إنها توسع نطاق أمرها الصادر عام 2019 وستتخذ "خطوات قوية وغير مسبوقة لحشد جميع الموارد الفيدرالية من أجل مكافحة انتشار معاداة السامية في جامعاتنا شوارعنا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023".
وفي أواخر تموز/ يوليو، أفادت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أنه في جامعة "كولومبيا" وحدها، "تم إيقاف أو طرد نحو 80 طالباً" نتيجة تعرّض الجامعة لضغوط لاتخاذ إجراءات صارمة ضد معاداة السامية أو فقدان التمويل الفيدرالي. وجامعة "كولومبيا" ليست استثناءً بأي حال من الأحوال.
وعندما اقترح السيناتور الجمهوري لولاية أوهايو تيري جونسون مشروع قانون في تشرين الثاني/ نوفمبر، والذي تم إقراره، لتعريف معاداة السامية بموجب قانون الولاية لتحديد ما إذا كان الفرد قد ارتكب "ترهيباً عرقياً"، قال إن "المظاهرات المرتبطة بالاحتجاجات المؤيدة لغزة في الحرم الجامعي اتسمت بالعدوان والتعصب المثيرين للقلق". وأضاف جونسون، من دون ذكر أي أمثلة محددة، أن "عدداً كبيراً من هذه الاحتجاجات يتجاوز الخط الفاصل إلى معاداة السامية من خلال استهداف الطلاب اليهود والتعبير عن خطاب الكراهية".
وقد لاقت جهوده انتقادات واسعة. وأشارت آن غازي، التي انضمت إلى آخرين في مبنى الكابيتول قبل تصويت كانون الأول/ ديسمبر 2024 الذي أقرّ مشروع قانون جونسون بأغلبية ساحقة، بالقول: "من خلال ربط تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست بالقرارات القانونية والإدارية، يُخاطر هذا القانون بخلط الانتقادات المشروعة لسياسات إسرائيل أو الأيديولوجية السياسية للصهيونية مع معاداة السامية. وهذا من شأنه أن يقوّض المناقشات المشروعة حول حقوق الإنسان وتقرير المصير ويهدد بقمع المناقشات الضرورية للديمقراطية السليمة".
يقول كينيث ستيرن، وهو مدير مركز دراسة الكراهية في كلية "بارد" ومؤلف التعريف الأصلي لمعاداة السامية الخاص بالتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست الصادر عام 2006، إنّ تسليح التعريف من خلال القانون أو الأمر التنفيذي "يضع الطلاب اليهود المؤيدين لإسرائيل في موقف قد يُنظر إليهم على أنهم يحاولون قمع التعبير بدلاً من الرد عليه". ومع ذلك، يقول ستيرن إن هناك معاداة حقيقية للسامية في الولايات المتحدة، بما في ذلك في الجامعات، وإنّ التعريف الذي ساعد في صياغته يتعرض للتحريف والاستغلال لإسكات المنتقدين المناهضين لـ"إسرائيل"، وهو ما قد يجعل الوضع أسوأ.
ويزعم النقاد أن مجرد استخدام هذا التعريف لتطبيق قوانين جديدة أو قوانين حرية التعبير الفعلية قد يؤدي إلى انتهاكات أخرى. وهذا ما يحدث حالياً. وقد أشار الصحافي المستقل غلين غرينوالد في برنامج "إكس أون صنداي"، إلى أنه "قد تغادر أستاذة يهودية متخصصة في دراسات الهولوكوست جامعة كولومبيا لأن النصوص التي لطالما استخدمتها تشمل الفيلسوفة اليهودية هانا أرندت، التي قارنت الصهاينة بالنازيين وقالت إن الصهيونية عنصرية. فهذه أفكار محظورة اليوم بموجب قانون خطاب الكراهية الخاص بالتحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست الذي فرضه ترامب على الجامعات".
وكان غرينوالد يشير إلى تخفيضات التمويل التي تستهدف بها إدارة ترامب الكليات التي يشعر البيت الأبيض أنها لا تحقق بشكل صحيح في جرائم معاداة السامية كما حددها التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست. وفي حديثها إلى وكالة "أسوشيتد برس"، قالت ماريان هيرش، الأستاذة بجامعة "كولومبيا" والباحثة البارزة في مجال الإبادة الجماعية، "إنّ الجامعة التي تُعامل انتقاد إسرائيل على أنه معاداة للسامية وتُهدد بفرض عقوبات على من يخالفها لم تعد مكاناً مفتوحاً للبحث والدراسة. لا أعرف كيف يُمكنني تدريس الإبادة الجماعية في ظل هذه البيئة". فقد دأبت هيرش على استخدام المنهج نفسه لعدّة سنوات، لكن فجأةً أصبح هذا المنهج مخالفاً للقانون.
وكما قالت أرونوف: "إذا كنت تعتقد أن الأمر لا يتعلق بقمع الخطاب السياسي، ففكّر في مثالٍ مُشابه. لا يوجد تعريفٌ للعنصرية ضد السود يُطبّق بقوة القانون عند تقييم قضيةٍ بموجب الباب السادس. وإذا كنتَ ستصيغ تعريفاً، فهل ستُضمّن معارضة التمييز الإيجابي؟ أو معارضة إزالة تماثيل الكونفدرالية؟" إنها أسئلة جيدة، لكنها فوضوية وبلا إجابة، وربما لا يمكن الإجابة عليها، لأن قلة من الناس قد يفكرون في الذهاب إلى هناك بشكل قانوني، بسبب التعديل الأول.
وهل يعتبر التلويح بالعلم الفلسطيني أو وصف ما يحدث في غزة بالإبادة الجامعية "خطاب كراهية"؟ لقد أدرك معظم الأميركيين خلال نصف القرن الماضي بأن أسلوب التعبير هذا محمي بموجب التعديل الأول، وهي سابقة أرستها المحكمة العليا في عام 1978 في قضية رفعها اتحاد الحريات المدنية الأميركية دفاعاً عن الخطاب النازي الجديد.
ويصرّ سيناتور ولاية أوهايو المذكور آنفاً على أنه "لا ينبغي تفسير قانونه على أنه ينتقص من أي حق يحميه التعديل الأول أو ينتهكه". هذا الملحق هو ما قاله معظم قادة الحكومة لتجاهل المخاوف الدستورية بشأن مشاريع قوانين خطاب معاداة السامية. وهم مخطئون؛ وقولهم إنه يتوافق مع الدستور لا يعني بالضرورة أنه كذلك. هذا وتدرس المحاكم بالفعل ما إذا كان استخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لتزييف السياسات والقوانين يُعد أمراً غير دستوري.
في تشرين الأول/أكتوبر 2024، قضت المحكمة الجزئية الأميركية للمنطقة الغربية من تكساس في قضية "طلاب من أجل العدالة في فلسطين" ضد حاكم ولاية تكساس أبوت بأن الأمر التنفيذي الذي يوجه جميع مؤسسات التعليم العالي في تكساس باستخدام تعريف التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست لمعاداة السامية لإنشاء قوانين حرية التعبير وإنفاذها قد ينتهك التعديل الأول، وبأن مجموعات الطلاب المتضررة يمكنها رفع دعاوى قضائية ضد الحاكم.
لقد شهدت الولايات المتحدة الكثير من الاضطرابات العنصرية والدينية عبر تاريخها. ولحسن الحظ، نجح التعديل الأول في تخطي كل التحديات التي واجهته. فهل أصبح اليوم مجرد ذكرى؟ ولأي سبب، لأجل حكومة دولة أخرى؟ ولكن، كما يقول غلين غرينوالد: "لا استثناء لإسرائيل في التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة".
نقلته إلى العربية: زينب منعم.