تحقيق: ما العلاقة بين الاستخبارات الأميركية والموساد وعائلة ماكسويل وإبستين؟

تتمتع عائلة ماكسويل بعلاقات واسعة النطاق مع السلطة في الولايات المتحدة و"إسرائيل".

  • غيسلين ماكسويل وجيفري إبستين
    غيسلين ماكسويل وجيفري إبستين

موقع "Mintpress News" ينشر تحقيقاً يتناول فيه عائلة ماكسويل ونفوذها الواسع في السياسة والإعلام والاستخبارات بين الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل"، من خلال تفكيك أدوار أبرز أفرادها وعلاقتهم بفضيحة جيفري إبستين.

أدناه نص التحقيق منقولاً إلى العربية:

مع تزايد التكهنات بإمكانية عفو ترامب عنها، يسلط موقع "Mintpress" الضوء على عائلة غيسلين ماكسويل، المُدانَة بالاتجار بالبشر. بدءاً من والدها، قطب الإعلام، الذي عمل جاسوساً رفيع المستوى لـ"إسرائيل"، وشقيقتها التي تعمل على دعم مصالح تل أبيب في وادي السيليكون، وإخوتها الذين أسسوا مركزاً بحثياً مشكوكاً فيه ولكنه مؤثر للغاية، ومعادٍ للتطرف الإسلامي، وأبناء إخوتها الذين يشغلون مناصب مؤثرة في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، تتمتع عائلة ماكسويل بعلاقات واسعة النطاق مع السلطة في الولايات المتحدة و"إسرائيل". إليكم قصتها:

إطلاق سراح غيسلين.. ودفن ملفات إبستين

تتزايد التكهنات بإمكانية إطلاق سراح غيسلين ماكسويل قريباً. ورغم أنّ حملتها الانتخابية كانت مبنية على وعد بالإفراج عن ملفات إبستين، إلا أنّ هناك دلائل متزايدة على أنّ إدارة ترامب تدرس العفو عن أشهر مُدانة بالمتاجرة بالجنس في العالم.

في الشهر الماضي، رفض ترامب (الذي فكّر في الفكرة في ولايته الأولى) مراراً استبعاد العفو، مُصرّحاً للصحافيين: "مسموح لي بذلك". بعد أيام قليلة، نُقلت ماكسويل عبر الولايات إلى منشأة أمنية مُؤهّلة في برايان، تكساس، وهي خطوة غير مألوفة على الإطلاق. لا يُسمح عادةً بنقل النساء المُدانات بجرائم جنسية، ولا اللواتي تبقى على عقوبتهن أكثر من 10 سنوات، إلى مثل هذه المنشآت. أثارت هذه الخطوة قدراً مماثلاً من التكهنات والغضب.

جاء قرار نقل ماكسويل بعد أن بدأ شخص ما - ربما مصدر داخل فريقها نفسه - بتسريب أدلة مُجرّمة ومُحرجة تربط ترامب بإبستين. تضمنت هذه الرسائل بطاقة عيد ميلاد أرسلها ترامب إلى إبستين، تحمل صورة امرأة عارية مرسومة يدوياً، مصحوبة بنص: "عيد ميلاد سعيد.. وعسى أن يكون كل يوم سراً رائعاً آخر".

لسنوات، ساعدت ماكسويل شريكها جيفري إبستين في الاتجار بالفتيات والشابات واغتصابهن، ما أدّى إلى إنشاء شبكة ضخمة للجرائم الجنسية. وكان من بين شركاء إبستين مليارديرات وعلماء ومشاهير وسياسيين، بمن فيهم الرئيس ترامب، الذي اعتبره "أقرب أصدقائه".

في عام 2021، بعد عامين من وفاة إبستين الغامضة في سجن مانهاتن، أُدينت ماكسويل بجرائم الاتجار الجنسي بالأطفال، وحُكم عليها لاحقاً بالسجن لمدة 20 عاماً.

أثار خبر إفراج ترامب قريباً عن هذه المجرمة سيئة السمعة موجة من الصدمة في صفوف قاعدته الانتخابية، وتسبب في توجيه اتهامات لها بالفساد الصارخ من وسائل الإعلام. كان عنوان أحد المقالات في صحيفة ذا هيل: "هل من سبب للعفو عن غيسلين ماكسويل سوى شراء صمتها؟". في غضون ذلك، ندد تيم هوجان، كبير مستشاري اللجنة الوطنية الديمقراطية، بما زعم أنه "تستر حكومي في الوقت الفعلي". وقال: "قام مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لدونالد ترامب، والذي يديره كاش باتيل الموالي له، بحذف اسم ترامب من ملفات إبستين التي لم تُنشر بعد".

روبرت ماكسويل: قطب إعلامي وعميل إسرائيلي

في حين سُلط الضوء على العديد من جرائم غيسلين ماكسويل، إلا أنّ صلات عائلتها العديدة بكل من الولايات المتحدة و"إسرائيل"، أقل شهرة. ومن أبرز هذه الصلات، علاقات والدها، قطب الإعلام المدان ورائد الأعمال التقني، روبرت ماكسويل.

كان ماكسويل لاجئاً يهودياً فرّ من احتلال هتلر لبلده تشيكوسلوفاكيا، وقاتل في صفوف بريطانيا ضد ألمانيا. بعد الحرب العالمية الثانية، استغل صلاته التشيكية للمساعدة في تهريب الأسلحة إلى دولة "إسرائيل" الناشئة، أسلحة ساعدتهم على الانتصار في حرب 1948 وتنفيذ النكبة، التطهير العرقي لنحو 800 ألف فلسطيني.

يكتب كاتبا سيرة ماكسويل، غوردون توماس ومارتن ديلون، أنه جُنّد من قبل الاستخبارات الإسرائيلية في ستينيات القرن الماضي، وبدأ بشراء شركات التكنولوجيا الإسرائيلية. استخدمت "إسرائيل" هذه الشركات وبرامجها لتنفيذ عمليات تجسس وعمليات سرية أخرى حول العالم. كوّن ماكسويل إمبراطورية تجارية ضخمة تضم 350 شركة، ويعمل بها 16,000 موظف. امتلك مجموعة من الصحف، منها صحيفة "نيويورك ديلي نيوز"، وصحيفة "ديلي ميرور" البريطانية، وصحيفة "معاريف" الإسرائيلية، إضافة إلى بعضٍ من أكثر دور نشر الكتب والأبحاث تأثيراً في العالم.

مع القوّة التجارية، جاءت القوة السياسية. انتُخب عضواً في البرلمان البريطاني عام 1964، وكان من أقرب أصدقائه وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر ورئيس الوزراء السوفياتي ميخائيل غورباتشوف.

استغل هذا النفوذ لخدمة المصالح الإسرائيلية، حيث باع برمجيات إسرائيلية لجمع المعلومات الاستخبارية لروسيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول أخرى عديدة. تضمنت هذه البرمجيات بوابة خلفية إسرائيلية سرية سمحت لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، الموساد، بالاطلاع على معلومات سرية جمعتها حكومات ووكالات استخبارات حول العالم.

في الوقت نفسه، كانت "إسرائيل" تُوسّع قدراتها التجسسية، وكانت تُطوّر برنامجاً سرياً للأسلحة النووية. وقد كشف ناشط السلام الإسرائيلي مردخاي فعنونو عن هذا المشروع، إذ سرّب أدلةً للصحافة البريطانية عام 1986. تجسس ماكسويل، أحد أقوى أقطاب الصحافة في بريطانيا، على فعنونو، مُمرّراً صوراً ومعلوماتٍ أخرى إلى السفارة الإسرائيلية، وهي معلوماتٌ استخباريةٌ أدّت إلى اختطاف فعنونو دولياً على يد الموساد، ثم سجنه لاحقاً.

أحاط بوفاته أيضاً جدلٌ واسع، على غرار وفاة إبستين. ففي عام 1991، عُثر عليه جثة هامدةً في المحيط، فيما اعتبرته السلطات حادثاً غريباً، حيث سقط رجل الأعمال من يخته الفاخر. وحتى يومنا هذا، لا يزال أبناؤه منقسمين حول اعتقادهم بأنه قُتل.

وكادت الشائعات القائلة بأنّ ماكسويل كان، لعقود، يعمل "جاسوساً خارقاً" إسرائيلياً تُؤكّدها جنازته الرسمية الفخمة في القدس. وقد دفن جثمانه في جبل الزيتون، أحد أقدس المواقع في اليهودية.

حضر الحفل تقريباً جميع نخبة المجتمع الإسرائيلي، من الحكومة والمعارضة على حدٍّ سواء، بما في ذلك ما لا يقل عن ستة من رؤساء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية الأحياء. وألقى الرئيس حاييم هرتسوغ بنفسه كلمة التأبين. كما ألقى رئيس الوزراء إسحاق شامير كلمةً في الحفل، قائلاً: "لقد قدّم روبرت ماكسويل لإسرائيل أكثر مما يمكن قوله اليوم".

أما في المملكة المتحدة، فلا يذكر ماكسويل بحفاوة تذكر. كان ماكسويل، الرجل ذو السمعة المرعبة، يدير أعماله الإعلامية بقبضة من حديد، على غرار روبرت مردوخ (وهو شخص آخر وثيق الصلة بإسرائيل). بعد وفاته، تبيّن أنه سرق أكثر من 500 مليون دولار من صندوق معاشات موظفيه لإنقاذ شركاتٍ أخرى مفلسة في إمبراطوريته، مُخلفاً وراءه العديد من خطط التقاعد لقواه العاملة في حالة من الفوضى.

إيزابيل ماكسويل: امرأة إسرائيلية في وادي السيليكون

حتى قبل نشرها، تمكنت إيزابيل ماكسويل، ابنة روبرت وشقيقة غيسلين الكبرى، من الحصول على نسخة من سيرة توماس وديلون الذاتية. وسافرت على الفور إلى "إسرائيل"، بحسب ما ذكرت صحيفة "التايمز" اللندنية، حيث عرضتها على "صديق العائلة" ونائب مدير الموساد، ديفيد كيمحي.

تمتّعت إيزابيل بمسيرة مهنية طويلة وناجحة في قطاع التكنولوجيا. في عام 1992، أسست مع شقيقتها التوأم كريستين شركة طوّرت أحد أوائل محركات البحث على الإنترنت.

لكن بعد فضيحة المعاشات التقاعدية، حوّلت هي وإخوتها تركيزهم إلى إعادة بناء جميع جوانب إمبراطورية أعمال والدهم المنهارة. باعت الشقيقتان محرك البحث، محققتين أرباحاً طائلة.

كما ذكرت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، قررت إيزابيل عام 2001 تكريس حياتها لخدمة مصالح "إسرائيل"، متعهدةً بالعمل "فقط على ما يتعلق بإسرائيل" لأنها "تؤمن بإسرائيل". وصفتها الصحافية السابقة في "مينتبريس" والمراسلة الاستقصائية ويتني ويب بأنها "بوابة إسرائيل الخلفية إلى وادي السيليكون"، وقد حوّلت نفسها إلى سفيرة رئيسية للبلاد في عالم التكنولوجيا.

كتبت صحيفة الأعمال المحلية "غلوبس": "أوجدت ماكسويل لنفسها مكانة فريدة في مجال التكنولوجيا كحلقة وصل بين الشركات الإسرائيلية في مراحل التطوير الأولية والمستثمرين الملائكيين من القطاع الخاص في الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تساعد الشركات الأميركية المهتمة بفتح مراكز تطوير في إسرائيل".

تُعرف "إسرائيل" بأنها مصدر الكثير من برامج التجسس وأدوات القرصنة الأكثر إثارة للجدل في العالم، والتي تستخدمها الحكومات القمعية في جميع أنحاء العالم لمراقبة المعارضين السياسيين ومضايقتهم وحتى قتلهم. ويشمل ذلك برنامج "بيغاسوس"، الذي استخدمته حكومة المملكة العربية السعودية لتتبع الصحافي في صحيفة "واشنطن بوست"، جمال خاشقجي، قبل اغتياله في تركيا.

اعتمدت إيزابيل على علاقات والدها السياسية. وشمل ذلك بناء علاقات وثيقة مع عدد لا يُحصى من القادة الإسرائيليين، بمن فيهم إيهود أولمرت وإيهود باراك، أحد أقرب مساعدي جيفري إبستين.

خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت مشاركةً دائمةً في مؤتمر هرتسليا، وهو تجمع سنوي مغلق يضم كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين والاستخباريين في الغرب، إضافة إلى كونها رائدةً في مجال التكنولوجيا في المنتدى الاقتصادي العالمي.

كما عُيّنت عضواً في مجلس إدارة مركز شمعون بيريز للسلام والابتكار، الممول من الحكومة الإسرائيلية، ومجلس إدارة جمعية الأصدقاء الأميركيين لمركز إسحاق رابين للدراسات الإسرائيلية، وهما منظمتان مرتبطتان ارتباطاً وثيقاً برئيسي الوزراء الإسرائيليين السابقين.

في عام 2001، أصبحت إيزابيل الرئيسة التنفيذية لشركة "iCognito"، وقبلت المنصب، على حد تعبيرها، "لأن الشركة موجودة في "إسرائيل"، وبفضل تقنيتها المتطورة". كانت التقنية المعنية تهدف إلى حماية الأطفال على الإنترنت، وهو أمر مثير للسخرية، بالنظر إلى أنّ شقيقتها كانت تتاجر بالقاصرين وتسيء معاملتهم طوال تلك الفترة.

في عام 1997، عُيّنت إيزابيل رئيسة لشركة "Commtouch" الإسرائيلية للأمن التقني. بفضل علاقاتها، تمكنت "Commtouch "من تأمين استثمارات من العديد من أبرز اللاعبين في وادي السيليكون، بما في ذلك بيل غيتس، وهو شريك مقرب من عائلة ماكسويل وجيفري إبستين نفسه.

كريستين ماكسويل: هل تُموّلها "إسرائيل"؟

كريستين، شقيقة إيزابيل التوأم، ليست أقلّ إنجازاً. فهي خبيرة مخضرمة في قطاعي النشر والتكنولوجيا، وشاركت في تأسيس شركة تحليل البيانات "شيلياد". وبصفتها الرئيسة التنفيذية، أسهمت في الإشراف على إنتاج قاعدة بيانات ضخمة "لمكافحة الإرهاب" باعتها الشركة لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) خلال ذروة "الحرب على الإرهاب". ساعد هذا البرنامج إدارة بوش في قمع المسلمين الأميركيين وانتهاك الحريات المدنية المحلية في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر وقانون باتريوت. واليوم، ترأس كريستين شركة أخرى للبيانات الضخمة، وهي "تكتونيك إنسايت".

ومثل شقيقتها ووالدها، تربط كريستين علاقة وثيقة بدولة "إسرائيل". وهي حالياً زميلة في معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات (ISGAP)، حيث ورد في سيرتها الذاتية:

"تعمل على تعزيز البحث الأكاديمي المبتكر الذي يوظف التقنيات المُمكنة لتعزيز الفهم الاستباقي ومواجهة المخاطر الجسيمة لمعاداة السامية المعاصرة، وتعزيز أهمية الهولوكوست في القرن الحادي والعشرين وما بعده".

يضم مجلس إدارة معهد دراسة معاداة السامية العالمية والسياسات نخبة من مسؤولي الأمن القومي الإسرائيليين. ومن بينهم ناتان شارانسكي، وزير الداخلية السابق ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي، والعميد سيما فاكنين-جيل، رئيس الرقابة السابق في "الجيش" الإسرائيلي والمدير العام لوزارة الشؤون الاستراتيجية والدبلوماسية. كما يضم المجلس محامي جيفري إبستين، آلان ديرشويتز.

كان مركز الأبحاث هذا طرفاً رئيسياً في قرار الحكومة الأميركية بقمع احتجاجات غزة عام 2024 في جميع أنحاء الجامعات. أصدر المركز تقارير تربط قادة الطلاب بمنظمات إرهابية أجنبية، وروّج لمزاعم مشكوك فيها حول موجة معاداة السامية التي تجتاح الجامعات الأميركية. واجتمع المركز بشكل متكرر مع قادة الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وحثهم على "التحقيق" (أي قمع) قادة التظاهرات.

ودأب مركز "ISGAP" على التحذير من النفوذ الأجنبي في الجامعات الأميركية، حيث أصدر تقارير وعقد ندوات تُفصّل سيطرة قطر المزعومة على نظام التعليم العالي الأميركي، وربط ذلك بتنامي المشاعر المعادية لـ "إسرائيل" بين الشباب الأميركي.

ومع ذلك، إذا رغب مركز "ISGAP" في التحقيق في عمليات نفوذ حكومية أجنبية أخرى، فلن يحتاج إلى البحث بعيداً، لأن تمويله يأتي في الغالب من مصدر واحد: "إسرائيل". في عام 2018، كشف تحقيقٌ أن وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية (التي كانت ترأسها آنذاك العميد فاكنين-جيل) حوّلت 445 ألف دولار أميركي إلى منظمة "ISGAP"، وهو مبلغ يُمثل ما يقرب من 80% من إجمالي إيراداتها في ذلك العام. ولم تُفصح المنظمة عن هذه المعلومات للجمهور أو للحكومة الفيدرالية.

في ذروة القلق بشأن التدخل الأجنبي في السياسة الأميركية، لم يُثر الخبر اهتماماً يُذكر. ومنذ ذلك الحين، واصلت الحكومة الإسرائيلية تمويل المنظمة بملايين الدولارات. ففي عام 2019، على سبيل المثال، وافقت على منحة تزيد على 1.3 مليون دولار أميركي لمنظمة "ISGAP". وبالتالي، فإن كريستين ماكسويل، بصفتها زميلة في المنظمة، هي المستفيدة المباشرة من أموال الحكومة الإسرائيلية.

الجيل الثالث من عائلة ماكسويل: العمل في الحكومة الأميركية

بينما كانت بنات روبرت ماكسويل على صلة وثيقة بسلطة الدولة، شغل بعض أفراد الجيل الثالث من العائلة مناصب في الحكومة الأميركية نفسها. بعد تخرجه من الجامعة بفترة وجيزة، عمل أليكس جيراسي (الابن الوحيد لإيزابيل ماكسويل) لدى هيلاري كلينتون في حملتها الرئاسية 2007-2008. صاغ جيراسي المذكرات والإحاطات وأوراق السياسات لفريق كلينتون، وساعدها في إعدادها لأكثر من 20 مناظرة.

ترتبط عائلتا كلينتون وماكسويل ارتباطاً وثيقاً. قضت غيسلين إجازة مع تشيلسي، ابنة هيلاري، وظهرت بشكل بارز في حفل زفافها. دُعيت هي وجيفري إبستين عدة مرات إلى البيت الأبيض في عهد كلينتون. بعد فترة طويلة من سجن إبستين، دعا الرئيس بيل كلينتون غيسلين إلى عشاء حميم معه في مطعم فاخر في لوس أنجلس.

رغم فشل مساعيها للوصول إلى البيت الأبيض، عيّن الرئيس أوباما هيلاري كلينتون وزيرةً للخارجية، وكان من أوائل قراراتها تعيين جيراسي في فريقها. ترقّى جيراسي سريعاً في المناصب، ليصبح رئيساً لهيئة موظفي مكتب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى. وفي هذا المنصب، تخصص في تطوير سياسة الولايات المتحدة تجاه "إسرائيل" وإيران، كما عمل على الاحتلال الأميركي للعراق، ورافق كلينتون في زياراتها لـ "إسرائيل" والعالم العربي.

أثناء عمله في وزارة الخارجية، شغل جيراسي منصب ممثل الحكومة الأميركية في مؤتمري أصدقاء ليبيا وأصدقاء الشعب السوري. وهما منظمتان من جماعات متشددة تعملان على إطاحة هاتين الحكومتين، واستبدالهما بأنظمة صديقة للولايات المتحدة. وقد حصلت واشنطن على ما أرادت. ففي عام 2011، أُطيح الزعيم الليبي العقيد القذافي، وقُتل، وحل محله أمراء حرب إسلاميون. وفي كانون الأول/ديسمبر الماضي، فرّ الرئيس السوري بشار الأسد إلى روسيا وجرى استبداله بمؤسس تنظيم القاعدة في سوريا أبو محمد الجولاني.

عُيّن جيراسي لاحقاً مساعداً في مؤسسة "كارنيغي" للسلام، وهي مؤسسة بحثية ممولة من الحكومة الأميركية. وخلال عمله هناك، تخصص مجدداً في سياسة الشرق الأوسط، وتشير سيرته الذاتية إلى أنه "عمل على قضايا تتعلق بالديمقراطية والمجتمع المدني في العالم العربي، والانتفاضات العربية، والسلام الإسرائيلي الفلسطيني". ويعمل اليوم في وادي السيليكون.

في حين ارتبطت حظوظ جيراسي بجناح كلينتون في الحزب الديمقراطي، إلا أن ابن عمه كزافييه مالينا (الابن الأكبر لكريستين ماكسويل) راهن على الخيار الصحيح، حيث عمل في حملة أوباما-بايدن الرئاسية عام 2008.

وتم تكريمه على عمله الجيد بمنصب في البيت الأبيض نفسه، حيث أصبح مساعداً للموظفين في المكتب التنفيذي للرئيس. ومثل ابن عمه، بعد انتهاء فترة ولايته، حصل مالينا أيضاً على منصب في مؤسسة كارنيغي للسلام قبل أن يتجه إلى عالم التكنولوجيا، حيث عمل لسنوات عديدة في جوجل في منطقة خليج سان فرانسيسكو. يعمل حالياً في شركة "ديزني".

مع أنّ تصرفات الآباء والأجداد ينبغي ألّا تُحدد مسار الأجيال اللاحقة، إلا أنّ وصول شخصين، ينتميان إلى عائلة متعددة الأجيال من الجواسيس والعملاء غير التائبين لقوة أجنبية، إلى مناصب في قلب الدولة الأميركية، أمرٌ جديرٌ بالملاحظة على أقل تقدير.

الأخوان ماكسويل: من الإفلاس إلى مكافحة الإرهاب

يتمتع جزء كبير من عائلة ماكسويل بنفوذ كبير في السياسة الأميركية والإسرائيلية. ومع ذلك، يتمتع الأخوان إيان وكيفن بنفوذ كبير في شؤون بلدهما بريطانيا العظمى. فعلى الرغم من تبرئتهما من التهم الموجهة إليهما على نطاق واسع بمساعدة والدهما، روبرت، على نهب أكثر من 160 مليون دولار من صندوق معاشات موظفيه، إلا أنّ الأخوين ظلّا بعيدين عن الأضواء لسنوات عديدة. ولم يكن كيفن، على وجه الخصوص، معروفاً بأكثر من كونه أكبر مُفلس في تاريخ بريطانيا، بديون تجاوزت نصف مليار دولار.

ومع ذلك، في عام 2018، أطلقا مركز "مكافحة الإرهاب والتطرف الجهادي" (CoJiT)، وهو مركز أبحاث مثير للجدل يدعو إلى نهج حكومي أكثر تدخلاً وصرامةً في التعامل مع قضية "الإسلام المتطرف"، وذلك دفع نحو مراقبة أوسع نطاقاً للمجتمعات الإسلامية.

داخل بريطانيا، كانت "كوجيت" منظمةً شديدة التأثير. يتألف مجلس تحريرها ومساهموها من نخبة من كبار مسؤولي الدولة. ومن بين الأفراد الذين شاركوا في مؤتمرها الافتتاحي في لندن عام 2018، سارة خان، المفوضة الرئيسية لمكافحة التطرف في الحكومة، وجوناثان إيفانز، المدير العام السابق لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (MI5).

إبستين سيئ السمعة

لسنوات، أدار كلٌّ من غيسلين ماكسويل وجيفري إبستين شبكةً للاتجار بالبشر لأغراض جنسية، استغلت مئات الفتيات والشابات. كما ارتبطا بشبكات واسعة من النخبة العالمية، من بينهم أصحاب أعمال مليارديرات، وأفراد من العائلة المالكة، وأكاديميون بارزون، وقادة أجانب، من بين أقرب معارفهما، ما أثار تكهناتٍ واسعة حول مدى تورطهما في جرائمهما العديدة.

لا يزال من غير الواضح متى التقى إبستين بآل ماكسويل لأول مرة، حيث يزعم البعض أنّ روبرت ماكسويل هو من جنّده في الاستخبارات الإسرائيلية. بينما يقول آخرون إنّ العلاقة لم تبدأ إلا بعد وفاة روبرت، عندما أنقذ العائلة من الفقر المدقع بعد مشاكلها المالية.

بعد شهر واحد فقط من اعتقاله عام 2019، عُثر على إبستين ميتاً في زنزانته في سجن مدينة نيويورك. وُصفت وفاته رسمياً بأنها انتحار، على الرغم من رفض عائلته هذا التفسير.

لعل أقوى شخصين في دائرة إبستين المقربة هما الرئيسان بيل كلينتون ودونالد ترامب. ومن المعروف أنّ كلينتون، الذي اشتهر بالفعل باتهامات عديدة بسوء السلوك الجنسي ضده، سافر على متن طائرة إبستين الخاصة، الملقبة بـ "لوليتا إكسبريس"، 17 مرة على الأقل، واتهمته ضحية إبستين، فيرجينيا جيوفري، بزيارة جزيرة ليتل سانت جيمس، مقر الإقامة الخاص للملياردير في منطقة البحر الكاريبي، حيث وقع العديد من أسوأ جرائمه.

يمكن القول إنّ ترامب كان أقرب إلى رجل المال المدان. قال في عام 2002: "أعرف جيف منذ خمسة عشر عاماً. رجل رائع. إنه شخص ممتع للغاية. يُقال إنه يُحب النساء الجميلات بقدر ما أُحب، وكثيرات منهن أصغر سناً. لا شك في ذلك". ومثل كلينتون، سافر ترامب على متن طائرة لوليتا إكسبريس. حضر إبستين حفل زفافه من مارلا مابلز عام 1993، وادعى أنه عرّفه على زوجته الثالثة، ميلانيا.

للأسف، في حين أنّ علاقات إبستين تُجرّم الطيف السياسي بأكمله، غالباً ما تُصوَّر التغطية الإعلامية على أنها قضية حزبية. وجدت دراسة أجراها "مينت برس" لأكثر من عام من تغطية إبستين على قناتي "إم إس إن بي سي" و"فوكس نيوز" أنّ كل شبكة قللت من شأن صلاته برئيسها المُفضّل، بينما شددت على صلاته بزعيم الحزب الرئيسي الآخر. ونتيجة لهذا، يرى كثيرون في الولايات المتحدة أن هذه القضية هي بمنزلة اتهام لمنافسيهم السياسيين، وليس للنظام السياسي ككل.

لا يزال هناك سؤال حول صلات إبستين بالاستخبارات، وهو أمرٌ تكهنت به وسائل الإعلام علناً لعقود، حتى قبل سنوات من نشر أي ادعاءات ضده. أشارت كاتبة سيرة إبستين، جولي ك. براون، إلى أنه طوال التسعينيات، تفاخر علناً بعمله مع كلٍّ من وكالة الاستخبارات المركزية والموساد، على الرغم من أن صحة ادعاءاته لا تزال موضع شك. وكما كتبت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية عام 2000: "إنه السيد الغامض. لا أحد يعرف إذا ما كان عازف بيانو، أو مطوراً عقارياً، أو عميلاً في وكالة الاستخبارات المركزية، أو مدرس رياضيات، أو عضواً في الموساد". من المحتمل أن يكون هناك قدرٌ من الحقيقة في جميع هذه الهويات.

التقى إبستين بنائب وزير الخارجية الأميركي ويليام بيرنز ثلاث مرات عام 2014. عُيّن بيرنز لاحقاً مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية. ومع ذلك، فإن قرب بيرنز من إبستين يتضاءل مقارنةً بقرب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، ووزير الخارجية، ووزير الدفاع، إيهود باراك. بين عامي 2013 و2017 وحدهما، عُرف أن باراك سافر إلى مدينة نيويورك والتقى بالمجرم المُدان 30 مرة على الأقل، وكان يصل أحياناً إلى قصره في مانهاتن متخفياً أو مرتدياً قناعاً لإخفاء هويته.

وعلقت مصادر عديدة على علاقات إبستين بالاستخبارات الإسرائيلية. وشهدت صديقة سابقة له وضحية له، أُشير إليها في وثائق المحكمة باسم "جين دو 200" لإخفاء هويتها، أنّ إبستين تفاخر بكونه عميلاً في الموساد، وأنها بعد أن اغتصبها، لم تستطع الذهاب إلى الشرطة لأن منصبه كجاسوس جعلها تخشى على حياتها.

وورد في ملف المحكمة: "كانت دو تعتقد حقاً أنّ أي إبلاغ عن الاغتصاب من قِبل من اعتقدت أنه عميل في الموساد يتمتع ببعضٍ من أكثر الصلات غرابة في العالم سيؤدي إلى إصابتها بأذى جسدي كبير أو وفاتها".

زعم آري بن ميناشي، المسؤول الكبير السابق في مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، أنّ إبستين كان جاسوساً وأنه وجيسلين ماكسويل كانا يديران عملية نصب واحتيال لمصلحة "إسرائيل". وذكرت أربعة مصادر (مجهولة) لمجلة رولينج ستون أنّ إبستين عمل بشكل مباشر مع الحكومة الإسرائيلية.

وعلى عكس معظم أفراد عائلة ماكسويل، فإن صلاته بـ "إسرائيل" وأجهزة الاستخبارات تستند إلى حد كبير على شهادات وروايات غير موثّقة. وكانت رحلته الوحيدة المعروفة إلى البلاد في أبريل/نيسان 2008، قبيل صدور الحكم عليه، وهي خطوة أثارت مخاوف من سعيه للجوء إلى هناك. ومع ذلك، كانت هناك تكهنات عامة مكثفة بأنه ربما كان يعمل لصالح تل أبيب. 

وأياً كانت حقيقة إبستين، فلا جدال في أنّ عائلة ماكسويل القوية تربطها صلات واسعة النطاق بالسلطة في الولايات المتحدة وبريطانيا و"إسرائيل". ولا شك أيضاً في أنه إذا ما نُشرت القصة الكاملة لأنشطتهم للجمهور، فإنها ستُجرّم عدداً كبيراً من أقوى الشخصيات والمنظمات في العالم. ولعل هذا هو السبب في أن ترامب، في وقت قصير، تحول من وعده بنشر ملفات إبستين إلى احتمال إطلاق سراح شريكه.

نقلته إلى العربية: بتول دياب.