"Responsible Statecraft": هل بشّرت قمة ألاسكا بعصر جليدي جديد؟

من كاسحات الجليد النووية إلى الدبلوماسية المُذابة، أشار اجتماع ترامب وبوتين في أنكوريج إلى تحوّل استراتيجي في القطب الشمالي.

  • ترامب يستقبل بوتين قبيل قمّة ألاسكا
    ترامب يستقبل بوتين قبيل قمّة ألاسكا

مجلة "Responsible Statecraft" الأميركية تنشر مقالاً يتناول قمة ترامب وبوتين في ألاسكا وما حملته من رسائل تتجاوز ملف أوكرانيا لتضع القطب الشمالي في قلب العلاقات الأميركية – الروسية.

يرى المقال أنّ القمة لم تكن مجرد محطة سياسية، بل محاولة لإعادة صياغة التوازن في القطب الشمالي عبر الاقتصاد والطاقة والمناخ والأمن. والسؤال المطروح: هل يمكن أن يتحول القطب الشمالي من ساحة تنافس دولي إلى ميدان تعاون فعلي بين واشنطن وموسكو؟

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية:

لم تقتصر قمة ترامب وبوتين في ألاسكا على أوكرانيا؛ فقبل اجتماع أنكوريج بوقت طويل، عُرفت منطقة القطب الشمالي كساحة للتعاون الأميركي - الروسي. واليوم، ومع انعقاد القمة الرئاسية التاريخية في موقع غير متوقع في ألاسكا، تأكد أن القطب الشمالي يشكل إحدى المناطق الرئيسة لتطبيع العلاقات الثنائية.

وخلال المؤتمر الصحافي المشترك مع الرئيس ترامب، قال الرئيس بوتين: "يبدو أنّ التعاون في القطب الشمالي واستئناف الاتصالات بين المناطق، بما في ذلك بين الشرق الأقصى الروسي والساحل الغربي للولايات المتحدة، مهم". ولم يذكر الرئيس ترامب القطب الشمالي بالتحديد في تصريحاته، إلا أن مبادرة إدارته لاستضافة الاجتماع في ألاسكا كانت رمزية ومؤشرًا على عصر جديد من التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في القطب الشمالي.

كاسحات الجليد والطاقة

قبيل الاجتماع مباشرة، أجرى المسؤولون الأميركيون مناقشات داخلية بشأن استخدام سفن كاسحة الجليد الروسية التي تعمل بالطاقة النووية لدعم تطوير مشاريع الغاز في ألاسكا، باعتبارها صفقة محتملة يمكن إبرامها مع الرئيس بوتين. وعلى الرغم من أنّ تفاصيل المناقشات التي حصلت في ألاسكا لا تزال محدودة (حتى وقت كتابة هذا المقال)، فإن اقتراح كاسحة الجليد يبدو منطقيًا، فروسيا هي الدولة الوحيدة التي تمتلك كاسحات جليد تعمل بالطاقة النووية وتساعد الشركات الروسية على إجراء عمليات شحن على مدار العام على طول طريق بحر الشمال في القطب الشمالي. في المجمل، تمتلك روسيا 41 كاسحة جليد تعمل بالطاقة النووية والديزل والكهرباء، وتتمتع بشبكة متطورة من البنية التحتية للموانئ في القطب الشمالي.

في المقابل، لا تمتلك الولايات المتحدة سوى 3 كاسحات جليد قطبية، هي " USCGC Healy" و" USCGC Polar Star" و"USCGC Storis". ومن الواضح أن توسيع أسطول كاسحات الجليد الأميركية مهم للرئيس ترامب؛ فقد سعت الإدارة إلى الحصول على كاسحات الجليد من فنلندا، وخصصت مبلغ 25 مليار دولار لقواطع الأمن القطبية والقطبية الشمالية (كاسحات الجليد) لخفر السواحل الأميركي.

إضافة إلى ذلك، دعا صنّاع القرار الروس إلى تنفيذ مشاريع اقتصادية مشتركة، ولا سيما مشاريع استخراج الطاقة والموارد الطبيعية. وقبيل أسبوع من توجهه إلى ألاسكا، صرّح مستشار بوتين للسياسة الخارجية، يوري أوشاكوف، قائلاً: "في ألاسكا والقطب الشمالي، تلتقي المصالح الاقتصادية لبلدينا، وتتفتح آفاق تنفيذ مشاريع ضخمة تعود بالفائدة على الطرفين". وخلال الاجتماع الثنائي الذي عُقد في شباط/ فبراير 2025 في المملكة العربية السعودية، تمت مناقشة القطب الشمالي تحديدًا كساحة لمشاريع مشتركة. فالقطب الشمالي، وتحديدًا حيث تلتقي الدولتان في مضيق بيرينغ، يمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة وروسيا منطقة ذات مصالح مشتركة.

لقد دفعت العقوبات المفروضة على روسيا موسكو إلى تعزيز تعاونها مع الصين في مشاريع الطاقة والشحن في القطب الشمالي. ويرى المسؤولون الأميركيون أن التعاون في القطب الشمالي يُعدّ وسيلة محتملة لـ"إثارة الخلاف" بين موسكو وبكين. وبالنسبة إلى موسكو، قد تكون الشراكة الجديدة مع واشنطن فرصة للتعويض عن اعتمادها الاقتصادي والتكنولوجي على الصين.

اقرأ أيضاً: "WSJ": حرب باردة جداً.. ظروف القطب الشمالي القاسية تختبر القوات الأميركية وحلفاءها

التعاون في مجال المناخ

هناك الكثير من الجوانب الأخرى للتعاون في القطب الشمالي، والتي يمكن أن تفيد البلدين والمنطقة والبشرية ككل، منها البحوث المتعلقة بالمناخ وفضّ النزاعات. ترتفع درجة حرارة القطب الشمالي بمعدل أسرع بـ4 مرات من بقية العالم، ما يؤدي إلى حصول تحولات جذرية في المنطقة، مثل ذوبان الجليد البحري، وذوبان التربة الصقيعية، وتآكل السواحل، وانهيار المنظومات البيئية. وهذه الآثار تؤثر سلبًا في سكان القطب الشمالي والسكان الأصليين. 

وتتمتع الولايات المتحدة وروسيا بتاريخ طويل من التعاون العلمي يمتد لنحو قرن في القطب الشمالي لفهم مثل هذه العمليات بشكل مشترك والإبلاغ عن التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره. وقد تم تعطيل البحث الحيوي منذ عام 2022، عندما دانت دول غرب القطب الشمالي التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا وأوقفت عمل مجلس القطب الشمالي. كما أعلن البيت الأبيض في عهد بايدن عن إنهاء التعاون العلمي مع روسيا. 

وعلى الرغم من أن عودة التعاون المرتكز على المناخ قد لا تكون محتملة في ظل مواقف إدارة ترامب الحالية بشأن تغير المناخ، فإن المبادرات البيئية ذات الأهداف الأكثر دقة قد تكون قابلة للتحقيق. وقد أشار مبعوث بوتين كيريل دميترييف في وقت سابق من هذا العام إلى أنّ "القضية الرئيسة لمناقشتنا مع القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، هي المناخ، لأننا نعتقد بأن القطب الشمالي يشهد تغيرات".

ويمكن تطبيق منطق صفقة كاسحات الجليد المحتملة (حصول الولايات المتحدة على الخبرة الروسية) على دراسة التربة الصقيعية، فالباحثون الروس يتمتعون بقرونِ من الخبرة في دراسة ذوبان التربة الصقيعية والتكيف معه. إنّ  تدهور التربة الصقيعية يقوّض المشاريع الاقتصادية المحتملة، ويُهدد سلامة البنية التحتية. لذا، يتعين على الباحثين الأميركيين والروس تعزيز تعاونهم في هذا المجال الحيوي.

حفظ السلام في المنطقة القطبية الشمالية

يُعد ضمان بقاء القطب الشمالي منطقة سلام وأمن قناةً مهمةً أخرى للتعاون بين الولايات المتحدة وروسيا. وقد ازدادت وتيرة النشاط العسكري وحدّته في القطب الشمالي، وزاد عدد المشاركين في التدريبات العسكرية، بما في ذلك الصين ودول حلف شمال الأطلسي غير القطبية. وهناك مخاطر من تجدد سباق التسلح ونشر أنظمة أسلحة أكثر قوة، بما في ذلك صواريخ تفوق سرعتها سرعة الصوت، في القطب الشمالي. ويُعدّ أمن القطب الشمالي مهمًا لإدارة ترامب، كما يتضح من خطاب الرئيس حول الاستحواذ على جزيرة غرينلاند، والإشارة إلى القطب الشمالي 14 مرة في تقييم التهديدات السنوي لعام 2025.

إنّ أقصر مسافة للصواريخ والطائرات بين الولايات المتحدة وروسيا تمر عبر القطب الشمالي. ومع خضوع فنلندا والسويد اليوم للمظلة النووية للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، باتت جميع دول القطب الشمالي، باستثناء روسيا، حليفة للـ"ناتو". ويحمل انتهاء سريان اتفاقية "ستارت" الجديدة عام 2026 تداعيات مهمة على أمن القطب الشمالي، نظراً إلى تركيز روسيا أسلحتها النووية البحرية في المنطقة.

وفي وقت سابق، كانت منطقة القطب الشمالي مسرحاً لتدابير بناء الثقة، وتبادل المعلومات، والبرامج الرامية إلى الحد من مخاطر سوء التقدير، مثل التعاون العسكري البيئي في القطب الشمالي. وتضمنت مبادرة "مورمانسك" التي أطلقها غورباتشوف دعواتٍ لنزع السلاح النووي في القطب الشمالي، ونزع السلاح، وإنشاء "منطقة سلام في القطب الشمالي". واليوم، نشهد تراجعًا خطيرًا في مستوى الثقة، الأمر الذي يحول دون تحقيق مثل هذه الجهود المشتركة.

ولمنع حدوث معضلة أمنية ومعالجة هذه القضايا الهامة المتعلقة بأمن القطب الشمالي، من المهم أن تتضمن أجندة التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في القطب الشمالي مسألة بناء الثقة والشفافية، وتدابير بناء الثقة والحوار بين العسكريين والخبراء، وتدابير إضافية للحد من خطر التصعيد في المنطقة. وهناك حاجة إلى إيجاد بنية أمنية عسكرية جديدة في القطب الشمالي. وقد تكون إعادة تشغيل أطر العمل، مثل منتدى خفر السواحل في القطب الشمالي واجتماعات رؤساء الدفاع في القطب الشمالي، الخطوة الأولى نحو تعزيز التفاهم المتبادل في المنطقة.

نقلته إلى العربية: زينب منعم.