تحقيق لـ "Mintpressnews": "إسرائيل" تستخدم الجنس لتبييض الإبادة الجماعية
تحاول القوات الإسرائيلية تحسين صورتها من خلال نشر محتوى ذي إيحاءات جنسية شديدة تظهر فيه مجنّداتها، مما يؤدي إلى تغيير المشاعر السائدة لدى المتفرّجين من الغضب إلى الشهوة.
-
تحقيق لـ "Mintpressnews": "إسرائيل" تستخدم الجنس لتبييض الإبادة الجماعية
موقع "Mintpress News" ينشر تحقيقاً يتناول استخدام "إسرائيل" للجنس والإيحاءات الجنسية كأداة بروباغندا وتبييض جرائم الحرب، من خلال حملات إعلامية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر المجنّدات بطرق مثيرة.
يوضح المقال أنّ هذه الظاهرة ليست عفوية، بل استراتيجية رسمية مدعومة من الحكومة الإسرائيلية تهدف إلى تحويل الانتباه من مشاهد القتل والدمار في غزة إلى صور مغرية، وجذب فئة الشباب الذكور عبر محتوى مثير يربط بين المجنّدات والهوية العسكرية الإسرائيلية، وتطبيع الجرائم والانتهاكات عبر ربط صورة "الجيش" بالقوة الجنسية والجاذبية.
أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:
وسط هجوم مستمر على جيرانها تقوم "إسرائيل" لتحسين صورتها، بنشر محتوى شديد الإيحاءات الجنسية يظهر مجنّدات، في محاولة لقلب المشاعر السائدة لدى مشاهدي جرائم الحرب من الغضب إلى الشهوة.
وتنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مجموعة واسعة من حسابات "الجيش" الإسرائيلي تلك، التي يتابعها مئات الآلاف إن لم يكن الملايين. وتحظى هذه الحسابات بموافقة الحكومة الإسرائيلية، في محاولة، على حدّ تعبيرها، لـ"جذب" فئة الشباب الذكور. موقع "مينت برس نيوز" يستكشف ظاهرة استخدام "إسرائيل" للجنس لتبييض أفعالها.
مثيرات يرتكبن مجازر
منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، شاهد معظم مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي صور الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية في قطاع غزّة. لكن هناك شريحة كبيرة من مستخدمي الإنترنت وخاصة الذكور الشباب يشاهدون جانباً آخر من "الجيش" الإسرائيلي. حيث تنتشر العديد من حسابات "الإغراء" الخاصة به مثل "فتيات الجيش الإسرائيلي"، و"فتيات الجيش الحارّة"، وغيرها من الصفحات المشابهة، وكلّ واحدة منها تضمّ مئات الآلاف من المتابعين عبر منصات مختلفة، وتنشر محتوى يضفي طابعاً جنسياً ويمجّدهن كمجنّدات في الوقت نفسه.
ومن النماذج المستخدمة تعرض صورتان للمجنّدة نفسها في كادر واحد، إحداهما بالزي العسكري والأخرى بملابس قليلة أو من دون ملابس. وغالباً ما تأتي الصور ومقاطع الفيديو أيضاً برسائل صريحة، مثل نشر صفحة "أطفال من الجيش الإسرائيلي" صورة لجندية لا ترتدي سوى البيكيني، مع تعليق "عثرت العريف دينا على دبابة سورية من طراز تي 34 في مرتفعات الجولان"، في تأكيد أنّ مرتفعات الجولان في الأراضي السورية المحتلة على نحو غير قانوني منذ عام 1968 أنها إسرائيلية.
تمتلك بعض المجنّدات الإسرائيليات حسابات خاصة بهنّ على وسائل التواصل الاجتماعي لجذب المتابعين. وأشهرهنّ ناتاليا فادييف، وهي جندية احتياط في الشرطة العسكرية وتعرف أيضاً باسم "غان وايفو"، حيث تنشر محتوى ذا طابع جنسي إلى جانب كلمات حماسية عن "إسرائيل"، مما جعلها تتصدّر مشهد وسائل التواصل الاجتماعي العسكري الإسرائيلي، حيث جمعت ملايين المتابعين عبر مختلف المنصات، من ضمنها 2.7 مليون متابع على "تيك توك" وحده قبل تعليق حسابها.
ويمزج محتواها بين العداء الواضح للمسلمين والإنكار غير المباشر للفظائع الإسرائيلية. مثلاً كتبت في أحد تعليقات، "سنذهب لنأسر بعض المسلمين"، بينما تسأل في منشور آخر جمهورها من الشباب: "انظر في عيني، هل تعتقد حقّاً أنني يمكن أن ارتكب جرائم حرب".
الشغف بالموتى
نشر صور لجنديات إسرائيليات يرتدين ملابس فاضحة ليس مقتصراً على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، بل تقوم وسائل الإعلام المعروفة بذلك بانتظام، حتى عند إعلان وفاة بعضهنّ. وكتبت الصحافية الإسرائيلية مازليت أيراكسينين مقالة تأبين لامرأة إسرائيلية قتلت في هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر: "كارين فيرنيكوف أنهت خدمتها في الجيش الإسرائيلي وعادت تواً من رحلة ركوب خيل في جنوب أفريقيا، عندما هاجمت حماس كانت تبلغ من العمر 22 عاماً فقط".
إلّا أنّ الصورة التي استخدمتها أيراكسينين لتوضيح شخصية فيرنيكوف المتوفّاة كانت موحية بشكل غير لائق إلى درجة أنّ الكثير من الانتقادات انتشرت بشكل واسع على الإنترنت. ففي الصورة، كانت فيرنيكوف ترتدي سروال يوغا برتقالياً ضيّقاً للغاية وتنظر من فوق كتفها إلى الأسفل نحو المصوّر مظهرة ظهرها ومفاتنها للكاميرا.
وعلّق أحد المستخدمين بقوله: "استخدام مفاتنها لجذب التعاطف هو مستوى جديد من الانحدار"، وفي تعليق آخر جاء: "ما هذا النعي الذي يشبه الأفلام الإباحية الناعمة، ما هذا بحقّ الجحيم".
أكثر من ذلك، فإنّ فكرة نشر صور مثيرة وإظهار المجنّدات الإسرائيليات على نحو صريح كقوّة جنسية كانت من ابتكار الحكومة الإسرائيلية نفسها. ففي عام 2017، أطلقت الحكومة حملة علاقات عامة لتعزيز صورة البلاد داخل الولايات المتحدة. وبدأت في البحث عن شركاء أميركيين لتوزيع صور شبه إباحية لجنودها. وكانت النتيجة سلسلة من التعاون والنشر مع مجلة الرجال "ماكسيم"، مع عناوين مثل: "تعرّف إلى الجنديات الإسرائيليات المثيرات اللواتي أشعلن الإنترنت"، و"تحقّق من حساب إنستغرام المثير لهذه الفتاة الإسرائيلية التي تحوّلت إلى عارضة أزياء ملابس سباحة، وحساب "فتيات الجيش الإسرائيلي المثيرات"، و"14 امرأة إسرائيلية أخرى مثيرات".
وفي شرحه للأسباب الكامنة وراء الحملة، قال ديفيد دورفمان، المستشار الإعلامي للقنصلية الإسرائيلية في الولايات المتحدة: "الرجال في هذا العمر لا يشعرون بأيّ شيء تجاه إسرائيل، ونحن نعتبر ذلك مشكلة، لذا توصّلنا إلى فكرة من شأنها أن تجذبهم".
ومن بين المحاولات الأخرى لتحسين صورة "الجيش" الإسرائيلي دعوة مشاهير أميركيين لقضاء بعض الوقت مع وحدات نسائية. في عام 2017، سافر الكوميدي كونان أوبراين إلى "إسرائيل" وصوّر مقطعاً تدرّب فيه مع جنديات "الجيش" الإسرائيلي. وبعد عامين، سافرت الممثلة والمغنية هايلي شتاينفيلد أيضاً إلى هناك في رحلة علاقات عامة مموّلة من الدولة.
ومع ذلك، فإنّ أيراكسينين ليست المصدر الصحافي الوحيد الذي يستخدم صوراً موحية في مقالات النعي. فقد أرفقت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" مقالها عن مقتل رومي إلياهو بيرنات بصورة مثيرة للغاية. وفي نعي ليراز نيسان، التي توفيت في أثناء فرارها من مهرجان سوبرنوفا للموسيقى، اختاروا صورة للفتاة البالغة من العمر 20 عاماً، وهي ترتدي حمّالة صدر فقط.
ومن الواضح أنّ هذا النوع من المنشورات يحظى بتأييد "الدولة"، حيث تشارك الحكومة الإسرائيلية بانتظام في نشره. ومن الأمثلة البارزة على ذلك حالة شاني لوك وهي شابة إسرائيلية أخرى قتلت في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، نشرت الحكومة عدة صور موحية لها على صفحتها الرسمية على إنستغرام خلال إعلانها عن وفاتها.
بموجب القانون الإسرائيلي يحقّ لجميع اليهود الحصول على جواز سفر إسرائيلي والانتقال إلى "إسرائيل". ولتشجيع هذه العملية، توفّر الحكومة رحلات مجانية إلى "إسرائيل" تكلّف آلاف الدولارات لكلّ يهودي من "الشتات" بعد فحص آرائهم للتأكّد من عدم تأييدهم للفلسطينيين. وقد شارك ما يقرب من مليون شاب في رحلات كهذه.
في هذه الرحلات، يُشجّع الجنس بين السكان المحليين اليهود والزوّار بشكل نشط، وفقاً للموظفين. ويسهّل منظّمو هذا البرنامج ما يسمّونه "لقاءات هرمونية" من خلال توظيف مجنّدات "الجيش" الإسرائيلي الجميلات لمرافقة المجموعات أينما ذهبوا، وهنّ يفهمن دورهنّ جيداً. ولا تقيم العديد من المجموعات في الفنادق، بل في خيام على الطراز البدوي، وهو ترتيب يساعد على تبادل القبلات الأولى، كما يشير أحد التقارير. ويذكر العديد من الزوّار أنّهم يشعرون بالضغط لممارسة الزنا عمّا يوصف عادة بـعطلة جنسية مجّانية مدتها 10 أيام.
بالنسبة للحكومة فائدة كلّ هذا واضحة. فقد قدّرت أنّ المراهقين القابلين للتأثّر الذين يفقدون عذريتهم في "إسرائيل" هم أكثر عرضة لتطوير علاقة عاطفية أعمق مع "دولة إسرائيل"، ينتقل خريجو برنامج "حقّ المولد" إليها بأعداد أكبر من أولئك الذين لم يحصلوا على رحلة مجانية، ويكونون أكثر عرضة بنسبة 160% للزواج بشريك يهودي. وهذا يساعد على التخفيف من المشكلة الديموغرافية للبلاد، أي بناء "دولة" يهودية متفوّقة في منطقة لا يزالون فيها أقلية. ولتحقيق هذه الغاية، يستخدم البرنامج أفراداً "منفتحين" تسمح خدماتهم بإنجاز المهمة.
بين هذه اللقاءات العاطفية، يقدّم للزائرين تاريخ منقح للبلاد، ويصطحبون إلى المباني والمعالم الرئيسية، وغالباً ما تتاح لهم فرصة لقاء رئيس الوزراء نتنياهو، الذي تعهّد بتقديم أكثر من 100 مليون دولار من التمويل الحكومي لدعم هذا المشروع.
جرائم الحرب على تطبيقات المواعدة
هناك طريقة أخرى يربط بها الجنود الإسرائيليون الحياة العسكرية بالجنس، وهي في ملفاتهم التعريفية حيث تنتشر صور الجنود الذين يخدمون في غزّة على تطبيقات المواعدة الإسرائيلية. تشير إحدى التقديرات إلى أنّ أكثر من ثلث الملفات التعريفية تظهر رجالاً ونساء يرتدون زي "الجيش" الإسرائيلي.
وتتراوح الصور في هذه الملفات الشخصية بين وجوه مبتسمة ترتدي الزي العسكري وتلوّح بالأسلحة، وجنود يعرضون ممتلكات فلسطينية مسروقة، ويقفون أمام مبانٍ مدمّرة بالقصف، ويستمتعون بتدمير غزّة، وحتّى بعض الصور التي يظهر فيها أفراد يدنّسون المساجد جهاراً.
في حين أنّ هذه الظاهرة صدمت العديد من المراقبين الدوليين، إلّا أنّ الجنود يُعتبرون سلعة رائجة في سوق المواعدة الإسرائيلي. قال أحد جنود الاحتياط لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، أشعر أنّ الفتيات يتهافتن عليّ منذ أن بدأت خدمتي الاحتياطية، وبعد أن قمت بتحميل صور لي وأنا أرتدي الزي العسكري، بدت الفتيات أكثر انجذاباً واهتماماً بي أشعر أنّ الصورة بالزي العسكري تشبه الوقوف إلى جانب سيارة فيراري، وأصبحت رمزاً للمكانة الاجتماعية.
"إسرائيل" ليست "الدولة" الوحيدة التي تحاول تعزيز الدعم لـ "جيشها" من خلال السماح بنشر صور مثيرة، فالولايات المتحدة تفعل ذلك أيضاً. ومع ذلك، فقد انحازت "إسرائيل" بقوة وبشكل علني إلى هذه الصورة عن نفسها، بطريقة لم يفعلها الجيش الأميركي.
وإدراكاً منها أنّ الدعم الغربي ضروري لمشروعها الاستعماري، تشرف الحكومة الإسرائيلية على عملية علاقات عامّة ضخمة. وقد زادت ميزانية العلاقات العامّة لوزارة الخارجية بأكثر من 2000%، لتصل الآن إلى 150 مليون دولار. ويذهب جزء من هذه الميزانية إلى استهداف الشباب، من خلال حملات تهدف إلى إضفاء طابع جنسي على صورة جنودها.
ومع ذلك، فإنّ مدى فعّالية هذه الحملة غير واضح على الإطلاق. ويذكر أنّ 9% فقط من الأميركيين الذين تقلّ أعمارهم عن 35 عاماً يؤيّدون تصرّفات "إسرائيل" في غزّة، مقارنة بـ 49% من الذين تزيد أعمارهم عن 55 عاماً. ويمتد هذا النفور من "إسرائيل" إلى الشباب اليهود الأميركيين، الذين يعتقد غالبيتهم أنّها "دولة" فصل عنصري حتى قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
ويمكن تفسير هذا التباين الهائل في الآراء جزئياً بالاختلاف في وسائل الإعلام التي تستهلكها الأجيال المختلفة. فالأميركيون الأكبر سناً، الذين لا يزالون يعتمدون على الصحف والأخبار التلفزيونية، يواصلون دعم "إسرائيل". أمّا الأجيال الأصغر سنّاً، التي تتعرّض لمجموعة متنوّعة من وجهات النظر على وسائل التواصل الاجتماعي، فقد تخلّت عنها.
وكما أوضح جوناثان غرينبلات، الرئيس التنفيذي لمنظّمة "الرابطة المناهضة للتشهير" المؤيّدة لـ "إسرائيل"، لدينا مشكلة كبيرة مع "تيك توك". ولقد كان هذا التحيّز الملحوظ ضدّ "إسرائيل" هو الذي دفع المشرّعين الأميركيين في آذار/مارس الماضي إلى حظر المنصة.
تلجأ "إسرائيل" ومؤيّدوها إلى أساليب إبداعية للدفاع عن أفعالهم وتغيير الموضوع. إحدى هذه الأساليب كانت نشر صور جنسية للغاية لـ "جيشها" على مواقع التواصل الاجتماعي للشباب في جميع أنحاء العالم. لكنّ هذه الصور المثيرة لم تنجح في وقف موجة المشاعر السلبية تجاه "إسرائيل" وسياساتها في فلسطين وسوريا ولبنان وغيرها، على الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها اتّضح أنّه لا يمكن تبرئتها من ارتكابها إبادة جماعية عبر الجنس.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.