نتائج المباحثات الأميركية السودانية في سويسرا.. ولماذا طلبت واشنطن اللقاء بالبرهان الآن؟

اكتشفت أميركا أنها أضاعت الوقت في انتظار هزيمة الجيش السوداني، وأن السودان دخل في علاقات مباشرة مع الصين، وروسيا، وتركيا، وإيران، وأن هذه العلاقات قد تحرمها مزايا استراتيجية يتمتع بها السودان.

  • نتائج المباحثات الأميركية السودانية في سويسرا.. ولماذا طلبت واشنطن اللقاء بالبرهان الآن؟
    نتائج المباحثات الأميركية السودانية في سويسرا... ولماذا طلبت واشنطن اللقاء بالبرهان الآن؟

بعد تأكيد صحة المعلومات التي تواترت حول لقاء رئيس مجلس السيادة في السودان عبد الفتاح البرهان مع مستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية، مسعد بولس، في منتصف الأسبوع الماضي، قالت المصادر إن الاجتماع تم بطلب من الولايات المتحدة، وامتد ثلاث ساعات وناقش قضية الحرب في السودان.

وضم الوفد السوداني كلاً من مدير جهاز المخابرات العامة الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل، ووزير الدولة بوزارة الخارجية السفير عمر صديق، ومدير مكتب البرهان اللواء الركن عادل سبدرات. بينما ضم الوفد الأميركي مستشارين أمنيين بارزين من "مجتمع الاستخبارات الأميركي".

البرهان كشف تورط 8 عواصم إقليمية ودولية في تأجيج الحرب في بلاده، مدفوعة بأطماعها في نهب ثرواته. وأكد أن الحرب في السودان هي "عدوان إقليمي" يهدف إلى تقسيم البلاد، مشدداً على أن الدولة السودانية، ممثلة في مجلسي السيادة والوزراء، والقوات المسلحة، والقوات النظامية، وحركات الكفاح المسلح، والمقاومة الشعبية، تقف موحدة لإفشال هذا المخطط، ورافضة لوجود ميليشيا الدعم السريع، مشيراً إلى أنه لا مستقبل لها في السودان، داعياً إلى تفكيكها وتسريح عناصرها ومحاكمة قادتها المجرمين.

في المقابل أشاد الوفد الأميركي بالتعاون الأمني التاريخي بين واشنطن والخرطوم، ولا سيما في مكافحة الإرهاب الدولي والإقليمي، وملفات الإتجار بالبشر، والهجرة غير النظامية، والتهريب، والمخدرات، والتطرف. وأكد الوفد الدور المحوري للسودان في استقرار منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا، مشدداً على أهمية استعادة التعاون الأمني بين البلدين.

كيف تمت الدعوة إلى مفاوضات سويسرا ومن هو الوسيط؟

كشف مصدر لـ "الميادين نت" أن الخطوات الأولى للمباحثات السودانية الأميركية، بدأت من تركيا حيث قام مسعد بولس بالاتصال هاتفياً بالبرهان يوم الجمعة 3/8/2025 وذلك بعد اجتماع بين مسعد ووزير خارجية تركيا هاكان فيدان، بحضور السفير الأميركي لدى تركيا توم باراك، وخلال تلك المحادثة تم الاتفاق على عقد لقاء بينهما في سويسرا.

وقالت مصادر الميادين أن البرهان، دعا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن والدفاع في التاسع من الشهر الجاري، وعرض عليه الدعوة الأميركية التي تلقاها للقاء مع مسعد بولس، وأكدت ذات المصادر أن مجلس الأمن والدفاع وافق على الدعوة.

وقالت المصادر إن اللقاء تم بترتيبات من تركيا وقطر، وأرسلت الأخيرة طائرة أميرية أقلت البرهان إلى زيورخ في سويسرا، حيث عُقد اللقاء بين الرجلين بحضور قيادات أمنية بارزة من الدولتين.

لماذا تمت الدعوة من أميركا الآن؟

اكتشفت أميركا أنها أضاعت زمناً طويلاً في انتظار هزيمة الجيش السوداني عبر الوكلاء العرب والأفارقة، وأن السودان دخل في علاقات مباشرة مع الصين، وروسيا، وتركيا، وإيران، وأن تطور علاقاته مع هذه الدول قد يحرمها مزايا استراتيجية يتمتع بها السودان، منها:

1- موقعه الجيوستراتيجي في قلب أفريقيا وبساحل طويل على البحر الأحمر، وموقع حضاري مؤثر على الحزام العربي الأفريقي.

2- امتلاكه عناصر قوة ناعمة بمقدورها أن تؤثر تأثيراً كبيراً على 9 دول تجاوره.

3- إمكانات زراعية مؤثرة في معادلات الأمن الغذائي، وثروات معدنية متنوعة ومهولة.

4- تفرّده بإنتاج 80-85% من إنتاج العالم من مادة الصمغ العربي الذي يعتبر مادة ضرورية في صناعات الغذاء والدواء والمواصلات والاتصالات والمعرفة والجمال.

العصا والجزرة في السياسة الأميركية

الأميركيون يستخدمون نظرية "العصا والجزرة" لتطويع الدول المقاومة والممانعة وذات البعد الإستراتيجي، ففي حالة السودان دعموا الحركة الشعبية أيام جون قرنق وهو حليف لـ "إسرائيل" ودربوا قواتها وقدموا لها الدعم اللوجستي، وعندما جرت هزيمتها جاء مقترح مفاوضات السلام مع الحكومة السودانية (ناكورو وميشاكوس ونيفاشا) والتي مهدت لفصل جنوب السودان.

والآن ترعى أميركا و"إسرائيل" ودول غربية الحرب في السودان والتي توفر لها دولة إقليمية الدعم اللوجيستي والمالي والسياسي والإعلامي برعاية تلك الدول. وما أن تأكدت هذه الدول أن مؤشرات العمليات العسكرية قد صار في صالح الجيش والمقاومة الشعبية، سارعت أميركا إلى فتح مسار دبلوماسي في زيوريخ بسويسرا، استباقاً لإعلان الدولة السودانية انتصارها على الدعم السريع بعد أن انحصر وجوده في جيوب محدودة في كردفان وفي بعض جغرافيا دارفور، ويأتي هذا المسار حماية لمصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي التي من أجلها أطلق مشروع الحرب في السودان.

 ما هي أهم شروط الاتفاق؟ وكيف تُقرأ ؟

دخلت أميركا هذا الحوار لتحتوي السودان وتبسط سلطانها عليه، وهو الهدف الذي فشلت الحرب في تحقيقه، ثم لتحقق أهدافها الملحة المتصلة بالبحر الأحمر الذي تصاعدت أهميته بعد الإسناد اليمني لغزة، وبعد أن حصلت روسيا على موافقة السودان لإقامة مركز بحري على الساحل السوداني. وبجانب ذلك كان موضوع مكافحة الإرهاب حاضراً.
في هذا اللقاء أكد بولس:
- حرص الولايات المتحدة على بناء علاقات مباشرة وقوية مع السودان.
- أهمية "التحول الديمقراطي بقيادة مدنية" كمسار لا غنى عنه.
- ضرورة إطلاق عملية سياسية شاملة تضم "الأطراف المدنية" كافة .
- فتح ممرات إنسانية آمنة فوراً وإيصال المساعدات من دون أي عوائق.
- ضمان حماية النازحين الفارين من جحيم النزاع.

في المقابل، طالب البرهان بما يلي:
- الضغط على الإمارات لتوقف دعمها الكامل لمليشيا الدعم السريع. 
- تصنيف الدعم السريع منظمة إرهابية، وعدم السماح لها بأي دور سياسي أو عسكري بعد الحرب، ومحاكمة قادتها وضمان عدم إفلاتهم وإفلات مرؤوسيهم من العقاب.
- وقف التسهيلات التي تمنحها دول أخرى للدعم السريع، والتي تيسر لها إدخال المرتزقة والسلاح والعتاد.

السيناريوهات المحتملة إثر اللقاء في سويسرا

تحدث عدد من المراقبين عن السيناريوهات المحتملة بعد هذا اللقاء، ولخصها الدبلوماسي السوداني معاوية التوم في النقاط التالية:

- تسريع المسار السياسي: الولايات المتحدة قد تدفع نحو إطلاق عملية سياسية جديدة، مع تعزيز موقف الجيش في مواجهة الدعم السريع واستكمال مسار التحرير.

- ترتيبات أمنية قبل التسوية: احتمال استمرار اللقاءات غير المعلنة لترتيب تفاهمات حول البحر الأحمر ومكافحة الإرهاب قبل أي اتفاق سياسي شامل، وتعزيز البناء المدني للدولة من النقطة التي يقف عليها الآن.

- رد فعل إقليمي مضاد: يتمثل في تحرك بعض المراكز الإقليمية، وفي مقدمتها أبوظبي لإفشال أي مسار يضعف نفوذها في السودان، أو يخرج حلفائها من المشهد.

- التصعيد ضد الدعم السريع: وذلك بتصنيفه منظمة إرهابية، خصوصاً مع استمرار حصاره للفاشر في الغرب وتصعيد هجماته على المدنيين واستمرار استخدامه سلاح التجويع.

خاتمة

شكّل اللقاء في سويسرا نقطة تحوّل كبيرة في العلاقات بين واشنطن والخرطوم، وما زالت الدوائر الأمنية والسياسية العالمية والإقليمية وحتى المحلية تترقب نتائج هذا اللقاء، وما زالت ردود الأفعال تتوالى في الداخل السوداني حتى كتابة هذه السطور بين رافض ومتحفظ ومستبشر، ويظل السؤال قائماً: هل يستطيع البرهان تمرير هذا الاتفاق على الجيش والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية وجموع الشعب السوداني، أم يكون مصيره كمصير لقاء نتنياهو في عنتيبي الأوغندية؟

منتصف نيسان/أبريل 2023 تندلع مواجهات عنيفة في الخرطوم وعدة مدن سودانية، بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، وتفشل الوساطات في التوصل لهدنة بين الطرفين.

اخترنا لك