"فايننشال تايمز": بوتين في مقعد القيادة في أوكرانيا

من خلال الدبلوماسية، موسكو تسعى إلى تحقيق النصر، وليس التسوية، وترامب يلعب معها.

0:00
  • "فايننشال تايمز": بوتين في مقعد القيادة في أوكرانيا

صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية تنشر مقالاً يتناول المشهد السياسي والعسكري الراهن للحرب في أوكرانيا في ضوء التحولات الأخيرة بين موسكو وواشنطن، مع إبراز دور أوروبا ومخاوفها.

أدناه نص المقال منقولاً إلى العربية بتصرف:

لقد كان أسبوعاً جيداً لفلاديمير بوتين، إذ استطاع إقناع دونالد ترامب بأنّ من الأفضل التوصل إلى اتفاق شامل لإنهاء الصراع في أوكرانيا بدل السعي إلى وقف إطلاق النار، فيما الدبلوماسية يجب أن تسير بالتوازي مع القتال. بعد ذلك، فشل فولوديمير زيلينسكي وقادة أوروبيون آخرون في إقناع ترامب بالعودة إلى موقفه السابق، وبضرورة معاقبة روسيا بصرامة ما لم توافق.

الآن، استعاد بوتين مقعد القيادة وخطته إطالة أمد المفاوضات مع استنزاف أوكرانيا في ساحة المعركة. ويأمل الكرملين إملاء شروط التسوية مع رئيس أميركي غير صبور كشريك راغب. ولا يزال من الممكن تجنّب هذه النتيجة، لكنّ أوروبا بحاجة إلى أن تختار بحكمة كيفية إنفاق رأس مالها السياسي المحدود.

يظلّ استمرار الحرب هو وسيلة الضغط الوحيدة المتاحة لبوتين لتحقيق أي نتيجة يريدها، ومن غير المرجّح أن يتخلى عن هذه الأداة حتّى تحت الضغط؛ فإذا سكتت المدافع من دون اتفاق، بحسب تقديرات الكرملين، قد تطيل أوكرانيا المفاوضات للأبد بالعودة إلى مطالبها، بما في ذلك العودة إلى حدودها لعام 1991، فيما يعزز حلف شمال الأطلسي جيشها أكثر فأكثر.

هناك 3 عوامل لثقة بوتين بفوائد مواصلة القتال. الأول، يتصل بتراجع الاقتصاد الروسي وتقلص تدفق الإيرادات، فيما لا يزال لديه زخم كافٍ لتشغيل آلة بروسيا الحربية لمدة 18 شهراً أخرى على الأقل. ومنذ نحو شهرين، عدّل الكرملين ميزانيته لتركيز تدفقاته النقدية المتبخرة على الحرب على حساب الاحتياجات المدنية.

الثاني هو أنّ بوتين مقتنع بأن الصين والهند هما شريان اقتصاد الحرب الروسية، ولن يلقيا ببلاده تحت عجلات الريح. يبدو من غير المرجح أن تتخلى نيودلهي عن موسكو على الرغم من التعرفة الجمركية البالغة 25% التي فرضها ترامب لمعاقبتها على تعاملها التجاري مع روسيا. وقد هددت الصين بالرد إذا حاولت الولايات المتحدة إجبارها على الانفصال عن الكرملين.

العامل الأخير يظهر أنّ الكرملين مقتنع أيضاً بأنّ ديناميكيات ساحة المعركة تميل إلى مصلحته، وأنّ خسائر أوكرانيا في حرب الاستنزاف هذه قد تتسارع قريباً. ولا يقتصر الأمر على قيام روسيا بتوسيع إنتاجها من الطائرات المسيرة بشكل هائل، بل إنّ اختراقها الأخير قرب مدينة بوكروفسك ذات الأهمية الاستراتيجية في دونباس، والتي سارعت كييف إلى إصلاحها، يشير إلى تفاقم مشكلة القوى العاملة الملحة التي تواجهها كييف.

يأتي تقدم روسيا بتكلفة باهظة، لكنّ بوتين يعتقد أنّه مستدام ما دامت موسكو تحافظ على تفوقها البشري. وقد بدأ الكرملين مؤخراً بإصدار أوراق تجنيد عبر الإنترنت ومعاقبة من لا يحضر، وهو مستعد للاعتماد بشكل متزايد على أدوات الضغط بدلاً من الحوافز المالية المتناقصة للحفاظ على عملية التجنيد.

وتعتقد موسكو أنّها تستطيع إبقاء ترامب مهتماً بالصفقة لفترة كافية تسمح للقوات الروسية بتدمير مواقع أوكرانية رئيسية. إن التنازلات التي تطالب بها روسيا من أوكرانيا، وفي مقدمتها تسليم أجزاء محصنة من دونباس تحت السيطرة الأوكرانية، غير مقبولة لدى زيلينسكي لأسباب عسكرية وأخلاقية وسياسية.

ولكي تفكر كييف في اتفاق سلام، يجب أن يستند إلى ضمانات أمنية موثوقة تمنع روسيا من إعادة غزوها. ما طرحه بوتين لجذب انتباه ترامب هو فخ مألوف نصبته موسكو لأول مرة في ربيع عام 2022، حين قدمت الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وبعض الدول الأخرى وعداً جماعياً بمساعدة أوكرانيا على الصمود في وجه أي غزو أجنبي، لكن هذا يمنح موسكو حقّ النقض على تنفيذه.

وفي مقابل هذا الضمان الزائف، تريد روسيا تفكيك أدوات أوكرانيا الحقيقية للحفاظ على سيادتها، وقواتها المسلحة، وصناعتها العسكرية، وتعاونها الدفاعي مع الغرب. لهذا السبب، لن يقبل الكرملين فكرة نشر قوة طمأنة أوروبية في أوكرانيا بعد وقف إطلاق النار لضمان السلام. مع هذه المواقف المتباينة، واستمرار قدرة كلا الجانبين على القتال، من المرجّح أن تستمرّ الحرب، حتى لو بدأت روسيا وأوكرانيا المفاوضات رفيعة المستوى التي اقترحها ترامب. والحقيقة المرة هي أن المحادثات ستصاحبها معارك قد تستمرّ لأشهر أو سنوات.

من المستحيل التكهن برد فعل ترامب عندما يكتشف أنّ المفاوضات لا تحقق السلام.

نقله إلى العربية: حسين قطايا.