الجفاف يضرب درعا: منابع المياه جنوب سوريا بقبضة الاحتلال!

تشهد مدينة درعا كارثة مائية غير مسبوقة، بعد جفاف معظم الينابيع والبحيرات، وتراجع الأمطار بنسبة 60%، وسط سيطرة إسرائيلية على منابع المياه الحيوية في الجنوب. ومع غياب أي تدخل حكومي حقيقي، تتفاقم معاناة السكان بين العطش، وتلف الأراضي الزراعية.

0:00
  • الجفاف يضرب درعا: منابع المياه جنوب سوريا بقبضة الاحتلال!
    الجفاف يضرب درعا: منابع المياه جنوب سوريا بقبضة الاحتلال!

بين الواقع المائي الخطير، والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة، يجد أبناء مدينة درعا جنوب سوريا أنفسهم عالقون بين فكي كمّاشة، في ظل غياب الدور الحكومي الداعم لهم، مما يهدد الأمن المائي في درعا بشكل كامل.

ولم يعد نقص المياه في درعا مجرّد أزمة عابرة، فالواقع الحالي ينذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة، مع تأكيد مصادر محلّية أن الجفاف الحاد ضرب 95% من البحيرات والسدود في المدينة للمرة الأولى منذ 50 عاماً، وذلك بفعل انخفاض كميات الأمطار لمستويات قياسية خلال السنوات الأخيرة، وسيطرة القوات الإسرائيلية على المنابع المائية الاستراتيجية في الجنوب السوري منذ بداية العام الحالي. 

بحيرة "المزيريب" بلا مياه

على بعد 11 كيلومتراً غرب درعا، وتحديداً في بلدة "المزيريب" المتاخمة للحدود الأردنية، تحوّلت بحيرتها التي كانت قبل سنوات قبلةً للصيّادين ومزاراً للمتنزهين، إلى أرض جافّة وواحة قاحلة لا يقصدها أحد، بفعل الحفر العشوائي للآبار والنقص الحاد في كميات الأمطار، مما أدى إلى تقلّص مساحة المياه في البحيرة تدريجياً، حتى وصلت إلى مرحلة الجفاف.

يؤكد غالب العماشة أحد سكان "المزيريب" للميادين نت أن البلدة كانت تملك مخزوناً مائياً وفيراً من الينابيع والآبار والبحيرة المعروفة، إلا أن السياسات الحكومية بنقل المياه إلى المدن والبلدات المجاورة حرم أهالي "المزيريب" من مياههم، وهو ما دفع الفلاحين إلى حفر الآبار عشوائياً لتأمين المياه لحقولهم، في ظل عدم استجابة الجهات المعنية لنداءاتهم المتكررة.

ويشير العماشة إلى أنّ سياسية الحفر العشوائي قلّصت كميات المياه في الينابيع والبحيرة إلى مستويات غير مسبوقة، وما زاد الأمر سوءاً هو نقص كميات الأمطار على المنطقة الجنوبية، مما أدى إلى خسارة معظم الفلاحين لمواسمهم الزراعية، كما اضطر آخرون إلى بيع أراضيهم والرحيل خارج البلدة.

ما يجري في بلدة "المزيريب"، ينطبق تماماً على معظم القرى والبلدات في مدينة درعا، التي تقترب من الوصول إلى مرحلة الجفاف، حيث أدى حفر الآبار العشوائي إلى استنزاف واسع للمياه الجوفية، ما أوصل عدداً من البحيرات والينابيع مثل: زيزون، الجبيلية، العجمي، عشترة، نبع الساخنة، والفوار إلى مرحلة الجفاف.

تراجع مخيف في كميات الأمطار

"الورق الأخضر اختفى والموسم انضرب"، هكذا عبّر المزارع عمر المسالم عن الواقع الزراعي في مدينة درعا، وقال للميادين نت: "خسرت موسم الزيتون بالكامل نتيجة عدم وجود المياه اللازمة للريّ، وعجزت عن تأمين أيّ مصدر بديل بعد جفاف آبار المياه الموجودة في أرضي، كما غابت الأمطار بشكل شبه كامل".

وتابع المسالم: "الغريب في الأمر، أن الكارثة المائية لم تقابَل بأيّ رد فعل حكومي، ولم تُحرّك الجهات المعنية ساكناً لتقديم يد العون للفلاحين الذين تعرّضوا لخسائر مضاعفة"، ويضيف المزارع السوري: "المعلومات التي وصلتنا تؤكد أن مصادر المياه الرئيسية في جبل الشيخ قد سيطرت عليها القوات الإسرائيلية، وهذا ما يعني أن المواسم الزراعية في الجنوب السوري بأكلمها باتت تحت رحمة إسرائيل".

للمرة الأولى منذ 5 عقود، بلغ معدل الهطل المطري في مدينة درعا هذا العام 113 ملم فقط، بنسبة انخفاض 60% عن نسبة العام الماضي، وهو ما ينذر بتغيّر مناخي حاد سيكون له تبعات خطيرة على الأمن المائي ليس في درعا فقط، وإنما على مستوى سوريا أيضاً.

ونتيجةً لقلّة الأمطار، جفّت العديد من السدود المائية في المنطقة الغربية، والتي يعتمد عليها المزارعون كمصادر رئيسية للري، مثل: سدّ سحم الجولان وعابدين وتسيل وعدوان.

الظروف المناخية أدت إلى تلف مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، والتي تشكّل مصدر الدخل الرئيسي لنحو 70% من أهالي درعا وريفها، ولعلّ أهم المحاصيل التي تضررت خلال الموسم الحالي هي: القمح والزيتون والعنب.

غياب مياه الشرب

لم تقتصر تبعات الأزمة المائية التي تواجهها درعا حالياً على الأراضي الزراعية، حيث يعاني معظم الأهالي من انقطاع مياه الشرب منذ نحو أربعة أشهر، وسط غياب أيّ بدائل حقيقية لتأمين المياه، التي باتت تمثل معاناة إضافية لأبناء المحافظة، إلى جانب أزماتهم الأمنية، والاقتصادية، والمعيشية.

ويُقدَّر سعر شراء صهريج مياه بـ 180 ألف ليرة سورية (18 دولار أميركي)، وقد يصل السعر إلى أكثر من ذلك بكثير بسبب تحكم أصحاب الصهاريج وملّاك الآبار بالأسعار، وهذا ما يفوق قدرة الأهالي الذين يعانون من الفقر وقلة فرص العمل.

ويُقدَّر عدد سكان درعا وريفها بنحو 800 ألف نسمة، يعيش قسم كبير منهم في ظروف معيشية قاسية، وتفاقمت المعاناة في بعض البلدات القريبة من الحدود مع "إسرائيل"، حيث عمد الجيش الإسرائيلي إلى منع السكان من الوصول إلى أراضيهم الزراعية، ما حرمهم من مصدر رزقهم الأساسي، المتمثّل في الزراعة وتربية النحل، وزراعة المحاصيل مثل البطاطا، والبندورة، والأشجار المثمرة.

"إسرائيل" السبب الأبرز

منذ كانون الأول/ديسمبر الماضي، بدأت القوات الإسرائيلية عمليات توغل واسعة في الجنوب السوري، وسيطرت على جبل الشيخ الاستراتيجي بما يحتويه من منابع مائية استراتيجية تؤمّن المياه لكامل مدن الجنوب "درعا - القنيطرة – السويداء"، كما أن تلك المنابع تعد مصدراً حيوياً لمياه العاصمة دمشق وريفها.

وسيطرت قوات الاحتلال أيضاً على "سد المنطرة" في القنيطرة، وعلى كامل السدود الموجودة في منطقة "حوض اليرموك"، وعلى روافد نهر اليرموك، حتى أنها باتت المتحكم الوحيد بمصادر المياه في الجنوب السوري.

وأمام التوغل الإسرائيلي المستمر الذي يطال المناطق الحيوية ومنابع المياه الاستراتيجية في الجنوب السوري، غابت الحلول الحكومية لكبح جماح "إسرائيل" أو إيجاد مصادر مياه بديلة للأهالي الذين يواجهون مشاكل أمنية واجتماعية ومعيشية بالجملة، لذلك بات من الضرورة على الإدارة السورية الجديدة التحرك سريعاً لمواجهة الكارثة المائية في الجنوب.

اخترنا لك