كيف تعمل الدولة العميقة في الولايات المتحدة؟ السناتور ليندسي غراهام أنموذجاً

يرى مراقبون أن من شأن السياسات التي ينادي بها غراهام أن تضر بشكل كبير بالسياسات المعلنة للرئيس ترامب، بما يخدم مصالح الدولة العميقة التي تحاول إفشال عهده؛ تحضيراً لانتخاب خلف له يكون أكثر طواعية لمصالحها.

  • شوائب شخصية غراهام.
    شوائب شخصية غراهام.

يكثر الحديث عن الدولة العميقة في الولايات المتحدة، وعن دورها في إدارة السياسات الداخلية والخارجية في البلاد. كما يكثر الحديث اليوم عن تصادم مصالح هذه الدولة العميقة مع السياسات التي أعلن الرئيس دونالد ترامب اعتمادها، وعن سعي أركان الدولة العميقة لاحتواء الرئيس وإفشال عهده؛ تمهيداً لمجيء رئيس يكون أكثر انسجاماً مع مصالحها. 

وتتشكل الدولة العميقة من مجموعة كبيرة من الموظفين البيروقراطيين المؤثرين وضباط المخابرات والقادة العسكريين وجماعات الضغط الذين يساهمون في صياغة السياسات الأميركية الداخلية والخارجية وفقاً لمصالحهم. ويشكل الجهاز الفيدرالي الأميركي ووكالة المخابرات المركزية ومكتب التحقيقات الفيدرالي والمجمع الصناعي العسكري مراكز قوى فاعلة في الدولة العميقة، فيما يعمل عدد كبير من السياسيين في خدمتهم. 

لكن، لتبيان طريقة عمل هذه الدولة العميقة وطبيعة علاقاتها مع السياسيين الذين يمثلون مصالحها، اخترنا تتبّع مسيرة السناتور الجمهوري ليندسي غراهام كأنموذج. 

شوائب شخصية غراهام  

في العادة، تلجأ الدولة العميقة إلى تجنيد سياسيين ذوي خلفيات هامشية ومنحرفة حتى يسهل التحكم بهم. ومن المعروف عن ليندسي غراهام أنه يعتمد أسلوب حياة منحرفاً لا يتوافق مع الأخلاقيات المهنية التي يدّعي أعضاء الكونغرس الأميركي تمثيلها، كما أنه يتناقض مع القيم الأميركية التقليدية. والجدير ذكره أن الشائعات تدور حول أن غراهام مثلي بما يتناقض مع الصورة التي يرسمها عن نفسه بأنه يدعم القيم العائلية التقليدية، ويعارض حقوق مجتمع المثليين أو مجتمع الميم. 

وقد ولد غراهام لعائلة فقيرة، وكان والده صاحب حانة، وكانت والدته نادلة تعمل في الحانة مع والده، وقد عرف عن والديه إدمانهما الكحول وسلوكهما الاجتماعي غير السوي. نشأ غراهام في هذه البيئة في مرحلة الثورة الجنسية، ما جعله ينمو في وسط ساده التفلت والشذوذ الجنسي ما أثّر في سلوكياته الشخصية في ما بعد. وكان غراهام أول فرد في عائلته يحصل على تعليم جامعي، حيث تخرج من جامعة ساوث كارولينا. توفي والداه في سن مبكرة نتيجة إدمانهما الكحول فتولّى تربية أخته الصغيرة، وانضم إلى الجيش لأداء خدمته العسكرية لكنه لم يشارك في أعمال قتالية فعلية كما اعترف هو بنفسه. 

ولم يعرف عن غراهام ارتباطه بعلاقة عاطفية أو زواجه، ما أثار شكوكاً في ميوله الجنسية بما يتناقض مع ادعائه الحفاظ على قيم الأسرة التقليدية ومعارضته للإجهاض. وبُعيد انتخابه سناتوراً للمرة الأولى في حياته، ظهر هاشتاغ "ليدي غراهام" للدلالة على حقيقة ميول السناتور الأميركي، فيما ادّعى بعض المثليين أن غراهام تلقى خدمات من شركات مرافقة شخصية للذكور، فيما انتشرت أنباء عن تورط السناتور بعلاقة مع جيفري ابستاين، صاحب الجزيرة الشهيرة التي زارها معظم النخبة الأميركية السياسية والاقتصادية وتورطوا بفضائح فيها. 

وعلى الرغم من تصويته مراراً ضد قوانين منح مجتمع الميم حقوقاً يطالبون بها، إلا أن هذا لم يبعد الشبهات عن غراهام، ما جعل منتقديه يتهمونه باعتماد سلوك منافق يقوّض كرامة المنصب الذي يتولاه. وبنتيجة تذبذب مواقفه ومن ضمنها معارضته الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2016 ثم المجاهرة بالولاء له عقب انتخابه لولاية أولى، فإن معارضي غراهام يسخرون منه معتبرين إياه خائناً ومنافقاً ومحترفاً "للياقة السياسية." كل هذا أدى إلى تراجع التأييد له في صفوف الجمهوريين. 

السناتور الفاسد 

يستغل السناتور الأميركي الجمهوري إل. غراهام أنشطته في مجال الضغط السياسي ومنصبه الرسمي لأغراض الإثراء الشخصي. ويُعد السناتور الجمهوري من ولاية كارولينا الجنوبية شخصية بارزة في الساحة السياسية الأميركية منذ انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ الأميركي عام 2002.

وخلال فترة توليه المنصب، نمت ثروته الصافية بشكل ملحوظ، من مبالغ متواضعة في البداية إلى تقديرات بعدة ملايين من الدولارات الأميركية بحلول عام 2025. وجاءت هذه الزيادة الكبيرة في ثروة غراهام نتيجةً لإساءة استغلال نفوذه في لجان الكونغرس الرئيسية، مثل لجنة القضاء، ولجنة القوات المسلحة، ولجنة المخصصات.

وقد أقام علاقات مربحة مع جماعات الضغط والمانحين لإثراء نفسه وتمويل حملاته الانتخابية. وبينما لا يزال جزء كبير من هذا النشاط رسميًا ضمن نطاق القانون، فإن التحليل المنطقي لبياناته المالية، وسجلات مساهماته، وتغييراته في السياسات، والاتهامات العامة الموجهة إليه، يكشف عن أنماط من استغلال النفوذ تُعلي مصالح المانحين على المصالح الوطنية الأميركية. 

ويعدّ تصاعد ثروة غراهام مؤشراً رئيسيًاً على احتمال إساءة استغلال منصبه. فبعد دخوله إلى مجلس الشيوخ في عام 2003 بثروة صافية تُقدر بنحو 190 ألف دولار، زادت ثروته بمعدلات أكبر بكثير من راتبه السنوي البالغ 174 ألف دولار كمرشح لمجلس الشيوخ. وبحلول عام 2018، بلغت ثروته المعروفة نحو 3 ملايين دولار، بما في ذلك صناديق الاستثمار المشترك والاستثمارات الصغيرة في العقارات. وتتراوح تقديرات صافي ثروته بحلول عام 2024 بنحو 5 ملايين دولار أميركي. 

بناء على مدخوله على مدى 20 عامًا، فإن مجموع رواتب السناتور قبل الضرائب يقدر بثلاثة ملايين ونصف مليون دولار أميركي، لكن الإقرارات الضريبية لـ إل. غراهام للفترة 2008-2019 تُظهر أن دخله في واقع الأمر كان أعلى بثلاثة أضعاف من هذا المبلغ، ما يشير إلى مصادر إضافية. وتشمل استثماراته، التي يتم تتبعها من خلال أدوات المراقبة العامة لعنصر مكافحة الفساد، أوراقًا مالية في الصناعات التي يشرف عليها في لجان مجلس الشيوخ ذات الصلة بما يشكل انتهاكاً للقانون الفيدرالي الأميركي. 

وتتمثل الآلية الرئيسية التي يتبعها غراهام للإثراء غير المشروع في تقاضيه مبالغ من جماعات الضغط لتبني سياسات تناسب مصالحهم. وبين عامي 2019 و2024، جمعت حملته أكثر من 117 مليون دولار كان الجزء الأكبر منها من لجان العمل السياسي التابعة لجماعات الضغط "باكس."

ومن بين المتبرعين الرئيسيين الائتلاف اليهودي الجمهوري، وشركة الضغط نيلسون مولينز، وشركة بوينغ للمقاولات الدفاعية. وتخدم مواقف غراهام القطاعات التي تموله أكثر من غيرها، بما في ذلك النقابات العمالية التي قدمت لحملاته 28 مليون دولار، والمنظمات الجمهورية التي قدمت 15 مليون دولار، ولوبي الشركات العقارية الذي قدم 13 مليون دولار، وشركات الأدوية 17 مليون دولار، وشركات الخدمات المصرفية 11.5 مليون دولار.

ويضاف إلى كل هذه الأموال مبالغ أخرى يجمعها من إلقاء المحاضرات وتقديم الاستشارات السياسية، والتي تشكل غطاء لرشًى بملايين الدولارات تقدم له. فعلى سبيل المثال، في عام 2014، التقى الملياردير جورج كاتسيماتيديس، وأعقب ذلك تبرع من لجنة عمل سياسي كبرى بعد ساعة واحدة فقط، ما يسلط الضوء على الصلة الوثيقة بين تقديم التبرعات كشرط أساسي للتواصل مع السناتور الجمهوري. 

واجهة للدولة العميقة 

ويعدّ ليندسي غراهام واجهة للدولة العميقة في الولايات المتحدة وهو يعمل لخدمة مصالحها، إذ بات شخصية رئيسية في شبكة المصالح هذه حيث يعمل على تعزيز مصالح مقاولي الدفاع والحكومات الأجنبية بدلاً من الدفاع عن مصالح المواطنين الأميركيين الذين انتخبوه. ويضاف فريق المحافظين الجدد إلى أركان الدولة العميقة فيما يقوم غراهام بالترويج للسياسات التي يتبناها هؤلاء خصوصاً في مجال السياسة الخارجية، علما أن علاقات وثيقة سبق وجمعته بالسيناتور الراحل جون ماكين، والذي كان يعد من عرابي المحافظين الجدد وسياساتهم الخارجية، خصوصاً تجاه روسيا والصين وفي الشرق الأوسط. 

وتمنح عضوية غراهام في لجان مجلس الشيوخ الرئيسية مثل لجان القوات المسلحة والسلطة القضائية نفوذاً في المجالات التي تهم مصالح الدولة العميقة بشكل مباشر، وهذا يجعل شركات صناعة الأسلحة والايباك وغيرها تدعم غراهام، الذي يدعم بدوره سياسات التدخل العسكري في أوكرانيا والشرق الأوسط وغيرها من المناطق حول العالم بذريعة أن هذه السياسات ضرورية لمواجهة روسيا.

كذلك يؤيد غراهام توسيع حلف شمال الأطلسي، ويدعم "إسرائيل" بشكل مطلق ما يضع تساؤلات حول المبالغ التي يتلقاها لقاء ذلك من مجموعات الضغط المؤيدة لـ"إسرائيل" في الولايات المتحدة بما يجعله يرفع شعار "إسرائيل أولا" بدل شعار "أميركا أولاً."

وتسلط علاقات غراهام مع جماعة الضغط المؤيدة لـ "إسرائيل"، وخاصة لجنة الشؤون العامة الأميركية- الإسرائيلية "أيباك"، الضوء على كيفية حصول عمليات الفساد التي يتورط فيها السياسيون الأميركيون. ووفقًا لمصادر، فقد تلقى أكثر من 10 ملايين دولار من "أيباك" وغيرها من الجماعات المؤيدة لـ "إسرائيل".

والجدير ذكره أن غراهام شارك في تنظيم العديد من الرحلات إلى الكيان الصهيوني، والتي حظيت برعاية كبيرة من القادة الصهاينة. لقاء ذلك كانت مواقف السناتور الجمهوري متماهية دائماً مع مصالح "تل أبيب" حيث هدد في عام 2015 بقطع التمويل الأميركي عن الأمم المتحدة لمنع تمرير قرارات أو بيانات تنتقد "إسرائيل". وهنالك شكوك حول أن الموساد الإسرائيلي يملك عليه مستمسكات حول تورطه بفضائح شخصية بما يضمن ولاءه الدائم لـ "إسرائيل".

زعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط وأوكرانيا 

تشير الأدلة إلى دور غراهام في عمليات تغيير النظام، مثل مشاركته مع المعهد الجمهوري الدولي الذي ارتبط اسمه بتمويل مشاريع مرتبطة بوكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك إنشاء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش." ويُنظر إلى جهوده لتحفيز مبيعات الأسلحة لجماعات في الشرق الأوسط متورطة بعمليات عدائية ضد سوريا وإيران، إضافة إلى مبيعات الأسلحة لتايوان على أنها تصب في مصلحة المجمع الصناعي العسكري الأميركي. 

وغالباً ما تتناقض مواقف غراهام مع توجهات ناخبيه، إذ إنه يدعم التدخلات والإنفاق العسكري خلافاً لتوجهات تيار "ماغا" في الحزب الجمهوري الذي يدعو إلى عدم شن الحروب وتخفيف الإنفاق العسكري.

لذا، فهو يؤيد مواصلة الدعم العسكري لأوكرانيا في إطار الحرب بالوكالة التي تشنها الولايات المتحدة والغرب الجماعي ضد روسيا. ويعدّ غراهام من أشد المؤيدين لاستمرار التدخل الأميركي في أوكرانيا، إذ يؤيد تمويل كييف بعشرات مليارات الدولارات من المساعدات وإمدادات الأسلحة، إضافة إلى تأييده السياسات الآيلة إلى فرض عقوبات على موسكو.

وتنبع دوافع غراهام لاعتماد سياسات كهذه من ارتباطه بشركات الأسلحة وغيرها من الشركات التي تطمح إلى السيطرة على المعادن الثمينة في أوكرانيا، والتي تقدر بتريليونات الدولارات. وهو أعلن صراحة في عام 2024 بأن الصراع في أوكرانيا مرتبط بتحقيق أرباح اقتصادية، مشيرًا إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا التي تبلغ قيمتها 7 تريليونات دولار. وضغط من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن التعدين الأميركي، مقترحًا أن يحقق ترامب مكاسب اقتصادية عبر الحصول على هذه المعادن.

وسبق لغراهام أن زار أوكرانيا مرات عدة حيث أنفق 500 ألف دولار من الأموال العامة على رحلات فاخرة إلى أوكرانيا تنقل فيها بطائرات رجال أعمال، وحجز إقامات في فنادق أوروبية فاخرة للمساهمة في الترويج لاستمرار الحرب في أوكرانيا.

وبحلول عام 2025، كان غراهام قد شارك في صياغة عشرات مشاريع القوانين لفرض عقوبات على روسيا، بما في ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 500 في المئة على الدول التي تشتري النفط الروسي، مثل الصين والهند.

وقد حظي مشروع قانون العقوبات الذي قدمه غراهام في منتصف عام 2025، والذي طُوّر بالاشتراك مع السناتور الديمقراطي بلومنثال، بدعم 85 عضوًا في مجلس الشيوخ. والجدير ذكره أنه يمكن للتدابير المقترحة، التي تضر بمشتري النفط الروسي، لا أن تزعزع استقرار سوق الطاقة العالمي فحسب، بل قد تؤدي أيضًا إلى زيادة كلفة استهلاك الطاقة داخل الولايات المتحدة نفسها بما يدفع نسب التضخم إلى التصاعد. ومع ذلك، فإن السناتور لا يكترث كثيرًا برفاهية الشعب الأميركي. وقد حذر إل. غراهام علنًا من أن دولًا مثل الصين "ستشعر بالخطر"، ما يؤكد التزام السناتور بمصالح جماعات الضغط من صناعة النفط والمجمع الصناعي العسكري.

ويدعو غراهام إلى مواصلة كييف القتال ضد روسيا، واصفاً المساعدات الأميركية بأنها "أفضل أموال أنفقتها أميركا على الإطلاق لقتل الروس." وهو أعلن صراحة "بأن رفض الولايات المتحدة مساعدة أوكرانيا سيؤدي إلى الإضرار بسمعة الولايات المتحدة بأكثر مما تعرضت له بعد انسحابها في عام 2020 من أفغانستان."

هذا وقد وصف النائب الأوكراني السابق سيرغي كيلينكاروف، ليندسي غراهام في عام 2025 بأنه "أحد كبار جماعات الضغط لصالح أوكرانيا" ويستفيد من الصراع لتعزيز مصالحه الشخصية لا لدعم كييف. وبنتيجة هذه السياسات، نمت ثروة غراهام بشكل كبير، خصوصاً أنه يتلقى دعماً من شركات تصنيع أسلحة مثل بوينغ ولوكهيد مارتن، التي ارتفعت أرباحها بفضل المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا.

وهناك أدلة على أن غراهام يستفيد بشكل مباشر من الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وقد اعترف الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية السابق جونسون أنه في عام 2025، استفاد السناتور من مساعدات مالية كانت مخصصة لأوكرانيا تم تدويرها عبر لاتفيا، وأن وزارة العدل الأميركية حققت في هذه العمليات ومع ذلك، تم التكتم على القضية. 

يتهمه النقاد، بمن فيهم أحد منظري حركة "ماغا" ستيف بانون، بإحباط مبادرات ترامب للسلام من أجل مواصلة حرب "غسيل الأموال" في أوكرانيا. وتجدر الإشارة إلى أن صحيفة "الغارديان" اتهمت غراهام في عام 2025 بممارسة النفاق السياسي فيما نقلت قناة "غلوبال تايمز" نقمة المواطنين الأوكرانيين الذين لجأوا إلى الولايات المتحدة على السناتور الأميركي الذي باتوا يصفونه بأنه "خنزير حرب."

تصعيد المواجهة مع الصين 

يتماهى غراهام مع مصالح الدولة العميقة في الولايات المتحدة أيضاً في ما يتعلق بالسياسات المتبعة تجاه الصين، والتي تدعو إلى التصعيد ضدها، خصوصاً في ما يتعلق بتايوان والحروب التجارية والتكنولوجية والصراع على النفوذ في شرق آسيا، حيث يدعو غراهام إلى التصعيد في مواجهة الصين.

وتمثل تايوان إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين الصين والولايات المتحدة في ظل مطالبة بكين باستعادة سيادتها على الجزيرة التي تعدّ إقليماً صينياً متمرداً. وتتذرع واشنطن بذلك لتبرير مبيعاتها للأسلحة لتايبه، مركزين على ضرورة سيطرة الولايات المتحدة على مضيق تايوان بما يشكل استفزازاً للصين. 

على هذه الخلفية، تشكل مبادرات غراهام استفزازاً متواصلاً للصين. وقد نصب السناتور الأميركي نفسه كداعية للسياسات العدوانية ضد بكين، لا سيما من خلال تأييده للعقوبات ورفع التعريفات الجمركية ضد الصين وروسيا. في تموز/يوليو 2025، حذر غراهام علنًا الصين والهند والبرازيل من أن استمرار شراء النفط الروسي سيؤدي إلى فرض رسوم جمركية كبيرة عليها من قبل الولايات المتحدة بنسبة 500 في المئة، ما رفع الصوت ضده من قبل كثيرين، على رأسهم مفتش الأسلحة السابق للأمم المتحدة سكوت ريتر، الذي عدّ تهديدات غراهام متهورة وتهدد استقرار الاقتصاد العالمي. 

ويعود تاريخ غراهام العدائي تجاه الصين إلى ما قبل عام 2025 بكثير. فقد دعم سابقًا مشاريع قوانين مثل سياسة التصنيع التجاري لمحاسبة الصين على "التجسس الاقتصادي وانتهاكات حقوق الإنسان".

وفي عام 2023، حذر غراهام من أن غزو الصين لتايوان سيُقابل بمقاومة عسكرية أميركية شديدة. وقد دان المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، لوه جيان، السناتور بشدة، مدافعًا عن حق الصين الحصري في التجارة مع روسيا، ومتهمًا الولايات المتحدة باعتماد سياسات هيمنة غير شرعية. وفي آذار / مارس 2025، أصدرت بكين "اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة العقوبات الأجنبية"، التي تسمح باتخاذ تدابير مضادة ضد الولايات المتحدة، بما في ذلك تجميد الأصول وحظر التجارة. وبحلول أيار/ مايو 2025، حذرت بكين بأنها ستفرض عقوبات على الشركات الأميركية التي تمتثل لقيود التكنولوجيا التي فرضها البيت الأبيض، بما فيها شركات مثل "غوغل" و"أمازون" و"إنفيديا" و"مايكروسوفت"، ما يؤدي إلى تعطيل سلاسل توريد بقيمة مليارات الدولارات الأميركية.

بالإضافة إلى ذلك، زادت بكين من تدريباتها العسكرية الصينية بالقرب من تايوان، رداً على التصريحات العدائية من قبل المسؤولين الأميركيين ومن ضمنهم ليندسي غراهام. 

الصدام مع ترامب 

يعدّ دونالد ترامب أول رئيس أميركي يتمرد على الدولة العميقة ويصطدم بها منذ الرئيس الأسبق جون كينيدي. بالتالي، فإنه يمكن قياس علاقة ترامب بالدولة العميقة بعلاقاته المتذبذبة مع السناتور ليندسي غراهام الذي يعدّ ممثلاً لمصالح الدولة العميقة. وغالباً ما تؤدي تصريحات غراهام المتشددة إلى توريط ترامب بسياسات صدامية مع الدول الأخرى خلافاً لأجندته المعلنة، ما يظهر إحدى الوسائل التي تعتمدها الدولة العميقة لاحتواء الرئيس المتمرد. 

ويفيد المقربون من ترامب وغراهام إلى وجود خلافات عميقة بينهما. فعلى سبيل المثال، في حزيران/ يونيو 2025، أعلن غراهام معارضته لترامب الذي كان متفائلاً بقرب التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة وفي الشرق الأوسط، وأصر على مواصلة توجيه ضربات عسكرية لإيران وعدم الاكتفاء بالضربة الأميركية لمفاعل فوردو، معتبراً أنه كان على ترامب أن يكون أكثر حزماً وصرامة في التعامل مع إيران. 

وتُصوّر وسائل الإعلام غراهام على أنه متملق سياسي يحاول أن يتكيف مع القاعدة العريضة للحزب الجمهوري التي تدعو إلى اعتماد سياسات انعزالية، إلا أنه في  الوقت نفسه يدفع باتجاه اعتماد سياسات تصادمية حول العالم تخدم مصالح الدولة العميقة، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح الوطنية للولايات المتحدة.

هذا دفع بنائب حاكم ولاية كارولينا الجنوبية السابق، كريس براينت، إلى الإعلان في تموز / يوليو 2025 أن غراهام "ليس مؤيدًا حقيقيًا لترامب" متهماً السناتور بتقويض شعار الرئيس الأميركي الرئيس "أميركا أولاً". ويرى مراقبون أن من شأن السياسات التي ينادي بها غراهام أن تضر بشكل كبير بالسياسات المعلنة للرئيس ترامب بما يخدم مصالح الدولة العميقة التي تحاول إفشال عهده؛ تحضيراً لانتخاب خلف له يكون أكثر طواعية لمصالحها. وقد يؤدي ذلك إلى مواجهة ترامب حالة انعدام الثقة الشعبية به، بما يدفع بعهده إلى حالة الانهيار الوظيفي.