فاطمة مهاجراني - المتحدثة باسم الحكومة الإيرانية
ما آفاق العلاقة بين إيران ودول الخليج؟ وما أبرز تحدّياتها؟ إلى أين وصلت المحادثات النووية بين طهران وواشنطن؟ وكيف تتعامل إيران مع التهديدات الإسرائيلية لها؟
نص الحلقة
مالك عابدي: حيّاكم الله مشاهدينا الكرام وأهلاً وسهلاً بكم إلى هذه المقابلة الحَصْرية والخاصة عبر قناة الميادين مع المتحدّثة باسم الحكومة الإيرانية الدكتورة فاطمة مهاجراني.
دكتورة فاطمة، أسعد الله أوقاتك بكل خير.
فاطمة مهاجراني: السلام عليكم، وأهلاً وسهلاً.
مالك عابدي: العديد من القضايا المهمّة والساخنة في الحقيقة نودّ أن نسأل عنها، ولكن سنبدأ بالمحادثات النووية غير المباشرة ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.
في ظلّ التغييرات في المواقف الأمريكية والتناقُضات في هذه المواقف، كيف تُقيّمون هذه المحادثات؟
فاطمة مهاجراني: بسم الله الرحمن الرحيم، أرحّب بكم، وأنا مسرورة جدّاً بالتحدّث إلى مشاهديكم الكرام.
إن موضوع المفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية هو موضوع بدأ منذ فترة، وكما أعلنا فإن أحد التحدّيات بالنسبة إلينا هو التناقض في التصريحات من جانب الإدارة الأمريكية.
وبالطبع فإننا نرغب في أن تتمّ المفاوضات على محور إزالة العقوبات إضافة إلى الاعتراف ببرنامجنا النووي السلمي، وقد أعلنا أن هذا الموضوع ليس قابلاً للتفاوض، وبالطبع فإن على الإدارة الأمريكية أن تُحدّد مواقفها تجاه هذا الموضوع.
لذلك فإن المواقف المُتناقضة هي التي تُصَعّب علينا مهمّاتنا، لكننا نتابع مسار المفاوضات بصبر واحترافية.
وكما تمّ الإعلان، فنحن في صَدَد تعيين موعد الجولة السادسة من المفاوضات.
مالك عابدي: الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قال مؤخّراً بأن الإيرانيين يطلبون أشياء لا يمكن تنفيذها، ولا يريدون التخلّي عما يجب التخلّي عنه. طبعاً في إشارة منه إلى موضوع تخصيب اليورانيوم، كما إنه أيضاً حذّر من أن بدائل حال عدم التوصّل إلى اتفاق ستكون وخيمة على إيران.
كيف تُقرأ في إيران هذه المواقف للرئيس الأمريكي دونالد ترامب؟
فاطمة مهاجراني: الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ انطلاق ثورتها المباركة عام 1979 أثبتت للعالم أنها سوف تُحقّق حقوق الشعب الإيراني، ولن تُوفّر أيّ جهد في نَيْل هذه الحقوق.
ليس من حقّ الولايات المتحدة الأمريكية أن تُحدّد ما يجب علينا أن نمتلكه، بل نحن سوف نسعى لامتلاك كل ما يكون لازماً لتحقيق مصالحنا القومية، فسنُحدّد خطواتنا في إطار مصالحنا القومية، وبالنسبة إلينا أيضاً فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة.
مالك عابدي: ما هو الدور الذي تلعبه الدول الأوروبية الثلاث الآن في المحادثات غير المباشرة ما بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية؟
فاطمة مهاجراني: نحن بالتزامُن مع المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة بدأنا مفاوضات مع الدول الأوروبية، ونحن نرغب في أن تتّخذ الدول الأوروبية مواقف منطقية، وأن تتخلّى عن اتخاذ المواقف العدائية، لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا ترغب أساساً في أن تكون في حال عداء مع أية دولة، ما عدا الكيان الصهيوني.
فمواقفنا تجاه إسرائيل واضحة، ونرغب في أن تكون لنا علاقات طبيعية وبنّاءة بكل دول العالم.
هذا بالطبع سوف يرتبط في أن تتّخذ تلك البلدان مواقف واضحة، وأن تتخلّى عن حال العداء ضدّ إيران.
مالك عابدي: السيّد رافاييل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، تحدّث قائلاً بأن مسؤولين إيرانيين أخبروه بأنه في حال استهداف المنشآت النووية الإيرانية فإن إيران سوف تتوجّه إلى صناعة السلاح النووي. هذا التصريح أو هذا الكلام كان لوسيلة إعلامية إسرائيلية.
ما تعليقكم على ما قاله غروسي؟ وما هو رأيكم حول هذا التصريح لوسيلة الإعلام الإسرائيلية؟
فاطمة مهاجراني: نحن نتوقّع من المؤسّسات التي تضطلع بمهمّات فنية أن يكون سلوكها فنياً، وهذا ما نتوقّعه من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تتصرّف بصورة كاملة وفقاً لمهمّاتها الفنية والقانونية.
ومن دون أية توجّهات سياسية، فإن أكثر من 20 في المئة من عمليات تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية تمّ في المنشآت النووية الإيرانية. وهذا يعني بوضوح أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعاونت دائماً وبصورةٍ كاملةٍ مع عمليات التفتيش، ونحن نرغب في أن نتعامل بشفافية.
نحن في ما يرتبط بصناعة الصواريخ الباليستية أعلنا بكل بساطة وبوضوح أننا نصنع الصواريخ، ومن دون شكّ سوف نقوم بذلك.
ونحن نتحدّث عنه كإنجاز، وهو حقّاً إنجاز، وليس من المقرّر أن نصنع أسلحة نووية، ونحن لا نُجامِل في ذلك.
نقوم بكل ما يلزم للدفاع عن شعبنا، لكننا لا ننوي صناعة أسلحة نووية، كما أن سماحة قائد الثورة المُعظّم أفتى بحُرمتها.
لذا، ليس لدينا أية نيّة في القيام بذلك، وما نتوقّعه من المؤسّسات الدولية الفنية أن تتصرّف بصورة فنية، وليس سياسية، وأن تعترف بحقوق الشعب الإيراني.
مالك عابدي: كيف تقرأون اليوم الضغوط والمحاولات الإسرائيلية لإفشال مسار المُحادثات الإيرانية الأمريكية؟ وهل تعتقدون أن بنيامين نتنياهو قادر على المُضيّ قُدُماً في مُخطّط تخريب هذه المحادثات؟
فاطمة مهاجراني: نحن نعلم أن إسرائيل لن تدخّر جهداً من أجل عرقلة مسار المفاوضات، ومنذ بداية المفاوضات أبلغنا الجانب الأمريكي هذا الأمر، وكذلك فإن الجانب الأمريكي خلال المفاوضات أدرك هذه الحقيقة، وهي أن العدو الإسرائيلي سوف يُلقي بظلاله السلبية على طبيعة المفاوضات.
لكن الحقيقة المهمّة هي أنه من خلال الوثائق النووية الإسرائيلية السرّية التي في حوزتنا اليوم، والتي حصلنا عليها بجهود وتضحيات جنود الإمام المهدي عليه السلام، فإن يد الكيان الإسرائيلي سوف تكون واضحة للجميع.
وإن إسرائيل اليوم سوف تُفْتَضَح أمام العالم من خلال ممارساتها الإجرامية في قطاع غزّة، إضافة إلى أسرارها العسكرية والنووية التي أصبحت في حوزتنا.
كما أن هذه الحقائق سوف تتكشّف لدى الأمريكيين أيضاً، لذلك نوصي الأمريكيين بأن يسعوا وراء تحقيق مصالحهم القومية، وألا يصطفّوا خلف الكيان الإسرائيلي، لأن البيت الإسرائيلي هو بيت من ورق.
==مالك عابدي: تحدثتِ عن المعلومات التي تمك~نت إيران من الحصول عليها من العمق الإسرائيلي. هل يمكن أن نصف هذا العمل الاستخباراتي بأنه ضربة للأجهزة الأمنية الاستخباراتية الإسرائيلية؟ وما هي المعلومات التي حصلتم عليها؟
فاطمة مهاجراني: إن حجم وخطورة المعلومات التي تمّ الحصول عليها في هذه العملية كبيران وعميقان جداً.
بالطبع، إن مؤسّساتنا الأمنية سوف تنشر هذه المعلومات في الوقت المُلائم، وسوف تضع قسماً منها في مُتناول وسائل الإعلام.
إن الكيان يفتك بالأطفال والنساء الأبرياء في غزّة منذ عامين، وعندما يُشاهد العالم ويطّلع على حقيقة هذه الأسرار الأمنية، إضافة إلى جرائم الإبادة الجماعية التي يرتكبها هذا الكيان في غزة، فإنه سوف يُدرك الحقيقة المُضادّة للبشرية لديه، ولن تبقى لهذا الكيان هوية أخرى سوى تلك المُعادية للبشرية.
لذلك، فإن هذا الكيان يتلخّص في كونه كياناً مُعادياً للبشرية.
مالك عابدي: سيّدة فاطمة، جرى في الفترة الماضية الحديث عن سماح إيران للشركات الأمريكية بالاستثمار داخل إيران في حال التوصّل إلى اتفاق نووي مع إيران. ما هي المجالات التي يمكن للشركات الأمريكية الدخول والاستثمار في إيران؟
فاطمة مهاجراني: بالطبع، إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بلد يمتلك الكثير من الفُرَص الاستثمارية في مختلف المجالات.
نحن نُرحّب بالمُستثمرين، وبالطبع فإننا كأيّ بلدٍ آخر نضع شروطاً وقوانين خاصة، ولدينا ملاحظات خاصة لقبول المستثمرين، ويحرص على مصالح شعبه ومصالحه القومية فإننا كأيّ بلدٍ آخر في العالم لدينا مثل هذه الملاحظات والشروط.
لذلك في إمكان المُستثمرين الاستثمار في إيران بعد مُراعاة تلك الشروط، وبالطبع يجب دراسة كل طلب استثمار وفقاً لطبيعة الاستثمار.
مالك عابدي: سيّدة فاطمة دائمًا ما نسمع من لسان المسؤولين الإيرانيين عن عدم ربط الاقتصاد الإيراني ومستقبل البلاد بمسار المحادثات ما بين إيران والولايات المتحدة.
هل لديكم خطط للتعامُل مع فرضيّة أو انهيار أو توقّف المُحادثات غير المباشرة مع الولايات المتحدة؟
فاطمة مهاجراني: نحن أعددنا كل البرامج والخطط، مُستعدّون للتعامُل مع حال حدوث الاتفاق والانفراج الاقتصادي. وكذلك نحن مُستعدّون للتعامُل مع حال فشل المفاوضات وزيادة العقوبات. فنحن نتعرّض للعقوبات منذ عدّة عقود، وهذه العقوبات تستهدف بصورة مباشرة الشعب الإيراني، لكن إيران بلد مُقْتَدِر وخلال الفترة السابقة استطاع شباننا التغلّب على المشكلات بعزمهم وطاقاتهم العلمية.
لذلك فإننا إذ نرحّب بالانفتاح والانفراج الاقتصاديين فإننا على استعداد تام للتعامُل مع الظروف الصعبة.
مالك عابدي: في كل المجالات أنتم جاهزون اقتصاديًا، وسياسيًا وعسكريًا أم ماذا؟
فاطمة مهاجراني: نحن جاهزون في كل المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية، وبرامجنا جاهزة لذلك نحن على استعداد تام للتعامُل مع أيّ سيناريو.
مالك عابدي: إيران تولي اهتمامًا خاصًا لدول المنطقة، لا سيما دول الجوار. كيف الآن تقيّمون علاقاتكم الدبلوماسية والاقتصادية مع دول مجلس التعاون؟
فاطمة مهاجراني: استراتيجيّتنا الأولى هي التعامُل مع دول الجوار، ونحن نعتقد أن منطقتنا بسبب ما أنعم الله عليها من ثروات طبيعية وما تملكه من ثقافة وحضارة غنيّتين وعريقتين، فإنها تمتلك كل المقوّمات اللازمة والبنى التحتية كي تتحوّل إلى قُطْبٍ اقتصادي عالمي.
لذلك من الطبيعي أن نركّز توجّهاتنا أولًا على جيراننا في المنطقة، سواء من الدول المُتشاطئة معنا أو تلك التي نرتبط بها عبر حدود برّية، وهذه هي الاستراتيجية الجادّة للحكومة الإيرانية الرابعة عشرة.
مالك عابدي: بعد عام ونصف العام أو أكثر من عام ونصف العام من الحرب الإسرائيلية والعدوان الإسرائيلي على غزّة،
كيف تقيّمون أفق هذه الحرب، وهل حقّقت إسرائيل أهدافها من هذه الحرب؟
فاطمة مهاجراني: إذا كان هدف إسرائيل قتل الناس، فنعم، لقد حقّقت هذا الهدف بامتياز، لكن إذا كان هدفها إخماد صوت الإنسانيّة، فإنها لم تحقّق هذا الهدف، لأن صوت الله هو الأعلى، وهو الذي قال إن الحقّ سينتصر على الباطِل، ولأن أهالي غزّة هم على حقّ ويتعرّضون للظلم، فإن المظلوم من دون شكّ سينتصر على الظالم ولو بعد حين.
=ونحن تعلّمنا هذا الدرس من كربلاء، فلقد شَهِدْنا استشهاد الأشخاص، لكن صوت كربلاء ونداءها لم يخمُد أبدًا، وغزّة هي اليوم كربلاء العصر.
مالك عابدي: كيف تعلّقون على المُخطّط الأمريكي الذي طرحه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل تهجير سكان غزّة من وطنهم وترحيلهم منه؟
فاطمة مهاجراني: هذا المشروع هو في الحقيقة امتداد للمشاريع المُخْزٍية والشنيعة التي تنفّذها إسرائيل بدعمٍ مباشرٍ من أمريكا، وهذا المشروع أيضًا كسائر المشاريع السابقة سيؤدّي بالدرجة الأولى إلى فَصْل الكيان الصهيوني، كما أن الوجدان البشري لم ينسَ أبدًا مجزرة صبرا وشاتيلا، وبقيت أسماء بعض الأفراد في سجّل التاريخ والأذهان تحت عنوان قصّاب صبرا وشاتيلا، وهذا المشروع هو أيضًا كذلك، فالحقّ ينتصر على الباطل ولو طال الوقت.
مالك عابدي: برأيكم، ما الذي يُطيل أمد الحرب الإسرائيلية في غزّة؟ وما هي المسؤوليّات التي يتوجّب على الدول الإسلامية فعلها اتجاه أهل أو سكان غزّة؟
فاطمة مهاجراني: الحرب على غزّة اليوم ليست حربًا ضدّ أهالي غزّة فقط، بل هي أيضًا حرب ضدّ المفاهيم الإنسانية والبشرية، فما يحدث اليوم في غزّة هو تجميع الأطفال والنساء ثم قتلهم في طوابير الغذاء، فهل يبقى معنى للمفاهيم الإنسانية والبشرية؟
وهذه الحرب تمضي في الظاهر عبر إمعان الكيان الإسرائيلي في قتل آخر فلسطيني، مُتناسيًا أن حقيقة الشهادة تحمل معنييّ السقوط والنهوض معًا، وأن صوت الحرية ونداءها اللذين يعلوان اليوم من غزّة وفلسطين لن ينطفئا أبدًا.
إن ما يحدث اليوم في غزّة مَدْعاة خَزْي للبشرية، وبالمعنى الحقيقي للكلمة يمثل وصمة عار على جبين البشرية، بحيث يتمّ تجميع الأطفال والنساء ثم يُطْلَق الرصاص عليهم في طوابير الغذاء.
فهل هناك مشاهِد أكثر فظاعة من تلك المشاهِد في التاريخ؟ هذه المشاهِد هي حقًا وَصْمة عار على جبين البشرية.
مالك عابدي: السيّدة فاطمة مهاجراني، المُتحدّثة باسم الحكومة الإيرانية، شكرًا جزيلًا لك على هذه المساحة الحوارية.
والشكر موصول لكم مشاهدينا الكرام، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.