"Responsible Statecraft": كيف يُمكّن عجز الولايات المتحدة الصين في أميركا اللاتينية؟
في حين تقوم إدارة ترامب بالقصف وقطع المساعدات وفرض الرسوم الجمركية، تعمل بكين بهدوء على إقامة علاقات تجارية في مختلف أنحاء المنطقة.
-
"Responsible Statecraft": كيف يُمكّن عجز الولايات المتحدة الصين في أميركا اللاتينية؟
مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يشرح كيف أصبحت الصين لاعباً مركزياً في أميركا اللاتينية من خلال دبلوماسية المنظمات والتنمية الاقتصادية، مقابل تراجع نفوذ واشنطن بسبب سياساتها وفشلها في المنافسة.
أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:
قُبلت الصين مؤخّراً بصفة مراقب في مجموعة دول "الأنديز"، وهي تكتل سياسي واقتصادي يضمّ بوليفيا وكولومبيا والإكوادور وبيرو، وبعض المنظّمات والمنتديات العديدة في الأميركتين.
مع تزايد قلق صانعي السياسات الأميركيين من النفوذ الصيني، بذلوا جهوداً متضافرة للحدّ من مشاركة الحزب الشيوعي الصيني في بنك التنمية للبلدان الأميركية، بل أثار بعضهم مخاوف بشأن علاقات محتملة، وإن كانت غير مؤكّدة، بين الصين والأمين العامّ المنتخب حديثاً لمنظمة الدول الأميركية. والآن، ومع بدء الصين في الانخراط في منظمة إقليمية أخرى، يحذّر المحللون بالفعل من أنها قد تكون بمثابة قناة لتوسيع مبيعات الذكاء الاصطناعي والسيارات الكهربائية في أميركا الجنوبية.
ومع ذلك، بدلاً من مجرّد السعي لمنع الصين من التدخّل في الشؤون الإقليمية، تحتاج الولايات المتحدة إلى وضع سياسات لتحسين التفاعل مع المنطقة.
إنّ وجود الصين في مجموعة دول "الأنديز" ليس بادرة دبلوماسية معزولة، بل يعكس استراتيجية مدروسة امتدت لعقود لإعادة تشكيل معايير الحوكمة والتكامل الاقتصادي في الأميركتين.
إنّ فشل واشنطن في فهم هذه الاستراتيجية وتقديم بدائل موثوقة، يهدّد بالتخلّي عن نفوذها في نصف الكرة الأرضية الذي يقع تحت سيطرتها.
المنظّمات الأميركية المشتركة ذات الخصائص الصينية
ابتداءً من تسعينيات القرن الماضي، اعتمدت الصين على المنظمات والمنتديات الإقليمية كعنصر أساسي في تفاعلها مع أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. ومع انضمام مجموعة دول "الأنديز"، أصبحت الصين الآن عضواً أو مراقباً في تسع منظمات إقليمية، بعضها لا تشارك فيها الولايات المتحدة. وتشمل هذه المنظمات هيئات مثل بنك التنمية الكاريبي، حيث تحافظ الصين على علاقات قوية وتشارك بعمق في مشاريع التنمية.
تخدم المشاركة الصينية في المنظمات الإقليمية عدة أهداف:
أولاً، تُتيح للصين قنوات مهمة للتواصل مع الدول رغم اعترافها المستمر بتايوان.
ثانياً، تُمكّن المشاركة في هذه الهيئات الصين من تعزيز التعاون فيما بين بلدان الجنوب، وتأطير مشاركتها على أنها إيثارية، وصياغة معايير حوكمة تتجاوز منطقتها.
في حين تشارك الصين في مجموعة متنوّعة من الهيئات في نصف الكرة الأرضية، ركّزت العديد من أنشطتها على المنظمات ذات التوجّه الاقتصادي. حصلت الصين على صفة مراقب في المنظّمات الإقليمية في الأميركيتين للمرة الأولى من خلال رابطة تكامل أميركا اللاتينية عام 1994.
واليوم، تُعدّ الصين أيضاً عضواً أو مراقباً في العديد من الهيئات الإقليمية ذات العناصر الاقتصادية الرئيسية: بنك التنمية للبلدان الأميركية، وبنك التنمية الكاريبي، وجماعة دول الأنديز، وتحالف المحيط الهادئ، ومعهد التعاون الزراعي بين البلدان الأميركية. إضافة إلى الهيئات التي تتمتع فيها الصين بحضور رسمي، هناك أدلة واضحة على مشاركتها في هيئات اقتصادية رئيسية أخرى، بما في ذلك بنك أميركا الوسطى للتكامل الاقتصادي، والجماعة الكاريبية، وتحالف دول أميركا الوسطى، والسوق المشتركة لأميركا الجنوبية (ميركوسور).
علاوة على ذلك، وسّعت الصين مشاركتها الاقتصادية مع المنطقة من خلال مفاوضات تجارية ثنائية، ولديها الآن اتفاقيات تجارة حرّة مع تشيلي وكوستاريكا والإكوادور ونيكاراغوا وبيرو.
ركّزت المشاركة الإقليمية الصينية على المنظمات الاقتصادية. والأهمّ من ذلك، أنّ أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي مناطق رئيسية للموارد الطبيعية، وقد ساهمت في تعزيز النمو الاقتصادي للصين. ومع توفّر العديد من الموارد الاستراتيجية، تواصل الصين السعي لتحقيق اختراقات. علاوةً على ذلك، أثار انخراط الصين في بنوك التنمية مخاوف، إذ كانت الشركات الصينية نشطة بشكل خاص في تأمين تمويل المشاريع من خلال هذه الهيئات.
اتسمت استراتيجية الصين بثبات ملحوظ، لكن ما يجعلها فعّالةً للغاية هو كيفية تبنّي حكومات أميركا اللاتينية لها.
إيجاد شركاء اقتصاديين جدد
من جانبها، رحّبت العديد من دول أميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي بحماس بمشاركة الصين في هذه المنظمات، وسعت إلى توسيع التعاون الاقتصادي مع الدولة الآسيوية. وقد شكّل وعدُ وصول صادرات أميركا اللاتينية إلى الأسواق الصينية محرّكاً رئيسياً للنمو في المنطقة. ولتعزيز المعجزة الاقتصادية الصينية، استفادت العديد من دول أميركا اللاتينية من تصدير السلع إلى الدولة الآسيوية.
في الوقت نفسه، استثمرت الصين بكثافة في المنطقة، سواء من خلال القروض أو الاستثمارات الحكومية، غالباً من خلال شركات كبيرة مملوكة للدولة.
ورغم تحوّل هذا النموذج، إلا أنه عزّز التكامل الاقتصادي بين الأميركتين والصين. في الواقع، أشارت دراسات أجراها البنك الدولي إلى أنه بعد استفادة الاقتصادات الإقليمية من الحوافز الاقتصادية المواتية من الصين المتنامية، أصبحت اقتصادات الصين وأميركا اللاتينية متكاملة لدرجة أنّ أيّ تباطؤ في الاقتصاد الصيني سيؤدّي إلى تباطؤ ملحوظ في الاقتصادات الإقليمية أيضاً.
على الرغم من الفوائد الاقتصادية العديدة، إلا أنّ هناك عيوباً حقيقية. فقد لاحظت العديد من الدول أنّ العلاقات التجارية غالباً ما تكون أقلّ فائدة لقواعدها الصناعية مما كان مأمولاً في الأصل. يمكن أن يؤدّي هذا إلى أن تسعى دول المنطقة، التي كانت تأمل في الاستفادة من التجارة مع الصين، إلى التخلّص من التجارة القائمة على السلع والتبعية، ببساطة عن طريق تحويل التبعية إلى الصين.
لم يحدث تعميق العلاقات بين الصين وأميركا اللاتينية من فراغ. فهو لا يعكس فقط استراتيجية بكين طويلة المدى وسعي المنطقة نحو آفاق اقتصادية جديدة، بل يعكس أيضاً فشل واشنطن في مواكبة هذه التحوّلات.
فبينما تعيد الحكومات في جميع أنحاء الأميركيتين تحديد أولويات سياستها الخارجية، يرى الكثيرون الصين شريكاً فاعلاً وموثوقاً، بينما ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها متردّدة أو متناقضة أو غائبة. وقد فاقمت هذه الديناميكية عواقب الأخطاء الأميركية، محوّلةً التردّد والإهمال والخطاب إلى فرص استراتيجية لبكين.
نقله إلى العربية: الميادين نت.