"إسرائيل الكبرى" بين الجغرافيا السياسية والأيديولوجيا

تمثّل "إسرائيل الكبرى" حاجة جغرافية - سياسية للكيان الصهيوني. وسيعمل ساسة الكيان على المضي في ذلك المشروع بمقدار ما يسمح به ميزان القوى، أي بمقدار التهاون عربياً وإسلامياً في التصدّي للتجاوزات والانتهاكات الصهيونية.

  • "إسرائيل الكبرى" بين الجغرافيا السياسية والأيديولوجيا

ربما تبدو مقولة "إسرائيل الكبرى" شطحة أيديولوجية تعتنقها قوى وشخصيات متطرّفة تتموضع في أقصى يمين الحركة الصهيونية، وربما تبدو تلك المقولة نبتاً شيطانياً يرعاه أمثال "الحزب الوطني الديني" الذي يقوده بتسليل سموتريتش (7 مقاعد في الكنيست)، أو حزب "القوة اليهودية" الذي يقوده إيتمار بن غفير (6 مقاعد في الكنيست).

لكنّ مقولة "إسرائيل الكبرى" ليست حكراً على سموتريتش وبن غفير وحزبيهما، وإنما هما الأكثر وضوحاً بشأنها. فهناك أحزاب تتبع الصهيونية الدينية Religious Zionism، التي تؤمن بمقولة "أرض إسرائيل"، والتي تضمّ في أصغر تعريف لها جنوبي لبنان، بدءاً من نهر الأولي فوق صيدا (لا الليطاني فحسب)، ناهيك بأقسامٍ واسعةٍ من شمالي غربي الأردن ووسطه، حتى لو لم يطلق على ذلك اسم "إسرائيل الكبرى" رسمياً.

ويعدّ حزب "شاس" الذي يقوده أرييه درعي (11 عضواً في الكنيست) من أهمّ أتباع تيار "الصهيونية الدينية" حالياً، إضافةً إلى حزب سموتريتش، لكنّه تيارٌ لا يقتصر عليهما أيضاً.

هناك أيضاً أتباع الصهيونية المراجِعة Revisionist Zionism، التي أسسها زئيف جابوتنسكي في عشرينيات القرن العشرين، والتي تمارس أثرها في البرنامج السياسي لحزب "إسرائيل بيتنا" الذي يقوده أفيغدور ليبرمان (6 أعضاء في الكنيست).

وكان جابوتنسكي، مؤسس ميليشيا "أورغون" الإرهابية، قد بنى تياره على مناهضة الصهيونية البراغماتية التي مثّلها ديفيد بن غوريون وحاييم وايزمان، والتي كانت مستعدّة للتخلّي عن شرقي الأردن من أجل تأسيس "إسرائيل" وتصليب عودها. أما تيار الصهيونية المراجِعة، فيرى أنّ "إسرائيل" تضمّ كلّ شرق الأردن بالضرورة.

وليس حزب "إسرائيل بيتنا" أهم وريث لخط الصهيونية المراجِعة بالمناسبة، بل حزب "حيروت" الذي أصبح الليكود الحاكم حالياً وريثه. وكان الليكود قد تأسس من اندماج عدة أحزاب، منها حيروت، ومنها "الحركة من أجل إسرائيل الكبرى".

ليس ليبرمان أهمّ من يحمل إرث جابوتنسكي إذاً، بل نتنياهو، رئيس الوزراء الحالي، ورئيس حزب الليكود (32 عضواً في الكنيست الحالي، من أصل 120).  كما أنّ أثر الصهيونية المراجِعة لا يقتصر على حزبي ليبرمان ونتنياهو أيضاً.

كان بنزيون ميليكاوسكي يهودياً بولندياً وابن الكاتب والحاخام ناثان ميليكاوسكي الذي جال أوروبا والولايات المتحدة كداعية مفوّه للحركة الصهيونية. وفي سنة 1920 انتقلت عائلة ميليكاوسكي، مع موجات الغزاة الغرباء، إلى يافا ثم صفد، حتى استقرت في القدس، وكان ابنه بنزيون في الثامنة من عمره وقتها.

في فلسطين المحتلة، كان ناثان يوقّع مقالاته أحياناً باسم مستعار هو "نتنياهو" (التي تعني "الله أعطى"). واتخذ ذلك اسماً عبرياً له ولعائلته. وكان مألوفاً للغزاة القادمين من أوروبا الشرقية أن يغيّروا أسماء عائلاتهم ذات النغمة السلافية إلى كلمات وردت في النسخة العبرية من التوراة.

كبر الابن بنزيون، ودرس التاريخ في الجامعة العبرية في القدس، وأصبح كاتباً ومحرّراً لعدة نشرات، يصدرها تيار جابوتنسكي. كما أنه أصبح عضواً رئيساً في منظمة جابوتنسكي، حتى أنّ الأخير جعله ذراعه اليمنى في الولايات المتحدة لتأسيس فرع المنظّمة هناك.

خلال وجوده في الولايات المتحدة، استكمل بنزيون دراسة الدكتوراة في التاريخ، ومن ثم أصبح بروفيسوراً للتاريخ في جامعة كورنيل النخبوية الأميركية. وكان متخصصاً في التاريخ اليهودي، ومن الدعاة المؤمنين بمقولة "إسرائيل الكبرى".

عندما مات جابوتنسكي أصبح بنزيون مديراً تنفيذياً "للمنظّمة الصهيونية الجديدة في أميركا"، التي عمل مع جابوتنسكي على تأسيسها كمنافس للمنظمة الصهيونية في أميركا، التابعة لخصوم جابوتنسكي، والتي عدّوها "معتدلة أكثر من اللزوم".  وظلّ بنزيون في ذلك المنصب حتى سنة 1948.

في سنة 1944، تزوّج بنزيون ابنة عائلة يهودية قدمت إلى فلسطين مع الغزاة الغرباء من الولايات المتحدة، وأنجبا 3 أبناء، أكبرهما يوناتن، الذي أصبح ضابطاً قُتل في عملية عنتيبي سنة 1976 التي نفّذتها إحدى مجموعات وديع حداد، وأصغرهما اسمه إيدو، وهو طبيب وكاتب مسرحي، وأوسطهما سمّوه بنيامين، وقد أصبح رئيساً لحزب الليكود سنة 1993، ورئيس وزراء حكومة الكيان الصهيوني الذي قضى في ذلك المنصب أطول عدد من السنوات، بعد ديفيد بن غوريون (1948-1954، ثم 1955-1963).

لم يأتِ حديث نتنياهو، كأعلى مسؤول رسمي في الكيان الصهيوني، عن "إسرائيل الكبرى" إذاً من طريق المصادفة. وليس ذلك بالضرورة لأنه خدم في وحدة قوات خاصة في "جيش" العدو الصهيوني بين الأعوام 1967-1972، وشارك في معركة الكرامة في الأردن وعدة غارات على لبنان، وهي ذاتها الوحدة التي كان أخوه الأكبر يخدم فيها عندما قُتل في عنتيبي سنة 1976، بل لأنّ هذا هو الفكر الذي جُبِلَ بنيامين نتنياهو عليه.

وفي مقابلته مع قناة "i24"، في 12/8/2025، عبّر رئيس الوزراء نتنياهو عن تعلّقه "الشديد" برؤية "إسرائيل الكبرى"، مؤكداً أنه يشعر بأنه في "مهمّة أجيال، أجيال من اليهود حلمت بالمجيء هنا، وأجيال من اليهود سوف تأتي من بعدنا"، مضيفاً لمحاوره شارون غال: "إذا كنت تسأل عمّا إذا كان لدي شعورٌ بالرسالة، تاريخياً وروحياً، فإنّ الإجابة هي نعم". (بحسب ترجمة "تايمز أوف إسرائيل" من العبرية في 12/8/2025).

لم يغفل نتنياهو في المقابلة عن ذكر أبيه، بنزيون، وجيله من "مؤسسي الدولة"، ومن ثم مهمة الجيل الحالي في المحافظة على استمرار وجودها. ويقود هذا السياق تلقائياً إلى توسعتها، ما دام الأمر يتعلّق بـ "رسالة روحية تاريخية... عابرة للأجيال".

ربّ قائل إنّ خطاب نتنياهو بشأن "إسرائيل الكبرى" كان موجّهاً لاستهلاك قواعد اليمين الديني والمتطرّف في الكيان الصهيوني وخارجه. لكنه الخطاب الذي تشرّبه أباً عن جدّ، بكلّ ما للكلمة من معنى. لذلك، فإنّ الأرجح أنّ أيّ خطاب آخر أقلّ تشدّداً هو الموجّه للاستهلاك الإعلامي.

العبرة أنه لم يعد يشعر أنه بحاجة لمسايرة أحد، فكشّر عن أنيابه مراهناً على أنّ الظرف حان لنقل المشروع الصهيوني، في عهده، إلى مستوىً أعلى، توسّعي، وأنّ ذلك سيكون إرثه الشخصي.

يذكر أنّ نتنياهو كان وزيراً للمالية في حكومة أرييل شارون سنة 2005 عندما استقال احتجاجاً على خطة الانسحاب من غزة، وهذا أمرٌ ذو مغزى بحدّ ذاته بالنسبة للتطوّرات الجارية فيها حالياً.

يلاحظ موقع "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأميركي بجدارة هنا، في تقريرٍ مهمٍ نشره في 20/8/2025، بعنوان "خطاب (النصر الكامل) لنتنياهو يتخذ منعطفاً متطرّفاً"، الصلة بين تصريح نتنياهو الأخير عن التزامه برؤية "إسرائيل الكبرى"، وبين سيطرة نزعة في السياسة الإسرائيلية ترفض أيّ تفاهم بشأن غزة، أو أيّ "حل سياسي" يتعلّق بالشأن الفلسطيني، وخصوصاً "حل الدولتين".

كما يُلاحظ الموقع هيمنة التوجّه الذي لا يرى سوى الحلول الأمنية، لا في الشأن الغزي فحسب، بل في العلاقة مع كلّ المحيط، في مسارٍ لا عودة فيه. وهو مسار أيديولوجي يؤكّد أحد المختصين الذين قابلهم معدّو تقرير "ريسبونسبل ستيت كرافت" أنّ نتنياهو لطالما كان ملتزماً به، "فلا داعي لتكبير الموضوع"، وأنه "مشروع عقودٍ من الزمن".

يطرح السؤال هنا: ما الذي جعل نتنياهو يطرح موضوع "إسرائيل الكبرى" الآن، وبهذه الطريقة؟

سبق التفصيل في مادة أخرى أنّ حكومة نتنياهو تشعر بـ "فائض قوة" في علاقتها مع المحيط بعد سلسلة ممّا تعدّه انتصارات ميدانية كاسحة حقّقتها في لبنان وسوريا وفلسطين وإيران. انظر مثلاً تقرير "وول ستريت جورنال"، في 26/7/2025، والمعنون "واشنطن تكافح لكبح جماح إسرائيل أكثر جرأة".

إنّ هذا الشعور، حقيقياً أو واهماً، بأنّ ميزان القوى الإقليمي انقلب بصورة حاسمة لمصلحة الكيان الصهيوني، هو ما يدفع حكومته الحالية للاستهتار علناً بحسابات حلفاء الولايات المتحدة "العرب"، وبالتصريح علناً عن مشروع صهيوني للتمدّد في أراضٍ يحكمونها، من دون إقامة أيّ اعتبار لهم. والتصريح في حدّ ذاته عبارة "جسّ نبض" أصلاً جاء الردّ الضعيف الواهي عليه مشجّعاً لنتنياهو للإقدام على ترجمته على الأرض.

كان أولئك قد جلبوا الخطرَ إلى عقر دارهم عندما أسهموا في الدفاع عن الكيان الصهيوني صاروخياً وجوياً، ومدّوا له حبال الجسور البرية والجوية والبحرية، ومنعوا فكّ الحصار عن غزة، وعقدوا معه صفقات الغاز والتسلّح، إلخ... فيما غزة تُذبح وتُجوّع وتُباد وتُدمّر، ولبنان وسوريا ينتهكان يومياً، الأمر الذي يثبّت بالضرورة في عقل صنّاع القرار الصهيوني أنّ هؤلاء مرعوبون من فكرة القتال، وأنهم لن يجرؤوا، بالتالي، على الردّ إذا قرّر الصهاينة قضم أراضيهم، ربما باستثناء الندب عند "حائط مبكى" الأمم المتحدة.

يخطئ من يحلّلون أنّ "السعي للحفاظ على تماسك التكتل الحاكم" في الكيان الصهيوني، وخوف نتنياهو من المحاكمة، هو العامل الأول الذي يفسّر السياسة الحربجية الراهنة، والمواقف التصعيدية، لحكومته. فالسؤال الأهم هو: ما الذي يسمح لتلك الحكومة بالاستمرار لولا وجود دعم مستقرٍ نسبياً لها من طرف قطاعٍ كبيرٍ من الجمهور ما برح مستعدّاً أن يدفع باهظ الأثمان، دماً واستقراراً واقتصاداً، في خضمّ حربٍ مطوّلة ومكلفة جداً على الصعد كافة؟

على الرغم من كلّ التقارير التي توردها وسائل الإعلام عن علامات التأكّل في اقتصاد الاحتلال وقواته المسلحة وروحها المعنوية، فإنّ الحري بنا أن نفسّر النزعة التصعيدية في سياسات حكومة نتنياهو بالمشروع الصهيوني، لا أن نختزل المشروع الصهيوني بشخص نتنياهو أو بظروفه الشخصية.

فنحن لا نواجه ثلة من الشخصيات الشاذة هنا، بل نواجه صيرورة وسياقاً ذا خلفيات تاريخية، والأهم، ذا أبعاد جغرافية - سياسية تجعل مشروع "إسرائيل الكبرى" الخطوة المنطقية التالية، حتى لو أخذنا أشكالاً أكثر "نعومة" من النزعة الصهيونية، مثل تلك التي يمثّلها تكتّل يائير لابيد (24 نائباً في الكنيست)، أو تكتّل بني غانتس (8 نواب في الكنيست)، أو تكتّل يائير غولان (4 نواب).

من منظور صهيوني، ثمّة مجموعتان من الحسابات هنا، تتعلّق الأولى منها بموازين القوى وتحوّلاتها، والثانية بالجغرافيا السياسية وضروراتها، وهما مجموعتان مترابطتان من الحسابات تنتجان مصفوفة لا يمكن لأيّ سياسيّ صهيونيّ معنيّ بالحفاظ على وجود كيان الاحتلال وأمنه أن يقفز من فوقها.

فهناك، أولاً، حقيقة أنّ الكيان الصهيوني فرض وجوده، ككيان غريب، بالقوة الدموية الغاشمة على محيط مختلف عنه تماماً بدعمٍ خارجي، استعماري غربي أساساً. وهذا المحيط لا يمكن أن يتقبّله مهما طال الزمن، وخصوصاً بعد حفلة الجنون الإجرامي التي يمارسها في غزة، وتماديه وتغوّله في سوريا ولبنان.

لذلك، فإنّ أيّ تحوّل جذري في قُطر عربي أو أكثر يمكن أن يفتح أبواب الجحيم على الكيان الصهيوني في أيّ وقت. بناءً على ذلك، يتوجّب على الكيان الصهيوني، إذا أراد الحفاظ على أمنه استراتيجياً، أن يضرب استباقياً أيّ حالة ناهضة في محيطه، وأن يبقيه ضعيفاً ومفكّكاً، وأن يفقد تماسكه وإدراكه لذاته كـ "محيط في مقابل إسرائيل"، وأن يخلق فيه جزراً موالية له.

ولا خيار سوى هذا ما دام الكيان الصهيوني وجد ويبقى نتيجة علاقة عدوانية مع المحيط. وهذا هو المعنى السياسي لـ "إسرائيل الكبرى"، حتى لو لم تتمدّد عسكرياً بصورة مباشرة في ذلك المحيط.

المجموعة الأخرى من الحسابات ترتبط بالجغرافيا السياسية لفلسطين المحتلة. فالكيان الصهيوني مساحة رقعته صغيرة أولاً، أقلّ من 30 ألف كيلومتر مربّع، مع الجولان والضفة الغربية وغزة وما يحتله في لبنان. وتمثّل تلك المساحة الصغيرة نقطة ضعف في الاستراتيجية العسكرية لأنها تُفقِدُ الكيان الصهيوني العمق الاستراتيجي. ويتطلّب التعويض عن ذلك إيجاد مجالٍ حيويٍ Lebensraum، بمصطلح الجغرافيا السياسية، يتيح له أن ينمو في حالة السلم، وأن يناور في حالة الحرب.

يذكر أنّ الرئيس ترامب نوّه إلى صغر مساحة "إسرائيل"، وأنّ ذلك يمثّل مشكلة، عندما سئل عن موقفه من ضمّ المزيد من الأراضي إليها، بداية شهر شباط/فبراير الفائت.

كما أنّ تلك المساحة الصغيرة تمتد طولياً بصورة تتيح اختراق الكيان الصهيوني من طرف أيّ جيش بري يضمّ مئات الآلاف، ومستعدّ لتحمّل الخسائر، عبر نقطتين مفصليتين: أولهما، النقطة التي تصل طولكرم أو قلقيلية في الضفة الغربية بالبحر الأبيض المتوسط، والتي لا تزيد عن 10-14 كيلومتراً. وتقع، في مقابل شمالي الضفة الغربية، أي طولكرم وجنين وقلقيلية، منطقة "غوش دان" على الساحل الفلسطيني المحتل، وتعدّ تلك الكتلة القلب النابض للكيان الصهيوني اقتصادياً وسياسياً.  وهذه المسافة لا تحتاج حتى إلى جيش، بل إلى صواريخ ومدافع هاون.

النقطة الثانية التي يمكن اختراق الكيان الصهيوني عبرها تبدأ من طرف محافظة الخليل الجنوبي الغربي، عند الظاهرية مثلاً، باتجاه بئر السبع، وتبلغ المسافة بينهما 25 كيلومتراً. أما إذا جرى شبك محافظة الخليل مع شمالي غزة، فإنّ كلّ جنوب فلسطين، بما فيه بئر السبع والنقب وأم الرشراش يصبح منفصلاً عن كيان الاحتلال، لتنشطر "إسرائيل" إلى نصفين.

لذلك كلّه سبق أن أشرت أن لا دولة فلسطينية في الضفة الغربية، نتيجة اعتبارات أمنية صرف، لا بدّ أن يأخذها بعين الاعتبار حتى أكثر الساسة الصهاينة "ليونةً" و"اعتدالاً"، وإنما توجد حاجة صهيونية لوجود إدارة على السكان، فلسطينية أو عربية أو دولية، من دون الأرض، ويمكن أن تسمّى "إمبراطورية" إذا رغبتم، لا "دولة فلسطينية" فحسب، عند الضرورة.

تبرز، في الأرض، نقاطٌ حاكمة ومهمّة لأمن الكيان الصهيوني لا يمكن التخلّي عنها أيضاً.  فهناك مرتفعات الجولان التي تطلّ على الكتلة الثالثة في جغرافيا كيان الاحتلال، وهي الجليل.  وهناك مرتفعات جنوبي لبنان، من جبل عامل خصوصاً إلى جبل الشيخ، تمثّل السيطرة عليها صمام أمان بالنسبة لمنطقة الجليل، ولا يمكن فهم هاجس نزع السلاح بعيداً من ذلك.

هنالك، من جهة أخرى، منطقة الغور مع الأردن، والتي تمثّل خط دفاع أول عن المستطيل قليل العرض الذي يقبع فيه الكيان الصهيوني، ولا سيما التلال الحاكمة من الجهة الفلسطينية، والتي لا يمكن أن يقامر الكيان الصهيوني بتسليمها لأحد، لذلك يعمل على تهويدها على قدمٍ وساق، وعلى ملئها بالمستوطنين المستعمرين.

باختصار، تمثّل "إسرائيل الكبرى" حاجة جغرافية - سياسية للكيان الصهيوني. وسيعمل ساسة الكيان على المضي في ذلك المشروع بمقدار ما يسمح به ميزان القوى، أي بمقدار التهاون عربياً وإسلامياً في التصدّي للتجاوزات والانتهاكات الصهيونية.