"رويترز": إردوغان يحوّل اتفاق ترامب مع غزة إلى لعبة قوة لصالح تركيا

مساعدة تركيا في إقناع حركة حماس بقبول اتفاق ترامب بشأن غزة، عزّز دور إردوغان في النفوذ الدبلوماسي الإقليمي لأنقرة.

0:00
  • ترامب وإردوغان في قمّة شرم الشيخ للسلام
    ترامب وإردوغان في قمّة شرم الشيخ للسلام

وكالة "رويترز" تنشر تحليلاً بشأن الدور التركي في التوصّل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة وإقناع حركة حماس بقبول صفقة دونالد ترامب، وما ترتّب على ذلك من تحوّل موقع أنقرة من عبءٍ على واشنطن إلى رصيد جيوسياسي مهمّ في الشرق الأوسط.

أدناه نص التحليل منقولاً إلى العربية:

تحوّلت علاقات تركيا مع حركة حماس، التي كانت تُمثّل عبئاً على واشنطن، إلى رصيد جيوسياسي. بإقناع حماس بقبول صفقة دونالد ترامب بشأن غزة، فأعادت أنقرة تأكيد وجودها على رقعة الشطرنج في الشرق الأوسط، مما أثار استياء "إسرائيل" وخصومها العرب.
 
في البداية، قاوم قادة حماس إنذار الرئيس الأميركي بتحرير الأسرى الإسرائيليين أو مواجهة دمار مستمر، إلا أنهم لم يذعنوا إلا عندما حثّتهم تركيا، الدولة التي يعتبرونها راعياً سياسياً، على الموافقة على الخطة الأميركية.
 
صرّح مصدران إقليميان ومسؤولان من حماس لوكالة "رويترز" بأنّ رسالة أنقرة كانت قاطعة: لقد حان وقت القبول بالاتفاق.
 
وقال ترامب الأسبوع الماضي، في إشارة إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، بعد موافقة الحركة الفلسطينية المسلحة على وقف إطلاق النار وخطة لإطلاق سراح الأسرى الإسرائيين: "هذا الرجل من بلد يُدعى تركيا من أقوى الشخصيات في العالم". وأضاف: "إنه حليف موثوق. إنه موجود دائماً عندما أحتاج إليه".
 
عزّز توقيع إردوغان على وثيقة غزة مساعي تركيا نحو دور محوري في الشرق الأوسط، وهي مكانة يسعى الرئيس التركي بشكل متزايد لاستعادتها، مستشهداً في كثير من الأحيان بعلاقات وقيادة تعود إلى الحقبة العثمانية.
 
وأفادت المصادر أنّ تركيا تسعى الآن، بعد الاتفاق، إلى جني ثماره، بما في ذلك في القضايا الثنائية مع الولايات المتحدة.
 
وقال سنان أولجن، مدير مركز "إيدام" للأبحاث في إسطنبول والباحث البارز في مركز كارنيغي أوروبا، إنّ نجاح أنقرة في إقناع حماس بقبول اتفاق ترامب بشأن غزة منحها نفوذاً دبلوماسياً جديداً في الداخل والخارج.
 
قال إنّ من المرجّح أن تستغل تركيا حسن نواياها المتجددة في واشنطن للضغط من أجل إحراز تقدّم في مبيعات مقاتلات "أف-35" المتوقّفة، وتخفيف العقوبات الأميركية، والمساعدة الأميركية في تحقيق أهداف تركيا الأمنية في سوريا المجاورة.
 
وقال أولجن لـ "رويترز": "إذا تُرجمت تصريحات ترامب الإيجابية إلى حسن نية دائم، فقد تستغلّ أنقرة هذا الزخم لحلّ بعض الخلافات القديمة".
 
في اجتماع ترامب وإردوغان، بدأ تجديد العلاقات. صرّح مسؤولون بأنّ إعادة التوازن الدبلوماسي بين أنقرة وواشنطن بدأ خلال زيارة إردوغان للبيت الأبيض في أيلول/سبتمبر، وهي الأولى له منذ ست سنوات.
 
تناول الاجتماع نقاط التوتر العالقة، بما في ذلك سعي تركيا لرفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها عام 2020 بسبب شرائها أنظمة صواريخ "إس-400" الروسية، وهي خطوة أثارت غضب واشنطن وأدت أيضاً إلى استبعادها من برنامج مقاتلات "أف-35".
 
كانت سوريا موضوعاً رئيسياً آخر. تريد تركيا الضغط على قوات سوريا الديمقراطية (SDF) الكردية المدعومة من الولايات المتحدة للاندماج في الجيش السوري. تعتبر أنقرة قوات سوريا الديمقراطية تهديداً نظراً لعلاقاتها بحزب العمال الكردستاني، الذي تصنّفه تركيا جماعة إرهابية.
 
يبدو أنّ هذا التوجّه يكتسب زخماً. فقد أكد قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، وجود آلية للاندماج مع الجيش السوري، وهي نتيجة تعتبرها تركيا فوزاً استراتيجياً.
 
يأتي اتفاق غزة في أعقاب تعزيزات أخرى للهيبة التركية. أشاد ترامب بإردوغان لاستضافته محادثات روسية-أوكرانية في وقت سابق من هذا العام، وتنامى نفوذ أنقرة بعد سقوط بشار الأسد في سوريا عام 2024، حيث دعمت تركيا قوات المعارضة.
 
يُذكّر طموح تركيا لاستعادة دورها المهيمن في الشرق الأوسط بعض المتشكّكين بإرث الإمبراطورية العثمانية، التي حكمت ذات يوم جزءاً كبيراً من المنطقة. أدى انهيارها قبل قرن من الزمان إلى انغلاق تركيا الحديثة على نفسها - حيث بنت جمهورية علمانية - وتهميشها إلى حد ما عن الدبلوماسية الإقليمية. لسنوات، لم تكن أنقرة جزءاً من الجهود رفيعة المستوى لحلّ النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، وهو مصدر أساسي لعدم الاستقرار الإقليمي. أدى دعم تركيا للحركات الإسلامية - بما في ذلك الدعم السياسي والدبلوماسي لحماس، التي استضافت قادتها - إلى توتر العلاقات مع "إسرائيل" والعديد من الدول العربية، كما أنّ انحرافها الملحوظ في عهد إردوغان عن معايير الناتو أبعدها أكثر عن صنع السلام.
 
ولكن لكسر الجمود في محادثات وقف إطلاق النار في غزة، لجأ ترامب إلى إردوغان، مراهناً على نفوذ الزعيم التركي على حماس. أكد المسؤولون الأتراك، بقيادة رئيس المخابرات إبراهيم كالين، لحماس أنّ وقف إطلاق النار يحظى بدعم إقليمي وأميركي، بما في ذلك ضمانة ترامب الشخصية.
 
وبتجنيد إردوغان، منح ترامب أنقرة الدور الذي تتوق إليه كقوة سنية إقليمية مهيمنة. وقال دبلوماسيان إنّ "هذه الخطوة أثارت قلق "إسرائيل" والدول العربية المنافسة، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، التي طالما كانت حذرة من طموحات إردوغان الإسلامية".

قال المعلّق السياسي العربي أيمن عبد النور: "إردوغان بارع في توسيع نفوذه، واغتنام الفرص، واستغلال الأحداث، وتحويلها لمصلحته الشخصية، ونسب الفضل لنفسه فيها". وأضاف: "من الواضح أنّ دول الخليج لم تكن راضية عن تولّي تركيا دوراً قيادياً في غزة، لكنها في الوقت نفسه أرادت إنهاء هذا الصراع، والتوصّل إلى اتفاق، وتهميش حماس".
 
في حين أنّ الدول العربية تشارك تركيا مصلحة إنهاء الحرب، قال المحلّل اللبناني سركيس نعوم، إنّ الدور الأكبر الممنوح لأنقرة كان مثيراً للقلق بالنسبة لها، مستعيداً تاريخ الحكم العثماني للعديد من دول المنطقة.
 
لم تستجب وزارة الخارجية التركية وجهاز الاستخبارات التركي لطلبات "رويترز" للتعليق. ولم تردّ وزارة الخارجية الأميركية فوراً على طلب التعليق.
 
بالنسبة لحماس، كان القلق الرئيسي هو أنّ "إسرائيل" قد تتراجع عن الاتفاق وتستأنف العمليات العسكرية. وصرّحت مصادر إقليمية بأنّ انعدام الثقة العميق كاد أن يُعرقل العملية.
 
وقال مسؤول كبير في حماس لرويترز: "الضمان الحقيقي الوحيد جاء من أربعة أطراف: تركيا وقطر ومصر والأميركيين. لقد أعطى ترامب كلمته شخصياً. كانت رسالة الولايات المتحدة: أطلقوا سراح الرهائن، وسلّموا الجثث، وأضمن لكم أنه لن تكون هناك عودة للحرب".

ضغط كاسح على "حماس"

قال دبلوماسيان إنّ "إسرائيل استخدمت حقّ النقض (الفيتو) في البداية ضد دخول تركيا إلى المحادثات، لكن ترامب تدخّل، ضاغطاً على تل أبيب للسماح بمشاركة أنقرة".
 
ولم يصدر أيّ تعليق فوري من وزارة الخارجية الإسرائيلية. قال مسؤول كبير في حماس إنّ القادة العسكريين في غزة قبلوا الهدنة ليس كاستسلام، بل تحت ضغط هائل من الوساطة المستمرة، والوضع الإنساني المنهار، والجمهور المنهك من الحرب.
 
لا يزال من غير الواضح ما إذا كان اتفاق غزة سيفتح في النهاية طريقاً نحو دولة فلسطينية. تقول تركيا ودول عربية، بما في ذلك قطر ومصر، إنّ الخطة تفتقر إلى خارطة طريق نحو حلّ الدولتين، وهو مطلب فلسطيني تاريخي.
 
وعندما سُئل إردوغان عن احتمال نشر قوات تركية في غزة في سيناريو ما بعد الحرب وسبل ضمان أمن القطاع، قال في 8 تشرين الأول/أكتوبر إنّ محادثات وقف إطلاق النار ضرورية لمناقشة القضية بالتفصيل، لكنّ الأولوية هي تحقيق وقف إطلاق نار كامل، وتوصيل المساعدات، وإعادة إعمار غزة.

نقله إلى العربية: الميادين نت.

في السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 أعلنت كتائب القسام معركة "طوفان الأقصى"، فاقتحمت المستوطنات الإسرائيلية في غلاف غزة، وأسرت جنوداً ومستوطنين إسرائيليين. قامت "إسرائيل" بعدها بحملة انتقام وحشية ضد القطاع، في عدوانٍ قتل وأصاب عشرات الآلاف من الفلسطينيين.