أفريقيا قارة المستقبل: جدلية الثراء والفقر في القارة السمراء (1 / 2)

أفريقيا قد تحولت حالياً إلى ساحة صراع اقتصادي واستراتيجي بين القوى الكبرى الصين، أميركا، روسيا، والاتحاد الأوروبي.

  • أفريقيا قارة المستقبل: جدلية الثراء والفقر في أفريقيا (1 / 2)
    أفريقيا قارة المستقبل: جدلية الثراء والفقر في القارة السمراء (1 / 2)

تبلغ مساحة القارّة الأفريقية 3.2 ملايين كم2 وتضمُّ 54 دولة. ويحدُّ القارّة من الشمال البحر الأبيض المُتوسِّط، ومن الغرب المحيط الأطلسيّ، ومن الجنوب الشرقي المحيط الهنديّ، ومن الشمال الشرقي البحر الأحمر وقناة السويس. تتوفر في أفريقيا بيئة مناخية متنوعة ما يمكّن من توفير ثروة حيوانية ومحاصيل زراعية متنوعة: استوائية، مدارية، شبه قاحلة، قاحلة وصحراوية. 

الزراعة والثروة المائية في أفريقيا

مساحة الأراضي الزراعية في أفريقيا تبلغ نحو 175 مليون هكتار، أي 43.9%من إجمالي مساحة أفريقيا. وتمتلك أفريقيا ثروات طبيعية كالخشب من نوعية جيدة، المستخرج من الغابة الاستوائية، وتنتج محاصيل زراعية متنوعة منها ما هو ذو قيمة تجارية كحبوب الكاكاو والفواكه الاستوائية.

ويعمل أكثر من 60% من سكان أفريقيا في القطاع الزراعي، معظمهم من الشباب، ما يُعد مورداً بشرياً هائلاً قادراً على دفع عجلة التنمية الزراعية إذا تم تدريبه وتأهيله بالشكل الصحيح.

على مستوى الثروة المائية تعد القارة الأفريقية من القارات الغنية بالمجاري والمسطحات المائية، وأشهرها أنهار الكونغو والنيجر وزمبيزي والنيل وبحيرات ضخمة (كبحيرتي فيكتوريا وتنجانيقا، ثانية كبريات بحيرات العالم من حيث المساحة والعمق، وبحيرة تشاد) ومستودعات المياه الجوفية المتجددة والتي تغذيها تساقطات مطرية سنوية تقدر بنحو 4050 بليون م3. هذه الثروة المائية قد تساعد على تطوير مشاريع الري والزراعة المروية. لكن للأسف الشديد 4% فقط من الأراضي الصالحة للزراعة في أفريقيا فيها نظام الري، والباقي يعتمد على التساقطات المطرية المتقلبة.

كما يوجد في الصحراء الكبرى وعلى تخومها سدائم مياه عذبة مستحاثة (غير متجددة) يعود تاريخ تجميعها إلى عشرات الآلاف من السنين وتشكل أكبر احتياطي للمياه العذبة المستحاثة في العالم. نذكر منها سديمة حوض الصحراء الشمالية الذي يمتد على مساحة تزيد على مليون كيلومتر مربع (700 ألف كيلومتر مربع في الجزائر و 60 ألف كيلومتر مربع في تونس، و 250 ألف كيلومتر مربع في ليبيا). وهناك أيضاً حوض الحجر الرملي النوبي الممتد على مساحة تزيد على 2,2 مليون كيلومتر مربع، (أكثر من 760 ألف كيلومتر مربع في ليبيا و828 ألف كيلومتر مربع في مصر و376 ألف كيلومتر مربع في السودان و235 ألف كيلومتر مربع في تشاد).

الثروات المعدنية في أفريقيا

تُعتبر أفريقيا من أغنى القارات بالموارد المعدنية، وتحتوي على كميات هائلة من المعادن الثمينة والاستراتيجية التي تلعب دوراً مهماً في الاقتصاد العالمي. لكن رغم الثروة، ما يزال بعض الدول يعاني من ضعف في التنمية بسبب الفساد أو استغلال الشركات الأجنبية.

ومن أهم المعادن التي تثير أطماع الشركات، وكانت السبب في العديد من النزاعات والحروب والانقلابات هناك الماس (تمتلك جمهورية الكونغو الديمقراطية وحدها أكثر من 30% من احتياطي العالم) والكوبالت (90% من احتياطي العالم) والبلاتين (90% من من احتياطي العالم) والذهب (50%) والكروم (98%) والتنتاليت (70%) والمنغنيز (64%)، وثلث اليورانيوم في العالم.

كما أن في أفريقيا مناجم النحاس والفضة والبوكسيت (تعتبر غينيا أكبر مصدر لهذا المعدن في العالم). وتمتلك نيجيريا وأنغولا والجزائر ومصر وليبيا احتياطيات مهمة من النفط والغاز. أما المغرب فيختزن 70% من موجودات الفوسفات في العالم (أكبر مصدر للفوسفات في العالم) كما يملك احتياطياً هائلاً من الحجر/الرمل الصخري (سادس احتياطي في العالم). 

كما تحتوي أفريقيا على معدن الكولتان (Coltan) الذي يعتبر معدناً استراتيجياً في العصر الرقمي الذي نعيشه والذي يثير شهية وأطماع القوى الصناعية الكبرى، وهو أحد أهم أسباب الحروب والنزاعات التي عرفتها وتعرفها جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تعتبر أكبر مصدر للكولتان في العالم، حيث يوجد فيها مناجم من هذا المعدن النادر في شرق الكونغو وتحديداً في إقليمي كيفو الشمالي والجنوبي.

من هذا المعدن يُستخرج: التانتالوم (Ta) الذي يُستخدم في المكثفات الإلكترونية (الهواتف الذكية، الحواسيب، أجهزة الألعاب، إلخ) كما يستخدم في المعدات الطبية والعسكرية، والنيوبيم (Nb) المستخرج من الكولومبيت ويُستخدم في السبائك والطائرات وخطوط الأنابيب وفي صناعة الفولاذ المقاوم للحرارة الشديدة إلخ.. 

كما توجد في أفريقيا مناجم المعادن النادرة (العناصر الأرضية النادرة) وهي مجموعة من 17 عنصراً كيميائياً. ويتم استخدام هذه المجموعة من المعادن النادرة في المغناطيسات القوية والبطاريات والشاشات ومحركات التوربينات الهوائية والتقنيات العسكرية المتطورة كأسلحة الليزر، إلخ.

نِعَمٌ وراءها نقم 

أفريقيا بالرغم من غناها فقيرة، وثرواتها كانت في العديد من الأحيان سبب المحن والمصائب التي أصابت الشعوب والدول في هذه القارة. ذلك أن الاستعمار الغربي الذي استغل أثناء احتلاله الدول الأفريقية هذه الثروات سيحرص كل الحرص على الإبقاء على وضع يده على هذه الثروات حتى بعد خروجه، وكان سبيله إلى ذلك إغراق الدول الأفريقية في حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي من خلال تشجيع الانقلابات ومساندة الدكتاتوريات العسكرية، كانت أغلبيتها تجسيداً للفساد والعنف والاستبداد. 

ونتيجة للصراعات على السلطة وتعاظم أطماع الدول الاستعمارية، غرق الكثير من الدول الأفريقية في صراعات وحروب مميتة، غذّاها الاستعمار بالأسلحة وبالمرتزقة: حروب ونزاعات بين الحاكمين والمعارضة أو بين الأنظمة وحركات التمرد الساعية للانفصال كما حدث في الحروب الأهلية في نيجيريا والسودان والكونغو وأوغندا وإثيوبيا ورواندا... أو في الحروب بين الدول. وهذه الحروب والصراعات أدت إلى مقتل الملايين من الأشخاص والهجرات الجماعية وانتشار المجاعات وتدمير الاقتصادات والبنى التحتية الهشة.

كما أسهمت الحروب بالوكالة إبان الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفياتي فى زيادة عدم الاستقرار في هذه القارة. وكنموذج عن هذه الحروب، الحرب الأهلية الأنغولية، التي بدأت مباشرة بعد استقلال أنغولا عن البرتغال في نوفمبر 1975، واستمرت حتى 2002 . وهذه الحرب دارت بين الحركة الشعبية لتحرير أنغولا MPLA (مدعومة من الاتحاد السوفياتي وكوبا) من جهة، والاتحاد الوطني للاستقلال التام لأنغولا UNITA (المدعوم من الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا) بشراكة مع الجبهة الوطنية لتحرير أنغولا FNLA (مدعومة من الولايات المتحدة وزائير – جمهورية الكونغو الديمقراطية) من جهة أخرى.

أفريقيا وتنافس القوى الكبرى

جميع القوى الكبرى في العالم لها أطماع في أفريقيا التي تُنعت بقارة المستقبل. القوى الاستعمارية الأوروبية خاصة تنظر إلى أفريقيا كعمق استراتيجي ولهذا حرصت على أن تبقى حاضرة بقوة في مستعمراتها الأفريقية السابقة حتى بعد جلائها عنها. لكن مع الحرب الباردة دخل فاعلون جدد كأميركا والاتحاد السوفياتي (روسيا حالياً) التي تبحث استعادة موقعها في أفريقيا (السوق ومصدر الثروات والمعادن الاستراتيجية، خصوصاً في ظل العقوبات الغربية) . 

وفى السنوات الأخيرة، ظهرت الصين بقوة في الساحات الأفريقية وبنت علاقات تجارية واقتصادية قوية مع دولها ضمن "مبادرة الحزام والطريق" الطموحة، ما جعل الصين في طليعة المستثمرين في مجالات متعددة في أفريقيا التي عانت وتعاني نقص البنى التحتية  ومحدودية الموارد المالية والقدرة على الوصول للأسواق العالمية.

وفي مقدمة القطاعات التي استثمرت فيها الصين بقوة نجد قطاع التعدين وتكرير المعادن وفي مقدمتها المعادن النادرة الأساسية في التكنولوجيا الحديثة. وهذا ما دفع الولايات المتحدة الأميركية إلى التحرك لمنافسة الصين من خلال العديد من المبادرات نذكر منها مبادرة "أفريكا باور" (Power Africa) 2013 التي أطلقها الرئيس باراك أوباما وبرنامج النمو الأفريقي والفرص (AGOA) 2000 ومبادرة الأمن الغذائي والتغذية Feed the Future ومبادرة الشراكة مع أفريقيا (PGI) 2022 التي أُطلقت في عهد الرئيس جو بايدن. 

ويمكن أن نقول إن أفريقيا قد تحولت حالياً إلى ساحة صراع اقتصادي واستراتيجي بين القوى الكبرى الصين، أميركا، روسيا، والاتحاد الأوروبي.

يتبع...

اخترنا لك