"نيويورك تايمز": كابول تعاني شحّ المياه.. والحلول قد تأتي متأخرة جداً
قد يعاني ستة ملايين شخص يعيشون في العاصمة الأفغانية نقصاً في المياه بحلول عام 2030. وتسعى الحكومة جاهدة لإيجاد حلول، لكن الاحتياطيات المالية جافة مثل أحواض المياه في كابول.
-
"نيويورك تايمز": كابول تعاني شحّ المياه... والحلول قد تأتي متأخرة جداً
صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية تنشر تقريراً يتناول أزمة المياه الحادة في العاصمة الأفغانية كابول، التي يهددها الجفاف ونقص إدارة الموارد المائية لتصبح بحلول عام 2030 أول عاصمة حديثة تستنزف احتياطياتها الجوفية بالكامل.
يصف التقرير مشاهد النزاع اليومي بين السكان للحصول على المياه، وأسباب الأزمة مثل تزايد عدد السكان، وضعف البنية التحتية، وتوقف المشاريع بعد سيطرة طالبان، ونقص التمويل المحلي والدولي. كما يسلط الضوء على اعتماد معظم السكان على صهاريج المياه أو آبار المساجد، وفشل الحكومة في توفير حلول فعّالة بسبب شح الموارد.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
بينما كان غروب الشمس يلف كابول في إحدى أمسيات الصيف الأخيرة، تبادل جاران الشتائم حول الوصول إلى مورد آخذ في التلاشي بسرعة: الماء.
"تأتي بـ4 عبوات وتقطع الخط"، همس أمان كريمي لامرأة وهو ينتزع خرطوماً من يديها ويملأ دلاءه من صنبور أحد المساجد. "حان دوري، وحقي".
كابول تعاني الجفاف، إذ ذبلت بفعل ندرة الأمطار وذوبان الثلوج، واستنزفتها آبار غير منظمة. لقد بلغ الجفاف حداً قد يحرم سكانها البالغ عددهم 6 ملايين نسمة من الماء بحلول عام 2030، وهم الآن يتنازعون بشأنه.
تستنزف احتياطياتها المائية ضعف سرعة تجديدها تقريباً. ولم تتمكن إدارة طالبان، التي تعاني نقص السيولة، حتى الآن من جلب المياه من السدود والأنهار القريبة إلى المدينة الخانقة.
الآن، تُواجه كابول خطر أن تصبح أول عاصمة حديثة تُستنزف احتياطياتها من المياه الجوفية، وفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن منظمة "ميرسي كوربس" غير الربحية.
قال السيد كريمي، وهو يدفع عربة يدوية مملوءة بـ40 غالوناً من الماء، والتي ستستخدمها عائلته المكونة من 5 أفراد للطهو والغسيل والشرب: "نكافح بشكل متزايد لأن الماء كالذهب بالنسبة إلينا". وأضاف، وهو خياط، أنهم انتقلوا مؤخراً إلى منزل جديد بسبب الارتفاع الهائل في أسعار المساكن، لكن المنزل الجديد لا يحتوي على مياه جارية.
لم تكن كابول، المُحاطة بالجبال الثلجية والتي تعبرها 3 أنهار، تُعرف يوماً بأنها مدينة جافة. ولكن مع ازدياد عدد سكانها بنحو 6 أضعاف خلال السنوات الـ25 الماضية، لم يُوضع نظام فعّال لإدارة المياه لجلب المياه من مصادر أخرى أو لتنظيم استخراجها الجوفي من الصوبات الزراعية والمصانع والمباني السكنية التي تتكاثر بسرعة في جميع أنحاء المدينة.
يُعد توفير المياه قضية حرجة في جميع أنحاء أفغانستان. يُشرَّد ما لا يقل عن 700 ألف أفغاني سنوياً بسبب تغير المناخ، وخاصة الجفاف، وفقاً للأمم المتحدة. ثلث سكان أفغانستان البالغ عددهم 42 مليون نسمة لا يحصلون على مياه شرب نظيفة.
موّل المانحون الدوليون العديد من مشاريع السدود والمبادرات لربط منازل كابول بشبكة أنابيب موثوقة، مُخصصين مئات الملايين من الدولارات. لم يرَ معظمها النور أو توقف فجأة بعد عام 2021، عندما سيطرت طالبان ورفضت دول أخرى الاعتراف بالحكومة الجديدة بعد الانسحاب الأميركي.
قال نجيب الله سديد، خبير موارد المياه: "تعاني كابول من مشاكل المياه منذ عقدين، لكنها لم تكن يوماً أولوية. الآن، تجف الآبار، وهذه حالة طوارئ".
يحفر سكان كابول المزيد والمزيد من الآبار في الساحات والأقبية، ما يُسبّب ثقوباً في مدينة تُستنزف بسبب استخراج المياه غير المنظم.
وفقاً لتقرير صدر عام 2021 عن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، لا يحصل سوى خُمس سكان كابول على مياه الشرب عبر الأنابيب. لكن شبكات المياه تتعطل بشكل متزايد أيضاً. حتى الوكالة الوطنية للبيئة تعتمد على صهريج ينقل أكثر من 2,600 غالون يومياً، لأن بئرها قد جفت وأنابيبها متوقفة عن العمل.
تبدو كابول وكأنها تعيش على نظام التنقيط الوريدي، حيث يجري توفير آلاف الغالونات من المياه عن طريق مئات من الدراجات ثلاثية العجلات المصنوعة في الصين والشاحنات التي تعود إلى الحقبة السوفياتية والتي تجوب المدينة.
يعتمد من لا يستطيعون شراء المياه من شركات التوصيل على آبار المساجد المتناقصة أو على صدقات السكان الميسورين. مع غروب الشمس، تخرج عربات اليد، وتتألق الشوارع المتعرجة والتلال الشاهقة بعبوات زيت الطهو الكبيرة الصفراء كزهرة دوار الشمس، والتي تحولت إلى حاويات مياه.
في صباح أحد الأيام، هرع الحاج محمد ظاهر إلى الطابق السفلي عندما سمع رسالة مسجلة تُعلن عن تدفق المياه في شارعه المورق. انتشرت شركات توصيل المياه في جميع أنحاء كابول، بما في ذلك الأحياء الراقية مثل حيه، حيث يتشارك السكان القدامى شوارعهم الآن مع مقاتلي ومسؤولي طالبان السابقين.
قال السيد ظاهر، الرئيس السابق لمجلس المدينة والمهندس الميكانيكي المتقاعد، إن بئره قد جفت منذ سنوات، وإن الأنبوب العام المؤدي إلى منزله المكون من طابقين لا يتدفق منه الماء إلا كل 3 أيام. وحثّ طالبان على إبقاء كابول واقفة على قدميها، لكنه أضاف: "أين المال لذلك؟".
تسعى الحكومة جاهدة لتوفير التمويل اللازم. في جميع أنحاء البلاد، تم إنجاز 4 سدود منذ عام 2021، بما في ذلك سد على بُعد 20 ميلاً من كابول، يُمكنه، إذا ما جرى ربطه عبر خط أنابيب، أن يوصل المياه إلى آلاف المنازل. ولم يحصل مشروع خط أنابيب آخر من وادي بنجشير القريب على الموافقة النهائية من قيادة البلاد بعد.
كلاهما يفتقر إلى التمويل: فقد أوقف المانحون الأجانب ضخ المياه، والاستثمارات الخاصة نادرة. قال مطيع الله عابد، المتحدث باسم وزارة المياه والطاقة الأفغانية، في مقابلة: "مشاريعنا كبيرة، ولا نستطيع توفير سوى نصف التمويل".
بجوار المسجد حيث وبّخ السيد كريمي أحد جيرانه، بدأ طابور الناس المنتظرين للماء يضيق تدريجياً.
ومن بين آخر المنتظرين، كانت عاطفة كاظمي، 26 عاماً، التي ملأت بعض العبوات مقابل بضع أفغانيات، العملة الوطنية، للمسجد. ثم سارت بعربتها اليدوية لمدة 30 دقيقة إلى منزلها. وكان هناك مسجد أقرب إلى بيتها، لكن بئره جفت.
نقلته إلى العربية: بتول دياب.