الانتخابات الإسرائيلية 2026: الموعد المقرر واحتمالات الانتخابات المبكرة

يدرك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صعوبة الاحتفاظ بتماسك ائتلافه الحكومي بعد انتهاء العطلة الصيفية للكنيست، وبدء الدورة الشتوية في 20 تشرين الأول/أكتوبر المقبل، بعدما انسحبت الأحزاب الحريدية من حكومته. لذلك بدأ بالاستعداد لخوض انتخابات الكنيست المقبلة المقررة قانونياً في عام 2026، إلا أن تصاعد التوترات السياسية والأمنية والخلافات داخل الائتلاف زاد من احتمال إجراء انتخابات مبكرة.

  • رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو
    رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو

تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة غير مسبوقة من التجاذبات، مع تراجع الثقة برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وتصاعد حدة الخلافات داخل الائتلاف الحاكم نفسه، خاصةً بين نتنياهو والأحزاب الحريدية، وبين رئيس حزب "قوة يهودية" إيتمار بن غفير وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" بتسلئيل سموتريتش.

أظهر استطلاع للرأي (أجراه معهد "ميدغام") حصول حزب "الليكود" على 24 مقعداً، يليه حزب بقيادة رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت بـ19 مقعدًا، ويحصل حزب برئاسة غادي آيزنكوت على 12 مقعداً.

وينال "يسرائيل بيتينو" برئاسة أفيغدور ليبرمان 11 مقعداً، ومثلها يحصل حزب "الديمقراطيون" برئاسة يائير غولان، وتحصل حركة "شاس" على 8 مقاعد، فيما يحصل "ييش عتيد" على 7 مقاعد.

وفق الاستطلاع، يحصل "يهوديت هتوراه" على 7 مقاعد، ومثلها لـ"عوتسما يهوديت"، وتحصل كلّ من "القائمة الموحدة" وتحالف "الجبهة العربية للتغيير" على 5 مقاعد لكل منهما، وتحصل "الصهيونية الدينية" على 4 مقاعد، فيما لم يجتز "كاحول لافان" برئاسة بيني غانتس، نسبة الحسم.

هذه النسب تتغير بشكل أسبوعي، ففي آخر استطلاع رأي أجرته صحيفة "معاريف" (5-9-2025)، حصل معسكر نتنياهو على 48 مقعداً، مقابل 62 للمعسكر المعارض و10 مقاعد للنواب العرب، في حال إجراء انتخابات عامة اليوم.

وأظهر استطلاع "معاريف" عدم قدرة حزب سموتريتش على تخطي نسبة الحسم، أي الحصول على الأصوات المطلوبة للحصول على 4 مقاعد في الكنيست.

ووفقاً لهذه النتائج فإن "الليكود" سيحصل على 25 مقعداً، وستذهب 9 مقاعد لحزب "شاس" برئاسة أرييه درعي، و7 مقاعد لحزب بن غفير و7 لـ"يهيدوت هتوراه".

أما المعسكر المعارض لنتنياهو، فيحصل بينت على 24 مقعداً لحزبه، و10 لليبرمان، و10 لـ"الديمقراطيون"، و8 لـلابيد، و6 لحزب برئاسة رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت، و4 لغانتس.

هذه الأرقام تعكس تراجعاً كبيراً لـ"الليكود" عما حققه في الانتخابات الأخيرة (32 مقعداً في انتخابات نوفمبر 2022). حينذاك، تمكن نتنياهو من العودة إلى رئاسة الحكومة مستفيدًا من حصول معسكره اليميني على 64 مقعداً (بفضل تحالفه مع الأحزاب الدينية القومية والمتشددة). أما الآن فتشير الاستطلاعات إلى أن معسكر نتنياهو سيتراجع إلى نطاق 47–52 مقعدًا فقط، أي أقل بكثير من عتبة الأغلبية البالغة 61. في المقابل، فإن أحزاب المعارضة مجتمعة، بما فيها الحزب الجديد لبينت وقوى الوسط واليسار، قد تحصد ما بين 63–72 مقعداً أو أكثر، ما يجعلها قادرة نظرياً على تشكيل ائتلاف حاكم بديل، هذا في حال قررت الأحزاب المعارضة التحالف فيما بينها لإسقاط نتنياهو.

ومن الجدير بالذكر أن شعبية نتنياهو الشخصية لا تزال حاضرة لدى شريحة من الناخبين رغم تراجع حزبه. فبحسب استطلاع للقناة 12 في أواخر أغسطس 2025، حصل نتنياهو على دعم نحو 42% كأنسب مرشح لرئاسة الحكومة، مقابل 22% للابيد، بينما رأى ثلث الجمهور تقريباً أن أياً منهما غير مناسب. لكن دخول بينت على الخط قلب المعادلة، إذ حصد نسبة تأييد مماثلة لنتنياهو (قرابة 39% لكل منهما) في سؤال المفاضلة المباشرة على منصب رئيس الحكومة. هذه المعطيات تشير إلى أن قاعدة اليمين الإسرائيلي باتت منقسمة بين ولائها التقليدي لنتنياهو وبين بحثها عن وجوه جديدة قادرة على منافسته.

قاعدة "الليكود" ومكانة نتنياهو الحالية

رغم التراجع النسبي في الاستطلاعات، لا يزال نتنياهو يحظى بدعم قوي داخل حزب "الليكود" وبين أنصار معسكره. فقد كشف استطلاع للقناة 12 أن 65% من ناخبي الائتلاف الحاكم يرون وجوب أن يواصل نتنياهو قيادة "الليكود" في الانتخابات المقبلة، مقابل 23% فقط يفضلون تغيير القيادة. وبحسب تحليل أعدّه معهد "أغام"، فإن مكانة نتنياهو في "الليكود" كـ"زعيم أوحد بلا منافس" ما زالت راسخة، حيث أيد 77% من قواعد الحزب استمراره على رأسه. وقد فشلت جميع محاولات قيادات "الليكود" التقليدية منافسته سابقاً وإزاحته، مثل محاولة جدعون ساعر عام 2019 التي انتهت بانشقاقه ثم عودته منذ أسبوعين إلى الحزب.

على صعيد القيادة الداخلية، يشهد "الليكود" تحولات عميقة مع صعود وجوه جديدة ذات خطاب شعبوي متشدد وتراجع ما يوصف بـ "الحرس القديم". أظهر استطلاع معهد "ميدغام" أنه في حال جرت انتخابات داخلية لقائمة مرشحي "الليكود" في انتخابات الكنيست المقبلة، فإن رئيس الكنيست أمير أوحانا سيكون في المكان الأول، وستحتل عضو الكنيست طالي غوتليف المكان الثاني في القائمة. ووصل عضو الكنيست بوعاز بيسموت، الذي حلّ مكان عضو الكنيست يولي إدلشتاين الذي أطاحه نتنياهو من رئاسة لجنة الخارجية، إلى المكان الثالث في القائمة. واحتل وزير الأمن يسرائيل كاتس المكان الرابع بعدما ارتفعت شعبيته في أعقاب الصدام بينه وبين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي.

في مقابل ذلك، تتراجع شخصيات مخضرمة مثل ميري ريغيف ويولي إدلشتاين إلى مراكز متأخرة. ويفسّر خبراء هذا التحول بانحياز قواعد "الليكود" أكثر نحو التيار الديني والقومي الصلب. واستطاع نتنياهو توحيد هذه القاعدة خلفه ونجح في ربط مصير تياره اليميني بمصيره الشخصي، بتأجيج مشاعر المظلومية لدى الشرائح الاجتماعية المؤيدة له وتصوير أي معارضة لسياساته على أنها مؤامرة من النخب القضائية والإعلامية و"اليساريين" و"العرب" تستهدف إقصاء اليمين عن السلطة.

ومع تزايد الحديث عن انتخابات مبكرة، نفت قيادة "الليكود" رسمياً أن نتنياهو يسعى لتبكير موعدها. فقد أصدر الحزب بياناً في أغسطس 2025 يؤكد فيه أن رئيس الحكومة لم يحدد شهر آذار/مارس 2026 موعداً للانتخابات ولا يسعى لحل الكنيست، بل "على العكس، ستُكمل الحكومة ولايتها كاملة" حتى أواخر 2026. ونقل البيان عن نتنياهو تشديده على وجود مهام تاريخية أمام الحكومة يجب إنجازها.

لكن، برغم النفي، قالت وسائل إعلام إسرائيلية إن نتنياهو يستعد لخوض الانتخابات في شهر حزيران/يونيو المقبل، بحسب ما نقلت قناة "i24 news" الإسرائيلية الأسبوع الماضي. وقال مراسل القناة إن رئيس الحكومة يدرس سيناريوهات إنشاء حزب رديف لاستقطاب الذين خاب أملهم من "الليكود"، ومن بين المرشحين المحتملين لرئاسة الحزب الجديد الضابط اليميني عوفر فينتر أو رئيس الموساد السابق يوسي كوهين. واستعداداً للانتخابات المقبلة، قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن نتنياهو عقد لقاءات لفض الخصومة بين بن غفير وسموتريتش، الذي تظهر الاستطلاعات أنه قد لا يتجاوز نسبة الحسم في انتخابات الكنيست المقبلة. ويسعى نتنياهو إلى توحيد الحزبين، وضم حزب "نوعام" إليهما، والذي يمثله عضو الكنيست أفي ماعوز، وذلك لمنع هروب أصوات اليمين.

المشهد العام والسيناريوهات

اتسمت الحملات الانتخابية الإسرائيلية السابقة (ولا سيما تلك المتتالية بين 2019 و2022) بالاستقطاب الحاد حول شخصية نتنياهو. فقد خاض "الليكود" أربع انتخابات في أقل من أربع سنوات تحت شعار "نعم لبيبي أم لا لبيبي"، حيث انقسم المشهد بين معسكر مؤيد لاستمرار حكمه ومعسكر معارض يسعى لإزاحته. في انتخابات مارس 2021 مثلاً، حصل "الليكود" على 30 مقعداً، لكنه فشل في تحقيق أغلبية، ما أتاح تشكيل ائتلاف متنوع ترأسه نفتالي بينت ويائير لابيد وأطاح نتنياهو لأول مرة منذ 12 عاماً. لكن ذلك الائتلاف الهش انهار في عام واحد، ما أدى إلى انتخابات جديدة أواخر 2022 أعادت نتنياهو إلى السلطة بعد فوز معسكره اليميني بـ 64 مقعداً كما أسلفنا.

اليوم، يختلف المشهد نسبياً عن السابق. فبدلاً من انحصار المنافسة بين اليمين (بقيادة نتنياهو) والوسط–اليسار (بقيادة شخصيات كلابيد أو بيني غانتس)، برز تحدٍّ من داخل معسكر اليمين نفسه متمثلاً بشخص بينت العائد للساحة بحزب جديد. بينت يحاول تقديم نفسه كخيار يميني بديل لقيادة البلاد من دون إرث نتنياهو الثقيل. وتشير الاستطلاعات إلى نجاح نسبي لمسعاه، حيث يتفوق حزبه الافتراضي "بينت 2026" أو يوازي "الليكود" في عدة استطلاعات. هذا التطور يُذكّر بصعود أحزاب يمينية جديدة في الماضي (مثل حزب "كاحول لافان" بقيادة غانتس 2019، أو حزب "كولانو" بقيادة موشيه كحلون 2015) استطاعت سحب مقاعد من "الليكود".

ومن جهة أخرى، شهد جناح الوسط واليسار الإسرائيلي إعادة هيكلة بعد نكسات سابقة. فقد اندمج حزبا "العمل" و"ميرتس" (التاريخيان في اليسار الصهيوني) ضمن تكتل جديد باسم "الديمقراطيون" بقيادة الجنرال السابق يائير غولان، وقد منحته استطلاعات عدة نحو 10–13 مقعداً، ما يشير إلى قاعدة انتخابية لا بأس بها لليسار. في المقابل، تراجعت قوة حزب "ييش عتيد" الوسطي بزعامة يائير لابيد في بعض الاستطلاعات إلى أدنى مستوى تاريخي له (حوالى 4–9 مقاعد فقط)، بسبب نزيف أصواته نحو حزب بينت الجديد. أما حزب "المعسكر الوطني" بقيادة غانتس فقد مُني بتراجع خطير في استطلاعات عدة، وصل إلى حد عدم تجاوز نسبة الحسم (3.25%) في استطلاع القناة 12 الأخير، وذلك بعد اقتراح غانتس العودة إلى حكومة نتنياهو لحل ملف الأسرى.

اتجاه آخر برز في المزاج الانتخابي الحالي هو زيادة مشاركة أحزاب أو شخصيات جديدة من خلفيات أمنية. إذ أظهرت بعض الاستطلاعات دخول قائمة بقيادة رئيس الأركان الأسبق غادي آيزنكوت (الذي اختلف مع غانتس في إدارة حزب "المعسكر الوطني") قد تحصد ما بين 8–12 مقعداً.

في ظل هذه الصورة المركبة، يبرز سؤال جوهري: ما شكل الائتلاف الحكومي المقبل الذي قد تفرزه الانتخابات المقبلة؟ تشير الاتجاهات الحالية في استطلاعات الرأي إلى سيناريو غير معتاد في السياسة الإسرائيلية، يتمثل في إمكانية تشكيل تحالف حاكم من دون "الليكود" ومن دون نتنياهو، إذا ما استمرت توازنات القوى على حالها يوم الانتخاب. فحزب بينت الجديد (إن تم تأسيسه رسمياً وخاض الانتخابات) يمكن أن يكون بيضة القبان. وقد صرّح بينت في مناسبات سابقة أنه يعتبر عهده مع لابيد في 2021 نموذجاً لإمكانية التعاون بين اليمين المعتدل والوسط واليسار من أجل "مصلحة الدولة". لذا، من المحتمل أن نشهد ائتلافًا عريضًا يضمه (يمين قومي ليبرالي)، وحزب "الديمقراطيون" (يسار وسط بقيادة غولان)، وحزب "ييش عتيد" (وسط ليبرالي بقيادة لابيد)، وحزب "يسرائيل بيتينو" (يمين علماني بقيادة ليبرمان)، وربما انضمام حزب غادي آيزنكوت الجديد إذا تكوّن، إضافةً إلى دعم "القائمة الموحدة" بزعامة منصور عباس من الخارج أو حتى المشاركة في الائتلاف. مثل هذا التحالف المتنوع قد يبدو غير منسجم أيديولوجياً، لكنه يجتمع على قاسم مشترك هو إسقاط نتنياهو وإبعاد الأحزاب الدينية المتشددة عن الحكومة.

في المقابل، لا يمكن استبعاد سيناريوهات أخرى. فقد يحاول نتنياهو استمالة بينت أو غيره من المنشقين عن معسكر المعارضة إلى جانبه لضمان الأغلبية، مستغلاً التقارب الأيديولوجي بينهم (فبينت سيظل يمينياً في نهاية المطاف). إلا أن العداء السياسي والشخصي بينهما، منذ تفكيك الأخير لحكومته عام 2021، قد يجعل مثل هذا التحالف مستبعدًا حالياً. خيار آخر يمكن طرحه هو بروز قيادة جديدة داخل "الليكود" تقود انفتاحاً على حكومة وحدة وطنية مع أحزاب الوسط، لكن كما أسلفنا، نتنياهو لا يزال يسيطر على قرار الحزب ويمنع حتى مجرد النقاش الداخلي حول خلافته. وبالتالي تبقى مشاركة "الليكود" بأي حكومة مقبلة مرهونة إما ببقاء نتنياهو على رأسه – ما يعني استمرار القطيعة مع معظم أحزاب المعارضة الحالية – أو بخروجه من الصورة بطريقة ما.

اخترنا لك