"ذا ناشونال إنترست": لماذا تنهار خطة ترامب في غزة؟
اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وخطة "السلام" التي رعاها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ينهاران بسرعة بفعل سياسات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
-
"ذا ناشونال إنترست": لماذا تنهار خطة ترامب في غزة؟
مجلة "ذا ناشونال إنترست" الأميركية تنشر مقالاً يتناول تفكك اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وخطة "السلام" التي أعلنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع تركيز خاص على الدور المعرقل الذي يلعبه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وعلى الرهانات السياسية الأميركية والإسرائيلية المرتبطة باستمرار الصراع.
يرى المقال أنّ خطة ترامب ليست سوى وهم سياسي، إذ لا يمكنها معالجة جذور الصراع أو ضبط "إسرائيل"، لأن واشنطن ترفض مواجهة المعرقل الحقيقي وهو نتنياهو.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
لا يحتاج المرء إلى البحث بعيداً عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمعرفة أسباب التصدعات المتزايدة في وقف إطلاق النار في غزة. فلم يمضِ سوى أسبوعين على التوقيع "التاريخي" المزعوم لخطة "السلام" المؤلفة من 20 بنداً من ابتكار الرئيس الأميركي دونالد ترامب في شرم الشيخ بمصر، حتى بدأت المراحل الأولى من الاتفاقية تنهار.
وبينما أسفر هذا الجهد عن إطلاق سراح المعتقلين والرهائن من كلا الجانبين في الصراع المستمر منذ عامين بين "إسرائيل" و"حماس"، يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بلا كلل لإفشال الاتفاقية، تماماً كما فعل مع اتفاقات وقف إطلاق النار السابقة في غزة. وكما في الماضي، يهدف هذا الجهد إلى استمرار القتال في القطاع، بهدف تمديد السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية حتى إشعار آخر، وضمان بقاء حكومة نتنياهو في السلطة.
ومن الواضح أن أي وقف لإطلاق النار أو اتفاق "سلام" أوسع نطاقاً لصراع بهذا الحجم، إضافة إلى طول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني سيواجه بالضرورة انتكاسات عديدةً، حيث إن لدى كل من حماس والحكومة الإسرائيلية مصالح تتشكل من خلال تنافسهما، ويدفع كل طرف تلك المصالح لتعزيز قوته ونفوذه النسبي في الصراع. فعلى سبيل المثال، كما تعمل "حماس" علناً لاستعادة السيطرة على أجزاء من غزة انسحبت منها القوات الإسرائيلية بعد التوقيع على الاتفاق، تواصل "إِسْرائيل" قصف مواقع في غزة بزعم أنّها تابعة لحركة "حماس".
كان يمكن ويجب إدانة جميع انتهاكات وقف إطلاق النار بشكل فوري وسهولة، وأن يلتزم الضامنون للاتفاقية بمحاسبة الأطراف، ويقال إنهم يحاولون القيام بذلك، على الأقل إلى حد ما. ومع ذلك، يبقى السؤال كما كان لعقود، كيف ستتعامل واشنطن مع سياسة حافة الهاوية التي تتبعها "إسرائيل" حتى الآن، بينما فريق ترامب يفشل في ذلك.
منذ هجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، دافعت الولايات المتحدة بقوة عن "إسرائيل"، وما تزال تفعل ذلك. وبالرغم من هذا، دفع ترامب بقوة بخطته المكونة من 20 نقطة على كل من "إسرائيل" و"حماس"، مُتفوقاً بِوضوح على نتنياهو، الذي كان يتفاخر بالتأثير في السياسة الأميركية. وفي هذا السياق أثبت ترامب برغبته العلنية والنرجسية في تحقيق "انتصارات" سياسية سريعة أنّها أكثر أهميةً من العلاقات الدبلوماسية الأميركية الإسرائيلية. ومصالح ترامب تأتي أولاً، وينبغي ألا يراهن أحد ضد صاحب اللعبة.
مع ذلك يبقى ترامب أحد أكثر الرؤساء تأييداً لـ "إسرائيل" على الاطلاق، إن لم يكن أكثرهم، وهو يتزعم قاعدة سياسية تؤيد "إسرائيل" بقوة. وهذا العامل وحده لا يبشر بخير لصفقة "السلام" التي يسعى إليها. وببساطة لكي تنجح الخطة، سيتعين على إدارة ترامب أن تخرج من منطقة الراحة الخاصة بها، من خلال التصرف كشريك أكبر فعلي في علاقتها مع تل أبيب.
وهذه الحقيقة هي السبب في أنّ وقف إطلاق النار الحالي معرض لخطر الانهيار. في حين أنّه يبدو صحيحاً أنّ ترامب وفريقه ملتزمان بتنفيذ خطة الاتفاق. كذلك أرسل ترامب مسؤولين رفيعي المستوى من ضمنهم نائب الرئيس جي دي فانس إلى "إسرائيل" في محاولة واضحة لإبقاء الإسرائيليين ضمن حدود الاتفاق، فإن مثل هذه الدفعة قد تتطلب مظاهر عدائيةً وعلنيةً متزايدة لإحباط وكبح نتنياهو وحكومته.
والسؤال الملح الآن، هل فريق ترامب مستعد لتجاوز خطوط معينة لم يتجاوزها أي رئيس جمهوري في الماضي عندما يتعلق الأمر بـ"إسرائيل"؟ وهل يستطيع، أو هو مُستعد، للمخاطرة بنفور قاعدته الانتخابية منه، ومن ضمنهم كبار الممولين الذين يؤيدون "إسرائيل" مثل مريم أديلسون.
بالفعل، يخطط وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو لزيارة "إسرائيل" هذا الأسبوع بعد فترة وجيزة من زيارة فانس، إلى جانب المبعوث الخاص ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر صهر ترامب ومستشاره السابق لقضايا الشرق الأوسط. ويشير هذا المستوى من التحرك إلى أنّ إدارة ترامب ليس لديها ثقة تذكر بأن نتنياهو والدولة الإسرائيلية الأوسع يُهمهم الالتزام بوقف إطلاق النار في غزة، فضلاً عن خطة ترامب. وفي مرحلة ما سيتعين التضحية بأحد اثنين، إما وقف إطلاق النار وخطة السلام أو العلاقات بين المعسكرين الأميركي والإسرائيلي.
هذا لا يعني أنّ فريق ترامب ينظر إلى غزة أو الفلسطينيين ودولة فلسطين المستقبلية من خلال عدسة إنسانية في المقام الأول. وعوضاً عن ذلك، تلتزم الإدارة بالحفاظ على مصداقيتها الدبلوماسية، بعد أن أنفقت رأس مال سياسياً هائلاً في جميع أنحاء العالم لحشد الدعم لهذه الخطة. كما أنّ السماح لنتنياهو بخرق وقف إطلاق النار، وهي خطوة قد يكون أكثر من مستعد للقيام بها، حتى خلال المرحلة الأولى من الخطة، سيشكل إحراجاً خطيراً لإدارة ترامب. وأولئك الذين يفهمون سياسة ترامب وعقليته يعرفون أنّ هذه نتيجة لا يُمكنه تقبلها.
ومع ذلك، يبدو أنّ انهيار وقف إطلاق النار مرجح بالفعل. إلى جانب القصف الإسرائيلي المستمر للقطاع، فقد انتهكت "إسرائيل" متطلبات وقف إطلاق النار المتعلقة بالمساعدات الإنسانية. وهي تُواصل إبقاء معظم المعابر إلى غزة مغلقةً، وتقيد عمليات الإجلاء الطبي. كما زرعت عوامل تخريبية، من خلال دعم ميليشيات مناهضة لحركة "حماس" داخل غزة لمحاربتها.
اقرأ أيضاً: "RS": من هي العصابات المدعومة من "إسرائيل" في غزّة، وكيف تؤثر في استئناف الحرب؟
وهذا العنصر الأخير مهم لفهم الوضع. فقد لعبت هذه الميليشيات بالفعل دوراً في عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى القطاع، ونهبت قوافل الإغاثة لتجويع الفلسطينيين المنكوبين بشكل صارخ بهدف الضغط على "حماس" خلال مفاوضات وقف إطلاق النار. والآن، قد تستخدم "إسرائيل" هذه الميليشيات لخلق سيناريو ترفض فيه "حماس" نزع سلاحها، مع أنّ هذا بند أساسي في خطة ترامب.
وبالنسبة لحركة "حماس"، سيكون من الجنون التخلي عن السلاح في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي لنصف أراضي غزة ووجود ميليشيات فلسطينية منافسة مصممة على استبدالها كقوة وحيدة في الأراضي المحتلة. وما يشكل خطراً مماثلاً على خطة ترامب، أنّ الاشتباكات المستمرة وفشل نزع سلاح "حماس" قد يدفع الدول التي أبدت اهتماماً بإرسال قوات إلى القطاع لتشكيل "قوة الاستقرار الدولية المؤقتة"، كما ورد بشكل مبهم في الخطة، إلى إعادة النظر في ذلك، وهي ديناميكية متغيرة يقال إنّها بدأت بالفعل.
في الواقع، قد تكون هذه هي الورقة الرابحة لـ"إسرائيل". ويُمكنها استخدام وجود هذه الميليشيات كأداة ضغط ضد "حَماسٍ"، ما يُجبر الفصيل الفلسطيني على الاحتفاظ بسلاحه في انتهاك مباشر لخطة ترامب. بينما يمكن لـ"إسرائيل" أن تدعي أنّه إذا لم تكن هناك دولة أخرى مستعدة للتدخل وتأمين غزة، فسيتعين عليها القيام بذلك بنفسها. وإذا تمكّن نتنياهو من تحقيق ذلك، فسوف يستشهد بهذا الانتهاك وبالفشل في إنشاء قوة استقرار لكسب موافقة واشنطن على استئناف العمليات العسكرية الشاملة في جميع أنحاء غزة وفرض احتلال عسكري إسرائيلي دائم.
سيساهم تسلسل هذه الأحداث في ترسيخ حالة الحرب الدائمة لـ "إسرائيل" في القطاع، ما يمنح نتنياهو مزيداً من الوقت للبقاء في السلطة في ظل الأزمة السياسية المستمرة في الداخل الإسرائيلي، وتهدد ائتلافه الحكومي من جهة، وحريته الشخصية من دخول السجن في ظل تهم الفساد التي تلاحقه في المحاكم.
بينما تعد خطة ترامب حلماً بعيد المنال لاستمرار الاحتلال والوضع الراهن لما قبل العامين الماضيين، وهي غير مؤهلة لمعالجة تعقيدات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإنهُ لا يُمكنها السماح بعودة القتال تحت أي ظرف من الظروف. كما يجب الاعتراف بأنّ المفسد والمعرقل الحقيقي في هذا المشهد هو نتنياهو وحكومته، والتصرف بناءً على هذا يمكن أن يساعد على منع أسوأ النتائج الممكنة، والعودة إلى الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تدعمها الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين في غزة.
نقله إلى العربية: حسين قطايا.