بين "قسد" وحكومة دمشق.. من يكسب ولاء العشائر العربية؟
شكّلت العلاقة المتوترة بين قوات سوريا الديموقراطية والعشائر العربية فرصة سانحة أمام الإدارة السورية الجديدة لكسب ودّ العشائر وولائهم، لكن هل تنجح في حكومة دمشق في استمالتهم إلى صفها؟
-
بين "قسد" وحكومة دمشق.. من يكسب ولاء العشائر العربية؟
في خضم الأحداث المتسارعة التي تشهدها الساحة السورية منذ سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، وأمام التطورات العسكرية والأحداث الدامية التي ضربت مناطق مختلفة من البلاد، برزت على ساحة الصراع السياسي والعسكري قوة جديدة متمثلة بـ "العشائر العربية"، التي كان لها دور بارز في أحداث السويداء الأخيرة.
الإمكانيات البشرية، والتجهيزات العسكرية، والثقل السياسي، فتحت أعين القوى الرئيسية في سوريا على قوة "العشائر العربية" لما تمتلكه من تأثير يتجاوز الحدود الجغرافية السورية، ليمتد إلى دول الجوار، وربما أبعد من ذلك، حيث تمتلك الكثير من العشائر العربية السورية فروعاً في الدول الخليجية.
ويذكر مركز "جسور" للدراسات أن أفراد القبائل يشكلون نحو 30 إلى 40% من المجتمع السوري، حيث يوجد داخل سوريا ما بين 25 إلى 40 قبيلة عربية رئيسية، تتوزع على مختلف المحافظات وتشكل جزءاً مهماً من التركيبة الاجتماعية للبلاد، وتنحدر هذه القبائل من جذور تاريخية عريقة، وتنقسم داخلياً إلى مئات العشائر الفرعية.
تعتبر منطقة "الجزيرة" المتمثلة بمحافظات الحسكة ودير الزور والرقة شمال شرق سوريا، مركز الثقل الأساسي للعشائر العربية، وشكّل هذا الموقع مركزاً سياسياً وعسكرياً طوال سنوات الحرب، لكنه أسهم أيضاً في انقسام ولاء العشائر بين النظام السابق وقوات سوريا الديمقراطية - قسد وفصائل المعارضة المسلحة في ذلك الوقت.
ولم تكن العشائر العربية بمنأى عن التطورات السياسية التي شهدتها سوريا بعد سقوط نظام الأسد، إلا أن مشاركة الآلاف من أبنائها في الهجوم على السويداء، شكّل علامة فارقة في الصراع السياسي، خصوصاً بعد الحديث عن انتهاكات جسيمة جرى ارتكابها خلال الهجوم بحق المدنيين من أبناء الطائفة الدرزية.
النقطة الأبرز في مشاركة العشائر بالهجوم على السويداء، كانت إظهار الموقف السياسي المتوافق مع حكومة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، وهو ما فتح الباب أمام التكهنات حول إمكانية استخدام "ورقة العشائر" في أيّ معركة مستقبلية ضد قوات سوريا الديموقراطية "قسد" شمال شرق البلاد، بالمقابل تصاعد الحديث عن محاولة "قسد" استمالة العشائر وإخراج أبنائها ووجهائها من دوامة العنف التي تحاول حكومة الشرع إغراقهم فيها، وأمام هذا الواقع بات السؤال: من يكسب ولاء العشائر في سوريا؟
استمالة "قسد" للعشائر في عهد الأسد
منذ إحكام سيطرتها على الجزيرة السورية عام 2012، حاولت قوات سوريا الديمقراطية استمالة شيوخ العشائر العربية في المنطقة، ونجحت في اختراقهم وفي ضم عدد كبير من أبنائهم إلى صفوفها، وشكّلت "قسد" مع قبيلة "شمر" ما عُرِف باسم "قوات الصناديد" التي كانت إحدى أبرز القوات العربية الموالية لـ"قسد" في شرق الفرات.
كما قدم مسؤولو "قسد" عروضاً اقتصادية مغرية للعشائر في دير الزور، بمنحهم استثمار آبار النفط، كحافز لبقاء العشائر إلى جانب "قسد" في المحافظة.
وتكشف مصادر محلية للميادين نت أن "قسد" استخدمت نفوذها وأموالها بهدف استقطاب وجهاء العشائر إلى صفوفها، لكن الوضع المعيشي المتردي لأبناء المنطقة من العرب كان له تأثير كبير على رفض العشائر الانخراط في صفوف "قسد" أو المشاركة في مشروعها شرق الفرات، وهذا ما دفع "قسد" إلى اتخاذ طريق بديل، حيث عملت في السنوات اللاحقة على دعم شخصيات عربية مغمورة ضمن العشائر ومدها بالمال والسلاح بهدف الحصول على زعامة "وهمية" تمكّن تلك الشخصيات من الترويج لمشروع "قسد" في شرق الفرات، عبر التأكيد أن قوات سوريا الديمقراطية تحظى بتأييد ودعم العشائر في المنطقة.
منذ العام 2018، بدأت العلاقة بين قوات سوريا الديموقراطية والعشائر تنهار تدريجياً، وبلغت ذروة التوتر عام 2023، عندما شارك أبناء العشائر العربية في حملة عسكرية واسعة ضد مواقع "قسد"، واستمرت المعارك بين الطرفين لأشهر، وأدت إلى مقتل وإصابة المئات من أبناء العشائر وقوات سوريا الديمقراطية، قبل أن تنتهي المعارك بعد تعهد "قسد" بتحسين الوضع المعيشي في المنطقة ومشاركة جميع القوى السياسية العربية والكردية في الاستفادة من ثروات شرق الفرات.
وبعد أحداث السويداء الشهر الماضي، حاولت "قسد" الحفاظ على "الشعرة" التي تربطها بالعشائر، حيث عمدت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قسد" إلى عقد اجتماعات مكثّفة مع وجهاء وشيوخ العشائر، بهدف احتواء الموقف السياسي والعسكري، وعدم حدوث أيّ خرق أمني في مناطق شمال شرق سوريا مشابه لما حدث في السويداء.
اقرأ أيضاً: سوريا: عشائر عربية تعلن النفير العام ضد "قسد"
الحكومة الانتقالية تلعب على وتر الخلافات
شكّلت العلاقة المتوترة بين قوات سوريا الديموقراطية والعشائر العربية فرصة سانحة أمام الإدارة السورية الجديدة لكسب ودّ العشائر وولائهم، في ظل الانقسام الحاد الذي تعيشه البلاد سياسياً وعسكرياً، حيث عملت حكومة الشرع منذ وصولها إلى الحكم، على زجّ الآلاف من أبناء العشائر في صفوف الجيش السوري الجديد وقوى الأمن، إضافة إلى عقد لقاءات دوريّة مع وجهاء وشيوخ العشائر.
وجاءت التطورات العسكرية الأخيرة في السويداء، لتؤكد الدعم الذي تتلقاه العشائر العربية من الحكومة الانتقالية في دمشق، حيث كان لأبناء العشائر دور بارز في الهجوم على الفصائل الدرزية في الجنوب السوري، ولاحقاً ما أعقبه من تهويل إعلامي باستخدام العشائر في عملية عسكرية محتملة ضد قوات سوريا الديموقراطية.
لكن العلاقة بين حكومة دمشق والعشائر قد يشوبها بعض المنغصّات، خصوصاً ما يتعلق بالوضع المعيشي والإهمال المستمر لمناطق شمال شرق البلاد، رغم أن شرق الفرات يُعتبر سلة سوريا الغذائية وخزّانها النفطي، إضافة إلى احتمال إقصاء العشائر وإبعادها عن المشاركة في إدارة الحكم في تكرار لما كان يجري سابقاً.
وفي ظل التطورات السياسية المتلاحقة، تسجّل خطوط التماس بين مناطق سيطرة "قسد" ومناطق سيطرة الحكومة الانتقالية مناوشات مسلّحة بشكل شبه يومي، ما ينذر باقتراب المواجهة العسكرية، في حال لم يتم التوصل إلى صيغة توافقية بين "قسد" وحكومة دمشق.
وأمام تعقيد المشهد السياسي والعسكري، تبرز ورقة العشائر العربية كورقة رابحة للقوى الفاعلة على الساحة السورية، لذلك تسعى الحكومة الانتقالية و"قسد" لكسب هذه الورقة لما لها من انعكاس سياسي وعسكري على المشهد بشكلٍ عام.