"الغارديان": هل نعيش في العصر الذهبي للغباء؟

من مقاطع الفيديو التي تسبب تلف الدماغ إلى الذكاء الاصطناعي المتسلل، يبدو أن كل تقدم تكنولوجي يجعل من الصعب العمل والتذكر والتفكير والأداء بشكل مستقل.

0:00
  • الذين استخدموا
    وفق تجربة بحثية، أظهر الذين يستخدمون "ChatGPT" نشاطاً أقل بكثير في الشبكات المسؤولة عن المعالجة المعرفية والانتباه والإبداع.

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر مقالاً يتناول تجربة بحثية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) تدرس تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي، مثل "ChatGPT"، على الدماغ والقدرات المعرفية للإنسان.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

ادخلْ إلى مختبر الوسائط التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في كامبريدج، الولايات المتحدة الأميركية، وستشعر أن المستقبل أقرب إليك. خلف الخزائن الزجاجية تُعرض نماذج أولية لاختراعات غريبة ومدهشة: من روبوتات سطح المكتب الصغيرة إلى منحوتة سريالية صمّمها نموذج ذكاء اصطناعي طُلب منه ابتكار طقم شاي مصنوع من أجزاء الجسد. في الردهة، يساعدك "أوسكار"، مساعد فرز النفايات المدعوم بالذكاء الاصطناعي، على معرفة المكان المناسب لوضع كوب القهوة المستعمل. وفي الطابق الخامس، تعمل عالمة الأبحاث ناتاليا كوزمينا على تطوير واجهات دماغ–حاسوب قابلة للارتداء، وتأمل أن تُمكّن يوماً ما الأشخاص الذين فقدوا القدرة على الكلام، بسبب أمراض عصبية تنكّسية مثل التصلّب الجانبي الضموري، من التواصل بعقولهم مباشرة.

تقضي كوزمينا معظم وقتها في قراءة وتحليل حالات الدماغ. ومن مشاريعها أيضاً جهاز قابل للارتداء، أحد نماذجه الأولية يشبه النظّارة، يستطيع تحديد لحظات الارتباك أو فقدان التركيز لدى الإنسان.

قبل نحو عامين، بدأت تتلقّى رسائل إلكترونية من غرباء قالوا إنهم يستخدمون نماذج لغوية كبيرة مثل "ChatGPT"، وإنهم يشعرون بأن أدمغتهم قد تغيّرت نتيجة لذلك. لم تكن ذكرياتهم جيّدة. تساءلوا: هل يمكن أن يكون هذا حقيقياً؟ صُدمت كوزمينا من سرعة اعتماد الناس على الذكاء الاصطناعي التوليدي. لاحظت أن زملاءها يستخدمون "ChatGPT" في العمل، كما بدت طلبات الباحثين الراغبين في الانضمام إلى فريقها مختلفة عمّا كانت عليه سابقاً.

صارت رسائل البريد الإلكتروني أطول وأكثر رسمية، وأثناء مقابلات "زوم" لاحظت أن بعض المرشحين يتوقفون قبل الردّ وينظرون جانباً. تساءلت بدهشة: هل يستعينون بالذكاء الاصطناعي للإجابة؟ وإن فعلوا، فكم فهموا أصلاً من تلك الإجابات؟

بالتعاون مع زملاء في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أجرت كوزمينا تجربة راقبت فيها نشاط أدمغة المشاركين عبر تخطيط كهربية الدماغ أثناء كتابة المقالات: مرةً من دون أي مساعدة، ومرة باستخدام محرك بحث، وأخرى عبر "ChatGPT". فوجدت أنه كلما زادت المساعدة الرقمية، انخفض مستوى التواصل في الدماغ. الذين استخدموا "ChatGPT" أظهروا نشاطاً أقل بكثير في الشبكات المسؤولة عن المعالجة المعرفية والانتباه والإبداع.

بكلمات أخرى، مهما شعر مستخدمو "ChatGPT" بالنشاط العقلي، فقد بيّنت المسوحات أن القليل يحدث فعلاً داخل أدمغتهم.

بعد انتهاء التجربة، سُئل المشاركون، وجميعهم من طلاب "MIT" أو جامعات قريبة، عمّا إذا كانوا يتذكّرون ما كتبوه. تقول كوزمينا: "بالكاد استطاع الأشخاص في مجموعة "ChatGPT" تذكّر اقتباس واحد. كان ذلك مقلقاً، لأنك تكتب ولا تتذكّر شيئاً".

كوزمينا، البالغة من العمر 35 عاماً، ترتدي فستاناً أزرق أنيقاً وقلادة كبيرة متعددة الألوان، وتتحدث بسرعة تفوق المعتاد. وكما تقول، فإن كتابة مقال تتطلّب مهارات حياتية أساسية: جمع المعلومات، والنظر في وجهات نظر متباينة، وبناء حجج منطقية. هذه المهارات نستخدمها في محادثاتنا اليومية. تسأل: "كيف ستتصرّف عندما تحتاج إلى تفكير؟ هل ستقول ببساطة: ممم... دعني أتحقق من هاتفي؟".

كانت التجربة صغيرة (54 مشاركاً) ولم تخضع بعد لمراجعة الأقران. في حزيران/يونيو، نشرتها كوزمينا في الإنترنت ظنّاً منها أنها ستثير فضول بعض الباحثين، لكنها لم تتوقّع أن تثير ضجة إعلامية عالمية.

إلى جانب طلبات الصحافيين، تلقت أكثر من أربعة آلاف رسالة إلكترونية من أنحاء العالم، كثير منها من معلّمين قلقين من أن طلابهم لم يعودوا يتعلّمون حقاً، لأنهم يعتمدون على "ChatGPT" في أداء واجباتهم. يخشون أن يُنتج الذكاء الاصطناعي جيلاً قادراً على كتابة نصوص ممتازة، لكنه يفتقر إلى الفهم والمعرفة الحقيقية.

تقول كوزمينا إن المشكلة الجوهرية تكمن في طبيعتنا التطورية: فبمجرد أن تتوفر تقنية تسهّل الحياة، نسارع إلى استخدامها. "أدمغتنا تحب الاختصارات، إنها فطرتها. لكنها تحتاج إلى الجهد لتتعلّم... تحتاج إلى تحدٍّ".

وإذا كانت العقول تحتاج إلى احتكاك ولكنها تتجنبه غريزياً، فالمفارقة أن وعد التكنولوجيا هو خلق تجربة مستخدم "سلسة" تُزيل كل مقاومة. هكذا نتنقل من تطبيق إلى آخر ومن شاشة إلى أخرى بلا تفكير، ونغرق في فخاخ الإنترنت بسهولة، ويصعب الخروج منها. ولهذا اندمج الذكاء الاصطناعي التوليدي بسرعة في حياتنا اليومية.

نعرف من تجربتنا المشتركة أنه كلما اعتدنا على فضاء رقمي فائق الكفاءة، أصبح التعامل مع العالم الواقعي المليء بالاحتكاك أصعب. نتجنب المكالمات الهاتفية، نستخدم الدفع الذاتي، نطلب كل شيء عبر التطبيقات، نلجأ إلى الهاتف لإجراء أبسط العمليات الحسابية أو لاسترجاع معلومة بدلاً من الذاكرة، وندخل وجهتنا إلى خرائط "غوغل" للتنقل تلقائياً من النقطة أ إلى النقطة ب. ربما نتوقف عن قراءة الكتب لأن التركيز الطويل بات يرهقنا، وربما نحلم بسيارة ذاتية القيادة. أهذا فجر ما تسميه الكاتبة وخبيرة التعليم ديزي كريستودولو "المجتمع الغبي"؟ مجتمع يُشبه مجتمعاً مصاباً بالسمنة: يسهل أن تُصبح غبياً لأن الآلات تفكر عنك.

نقله إلى العربية: الميادين نت.