لا ملوك في أميركا: بعث شعبي للتيار الديمقراطي

وتُعد التظاهرات النسخة الثانية من تحرك ائتلافي واسع، يواجه ما يعتبره صانعوه نزعة سلطوية استبدادية عند ترامب، ونُظمت نسختها الأولى في شهر حزيران/يونيو، في أكثر من 2000 موقع، بمستوى مشاركة قياسي، ذكرت تقارير أنه بلغ من 2 إلى 3 ملايين مشارك.

  • متظاهر يرتدي زي تمثال الحرية يشارك في احتجاج في نيويورك. الولايات المتحدة الأميركية. 18 تشرين الأول/اكتوبر 2025. (أ. ب)
    متظاهر يرتدي زي تمثال الحرية يشارك في احتجاج في نيويورك. الولايات المتحدة الأميركية. 18 تشرين الأول/اكتوبر 2025. (أ. ب)

خرج ملايين المواطنين في الولايات المتحدة يوم السبت إلى الشوارع في مظاهرات "لا ملوك"، في ثالث تجمع جماهيري كبير ضد سياسات الرئيس ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، دعماً للديمقراطية وحرية التعبير، وفق الدعوة المعلنة واسعة الانتشار، واحتجاجاً على ما وصفه المنظمون بالانزلاق نحو الاستبداد، تحت شعار "لا ملوك في أميركا والسلطة للشعب"، وشعار كرره المتظاهرون، ومثّل عنواناً إعلامياً للحدث "لا عروش لا تيجان لا ملوك".

وفي المقابل نددت قيادات الحزب الجمهوري بالاحتجاجات، ووصفت المشاركين بالانتماء لليسار المتطرف، وبأنهم "أناركيين من حركة انتيفا"، ووصفها رئيس مجلس النواب مايك جونسون بأنها "مظاهرة كراهية لأميركا".

وفي الخلفية، إغلاق الحكومة الفيدرالية، الذي يقارب يومه العشرين، أثر النزاع الجمهوري - الديمقراطي في جهاز الدولة، على موازنتها، وتصلّب موقف الحزب الديمقراطي المطالب بتمويل أكبر للرعاية الصحية، شرطاً للتصويت على إعادة فتح الحكومة. مع إعلان رموز للحزب والمستقلين دعم الدعوة، منهم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، وزعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز، والسيناتور بيرني ساندرز.

وتُعد التظاهرات النسخة الثانية من تحرك ائتلافي واسع، يواجه ما يعتبره صانعوه نزعة سلطوية استبدادية عند ترامب، ونُظمت نسختها الأولى في شهر حزيران/يونيو، في أكثر من 2000 موقع، بمستوى مشاركة قياسي، ذكرت تقارير أنه بلغ من 2 إلى 3 ملايين مشارك. بعد سلسلة إجراءات وخطوات وسّعت سيطرة الرئيس، وفرضت برنامجه على السلطة التنفيذية، وجلبت صدامات مع القضاء وحكام الولايات من الحزب الديمقراطي، ذوي الصلاحيات الكبيرة في النظام الأميركي، فضلاً عن تكشّف الآثار الاقتصادية لرفع التعريفات الجمركية، وانعكاسات التضييق على المهاجرين في سوق العمل الأميركي، الذي تظهر البيانات بقاء احتياجه إليهم.

وتشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد المشاركين بلغ حوالي 7 ملايين، ما يجعل التظاهرات أكبر تجمع جماهيري في يوم واحد في التاريخ الأميركي الحديث. وشهدها 2600 موقع مختلف، أبرزها مدن حضرية كبرى مثل نيويورك، وشيكاغو، وسان فرانسيسكو، وهيوستن مع واشنطن العاصمة، ضمت تظاهراتها مئات الآلاف. ويبدو أن الزخم الكبير الذي صنعته الاتحادات المهنية، والمجموعات ذات التوجه التقدمي، المحلية على مستوى الولايات والشبكية على المستوى الوطني، رفع كثافة المشاركة بشكل فاق التوقعات.

من أبرز الاتحادات والأُطر الداعية "الاتحاد الأميركي للمعلمين"، و"الاتحاد الأميركي للحريات المدنية - ACLU"، وحركة "لا تجزئة Indivisible"، التي تضم حوالي مليون عضو، وشبكة "بيت الأحرار" التي تضم عشرات المجموعات والمنظمات المحلية على مستوى المقاطعات والبلدات، الناشطة في مجال الدعم القانوني، وحركة "50501" واسعة الانتشار في مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ أيضاً: ترامب وقبّعة الشرطي الوطني.. استغلال هواجس الرجل الأبيض

ركزت الشعارات التي رفعها المحتجون على مناهضة السلطوية، وتنوعت من "ترامب يجب أن يرحل الآن"، إلى اتهام ترامب بالنازية والتضييق على حرية التعبير وتجريم المعارضة، والضغط على الجامعات والحريات الأكاديمية، والإعلام، و"احتلال" مدن أميركية ــ تلميحاً لنشر ترامب قوات الحرس الوطني رغماً عن رفض حكام الولايات. وسط اتهامات لهيئة الهجرة والجمارك ICE باختطاف الناس عشوائياً من الشوارع، والترحيل الجماعي لأشخاص من دون إجراءات قانونية عادلة.

شملت الاحتجاجات الولايات الخمسين جميعها، والمراكز الحضرية الكبرى وبلدات ريفية، ويبدو أنها تمثّل أوسع حشد ممكن لمناهضي سياسات ترامب، بما يتجاوز الحزب الديمقراطي وحده، مدفوعاً بقضايا رئيسية تحيط بالشعار الأساسي ــ حفظ الحريات والقيم الديمقراطية ورفض خرق التعديل الأول للدستور الأميركي، مثل "عسكرة" إنفاذ قوانين الهجرة، وغلاء المعيشة، والأساليب العدوانية للشرطة مع المشتبه بهم في عهد الإدارة الحالية.

واللافت أن رد ترامب جاء متناقضاً، إذ نفى أولاً الاتهام الأساسي، وقال لفوكس نيوز قبيل التظاهرات إنه "ليس ملكاً"، لكنه سرعان ما نشر على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي، أثناء الاحتجاجات، مقطعاً مرئياً بالذكاء الصناعي، يصوره يحلّق فوق المحتجين بطائرة وعلى رأسه تاج، ملقياً عليهم النار والفضلات. ما جلب ردود أفعال غاضبة عند النشطاء ومؤثري الأنترنت، ومثّل لهم دليلاً على وجاهة اتهامه بالفاشية والنزعة السلطوية. وفي الخلفية سجالات إعلامية حادة، غذّتها صورة الحشود الهائلة غير المسبوقة، التي تضغط على قواعد ورموز الحزب الجمهوري ومؤيدي ترامب، في سياق يشهد عنفاً سياسياً، بات مثيراً للقلق باغتيال نواب جمهوريين منذ أشهر، ثم اغتيال السياسي تشارلي كيرك، وانطلاق مواجهات بين هيئة الهجرة والجمارك ومتظاهرين خارج مقارها.

اقرأ أيضاً: تصعيد ترامب والولايات الديمقراطية.. الحرس الوطني يهدد الاتحاد

اخترنا لك