"الغارديان": أوروبا تمنع لمّ شمل عائلات المهاجرين

يقول الناشطون إنّ قوانين لمّ شمل الأسرة الأكثر صرامة تتسبب في انفصالات طويلة الأمد، وإصابة الأطفال بالصدمة، وقد تدفع الناس نحو المهرّبين.

0:00
  • المهاجر من سوريا أحمد شيخ علي الذي فرّ من حلب قبل عامين
    المهاجر من سوريا أحمد شيخ علي الذي فرّ من حلب قبل عامين

صحيفة "الغارديان" البريطانية تنشر تقريراً يتناول أزمة لمّ شمل العائلات بين اللاجئين والمهاجرين في أوروبا، مع التركيز على ألمانيا والنمسا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى.

التقرير يستعرض معاناة اللاجئين والمهاجرين بسبب سياسات تقييد لمّ شمل الأسر في أوروبا، والتأثير النفسي والاجتماعي والقانوني لذلك، مع إبراز التناقض بين الوعود السياسية والواقع العملي.

أدناه نص التقرير منقولاً إلى العربية:

وقف أحمد شيخ علي خارج البرلمان الألماني في حزيران/يونيو، يقاوم الدموع، محتجاً وهو يحمل صورة ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات، الذي تركه خلفه مع والدته في سوريا منذ فراره من هناك قبل أكثر من عامين. يبذل الآن كل ما في وسعه لجمع شمل عائلته والانضمام إليه، خاصة أنّه يعمل بدوام كامل، وهو الشرط الأساسي لتقديم طلب انضمام عائلته إليه، بينما يخوض حالياً في تحضير الأوراق التي لا نهاية لها في البيروقراطية الألمانية.

كان علي على وشك تحقيق هدفه، حيث وضع في لائحة الانتظار تسبقه حالتان فقط، حين أقرّ البرلمان الألماني مشروع قانون في حزيران/يونيو لتعليق جميع طلبات لمّ شمل عائلات المهاجرين لمدة عامين على الأقل.

يقول أحمد شيخ علي ودموعه تنهمر: "منذ أن علمت بهذا القرار، لا أستطيع النوم. لا يمكنني الاستمرار في حياتي على هذا النحو. كان ابني يزحف عندما تركته، وأصبح يمشي الآن". وهذا مثال واضح على كيفية إعادة تشكيل حياة الناس. ففي الأشهر الأخيرة، تحركت عدة حكومات في الاتحاد الأوروبي لتقييد لمّ شمل الأسر للمهاجرين واللاجئين، بينما فسّر ناشطو حقوق الإنسان هذه الإجراءات في سياقها كجزء من حملة سياسية لتقديم صورة عن صرامة الحكومات في موضوع الهجرة، مع التركيز على لمّ شمل الأسر بشكل مضلل.

تقول فيديريكا توسكانو من منظمة "إنقاذ الطفولة" في أوروبا: "هذا حقاً غير منطقي. السياسيون يزعمون بفخر أنّهم يريدون جعل الهجرة أكثر قابلية للإدارة والعدالة والتنظيم، وإعادة لمّ شمل الأسر بطريقة مخططة وآمنة قانونياً، كما أنها تعزز الاندماج واستقبال الأشخاص الباحثين عن الحماية".

وفي آذار/مارس الماضي، أصبحت النمسا أول دولة في الاتحاد الأوروبي تعلق مؤقتاً لمّ شمل عائلات اللاجئين، مشيرة إلى الأعباء الثقيلة على الخدمات الاجتماعية. وسرعان ما تبعتها ألمانيا والبرتغال وفنلندا وبلجيكا.

حاول العديد من الحكومات التذرع بالظروف الطارئة للمضي قدماً في الإجراءات، التي تتعارض مع الحق في الحياة الأسرية المنصوص عليه في معاهدات مثل الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان وميثاق الاتحاد الأوروبي للحقوق الأساسية، وفقاً لتوسكانو: "وحدة الأسرة قيمة في مجتمعنا، ولكن عندما يتعلق الأمر بالعائلات الأجنبية، يبدو أنّ هذه القيمة تصبح أقل أهمية".

ووجدت دراسة حديثة أجرتها منظمة "إنقاذ الطفولة" في فنلندا أن عملية لمّ الشمل استغرقت في المتوسط 6 سنوات ونصفاً، حيث أمضى بعض العائلات ما يصل إلى 10 سنوات في طي النسيان.

كما أنّ القيود المفروضة على لمّ شمل الأسر تكذّب حقيقة أنّ عدد الأشخاص الذين يصلون من خلال هذه البرامج لا يزال صغيراً نسبياً. ففي النمسا، على سبيل المثال، وصل حوالي 18,000 شخص في عامي 2023 و2024 من خلال برامج لمّ شمل الأسرة. وكان حوالى 13,000 طفل قد عاشوا سنوات طويلة ومؤلمة بسبب الانفصال عن أحد الوالدين، وكلّما استغرقت عملية لمّ الشمل وقتاً أطول، زادت الصدمات النفسية لدى هؤلاء الأطفال.

كذلك، قد تؤدي هذه الإجراءات إلى نتائج عكسية من خلال تعزيز الشبكات الإجرامية، التي يزعم الاتحاد الأوروبي منذ فترة طويلة أنّه ضدّها، كما قال توماس ويلكينز من منظمة "العمل من أجل اللاجئين" في فلاندرز. وأشار إلى أنه في مواجهة خيارات قليلة أخرى، قد "يقرر الناس اتخاذ الطريق غير النظامي وربما استخدام مهربي البشر كي يجتمعوا بعائلاتهم".

ويرى خبراء أنّ هناك تناقضاً بين أولئك الذين يطالبون بفرض قيود على لمّ شمل الأسر، و"من اللافت للنظر أنّ الأحزاب السياسية التي تولي في برامجها الكثير من القيمة للحياة الأسرية باعتبارها جوهر المجتمع، هي الآن في طليعة الحد من حق الحياة الأسرية لمجموعة معينة من الناس".

في ألمانيا، من المتوقع أن يتأثر أكثر من 380,000 شخص — معظمهم من السوريين — بخطط تعليق لمّ شمل عائلات المهاجرين الذين يتمتعون بوضع الحماية الفرعية، والذي يمنح الإقامة القانونية للأشخاص غير المؤهلين كلاجئين، لكن قد يواجهون ضرراً جسيماً إذا أعيدوا إلى بلدانهم الأصلية.

وقد علقت برلين لمّ شمل الأسرة لهذه المجموعة لأول مرة في عام 2016، ثم أعادتها جزئياً في عام 2018 بحد أقصى قدره 1000 تأشيرة شهرياً، ما أدّى إلى آثار سلبية، وزيادة الشعور بالعزلة بسبب الانفصال الأسري لفترة طويلة، وأضر بالصحة العقلية لهؤلاء الأشخاص.

تقول فيبكي جوديث من منظمة للدفاع عن حقوق اللاجئين في ألمانيا: "يصعب للغاية على القادمين إلى هنا، وهم قلقون يومياً على أطفالهم وأزواجهم، التركيز على تعلم اللغة الألمانية أو إيجاد عمل أو القيام بالأمور اليومية الاعتيادية. إنّه عبء نفسي هائل قد يؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب والإحباط. وغالباً ما تثقل هذه العملية كاهل جميع المعنيين، وتدمر العائلات، في ظل غياب الرؤية والإحباط الناتج عن طول الانتظار، الذي يحطم الناس حقاً، ويضعهم تحت رحمة السلطات لمجرد أنّهم يريدون رؤية أقرب أقربائهم".

وفي النمسا، حيث يتخذ "حزب الشعب" اليميني الوسطي موقفاً متشدداً منذ فترة طويلة بشأن الهجرة، كانت الحكومة قد أغلقت بالفعل مسارات قانونية آمنة أخرى لطالبي اللجوء، وفقاً لإيمي ستوفليسر من منظمة العفو الدولية في النمسا. تقول: "الآن، من دون لمّ شمل الأسرة، سيضطر الناس إلى اتخاذ طرق غير نظامية أكثر بكثير، ما يعرّض سلامتهم وحياتهم للخطر، وهذا يشكل تهديداً مباشراً للحياة".

وأضافت أنّ النساء والأطفال على وجه الخصوص سيتعرّضون على الأرجح لخطر أكبر نتيجة هذه الإجراءات، إذ إنّ النساء أكثر عرضة للخطر عند سلوكهنّ طرقاً غير نظامية، مشيرةً إلى أخطار مثل الاستغلال والإيذاء والاتجار بالبشر.

لن تتوقف الهجرة. الناس يريدون البقاء مع عائلاتهم، ولا يستطيعون البقاء في أوطانهم. وهذا يعني أنّ المزيد منهم سيخاطرون بحياتهم للبقاء معاً.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.