التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس: إعادة رسم جغرافيا فلسطين

ضمن استراتيجية ممنهجة، يعيد الاحتلال الإسرائيلي رسم جغرافيا فلسطين، عبر هدم المخيمات والبنى التحتية والتوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية وشرقي القدس.

  • أعمال بناء يقوم بها الاحتلال بجوار مستوطنة
    أعمال بناء يقوم بها الاحتلال إلى جوار مستوطنة "هار حوما" الإسرائيلية في الضفة الغربية (أرشيفية - أ ف ب)

تتسارع وتيرة عمليات هدم المخيمات والمنشآت والبنية التحتية الفلسطينية، إلى جانب التوسّع الاستيطاني في الضفة الغربية وشرقي القدس المحتلة، في معادلة متكاملة يصفها مراقبون بأنها "استراتيجية إسرائيلية ممنهجة"، تهدف إلى إعادة رسم الخريطة الجغرافية والديموغرافية للأراضي المحتلة، وإفشال أيّ إمكانية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة المتصلة.

وفي الوقت نفسه، سجّلت منظمات حقوقية ارتفاعاً لافتاً في معدّلات الهدم خلال النصف الأول من 2025، ما يعكس تزايداً غير مسبوق في التوسّع الاستيطاني واستهداف البنى التحتية الحيوية للفلسطينيين.

الهدم والتشريد في الضفة الغربية والقدس

وفقاً لتقارير منظمة "Good Shepherd Collective"، دمّر الاحتلال الإسرائيلي 1,164 منشأةً فلسطينيةً في الضفة الغربية خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2025، مما أدّى إلى تشريد 1,527 فلسطينياً. 

وفي شرقيّ القدس المحتلة، هدم الاحتلال 113 منشأةً حتى تموز/يوليو الماضي، بينها 65 منزلاً مأهولاً، بحسب ما أفاد به مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA).

استهداف المخيّمات الفلسطينية

طالت عمليات الهدم التي نفّذها الاحتلال الإسرائيلي المخيّمات الفلسطينية، على الرغم من الحماية الدولية المفترضة، التي تتمّ إدارة الخدمات بموجبها من قبل وكالة "الأونروا". 

دمّرت قوات الاحتلال أكثر من 1000 منزل في مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس، شمالي الضفة الغربية، ووصف المراقبون هذه العمليات بأنها "تجريف وتدمير شامل". أدّت هذه الهجمات إلى نزوح جماعي للعائلات الفلسطينية، حيث يعيش المهجّرون تحت ظروف إنسانية صعبة في مخيمات مؤقتة أو لدى أقاربهم. 

وتشير التقارير إلى الآثار السلبية الناجمة عن عمليات الهدم، ويمكن توضيحها ضمن النقاط الآتية:

  • تفاقم أزمة الصحة العامة بسبب نقص المأوى والمياه الصالحة للشرب.
  • حرمان الأطفال من حقهم في التعليم نتيجة تراجع الخدمات الأساسية.
  • إطالة أمد معاناة السكان في حال تأخّر إعادة البناء.
  • زيادة الضغط على المنظمات الإغاثية المحلية لتلبية الاحتياجات الأساسية.

تسريع وتيرة التوسّع الاستيطاني

بالتوازي مع عمليات الهدم، تتسارع وتيرة التوسّع الاستيطاني على نحو غير مسبوق، حيث ارتفع عدد المستوطنات إلى 180 في الضفة الغربية، مع زيادة 40% عن السابق. ويعيش نحو 770 ألف مستوطن في الضفة الغربية، موزّعين على 180 مستوطنةً و256 بؤرةً استيطانية، بينها 138 مصنّفة على أنها رعوية وزراعية.

ويعتمد التوسّع الاستيطاني على مصادرة مساحات واسعة من الأراضي الفلسطينية، عبر أوامر عسكرية وأحكام قضائية في المحاكم العسكرية التابعة للاحتلال الإسرائيلي. 

 وتشير التقديرات الحقوقية وتقارير مركز الأبحاث الفلسطيني إلى التأثيرات الآتية على الأراضي الفلسطينية:

  • مصادرة أكثر من 25% من أراضي الضفة الغربية خلال العامين الماضيين، ما قلّص الموارد المتاحة للفلسطينيين.
  • انخفاض معدل استصلاح الأراضي بنسبة 30% نتيجة هذه الإجراءات، مما أثّر سلباً على القدرة الإنتاجية.

مشروع "E1" التوسّعي وتأثيره في إقامة الدولة الفلسطينية

يبرز مشروع "E1" الاستيطاني كأخطر المشاريع على الإطلاق. يشمل المشروع بناء 3,400 وحدة استيطانية على ممر حيوي، يربط بين القدس المحتلة ومستوطنة "معاليه أدوميم".

ويشكّل هذا المشروع الضربة القاضية لما تمت المراهنة عليه في اتفاقية أوسلو، لجهة إمكان قيام الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً، بحيث يقطع الشريط الحيوي للضفة الغربية ويعزلها تماماً عن القدس المحتلة.

صورة قاتمة تفرضها السيطرة الإسرائيلية الشاملة

تظهر الأرقام صورةً قاتمةً بفعل السيطرة الإسرائيلية الشاملة، التي تُعدُّ احتلالاً بكلّ المعايير. يقع 90.3% من مساحة فلسطين التاريخية (27,027 كم²) تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، ولم يتبقَ للفلسطينيين سوى نحو 9.7%، موزّعةً على النحو الآتي: 

  • الضفة الغربية: 2,260 كم² (8.3%)،  وهي محاصرة بـ712 مستوطنةً وبؤرةً استيطانية.
  • قطاع غزة: 365 كم² (1.35%)، وهو محاصر من قبل الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.

وفي الضفة الغربية، يسيطر الاحتلال الإسرائيلي على نحو 60% من الأراضي، وهي الأراضي التي تشمل المساحة المصنّفة كمناطق "ج" بموجب اتفاق أوسلو، بينما تشكل مناطق "أ" و"ب" نحو 40% (أي المناطق التي تشكّل مساحة 2,260 كم²)، وهي تخضع لإدارة السلطة الفلسطينية، علماً بأنّ الاحتلال يمتلك السيطرة الأمنية العليا داخلها.

لفرض سيطرته، أنشأ الاحتلال الإسرائيلي، حتى أيلول/سبتمبر 2025، 898 حاجزاً عسكرياً، بين حواجز ثابتة ومتنقّلة. عمّقت هذه الحواجز العزلة الجغرافية والاجتماعية في الضفة الغربية، بحيث حوّلتها إلى "كانتونات" معزولة ومخنوقة الحركة، تواجَه فيها معوّقات للوصول إلى التعليم والرعاية الصحية.

وفي حين تخضع جميع المعابر البرية للضفة الغربية لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، لا تملك أيّ سلطة فلسطينية منفذاً بحرياً أو جوياً مستقلاً، إذ دمّر الاحتلال مطار غزة الدولي عام 2001، ومنع إعادة بنائه.

الاحتلال يعيد تعريف المستقبل السياسي في الضفة الغربية

عمليات الهدم والتوسّع الاستيطاني ليست مشاريع منفصلة، بل استراتيجية متكاملة، يستخدم فيها الاحتلال الإسرائيلي أدوات العقاب الجماعي لتجريف الوجود الفلسطيني من أرضه، وخلق وقائع جديدة على الأرض.  

وفي ظلّ غياب ضغط دولي فعّال، تبدو الضفة الغربية مقبلةً على مرحلة جديدة من التقطيع الجغرافي والعزلة الديموغرافية، في سياق يعيد تعريف مستقبلها السياسي، بشكل قد يكون لا رجعة فيه.

اقرأ أيضاً: "إمارة الخليل".. أخطر مخطط استيطاني يهدد الضفة الغربية

اخترنا لك