تحقيق: "Pallywood" والإنكار.. هكذا حوّل الإسرائيليون الفظائع إلى رواية مفبركة
بينما يوثّق سكان غزة القتل الجماعي والمجاعة بشكل مباشر، يكون ردّ فعل جزء كبير من المجتمع الإسرائيلي: "كلّ هذا زائف.. وهم يستحقّونه".
-
طفل فلسطيني يعاني من سوء التغذية نتيجة الحصار ومنع دخول المساعدات الإنسانية
مجلة "972+" الإسرائيلية تنشر تقريراً يتناول نمط وأسلوب إنكار الإسرائيليين للفظاعه التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الفلسطينيين في غزة.
النصّ يحلّل التناقض بين قوة التوثيق الرقمي وحدود تأثيره في مواجهة عقلية إنكار متجذّرة لدى الإسرائيليين تجاه الفظائع في غزة، ويستعرض تطوّر هذه الظاهرة من النكبة حتى اليوم.
أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:
قبل عقد من الزمن، وخلال الأيام الأخيرة من الاحتجاجات الأسبوعية الفلسطينية - اليهودية المشتركة ضد بناء "إسرائيل" للجدار الفاصل في قرية المعصرة بالضفة الغربية، كان محمود وهو أحد قادة المجتمع المحلي يلقي خطاباً قبل الانطلاق بالتظاهرة، كأحد الطقوس المعتمدة. وكان يقول وهو يحمل هاتفه: "لن نشهد نكبة ثانية، لأننا نملك هذا (مشيراً إلى هاتفه المحمول). لدينا هاتف ذكي، وفيسبوك. سيحاولون إبعادنا مجدداً، لكنّ الجميع سيرى ذلك ويوقفهم. في عام 1948، لم تكن لدينا هواتف ذكية، ولا فيسبوك. واليوم لن يتكرّر ما جرى في السابق". كان يردّد هذه المقولة كلّ جمعة، للنشطاء الواقفين إلى جانبه وللجنود الذين يواجهوننا ولنفسه. كان يشعر وقتها بالطمأنينة، لكنه كان مخطئاً.
قد تكون حملة الإبادة الجماعية التي تشنّها "إسرائيل" في غزة إحدى الفظائع الأكثر توثيقاً في التاريخ الحديث، سواء من حيث الكمّ الهائل من الأدلة أو سرعة انتشارها. فالهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تكن متاحة خلال الإبادة الجماعية في البوسنة ورواندا، تتيح تسجيل الأحداث فوراً من جوانب مختلفة ومشاركتها عالمياً بشكل مباشر، إلى جانب دور وسائل الإعلام التقليدية الداعم الذي لا يستهان به.
ومع ذلك، وفي مواجهة سيل لا ينتهي من الصور ومقاطع الفيديو التي تُظهر مدنيين قتلى وأطفالاً يتضوّرون جوعاً وأحياءً مدمّرة بالكامل، يستجيب جزء كبير من الجمهور الإسرائيلي، وجزء كبير من مؤيّدي "إسرائيل" في الخارج، بإحدى طريقتين: إما أنّ الأمر كلّه زائف، أو أنّ سكان غزة يستحقّونه. وفي كثير من الأحيان، يجتمع الأمران معاً بصورة متناقضة، فيقولون: "لا يوجد أطفال قتلى في غزة، ومن الجيد أننا قتلناهم".
مرحلة جديدة من الإنكار
-
يقول إسرائيليون: "لا يوجد أطفال قتلى في غزة، ومن الجيد أننا قتلناهم"
يُعدّ إنكار الفظائع ظاهرة عالمية، لكنّ الإسرائيليين حوّلوها إلى فنّ. وليس صدفة أنّ أحد أهمّ الأعمال الأكاديمية التي تدور حول هذا الموضوع، "حالات الإنكار" (States of Denial) (2001) لعالم الاجتماع ستانلي كوهين، كان مستوحى من تجاربه كناشط في مجال حقوق الإنسان في "إسرائيل" خلال الانتفاضة الأولى أواخر الثمانينيات.
وبناء على هذه التجارب، يذكر كوهين مجموعة من عبارات الإنكار التي تستخدمها كلّ من الدول والمجتمعات: "لم يحدث ذلك" (لم نعذّب أحداً)؛ "ما حدث هو شيء آخر" (لم يكن هذا تعذيباً، بل "ضغطاً جسدياً معتدلاً")؛ "لم يكن هناك بديل" (القنبلة الموقوتة جعلت التعذيب شراً لا بدّ منه).
في "إسرائيل"، يتجذّر هذا المنطق في أسطورة "طهارة السلاح" (الاعتقاد بأنّ "إسرائيل" لا تتصرّف إلا دفاعاً عن النفس) وعقلية "إطلاق النار والبكاء" القديمة (الفكرة القائلة بأنّ الإسرائيليين قد يرتكبون أعمال عنف ولكنهم يظلّون يتمتعون بأخلاق فريدة من نوعها لأنهم يحزنون عليها بعد ذلك).
إلا أنّه وعلى الرغم من بشاعة هذه العقلية، فإنها ترتكز على افتراضين مهمين: أنّ الفظائع مثل التعذيب، وقتل المدنيين، والتهجير القسري هي أفعال خاطئة في جوهرها، وبالتالي تتطلّب التبرير أو الإخفاء؛ وأنّ توثيق الحقيقة وكشفها له قيمة - حتى لو كان مجرّد عقبة يجب التهرّب منها. وعلى الرغم من فظاعته، فإنّ النفاق الكامن في أسطورة "طهارة السلاح" له منافعه. فهو يترك مجالاً للتصحيح. وبمجرّد انكشاف الفجوة بين الخطاب والواقع، فإنه قد يسبّب الإحراج ويدفع إلى الضغط من أجل التغيير. في عالم كهذا، تحمل الصور الملتقطة بالهاتف المحمول ومشاركتها فوراً ثقلاً حقيقياً.
إلا أنّ هذا ليس العالم الذي نعيش فيه اليوم. ففي "إسرائيل"، انتشر في الخطاب السائد، من أعلى مستويات السلطة السياسية إلى المعلّقين المجهولين على مواقع الأخبار، ميلٌ لرفض أيّ وثائق من غزة باعتبارها "مزيّفة". وهذا الانعكاس متجذّر في عقلية مؤامرة مستوردة من الأوساط اليمينية في الولايات المتحدة، تماماً مثل خطاب "الدولة العميقة" الذي يتبنّاه الرئيس دونالد ترامب والذي أصبح المفضّل لدى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومؤيّديه.
ويُعدّ أليكس جونز، الشخصية الإعلامية اليمينية المتطرفة، أحد أبرز مروّجي هذا الأسلوب من الإنكار. ففي عام 2012، ادّعى حليف ترامب القديم أنّ حادثة إطلاق النار في مدرسة ساندي هوك الابتدائية، التي راح ضحيتها 20 طالباً و6 بالغين، كانت مُدبّرة. وعلى الرغم من الأدلة الدامغة، أصرّ جونز على أنّ جميع لقطات المذبحة، من الآباء المفجوعين إلى جثث الضحايا، مُفبركة، وكلّها جزء من مؤامرة ديمقراطية لتقويض حقّ الأميركيين في حمل السلاح.
وقد بدأ هذا النوع من الخطاب يتغلغل في المجتمع الإسرائيلي حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر، بدايةً عبر الإنترنت، ثم في المحافل الرسمية. ومع استمرار الحرب، أصبح هذا الخطاب بمثابة رد فعل واسع النطاق، وغالباً ما يكون انعكاسياً: فيديو لوالدين فلسطينيين يحتضنان جثة رضيع؟ "ممثّلون يحملون دمية". صور لمدنيين أطلق جنود إسرائيليون النار عليهم؟ "تمّ إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، أو تمّ التلاعب بها، أو تمّ أخذها من مكان آخر"، وهكذا دواليك.
وكثيراً ما اقترن هذا الخطاب بمصطلح "باليوود" (Pallywood)- وهو مصطلح مركّب من "هوليوود الفلسطينية". هذا المصطلح، المُستورد من الأوساط اليمينية الأميركية في أوائل القرن الحادي والعشرين، يوحي بأنّ صور المعاناة الفلسطينية ليست حقيقية على الإطلاق، بل هي جزء من صناعة سينمائية مُحكمة: مؤامرة واسعة النطاق يتعاون فيها الفلسطينيون ومنظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الدولية لفبركة الأعمال الوحشية.
خلال مرحلة سابقة من إنكار الفظائع، كانت ادّعاءات التمثيل متقنة. ولا يزال الكثيرون يتذكّرون قضية محمد الدرة، الصبي البالغ من العمر 12 عاماً والذي قُتل في غزة في أيلول/سبتمبر 2000 وأصبح موته رمزاً للانتفاضة الثانية. لقد بذل الإسرائيليون ومؤيّدوهم جهوداً جبّارة لتشويه مصداقية اللقطات المصوّرة: مئات الساعات من التحليلات والتقارير والأفلام الوثائقية وتحليل زوايا التصوير والمقذوفات والتفاصيل الجنائية ليُثبتوا أنّ الحدث برمّته كان تمثيلاً.
واليوم، لا يتطلّب الإنكار كلّ هذا الجهد. فقد أفسحت نظريات المؤامرة المعقّدة في الماضي المجال لشكل أكثر بدائية من الإنكار يُطلق عليه العلماء نظرية المؤامرة - وهو الرفض التلقائي لأيّ دليل يتعارض مع مصالح المرء باعتباره مُلفّقاً. ويتمّ رفض التوثيق ببساطة بكلمة واحدة: "مُزيّف".
ما وراء الحقيقة، والمجاهرة بارتكاب العار
-
ينكر الإسرائيليون هذا الدمار الشامل في غزّة ويقولون إنّ هذه الصور زائفة.
فلنأخذ، على سبيل المثال، الأدلة القاطعة على المجاعة الجماعية في غزة. المنطق بسيطٌ للغاية: شعبٌ مُحاصر، وقد دُمِّرت كلّ وسائل اكتفائه الذاتي، سيموت جوعاً لا محالة. ومع ذلك، يبقى ردّ الفعل التلقائي في "إسرائيل"، من المعلّقين المجهولين على الإنترنت إلى أعلى مستويات الحكومة، هو نفسه: "كلّ هذا زائف".
لقد تحدّث نتنياهو عن "تصوّر أزمة إنسانية"، يُزعم أنها ناتجة عن "صور مُفبركة أو مُتلاعب بها" نشرتها حماس. ورفض وزير الخارجية جدعون ساعر صور الأطفال الهزيلين ووصفها بأنها "واقع افتراضي"، مستشهداً بوجود بالغين يتمتعون بصحة جيدة إلى جانبهم كدليل على ذلك. كما زعم "الجيش" الإسرائيلي أنّ حماس تقوم بإعادة استخدام صور أطفال يمنيين أو تفبرك صوراً مُزيّفة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي. وأعرب الصحافي في موقع "واي نت" (Ynet)، إيتامار آيشنر، وهو ناقد لاذع للحكومة، عن الرأي نفسه قائلاً: "يُدرك الفلسطينيون أنّ صور الأطفال الجائعين تُمثّل نقطة ضعف. ويُرجّح أن تكون الصور مفبركة، وقد يكون الأطفال مصابين بأمراض أخرى".
إضافة إلى ذلك، يتجلّى هذا الأسلوب من الإنكار في الخطاب الأكاديمي. فقد تضمّن تقرير حديث صادر عن مركز "بيغن-السادات" للدراسات الاستراتيجية بجامعة بار إيلان، بعنوان "دحض مزاعم الإبادة الجماعية: إعادة النظر في حرب إسرائيل وحماس (2023-2025)"، قسماً بعنوان "مصادر زائفة ومصادر أخرى من صنع الذكاء الاصطناعي". وعلى الرغم من أنّ الأدلة الموثّقة على ارتكاب أعمال وحشية غالباً ما تُقابل بالتهرّب والإنكار، فإنّ الوضع اليوم مختلف تماماً. ففي مرحلة "ما وراء الحقيقة"، أدى مزيج من الشكوك المتزايدة حول التلاعب بالذكاء الاصطناعي وتأكّل الثقة في وسائل الإعلام المؤسسية وفشل حماة الديمقراطية إلى جعل غريزة تصنّع البكاء تجاه أي شيء غير مرغوب فيه أكثر انتشاراً وتأثيراً من أي وقت مضى.
في المقابل، يشير الرفض المُدان للغالبية العظمى من وسائل الإعلام الإسرائيلية لإظهار ما يحدث بالفعل في غزة إلى أنه عندما تنجح الصور في التسلل، فإنّ ردّ فعل الجمهور غالباً ما يكون أكثر من مجرد تجاهل جماعي. ومع ذلك، يكون هذا التجاهل في كل مرة مصحوباً بعبارة "إنهم يستحقون ذلك"، حيث يتداخل الإنكار والتبرير في ما قد يبدو وكأنه مفارقة، لكنه في الواقع يعكس وجهين لعملة واحدة.
وقد أشار عميحاي إلياهو، وزير التراث الإسرائيلي، مؤخراً إلى أنه "لا توجد مجاعة في غزة، وعندما يُعرض عليكم صور أطفال يتضورون جوعاً، أمعنوا النظر وستجدون دائماً طفلاً سميناً إلى جانبهم، يأكل جيداً. إنها حملة مُدبّرة". وأضاف: "ما من أمّة تُطعم أعداءها. هل جنَّ جنوننا؟ يوم يُعيدون الرهائن، لن يكون هناك جوع. ويوم يقضون على إرهابيي حماس، لن يكون هناك جوع".
بعد عقدين من الحصار، حاولنا خلالهما نحن الإسرائيليين إبعاد غزة ومليوني فلسطيني من المشهد والذاكرة، أعاد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر بصراحة إلى الأذهان ما سعينا إلى نسيانه. ولعل ذلك كان في الوقت الذي تقاربت فيه الاستجابتان - "مزيف" و"إنهم يستحقون ذلك" - بشكل كامل. فالاستجابة الأولى خدمت الصورة الذاتية الوطنية ("أطفالنا لا يرتكبون الفظائع") ومتطلبات الدعاية الإعلامية، وكسب الوقت على الساحة الدولية. أما الثانية، فهي رد فعل فطري وغريزي على الألم والإذلال الناتجين عن التعرّض لهجوم من أولئك الذين لطالما وُصفوا بالدونية. وهما يندمجان معاً في رد فعل يتجاوز أيّ مناشدة أخلاقية، ولا يتطلّب أيّ توقّف وإمعان أو اعتذار.
وهنا يكمن التحدّي الثاني للاعتقاد بأنّ الهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي قادرة على إيقاف الأعمال الوحشية. إذ لطالما افترض النضال من أجل حقوق الإنسان أنّ توثيق الانتهاكات من شأنه أن يُشعر الجناة بالعار ويدفعهم إلى تغيير سلوكهم. ولكن ماذا يحدث عندما يزول شعور الجناة بالعار، ويتجاهلون علناً اللوم الأخلاقي وحتى فكرة الحقيقة نفسها؟ في هذه الحالة، يفقد التوثيق والنشر، مهما كانا سريعين أو واسعي الانتشار، تأثيرهما.
وكما أظهرت تقارير حقوق الإنسان والالتماسات المقدّمة إلى المحاكم الدولية على مدى العامين الماضيين، فإنّ القادة العسكريين والسياسيين والثقافيين الإسرائيليين يعترفون اليوم علانية ـــــ ومن تلقاء أنفسهم ـــــ بما كان من الممكن لمنظمات حقوق الإنسان أن تبذل قصارى جهدها في ظروف أخرى لإثباته.
وبعد عقود من إنكار النكبة، بل وحظر استخدام المصطلح نفسه، يُعلن المشرّعون الإسرائيليون اليوم بفخر أنّ "إسرائيل" تنفّذ نكبة ثانية في غزة. في الماضي، كان على متطوّعي منظمة "بتسيلم" تصوير الفظائع التي تُرتكب في الضفة الغربية بعناية شديدة، ليواجهوا ذريعة أو أخرى، مثل أن الحوادث "أُخرجت من سياقها". أما اليوم، فيقوم الجنود الإسرائيليون بأنفسهم بتسجيل انتهاكات حقوق الإنسان ويحمّلونها على وسائل التواصل الاجتماعي من دون تردّد.
وبالتالي، ما نشهده اليوم انهيارٌ للدورة التقليدية من الانكشاف والإنكار والتأكيد. وفي مثل هذه الحالة، ما فائدة الهواتف الذكية ووسائل التواصل الاجتماعي؟
تشقّقات في الجدران
على الرغم من أنّ فائدة توثيق الفظائع أقل بكثير مما كنا نأمله في الماضي، إلا أنها لا تزال مهمة. وفي الوقت الذي أكتب هذه الكلمات، يبدو أنّ ردود الفعل التلقائية مثل "مزيّف" و"إنهم يستحقّون ذلك" قد بدأت تصطدم أخيراً بحواجز متينة.
وفي مواجهة الأدلة الدامغة على المجاعة في غزة، تزداد صرخات "الزيف" جنوناً ويأساً. ويبدو أنّ الادّعاء الخبيث، الذي يتكرّر باستمرار في الخطاب الإسرائيلي، بأنّ طفلاً غزياً يعاني من مرض سابق يُعفي "إسرائيل" من مسؤولية تجويعه حتى الموت، قد فشل في وقف الاعتراف المتزايد في "إسرائيل" بمعاناة الفلسطينيين والظلم الأساسي الذي تمارسه.
إنّ التقلّبات والمنعطفات الشائعة الآن في الحجج الإسرائيلية؛ أنّ المجاعة حاصلة بالفعل في غزة ولكن حماس هي المسؤولة عنها؛ أو أنها نتيجة غير مقصودة للحرب؛ أو أنّ العالم منافق لأنه لا يتعامل مع المجاعة في اليمن بالطريقة نفسها، كلّها تعيدنا إلى مجموعة عبارات الإنكار التي وصفها ستانلي كوهين. وهي تشير أيضاً إلى عودة الشعور بالحرج، وربما حتى الخجل، على الأقل لدى بعض شرائح المجتمع الإسرائيلي.
ويبدو أنّ الامر الذي ساهم في هذا التحوّل هو ردود أفعال المجتمع الدولي تجاه المجاعة، وإمكانية الاعتراف بالتجويع من دون توريط الجنود والطيارين بشكل مباشر. إضافة إلى ذلك، أدّى التراكم الهائل للصور والوثائق التي لا يمكن إنكارها من غزة دوراً بارزاً. وقد كان لإصرار الأفراد والمنظمات على توثيق الأحداث وإعداد التقارير عنها، من داخل غزة وخارجها، وعلى التحقّق من صحة هذه المواد وتداولها في "إسرائيل" وحول العالم، أثرٌ بالغٌ في نهاية المطاف.
لكنّ خطط "إسرائيل" لاحتلال مدينة غزة وتهجير سكانها قسراً إلى ما قد يُشبه معسكر اعتقال، قبل احتمال طردهم الدائم من القطاع، تُهدّد بتحويل ما هو كارثيّ أصلاً إلى ما هو أسوأ. فهل سيواصل الرأي العامّ الإسرائيلي إنكاره للواقع، أم سيُجبر أخيراً على مواجهته؟
نقلته إلى العربية: زينب منعم.