إمبريالية الحشيش والإرهاب والجاسوسية
تشن الولايات المتحدة ومعها حلفاؤها من الدول والمنظمات حرباً متعددة الأوجه والأشكال، تستهدف فنزويلا وإيران واليمن، وسلاحها حجج "تهريب المخدرات" أو "مخالفة الشرعية الدولية" أو "دعم الإرهاب".
-
إمبريالية الحشيش والإرهاب والجاسوسية
تتعرّض فنزويلا وكولومبيا واليمن وإيران إلى أشكال مختلفة من التهديد وحملات الشيطنة والتضليل الإعلامي. فنزويلا وكولومبيا والعواصم اللاتينية التي تتحرّر تباعاً بسبب تحوّلاتها السياسية والاجتماعية ودورها المتنامي في تكريس الخط البوليفاري كإطار لتفاهم أميركي - لاتيني متحرّر من القبضة الإمبريالية، وفي دعم وإسناد قضايا التحرّر الوطني وفي مقدّمتها القضية الفلسطينية.
اليمن، بسبب استقلاله والانعطاف الكبير في خياراته السياسية ودعمه اللامحدود للمقاومة في غزة، وإيران للأسباب المعروفة، فمنذ الإطاحة بنظام الشاه العميل وإيران متهمة بدعم الإرهاب (المقاومة)، فبالرغم من الضجيج الصهيوني حول الاعتداءات السابقة على إيران وإخراجها من رقعة اللاعبين في الشرق الأوسط، إلا أنّ "تل أبيب" وواشنطن والمحميات النفطية التابعة تدرك أنّ البنية اللوجستية الإيرانية قادرة في أيّ وقت على الاشتباك وتوجيه ضربات مؤلمة كما فعلت خلال حرب الأيام الـ 12.
هذه الحقيقة لا تزال تقضّ مضاجع الصهاينة والإمبرياليين إضافة إلى معطيات أخرى في مقدّمتها أنّ المشروع الإبراهيمي المتصهين لا يمكن أن يمرّ بوجود إيران قوية، إضافة إلى علاقات إيران المتطوّرة مع روسيا والصين وانعكاس ذلك على قلب العالم الجنوبي.
مقابل اختلاق الأكاذيب الإمبريالية حول فنزويلا، لم تتردّد واشنطن وتحالفاتها من اختراق العديد من المنظّمات والهيئات الدولية واستخدامها كأدوات للتجسّس على اليمن والمشاركة في تنفيذ عمليات غير شرعية على أراضيه، فماذا عن الخلفيّة والحقيقة في كلّ ذلك:
1-إمبريالية الحشيش الأميركية:
فيما يخصّ فنزويلا وكولومبيا والأكاذيب الإمبريالية حول تجارة المخدّرات بات معروفاً أنّ الاستثمار بحقوق الإنسان ثمّ بمكافحة المخدّرات، من السمات الأساسية للواجهات والأقنعة الإمبريالية ضدّ أيّ عاصمة وقوة مناهضة، وها هي فنزويلا منذ أن تحرّرت من قبضة واشنطن وهي على رأس قائمة المستهدفين وتحت عناوين وأقنعة مختلفة، بل إنّ الإدارة الإمبريالية في واشنطن اخترعت جبهتين معاً في تهديداتها العدوانية لفنزويلا، مزاعم ملاحقة شبكات المخدّرات، ومنح جائزة نوبل للسلام لناشطة نازية عنصرية من فنزويلا.
من الجيد فعلاً أن تصبح المافيا وتجارة المخدرات عنواناً للإدانة والملاحقة في كلّ مكان وأن نربط واقعها الراهن مع جذورها وتاريخها، فها هنا نتعرّف إلى الروّاد الأوائل لهذه العوالم السوداء، ابتداء بالإمبريالية الإنجلوسكسونية، عندما شنّت أكبر حملة عدوانية على بلد صاعد في حينه، هو الصين فيما عرف بحرب الأفيون وذلك خلال النصف الأول من القرن التاسع عشر.
وكما ورثت الإمبريالية الأميركية بريطانيا في كلّ شيء، من حملات الإبادة الجماعية للسكان الأصليين، إلى عالم البنوك والبورصات اليهودية، ورثت أيضاً عالم المافيا والمخدّرات.
من السخرية بمكان أن لا يتحدّث أحد عن مكافحة المخدّرات والإرهاب والمافيا أكثر من الإدارات الأميركية، ولا أحد متورّط فيها جميعاً مثل واشنطن، ويعرف المهتمون بالأدب الأميركي وسينما هوليود، كيف نشأت هذه الإمبريالية بالذات وولدت بين أصابع المافيات كما تخبرنا الروايات التي تحوّلت إلى السينما عبر مخرجين كبار أمثال كوبولا وسكورسيزي، ومن ذلك على سبيل المثال روايات وأفلام "العرّاب" و"عصابات نيويورك" و"نادي القطن"، وكذلك فيلم "البنك الدولي" الذي يكشف دور المخابرات الأميركية في تجارة المخدّرات مع أصوليّات تكفيرية وتمويلها عبر أشكال مختلفة من غسيل العملة.
إضافة إلى أنّ صراع المافيات المعروفة في كلّ الولايات الأميركية وبينها مافيات اليهود وصقلية وبعض المهاجرين من إيرلندا والمكسيك، فقد شكّلت مانهاتن على وجه الخصوص محطة أساسية في هذا التاريخ الأسود.
في عام 1626 بدأت مانهاتن بصفقة لا تصدّق إذ أجبر المستعمرون البيض السكان الأصليين لهذه الجزيرة في مدخل نيويورك على بيعها بعشرين دولاراً، ومنذ تلك الصفقة تطوّرت أقذر رأسمالية في التاريخ وهي رأسمالية المافيات الإجرامية والبورصة اليهودية، أما وول ستريت فقد كان جداراً بين المستعمرين البريطانيين والهولنديين وشهدت مذابح رهيبة من الطرفين كما شهدت تتويج أوّل تاجر للعبيد، جورج واشنطن، رئيساً للولايات المتحدة.
2-اليمن، منظّمات دولية أم أدوات للتجسس:
بالإشارة إلى اكتشاف مجموعة من العاملين في المنظّمات الدولية في اليمن، يقومون بأعمال غير شرعية مثل التجسّس، لم يكن اليمن أوّل بلد من جنوب العالم يكشف الدور الخطير الذي تؤدّيه المخابرات الأميركية والبريطانية والفرنسية باستخدام وتوظيف المنظّمات الدولية لمهام قذرة، مثل التجسس والتآمر، وبدلاً من أن تعترف هيئة الأمم بهذه الفضائح وتحاسب عليها، راحت تتهم اليمن بمخالفة الشرعية الدولية.
يشار هنا إلى ما تحدّث عنه إيكو في كتابه (السرّ الأكبر) حول خضوع المنظّمات الدولية، مثل الصحة العالمية، والتعليم، والبيئة، وغيرها إلى الهيمنة الإمبريالية، مثل الكارتل الدوائي الإنجلوسكسوني - السويسري الذي يطغى على صناعة الأوبئة والحرب الجرثومية وكذلك توظيف هذه المنظّمات للبلدان الفقيرة كمختبرات لها ولأدويتها، وفيما يخصّ التعليم يتوقّف الكتاب عند اللعب بالعقول والتلقين والتركيز على الدماغ الأيسر، حيث المادية الوضعية المبتذلة مقابل إهمال الدماغ الأيمن (التفكير الحرّ والإبداع)، أما الصندوق العالمي للبيئة ومن خلال سيطرته على المحميات الطبيعية، فإنه يضع يده على موارد وثروات الشعوب ويوفّر من خلالها معسكرات لتجهيز وتدريب الجماعات المأجورة من نمط جبهات التحرير في كوسوفو ورواندا والشرق الأوسط والتبت (جماعة الداي لاما) ضدّ الصين.
ومن عالم هذا الصندوق، ولد نادي السفاري (نسبة إلى اسم نادي في كينيا) الذي شهد ميلاد أكبر تجمّع استخباراتي لمواجهة حركات التحرّر في أفريقيا، بحضور جورج بوش وكمال أدهم وأشرف مروان وقائد السافاك (مخابرات شاه إيران).
3-إيران، والاتهامات بدعم الإرهاب:
يعرف القاصي والداني أنّ معقل ومركز الإرهاب الدولي العالمي، هو الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأقلام الاستخبارات في العواصم الرأسمالية.
إضافة إلى نشأة المافيا ونفوذها في الولايات المتحدة، كانت استراتيجية الإرهاب تنمو إلى جانبها وبلغت ذروتها في استخدام الإرهاب النووي ضدّ المدن اليابانية في الحرب العالمية الثانية، مروراً بالسائل البرتقالي ضدّ الفلاحين في فيتنام، واستخدام اليورانيوم المنضبّ في العراق.
هذا غير عشرات الانقلابات العسكرية الدموية لفرض دكتاتوريات فاشية، راح ضحيتها الملايين في تشيلي وغواتيمالا والسلفادور وإندونيسيا (مليون قتيل)، وغير مختبرات الأدوية التي أودت بحياة ملايين الهنود والأفارقة، ناهيك بتزويد العدو الصهيوني بأشدّ الأسلحة فتكاً بالمدنيين كما حدث في غزة، وتأسيس ورعاية الجماعات التكفيرية الإرهابية من أفغانستان إلى سوريا، بل وتسليم هذه الجماعات الإرهابية السلطة في أكثر من بلد وإضفاء شرعية عليها باسم الأمر الواقع، ومسحها من سجل الجماعات الإرهابية، مقابل إضافة جماعات وطنية على هذا السجل مثل حركة المقاومة الفلسطينية في غزة.